رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5934 - 2018 / 7 / 15 - 17:37
المحور:
الادب والفن
الخفة في قصيدة
"بين الفاء وبين النون"
مازن دويكات
عندما تجتمع السهولة والبساطة لنتقدم من العمق، من الجوهر، بالتأكيد نكون أمام حالة استثنائية، أمام أسلوب مميز، هذا ما يفعل الشاعر "مازن دويكات، الذي تميز بقدرته على كتابة الومضات والأدب الساخر، يفتتح الشاعر قصيدته:
"بين" الفاءِ" وبين" النونِ
رأيتكِ يا كاملة الأوصافْ"
من خلال هذين الحرفين يبدأ المتلقي بالبحث عما بينهما من حروف، وهنا تحدث عملية التفكير، التوقف، فنحن أمام سؤال وعلينا أن نجيب عليه، وبما أن الحديث يدور حول "كاملة الأوصاف" فهي تشير إلى هناك أنثى، إلى المرأة وهذا يجعل المتلقي يتقدم أكثر إلى تلك تفاصيل المتعلقة ب"كاملة الأوصاف"، وبعد هذه الإثارة وهذه الوقفة يسهل الشاعر علينا هذه الاحجية فيقربنا أكثر من الاجابة من خلال المقطع التالي والذي جاء:
"كان المتوسطُ بينَ يديكِ
يقبلُ أغصانَ الزيتونِ
ويداعبُ أوراقَ الصفصافْ"
الشاعر يقربنا من مكان، فيجعلنا نتجه نحو الجغرافيا، وعندما ذكر "الزيتون" حدده أكثر، وعندما أضاف "الصفصاف" اعطنا اشارة إلى أنه مكان يقع على شرق المتوسط.
بعد درس الجغرافيا يقربنا مرة ثانية من درس الحروف واللغة، يقول:
ورأيتُ "اللامَ" على شفتيكِ تحوّل "لا""
و"السين" المسنونةُ سهمٌ
في الأحشاءِ وفي الأطرافْ
و"الطاء" طيورٌ جارحةٌ تنقرُ في الليلِ
عيون الحرسِ الأجلافْ
و"الياءُ" يمامٌ يهدلُ فوقَ الشرفات
وعلى الأعرافْ"
إذن من خلال تجميع الأحرف يتكون الكلمة "فلسطين"، والجميل في الأمر أنه قدمها لنا بطريقة بسيطة وسهلة، لكنها عميقة، تجعلنا نتقدم من "فلسطين" وما يحدث فيها، فهناك سهم يخترق الاحشاء، وطيور تنهش اللحم، وحمامة ما زالت تهدل بالحنين، أليس هذا واقع فلسطين؟.
يعيدنا الشاعر إلى الاحجية من خلال:
"جئتُ وفي شفتي كلمةٌ
وأخافُ إذا بحتُ بها كاملة
والله أخافْ"
فلماذا هذا الخوف؟، وما الداعي له؟، وهل هو خوف حقيقي؟، أم خوف مجازي؟، لنستمع إلى تتمة الاحجية:
"فلذا سأهربها حرفاً حرفاً
كالسلعِ الممنوعة والعملةِ,
حينَ يهربها الصرّافْ"
يبدو أن هناك كلام ممنوع، لهذا نجد الشاعر يتخذ كل الاحتياطات الآزمة لإيصاله وتقديمه سالما:
": اقتربي مني يا سيدتي واستمعي"
الشاعر يحيرنا أكثر من خلال "اقتربي لسيدتي" ولكنه في ذات الوقت يقربنا من النص أكثر من خلال مخاطبته للمرأة التي تستهوينا، فماذا سيقول لها؟:
"ألفٌ...حاءٌ...باءْ...كافْ"
الجميل في تقطيعات الشاعر لكلمة "أحبك" أنها جاءت مزدوجة الدلالة، "أحبك فلسطين، أحبك سيدتي/امرأتي" بهذه الطريقة يمتعنا الشاعر "مازن دويكات" بشعره السلس والسهلة، ويستوقفنا بعمق الأفكار التي يحملها.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟