|
نقد سيميولوجى (تطبيقات) تحليل البنية الدلالية للعرض المسرحى -الملك هو الملك-
ابراهيم حجاج
الحوار المتمدن-العدد: 5921 - 2018 / 7 / 2 - 06:07
المحور:
الادب والفن
د ابراهيم حجاج استاذ مساعد النقد والدراما بقسم الدراسات المسرحية كلية اداب جامعة الاسكندرية. تقوم مسرحية "الملك هو الملك" على فكرة المزاوجة بين التراث العربى والهموم السياسية والاجتماعية المعاصرة، حيث استلهم الكاتب السورى "سعد الله ونوس´مسرحيته – التى كتبها عام 1978 – من إحدى حكايات " ألف ليلة وليلة"، تلك التى تروى "كيف أن هارون الرشيد قد ضجر ذات مرة فقرر أن يصطحب وزيره فى جولة ليلية، سمعا خلالها من يقول "آه لو كنت ملكا، لأقمت العدل بين الناس، وفعلت كذا وكذا، فيقرر الخليفة أن يأخذ الرجل إلى قصره، وأن يجعل منه خليفة لمدة يوم واحد."( ). وقد نسج "ونوس" مسرحيته من خيوط تلك الحكاية الشعبية ولكنه زودها بمضامين عصرية ورؤى سياسية تمس واقعنا الحاضر. يطالعنا المشهد الافتتاحى فى العرض المسرحى "الملك هو الملك"(--------------) بجماعة شابة معاصرة تستشعر محنة مزدوجة (ذاتية، جماعية) فى ظل بنية سلطوية مستبدة على رأسها ملك عابث ظالم. وتستعرض الجماعة هذه المحنة من خلال حكاية تراثية شعبية تحكى عن ملك يضجر هو الآخر ويقرر أن يعابث رعيته، حتى يذهب عن نفسه السأم، ونراه ملكًا مستبدًا، واثقًا من ثبات عرشه وكفاءة رجال أمنه وخنوع شعبه، ولهذا فهو يزدرى الكل بمن فيهم وزيره. ويقرر الملك التنكر والنزول إلى الناس والتسلية بهمومهم والعبث بأحلامهم, هكذا تنكر الملك ووزيره فى ملابس حاجين ويستعيران اسمين جديدين الحاج مصطفى (الملك)، والحاج محمود (الوزير)، ويتذكران التاجر المفلس المضطهد "أبا عزة"الذى يحلم بالسلطة والملك لينتقم من خصميه الشيخ "طه" الإمام وشهبندر التجار اللذين تآمرا عليه وأفشلا تجارته. فى هذا الوهم يعيش "أبو عزة"، ومن هنا تبدأ لعبة الملك، الذى يقرر أن ينقل "أبو عزة" وهو نائم، إلى قصره ويعطيه رداءه وتاجه ومخدعه، ويجعله ملكًا ليتلهى بتصرفاته الخرقاء وقراراته البلهاء. وتكتمل لعبة التنكر، عندما يصحو "أبو عزة"، فيجد نفسه ملكًا، يرتدى ملابس الملك وجواهره وينام فى مخدعه، ويصدق "أبو عزة" الوهم الذى طالما تمناه، ويبدأ فى إدارة الحكم بصورة تذهل الملك السابق الذى كان يتوقع له الفشل، بل تصيبه صدمة كبرى عندما يقبض "أبو عزة" على زمام أمور البلاد بيد من حديد، ويمارس ما كان يمارسه الملك السابق من أساليب القهر والتنكيل، بل يلجأ إلى مزيد من الإرهاب لحماية عرشه، والمدهش فى اللعبة أنه لا أحد فى القصر يلحظ تغيير الملك، لا الخدم ولا القادة ولا حتى الملكة، بل إن زوجته "أم عزة" وابنته لا تعرفانه عندما تأتيان إلى القصر للشكوى "فالملك ليس له وجه ولا سحنة" كما يقول الوزير، بل هو التاج والرداء والصولجان. أما الجانب المضئ من القصة فهو الجماعة الشابة المعاصرة، التى تشتبك مع أحداث الحكاية فى صورة جماعة ثورية داخل تنظيم سرى للطبقة المضطهدة، والتى تحاول فى النهاية التمرد على الوضع القائم والثورة عليه. هكذا يومئ خطاب العرض المسرحى إلى حلم الثورة العربية من خلال مركب مسرحى بين التراث والمعاصرة. وقد تمكن المخرج "مراد منير" عند إخراجه لنص "الملك هو الملك" من ابتكار المعادل المسرحى لمفردات لغة الكاتب وفكره، آخذًا فى الاعتبار مكونات الأسلوب الملحمى وعناصره، بالاضافة إلى التقنية البيرانديلية (التمثيل داخل التمثيل) وذلك عبر رؤية إخراجية واضحة المعالم؛ حيث استخدم فى تشكيل الفراغ المسرحى الأسلوب اللا إيهامى "الذى يتعامل مع خشبة المسرح على أنها ليست إلا خشبة مسرح وكل ما عليها تمثيل فى تمثيل"( ) ، فكانت عملية تغيير المناظر تجرى أمام المتفرجين ودون إسدال ستار المقدمة، وذلك بقصد إزالة أى شعور يمكن أن يتولد فى نفس المتفرج عن واقعية ما يراه.
كما تغيرت أدوار مجموعة الشباب وتراوحت بين وظائف درامية متعددة وفقا لتقنية التمثيل داخل التمثيل، فهم تارة شخصيات معاصرة فى مسرحية يمثلون فيها الزمن الحاضر، وتارة أخرى شخصيات ثائرة على الملك فى الحكاية الشعبية، ثم هم فى نهاية المسرحية، ضمير الأمة وصوت البسطاء على مر العصور. وقد نجح المخرج "مراد منير" فى توظيف مفردات العرض المسرحى لإنتاج دلالات لغوية وتشكيلية تضفى على التكوين المسرحى ملمحًا تفصيليًا، وتساهم فى إبراز الخطاب المسرحى، بما يتضمنه من أفكار رئيسة يمكن إجمالها فيما يأتى: 1- العلاقة بين الحاكم والمحكوم. 2- الملك هو الملك. 3- وحدة الصف والمواجهة الجمعية هما السبيل إلى الخلاص وسيحاول الباحث فيما يأتى تحليل البنية الدلالية لأهم عناصر العرض السمعية والبصرية للوقوف على دورها فى تأكيد تلك الأفكار وإبرازها. 1- العلاقة بين الحاكم والمحكوم: لقد تبلورت فكرة العلاقة بين الحاكم والمحكوم عبر العديد من العلامات السمعية والبصرية، التى أسهمت بدورها فى عكس استبداد المؤسسة السلطوية، وازدرائها لشعبها، فعلى مستوى الكلمة ونغم الصوت، تشكلت الصياغة اللغوية لبنية الحوار، من العديد من الثنائيات المتضادة منها : (الظلم والعدل)، (الغنى والفقر)، (السادة، العبيد)، (المقدس والمدنس)، (الخنوع والثورة). ومن خلال تلك الثنائيات، يفيض حوار العرض بالمفردات والجمل الحوارية ـ التى تجسد دلالة استلاب المؤسسة السلطوية المستبدة لحقوق الشعب وكرامته
على مستوى الديكور فقد أدرك المخرج "مراد منير" أن بنية النص تقوم على ثنائية الحاكم والمحكوم، لذلك قسم خشبة المسرح أفقيًا إلى مستويين: المستوى الأعلى يمثل عالم السلطة والجاه، والمستوى الأسفل يمثل حياة عامة الشعب (بيت أبى عزة – مجموعة الشباب المعاصرة)، وقد "اختلف الديكور فى عمق المسرح اختلافًا دلاليًا تامًا عنه فى المقدمة فعلى يمين المستوى الأعلى نجد العرش على هيئة كرسى ضخم داخل خيمة هرمية الشكل مكسوة بقماش ذهبى اللون ذى ثنيات متهدلة منسابة برخاوة، ومثبت على رأس الخيمة تاج ذهبى مرصع بالجواهر، وعلى النقيض نجد بيت "أبى عزة" فى المستوى السفلى، وقد اكتفى المخرج بتجسيده تجريديًا من خلال دكة خشبية متهالكة .
كما ساهمت الملابس إلى جانب تصفيف الشعر، فى تدعيم فعالية أنساق العلامات الخاصة بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ حيث ارتدى الملك قميصًا حريريًا بنفسجى اللون محزمًا بحزام حريرى ملون، وفوقه عباءة ملكية ضخمة ذهبية اللون ذات ثنيات – من نفس لون العرش وخامته – وعلى رأسه تاج ذهبى مرصع بالجواهر. أما الوزير، فقد ارتدى قميصًا حريريًا بنفسجى اللون – نفس لون قميص الملك – وفوقه عباءة زرقاء وعلى رأسه عمامة كبيرة مخططة بخطوط ذهبية، وفى المقابل جاءت ملابس العامة متواضعة فقيرة فى الهيئة ونوع الخامة، حيث ظهر "أبو عزة" غير مهندم الشعر يرتدى جلبابًا أزرق متهالكًا ذا أكمام واسعة فضفاضة وسروالًا أبيض قصيرًا، ويلبس فى قدمه زوجا من القباقيب. أما ملابس المجموعة المعاصرة من الشباب، فجاءت موحدة، تتمثل فى قميص أبيض وسروال أسود، وعندما تدخل المجموعة إلى زمن الحكاية الشعبية يتخفى الشابان الثائران فى زى شحاذين، أما الفتاتان فتشخصان دورى "عزة"، "وأم عزة" وتتماثل ملابسهما فى تواضعها مع ملابس "أبى عزة".
كما كان للإضاءة أكثر من دور دلالى، يوضح العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فمن الناحية الوظيفية ساهمت الإضاءة فى إبراز التناقض بين نعومة ملمس زى الملك، وخشونة زى العامة من الشعب؛ حيث إن إدراكنا للملابس المسرحية التى نشاهدها على خشبة المسرح هو نتيجة لمجموعة إحساسات تصل إلينا عن طريق الإضاءة. (إحساس بالتشكيل + إحساس بالثقل + إحساس باللون + إحساس بالملمس .. إلخ)( ) وقد ساهمت الإضاءة أيضًا ب1-دلالات أيقونية ورمزية
2- الملك هو الملك: تكشف المسرحية فى مفهومها العام عن أهم درس سياسى، مفاده أن تغيير الأفراد لا يغير الأنظمة، وإنما على الأنظمة أن تتغير من قواعدها؛ حيث إن التغيير من أعلى لا يغير أساس النظام الفاسد وسيظل الملك هو الملك، يحكم بالإرهاب والقهر للحفاظ على العرش. وقد تأكد هذا المعنى من خلال مجموعة من العلامات السمعية والبصرية منها الأصوات الكلامية ونغم الصوت.
وقد تبلور هذا المعنى من خلال البنية الدرامية العامة لطقسى الزار وسبوع المولود، الذين أضافهما المخرج "مراد منير" إلى العرض ولم يرد ذكرهما فى النص الأصلى، واللذين صاحبا عملية تبادل الأدوار بين ملكين أحدهما أصلى انسلخ من موقعه فى بنية السلطة وتخلى عن علاماته ورموزه، من أجل التسرية عن نفسه، والآخر تاجر مفلس مضطهد من السلطة، يدرك حقيقة ذاته المقهورة، يحلم بالملك ويرى فيه مخلصًا من عذاباته ومشاكله. وبالرغم من تناقض موقفى الشخصيتين فإنهما قد اتفقا على اتخاذ القهر والإرهاب سبيلًا للحكم. لتتأكد من خلال الطقسين فكرة أن الملك هو الملك
وقد لعبت الإكسسوارات الخاصة بالشخصية دورًا مهمًا فى توليد مجموعة من العلامات المرئية التى ساهمت فى تأكيد قهر السلطة، ويتفق الباحث مع رأى "حازم شحاتة" فى أن "الصفات المختلفة للعلامة لا تتحقق إلا بدخولها فى علاقة مع علامات أخرى"( ) ، وبالتطبيق على الإكسسوار باعتباره علامة، فإن وظيفته الدلالية لا تتبلور إن كان منفردًا معزولًا فى الفضاء المسرحى، بل من خلال علاقته مع مجمل عناصر الشخصية، وهو ما تحقق فى هذا العرض من خلال بلطة السياف، وسوط مقدم الأمن.
"كما مثلت شخصيتا شهبندر التجار، والشيخ طه إمام المسجد، السلطة الإقتصادية والدينية فى البلاد"( ) بوصفهما أداة من أدوات الملك، المنوط بها تأييده وتثبيت دعائم حكمه المستبد فى مقابل تحقيق مكاسب شخصية باستغلال الشعب واستلاب حقوقه وعلى سبيل المثال ارتبطت شخصية "الشيخ طه" بثنائية (المقدس – المدنس)، فهو أحد رجال الدين الموالين للسلطة ذو الذمة المتسخة بأكل أموال اليتامى، وقد تأكد هذا المعنى من خلال العديد من العلامات السمعية والبصرية
3- وحدة الصف والمواجهة الجمعية هما السبيل إلى الخلاص: تنسج المسرحية فى نهايتها خيوط الأمل والحلم بالخلاص من خلال وحدة الصف، والمواجهة الجمعية لكل رموز الظلم والاستبداد، وهما مصطلحان راسخان فى فكر المؤلف "سعد الله ونوس"، تبناهما فى معظم أعماله المسرحية وقد أكد عليهما المخرج "مراد منير" فى هذا العرض من خلال العديد من العلامات السمعية والبصرية
وتختلف نهاية العرض المسرحى عن نهاية النص الأدبى الأصلى الذى يتم فيه كشف اللعبة المسرحية، حيث يتقدم الممثلون إلى الجمهور ليحكوا له قصة الجماعة التى حين ضجت من فساد مالكها ذبحوه وأكلوه فأوجدوا خلاصهم بأيديهم. وتعتبر النهاية الجديدة التى ابتدعها المخرج، "رغم اختلافها عن الأولى لا تحمل رؤية سلبية تشاؤمية، بل تمثل رسالة تحذيرية من خطر داهم، فالجماعة الثورية فى هذه النهاية لا يقتلهم فرد ملكا كان أم سلطانا بل تقتلهم مؤسسة حربية آلية تتشكل من عناصر الديكور"
#ابراهيم_حجاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيميولوجيا المسرح عند تاديوش كوفزان
-
النص المونودرامى بين اشكالية المصطلح والتلقى
-
تاريخ المونودراما
-
آليات السرد فى مونودراما -معكم انتصفت أزمنتى- للكاتب العراقى
...
-
خصائص الرواية وكيفية مسرحتها
-
مسرحة الرواية
-
يوسف ادريس يبحث عن بقايا ذرية هابيل فى -الجنس الثالث- !!!
-
على الراعى وهوية المسرح العربى
-
صورة المرأة فى مسرح توفيق الحكيم بين الرجعية والتحضر
-
مسرح مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية يحتضن عروض مشاريع التخر
...
-
عرض كتاب :التمثيل فى مسرح الطفل المؤلف: محمد عبد القادر .
-
مكونات العمل الفني.
-
النص المسرحى (اللعبة) اعداد د ابراهيم حجاج عن النص المسرحى -
...
-
بهدوء وموضوعية السيسي رئيس الجمهورية.
-
مفهوم الفن
-
الجمال فى الاسلام
-
مدخل إلى علم الجمال (المفهوم- النشأة- الأهمية)
-
علم الجمال فى العصر الحديث
-
الفن والجمال عند الفيلسوف الفرنسي شارل لالو
-
علم الجمال فى المسيحية والعصور الوسطى.
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|