محمد عبد القادر الفار
كاتب
(Mohammad Abdel Qader Alfar)
الحوار المتمدن-العدد: 5917 - 2018 / 6 / 28 - 18:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لأنّ المسافة حين تتسع بين القناعات والهويّة، تحتاج إلى ضبط ما تقوله، وأنت مضطرٌّ لشيء من التحفّظ، كي لا تبتعد كثيراً عمّا هو متوقّع منك، في أكثر الدوائر اتّساعاً (في المساحة والعدد) وضيقاً (في الأفق). هذا من شروط الهويّة التي لا مفرّ منها.....
خذوني أنا كمثال. لن يراني أيّ إنسانٍ في هذا العالم إلا عربياً، ولن يراني إلّا فلسطيني الأصل، أردني الجنسية، مسلماً، سنّيّاً. قد تكون بعض مكوّنات تلك الهوية مما لا آخذه على محمل الجد، أو لنقل على محمل العصبيّة على أقل تقدير.ولكنّ هذا لن يعفيَني من أن أُعاقَبَ على المواقف الجمعية المرتبطة بمختلف عناصر هويّتي.
الحياة ليست كاملة خالصة النزاهة، ومع معرفة هذا تبدأ في اتّخاذ قرارات أصوب في ما يتعلّق بتقديمك لنفسك.
أن تحاول التنصّل من أيٍّ من مكونات هويّتك لن يعفيَك من الخضوع لشروطها، بل سيذلّك.
تخيّلوا شابّاً عربياً مسلماً لا يبالي لا بمسائل القومية ولا الدين ولا السياسة، ويركّز على حياته المباشرة، وعمله، وعائلته. هذا الشاب لو انتقل إلى مدينةٍ تكره المسلمين والعرب لن تعفيه لا مبالاته بكل ما سبق من المواقف المسبقة لدى سكّان تلك المدينة تجاه هويته. ولو قال لهم بكل براءة: لا أنا لست مهتمّاً ولست كسائر قومي، بعضهم سيظنّه كاذباً، والبعض الآخر سيحتقره لخروجه من جلده. فقط ضمن مجتمعات فرعية صغيرة وsub-societies قد يجد من يفهمه.
أنا عربي مسلم سني أردني فلسطيني إذاً أنا في نظر أي شخصٍ من الخارج، وقبل أن يتعرّف إليّ: مؤيّد لصدّام حسين، محبّ لأردوغان، مناصر لمرسي، كاره للأسد، لديّ مسحة طائفية سنّيّة، وعلى الأغلب عبوس كسائر أبناء شعبي. لا يهمّ أي ذلك ينطبق عليّ وأيّه لا. أنا ملزم بتلك الصورة. وبعض الناس سيحاكمني ويتخذ قراره ويطبّقه في حقي دون أن يتعرّف إليّ أصلاً. قد أتقدّم إلى عملٍ ما، في مكانٍ ما، فأُقيّم بصورتي المفترضة.
هنا يصطدم أولئك الذين يبحرون بعيداً بعيداً عن مكونات هويتهم، وحدّ الصّدام والكره والبراءة المتبادلة (يبرأ من قومه ويبرؤون منه) بأنّهم في موقع متناقض، وأنّ مواقفهم التطهرية السابقة كلّها غير مجدية مهما كانت مبنيّة على قناعات. وأنّ القناعات، هي أمر ثانوي عند اختيار الموقف أو الخندق.
لا تتحوّل إلى نسخة أخرى من كل ما هو مفترض، ولكنّ نصيحتي هي أن لا تبتعد كثيراً. وبالمناسبة، هذه هي الضريبة الوحيدة لكونك مغموراً. فلمن يذيع ذكره الحقّ (الفرصة فعليّاً) في أن ينقلب على ما يشاء من مكونات هويته ويثبت ما يشاء. أما باقي ما يتعلّق بخمول الذكر فهو فضائل.
وقد سبق أن قلت في مقال سابق: العالم أعقد من أن نتخذ مواقفا تجاه محتوياته ولكنّ العمر أقصر من أن لا نتظاهر بذلك، على الأقل.
#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)
Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟