أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - جدتي … المعمارية الأولى














المزيد.....

جدتي … المعمارية الأولى


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5912 - 2018 / 6 / 23 - 13:59
المحور: الادب والفن
    


جدتي … المعمارية الأولى

بالأمس، فيما أتجوّل في ميادين تورونتو الكندية، أتأمل ناطحات السحاب الشواهق، تذكرتُ جدتي الحسناءَ الرشيقةَ الأنيقة، أول معمارية في تاريخ البشرية. ولأنها الأولى فهي الأعظم، لأنها التي "ابتكرت" هذا الفنَّ الجميل: العمارة، أمّ الفنون، حاوية الفنون الستة في قلبها. العمارة التي لولاها ما تحضّرتِ البشريةُ ولا انتقلت خطوةً على مسار الحضارة عن عصر الإنسان الهمجيّ الأول. فالعمارة هي الجسرُ الأول بين الإنسان وبين الطبيعة. أينما نظر الإنسانُ حوله ليحاور الطبيعة: فيلاطفُها في لحظات سحرها وهدوئها، أو يحتمي منها في لحظات رعونتها وشراستها، لابد أن يبرزَ "المعماريُّ"، ليترجم هذا الحوارَ بين الإنسان وبين الطبيعة. لأنه الأقدرُ على فهم لغة الطبيعة المعقدة وفك شفراتها، ثم ترجمة تلك الألغاز لصالح الإنسان ورغده. لهذا قال "فرانك لويد رايت": “كلُّ معماريّ عظيم، هو بالضرورة شاعرٌ عظيم. لأن عليه أن يكون مترجمًا عظيمًا لعصره.”
جدتي سيدةٌ جميلة ممشوقة القوام، تحملُ قلمًا في يدها، وعقلا نيّرًا في رأسها، فهي ربّة الحكمة والكتابة. لهذا توّجها المصريون ربّةً للتاريخ، لأنها أول من دوّن وأول من كتب. اسمها "سيشات". وكان لها الدور الأهمُّ في الطقس المقدّس الخاص بتصميم المعابد وتأسيس الهياكل الدينية. ذكاؤها الحادُّ جعلها تبرع في الرياضيات والهندسة الفراغية والهندسة المسطحة، وحساب المثلثات وقياس المساحات والحجوم، وعلوم الإحصاء والتحليل الرياضي والاستنتاج المنطقي. وبعض هذه العلوم نعرفها اليوم باسم "الاستقراء الرياضي، والمنطق الرياضي والهندسة الوصفية". لهذا فقد نالت جدتي لقبًا إضافيًّا، عطفًا على ألقابها الكثيرة الغنية، وهو: “مانحة الحكمة للفرعون". ولبراعتها في علم القلك وحساب مدارات النجوم ودورات القمر والشمس، كان الفلاحُ المصريُّ القديم يعتمد عليها في تحديد مواعيد الفيضان والزرع والحصاد.
"سيشات"، يعني: “التي تُدوّن". فهي التي ابتكرت علم الكتابة والأبجدية وتراها دائمًا ترسم بقلمها شقوقًا على جريدة النخيل، فتُدوّن مرور الزمن، أليست هي ربّة التاريخ؟ والقلم يلزمه دفتر، ولهذا انتزعت لقبًا جديدًا هو: “سيدة دار الكتب"؛ لأنها افتتحت أول مكتبة في التاريخ. وفيها حُفظت اللفائف والبرديات التي تحوي المعارفَ العلوم والفنون. لهذا تعتمر فوق رأسها الشاهق زهرة طويلة الساق لها سبع ورقات مُشعة، تمثّل إشعاعات العلوم الإنسانية: العمارة، الكتابة، الفلك، الطب، الحساب، الفيزياء، التنجيم. وتنصُّ عشر نصوص من مدونات التوابيت على وصية موجّه للموتى: "سيشات، تفتحُ لك أبوابَ السماء.” وهل تُفتَحُ أبوابُ السماء إلى بكل ما سبق؟!
في طقس العمارة والتشييد، كانت سيشات تُحدّدُ اتجاهَ الشمال دون بوصلة، ثم تبدأ في "مدّ الحبال" على الأرض وفق التصميم الهيكلي المعماري الذي تبتكره، ثم تأمر البناةَ بالشروع في طقوس دق الأوتاد التي تحدد أركان المعبد أو الهيكل أو القصر. ويبدأ التشييد والبناء، وفق النسب الذهبية العبقرية التي ابتكرها عقل ُالمهندسة المصرية القديمة، وعلّمت علومَها للحضارات الأخرى؛ كي يتوسلوها في تصميم وبناء منشآت معمارية مُلغزة. وبعد الفيضانات السنوية التي كانت تحدث للنيل، كانت تتوسّل مهاراتها في علوم المساحة والحساب، في إعادة تقسيم الأراضي الزراعية ورسم الخطوط والحدود بين الحقول. ولم تكتف بعبقريتها الفردية الاستثنائية، بل كانت كما الرسولة القدسية، تُعدُّ كوادرَ من المهندسين المعماريية والإنشائيين والعمال، بعدما تعلّمهم أسس العمارة والرياضيات والحسابات الإنشائية.
ثوبها الأنيق مصنوع من جلود النمور والفهود. لأن النقاط السوداء المنثورة على رقاع الجلود، لها دلالة في الميثولوجيا المصرية، حيث ترمز إلى النجوم المتناثرة في سماء الليل، في إشارة إلى الخلود والسرمدية. هي المعادل الأنثوي للإله "تحوت" ربّ الحكمة عند أجدادنا، ومن اسمه اشتقّ اسم الشهر الأول في الشهور المصرية القديمة: توت. هل أبدع بشرٌ مثلما أبدع أجدادي؟!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زحام في بيتي ... ولا أحد
- ابتهلوا أيها الأئمة … وسوف نقول آمين!
- أمي … تموت مرتين!
- المصريون
- رمضان … شهرُ الأقباط
- رحلة العائلة المقدسة … عيدًا قوميًّا
- البئرُ المقدسة
- لماذا تُدهشنا دولةُ الإمارات؟
- الرقص داخل الأغلال … محاولة للطيران
- السؤالُ أم الإجابة؟
- العالم يُحذّر من كتاب فاطمة ناعوت الجديد
- الرئيسُ والبيسكليت...والعجبُ العجاب
- أنا لِصّة طباشير
- لماذا أكتبُ بالطباشير؟
- 3 دروس صعبة ... في حكاية محمد صلاح
- لماذا يُقبّل البابا أقدامَ الفقراء؟
- صائغُ اللآلئ … عظيمٌ من بلادي
- الأرخميديون
- هاتفي... الذي أحبَّ تونس
- مات نزار العنكبوت ... منذ خمس دقائق


المزيد.....




- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - جدتي … المعمارية الأولى