أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - كنز -بولمان- وأسطورة -المنقذ-














المزيد.....

كنز -بولمان- وأسطورة -المنقذ-


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 5908 - 2018 / 6 / 19 - 17:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليست هذه أول مرة يخرج فيها الناس في بلدنا المغرب وراء شخص يدّعي الخوارق، فتاريخ المغرب حافل بأحداث من هذا النوع، ما يدلّ على أن الحادثة التي صدمت الكثيرين هي من "تقاليدنا العريقة".
تعكس واقعة "كنز بولمان" حاجة كبيرة إلى "منقذ"، في ظل أزمة خانقة، تصل حدّ اليأس والإحباط التام، بعد فشل تظاهرات الغضب في عدد من المناطق المهمّشة، والتي تمت مواجهتها بالقمع والاعتقال وسوء المعاملة.
هذا الانتظار المحموم لـ"المنقذ"، يجعل الناس مهيئين لتقبل أي شخص يتقدم بمشروع "خلاص" ولو كان متخيلا أو ضربا من الهذيان، وطبعا في ظل واقع التردي التام، والتخلف الكبير ـ كالعادة دائما ـ يلعب الشعور الديني دور وسيلة التخدير الأولى لقدرات العقل المنطقية لدى الأفراد ، فلكي يعتقد الناس في القدرات الخارقة لـ"المنقذ"، لابدّ أن تكون له صلة بالعالم الغيبي، عالم الرؤى والكرامات والما - فوق طبيعي، ويفسر هذا الخصائص الثلاثة التي ميزت كل الأحداث الشبيهة في تاريخ المغرب، والتي يمكن إجمالها اختصارا في العناصر التالية:
ـ ظهور شخص يزعم اتصاله بالغيب عبر الرؤى والكرامات، لإنقاذ الناس من وضعية المحنة والحصار وانسداد الآفاق.
ـ تصديق الناس له والتفافهم حوله، دون وجود أي دليل واقعي أو منطقي.
ـ انتظار الخلاص على يد "المنقذ" الذي يدعوهم إلى إقامة الشعائر الدينية التي تضمن خضوعهم وتبعيتهم.
لقد اعتقد الناس فعلا في "بولمان" بأن الشخص المتحدث إليهم وراءه كنز يمكنهم اقتسامه فيما بينهم، ما سيتيح لهم الخروج من الفقر والتهميش، ويرمز هذا السلوك لموقف درامي من الثروة وتدبيرها في بلادنا، وهو موقف ناتج عن شعور كبير بالحيف من أسلوب التصرف في الممتلكات المادية وتوزيعها، حيث تحتكر السلطة وحلفاؤها كل القنوات والموارد ومراكز النفوذ، ولعل الاعتقاد في وجود "كنز" في ضاحية المدينة يمكن اقتسامه بين الناس، وبشكل مباشر وملموس وخارج القنوات الرسمية المؤسساتية للدولة، هو تعبير عن المكبوت السياسي المتعلق بالحرمان من الثروات والموارد وانعدام الثقة في المؤسسات التي يعتبرها الجمهور عديمة المصداقية.
إن تدبير الثروة بدون أية شفافية، وتفاقم حالات الفساد غير المعاقب عليها، وعدم الإصغاء إلى أصوات الهوامش المنسية، التي يعاني فيها الناس شظف العيش وآفات الفقر والحاجة، كلها عوامل تساهم في صنع المشهد الكئيب الذي تابعه الناس باندهاش واستغراب.
إذا كان هذا تفسير سلوك المواطنين فما هو تفسير موقف السلطة، التي تفضلت باعتقال المعني بالأمر بعد أن تبين عدم وجود أي كنز بالمكان المشار إليه، حيث دعا الشخص المشعوذ ـ أو المضطرب نفسيا ـ الناسَ إلى "الصلاة" باعتبارها هي "الكنز" المأمول، وهو ما يذكرنا بدعوة رجال الدين المسيحيين الجمهور في العصور الوسطى إلى اللجوء إلى الكنائس في حالات القهر والمجاعة وسوء الحال، حيث هناك فقط يمكن الحفاظ على الناس في حالة الغيبوبة أو الغفلة من الأسباب الحقيقية للوضعية التي يشكون منها.
اعتقلت السلطة الشخص صاحب "الكنز" المزعوم لتظهر بمظهر الحرص على حماية الناس من النصب والاحتيال، والحقيقة أن سبب اعتقاله التفاف الناس حوله من جهة، حيث تخشى السلطة من كل تجمهر يخرج من إطار الضبط الرسمي، ومن جهة أخرى كون الواقعة تحمل من الدلالات ما يخلق لدى السلطة قدرا من التوجس من خطاب الناس بصدد الثروة وواقع الفقر والحرمان.
وما يجهله ربما أغلبية الذين تجمهروا حول "صاحب الكنز"، هو أنه حتى في حالة عثورهم على كنز حقيقي كانت السلطات ستبادر إلى اعتقالهم جميعا وسلبهم ما حصلوا عليه، وتذكيرهم بأن القانون المغربي المتعلق بالثروات ينصّ على أن ما تحت الأرض هو ملك للدولة وليس للسكان.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقلية الإجرامية في رمضان
- عندما يكون الإنسان هو الرأسمال الأول
- تكريم المرأة على الطريقة الإخوانية (3)
- -تكريم المرأة- على الطريقة الإخوانية (2)
- -تكريم المرأة- على الطريقة الإخوانية (1)
- صفعة تونسية للمغرب
- أسئلة إلى -أهل الاختصاص-
- نعم -صحيح البخاري- ليس صحيحا
- النقاش في الإرث ليس إرادويا
- عندما يتهم الفقهاء غيرهم ب-الجهل-
- حقوق المرأة و-استقرار الأسرة-
- الحركة الأمازيغية وإسرائيل : أسئلة وتدقيقات
- التعامل الديني القاسي مع الأطفال يتعارض مع البيداغوجيا العصر ...
- هل أصبحت مهمة سائقي التاكسي نشر الجهل والتطرف ؟
- إلى أحمد الريسوني: من أوصل الجامعة المغربية إلى حافة الإفلاس ...
- مشكلتنا مع الدّعاة وفقهاء التشدّد
- عندما يعتلي الجهلُ منابر المساجد
- لماذا لا يحسن المسلمون الدعاية لرأس السنة الهجرية ؟
- نهاية مقامر
- القدس عاصمة الديانات الثلاث، ينبغي أن تكون منطقة دولية


المزيد.....




- رئيسة الاتحاد الأوروبي تحذر ترامب من فرض رسوم جمركية على أور ...
- وسط توترات سياسية... الدانمارك تشتري مئات الصواريخ الفرنسية ...
- لافروف: سلمنا واشنطن قائمة بخروق كييف
- الجيش الإسرائيلي يواصل انتهاك اتفاق الهدنة مع لبنان
- ترامب يبحث مع السيسي -الحلول الممكنة- في غزة ويشيد بـ-التقدم ...
- بعد قرارها بحق لوبان... القاضية الفرنسية تحت حراسة مشددة إثر ...
- زلزال ميانمار المدمر: تضاؤل الآمال في العثور على مزيد من الن ...
- ماذا وراء التهدئة الدبلوماسية بين باريس والجزائر؟
- -حماس- تدين مقتل أحد عناصر الشرطة في دير البلح وتشدد على أهم ...
- زيلينسكي يؤكد استلام أوكرانيا 6 أنظمة دفاع جوي من ليتوانيا


المزيد.....

- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد عصيد - كنز -بولمان- وأسطورة -المنقذ-