كلكامش نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 5905 - 2018 / 6 / 16 - 22:46
المحور:
الادب والفن
انها المرة الأولى التي اقرأ فيها لصمويل بيكيت، الكاتب الحائز على جائزة نوبل، وقد قرأتها بترجمة بول شاوول. تبدو مسرحية "في انتظار غودو" تجسيدا لمسرح العبث الذي يبدو انعكاسا للحياة من دون أن نبصر ذلك. طبعت المسرحية أول مرة عام 1952 ولم يباع منها سوى 17 نسخة في وقتها.
قد يكون الانتظار العبثي هو المعنى الوحيد للمسرحية التي يغيب فيها الزمن، فاليوم والبارحة غير مؤكدين، هناك أحداث متسارعة تجعل من الصعوبة بمكان تصديق ان الحدث قد تطور في ليلة واحدة وهناك أحداث تثبت أن الفصل الأول وقع في اليوم السابق للفصل الثاني، مثل اخضرار الشجرة واصابة بوزو بالعمى ولاكي بالخرس. اعتقد ان في ذلك اشارة لانعدام اهمية الزمن وان كل شيء متسارع لدرجة لا تصدق وان الحياة قصيرة للغاية حتى ان كل شيء يبدو وكأنه قد وقع في الأمس.
يقول شاوول، "الانتظار، في جوهره، زمن، أو بالأحرى إنه الزمن" ويرى بأن "مسرح بيكيت هو مسرح الوحدة، وحدة الانسان إزاء مصيره وقدريته، وإزاء عالم فقده وفردوس يتفقد موته باستمرار." ويكتب في المقدمة ما يعبر بحق عن هذه المسرحية، فيقول، "كل شخصيات بيكيت وحيدة تعيش في مونولوج أبدي، حتى الحوار عندها يفضي الى مونولوج. إلى الصمت، والرفقة ذاتها تعبير عن الوحدة، أكثر مما هي تعبير عن اللقاء. كأن شقاء الانسان كفرد ربما، يحتاج أحيانا الى شاهد." بالنسبة لبيكيت، "لا شيء يثير الضحك والسخرية أكثر من البؤس."
قد يبدو "جودو" المنتظر شخصية غريبة، فهل هو الموت أو تحريف لكلمة الرب god او اصلا مقتبس من حذاء الجوديلوت الضخم الذي يحاول فلاديمير التخلص منه. كما ان الحفرة التي قضى فيها احد الابطال ليلته السابقة قد تشير الى الحياة.
يناقش بيكيت المغزى من العبث فيقول، "نتكلم كي لا نقول شيئا". وفي نقاش لفكرة الانتحار – والذي كان خيارا مستحيلا حتى لابطال المسرحية المهرجين – يصور كيف ان الخيار المتاح اليوم قد لا يكون كذلك في المستقبل.
في المسرحية تساؤلات عن المخلص وعن رواية يسوع المسيح مع اللصين، وتساؤلات عن جدوى الانتظار وهوية غودو المجهول – الذي يرسل رسلا فقط – وكيف أنه لا يعد بشيء أبدا، لكنهم مقيدين بانتظاره. في شخصية لاكي، نتساءل عن العبودية والخضوع وهل يقصد بيكيت ان الانسان يكون خاضعا احيانا من دون سبب مقنع. في المسرحية اشارات الى ان التفكير هو المشكلة وان كل شيء بدأ مع ذلك الجنون.
قد يشعر القاريء بالاستغراب من هذه المسرحية وعبثيتها وضياع اهمية التركيز في ما يقوله كل شخص، لانهم جميعا يتشابهون، لكنها قد تكون التعبير الاصدق عن سخافة الوجود المعقود بانتظار المجهول المعلوم – الا وهو النهاية الحتمية لكل الكائنات الحية.
بعض الاقتباسات الجميلة:
اللحظة الأخيرة ... طويلة لكنها ستكون جيدة
هذا هو الانسان! يشكو من حذائه والعلة في قدمه!
اقل مخلوق يعلمنا، يغنينا، يجعلنا نستمتع أكثر بسعادتنا.
دموع العالم لا تتغير. إزاء انسان يبكي وآخر يتوقف عن البكاء، هذا ينطبق أيضا على الضحك.
لا شيء ينقضي، لا أحد يأتي، لا أحد يذهب، هذا رهيب!
الانطلاق هو الصعب
عندما يبحث الانسان يسمع
الرهيب ان نكون فكرنا
نولد مجانين كلنا، لكن البعض يستمر في ذلك.
تلدان في القبر، والنهار يلتمع لحظة ثم ينطفيء ويهبط الليل من جديد.
#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟