أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - مشهد سنغافورة ومنطق ترامب السياسي














المزيد.....

مشهد سنغافورة ومنطق ترامب السياسي


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 5902 - 2018 / 6 / 13 - 11:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سوف يبقى يوم أمس مثالاً نموذجياً عن «سياسة المشهد» المطابقة لـ «مجتمع المشهد» كما حلّله قبل أكثر من نصف قرن المفكر الفرنسي الثوري غي ديبور. ها أن رئيساً أمريكياً كان حتى دخوله معركة الانتخابات الرئاسية يقدّم برنامجاً تلفزيونياً، ها أنه يقدّم للعالم أجمع مسرحية ليس الغرض منها سوى تأكيد «عظمته» بأي ثمن، ولو شمل ذلك كيل المديح لرئيس أسوأ الأنظمة الشمولية التي لا تزال قائمة على وجه الأرض، بما في ذلك وصفه هذا الأخير بأنه «يحبّ بلاده» (ربّما من وحي الحكمة القائلة إن من الحبّ ما قتل). وقد تغلّب المشهد على المضمون في قمة سنغافورة بصورة قلّ مثيلها نظراً لضخامة المشهد مقارنة بهزالة المضمون، بل قد تكون أقصى حالة من الانفصام بين الأمرين شهدها التاريخ.
والحال أن مضمون الإعلان المشترك الذي وقّعه الزعيمان، وقد أسمتهما مذيعة على قناة فوكس الأمريكية «الدكتاتورين» في هفوة ظريفة من نوع التي رأى فيها سيغموند فرويد تعبيراً غير إرادي عن المشاعر المكبوتة، ذلك الإعلان جاء خالياً من أي إجراءات ملموسة، مكتفياً بالإفصاح عن نوايا طيبة من نوع التي طريق جهنّم مبلّطة بها. والحقيقة أنه ما من رئيس أمريكي غير ترامب كان ليقبل أن يضفي مثل تلك الشرعية الدولية على نظام شمولي كابوسي، وأن يقدّم مثل ذلك المشهد المُهين للولايات المتحدة بخلط أعلامها بأعلام كوريا الشمالية ومعاملة حاكمها الطاغية معاملة الندّ بالندّ، لقاء مجرّد إعلان هذا الأخير عن نيّته نزع الأسلحة النووية عن شبه الجزيرة الكورية، بدون أي تدابير عينية وأنظمة رقابة وبلا حتى إشارة إلى البرنامج الكوري للصواريخ العابرة للقارات الذي تسبّب بتصعيد خطير قبل أشهر.
وثمة مقارنة تفرض نفسها على البال إزاء مشهد سنغافورة، هي المقارنة بين ما تمخّضت عنه هذه القمة والاتفاق النووي الذي توصّلت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى توقيعه مع إيران قبل ما يناهز ثلاث سنوات وبعد سنتين من المفاوضات المكثّفة، ذلك الاتفاق الذي ألغى ترامب التزام بلاده به قبل شهر ونيّف بحجة أنه «أسوأ اتفاق عرفه التاريخ». والحقيقة أن الاتفاق النووي مع إيران أفضل بما لا يُقاس من إعلان النوايا الكوري الشمالي، وقد شمل جملة واسعة من الإجراءات الملموسة وتدابير الرقابة الصارمة وضعت حدّاً للبرنامج النووي الإيراني بما أثار غيظ المتشدّدين في طهران. وقد يكون خير وصف موجز لذلك الاتفاق، التصريح الرسمي الذي صدر عن المملكة السعودية حياله بُعيد توقيعه:
«بالإشارة إلى الاتفاق المبرم بين إيران ومجموعة 5+1 حيال برنامج إيران النووي، صرّح مصدر مسؤول بأن المملكة كانت دائماً مع أهمية وجود اتفاق حيال برنامج إيران النووي يضمن منع إيران من الحصول على السلاح النووي بأي شكل من الأشكال، ويشتمل في الوقت ذاته على آلية تفتيش محددة وصارمة ودائمة لكل المواقع، بما فيها المواقع العسكرية، مع وجود آلية لإعادة فرض العقوبات على نحو سريع وفعّال في حالة انتهاك إيران للاتفاق.» (وكالة الأنباء السعودية، في 14 يوليو/ تموز 2015)
يا تُرى، أي منطق هو الذي يجعل امرأً يلعن الاتفاق النووي مع إيران بحجة أنه خداع ويتباهى بالإعلان الأجوف الموقّع مع طاغية كوريا الشمالية؟ قد يرى بعض الناس أن هذا المنطق العجيب ينتمي إلى علم النفس أكثر منه إلى السياسة والاستراتيجية. فإن هاجس ترامب الجليّ هو منافسة سلفه أوباما بتفكيك كل ما أنجزه هذا الأخير والتباهي بالقدرة على تحقيق ما يفوقه. من هنا جاء الانسحاب من الاتفاق مع إيران بعد الشتم به، ومن هنا أيضاً جاءت الرغبة بالظهور بمظهر الذي حقّق اتفاقاً أعظم في نظر التاريخ (ولا شك أنه أعظم بكثير من حيث «المشهد» المنظور)، ولم يتورّع ترامب عن المطالبة بسببه بجائزة نوبل للسلام كالتي حصل أوباما عليها تقديراً لمجهوده في نزع السلاح النووي.
غير أن الأمور لا تقف عند حدّ هذه الاعتبارات النفسية، وإن كانت بلا شكّ جزءاً هاماً من الحقيقة نظراً لتضخّم الأنا لدى ترامب، الذي تبلغ نرجسيته حجماً مَرَضياً حثّ ما لا يقلّ عن 27 طبيباً نفسياً أمريكياً على إصدار كتاب مشترك يحذّر الرأي العام في بلادهم من أخطار تولّيه رئاستها. فإن الأسوأ بعد من نفسية ترامب هو رؤيته للعالم الغارقة في الرجعية: لا يبالي قط بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولو من طرف الشفاه على غرار أسلافه، بل لا يخفي إعجابه بالدكتاتوريين، ولا يرى مصلحة بلاده سوى من زاوية الميزان التجاري الضيّقة. فيخاصم من يميل الميزان لصالح بلدانهم على حساب بلاده، سواء كانوا من الدول الديمقراطية كالتي أهانها في قمة مجموعة الدول السبع الأخيرة أو من الأنظمة الدكتاتورية كالصين (مع مراعاة لرئيسها تفوق بكثير مراعاته لرؤساء الدول الغربية الحليفة). ويساير من تبهره فيهم مظاهر الاستبداد بشتى درجاته، من طاغية شمولي كالزعيم الكوري الشمالي إلى زعيم سلطوي كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد فاجأ ترامب زملاءه في مجموعة الدول السبع بدعوتهم إلى إعادة ضمّ هذا الأخير إليها. هذا وتقف المملكة السعودية على ملتقى التوجّهين: حكمُها استبدادي وهي مصدر أرباح طائلة للولايات المتحدة، فقضى المنطق البديهي بأن تكون أول بلد زاره دونالد ترامب بعد تولّيه الرئاسة.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الربيع الأردني والسيرورة الثورية الإقليمية
- تصريحات خطيرة لزعماء العالم عن الانتخابات المصرية
- طهران وأخطار التوسّع فوق الطاقة
- رسالة أبو بكر البغدادي إلى دونالد ترامب
- الفائز الأكبر في انتخابات البلدان العربية
- ترامب وحكام الخليج: اختلاق وابتزاز
- وجه طهران الظريف ووجهها القاسم
- ماذا بعد الضربات الثلاثية على مواقع نظام آل الأسد؟
- نفاق بنفاق
- غزة البطلة أشارت إلى النهج الصائب في التصدّي للدولة ...
- يوم صدق محمد بن سلمان
- العلم التركي يرفرف في عفرين
- سوريا والاحتلالات الخمسة
- الصعود العالمي لليمين الشعبوي وشرط انهائه
- قيصر روسيا وسوريا وسياسة المكايد
- صفعة ترامب وصفعة عهد التميمي
- معضلة «التطرّف والاعتدال» في علاقة إسرائيل بمحيطها ا ...
- في تغليب العداء للكُرد على العداء لنظام آل الأسد وحم ...
- تحية إعجاب لموسى مصطفى موسى…
- مصيبة الشعب الكردي


المزيد.....




- بدء الاجتماع بين بوتين ومبعوث ترامب.. والكرملين يكشف ما يبحث ...
- تركيا: هل تحدد محاكمة أكرم إمام أوغلو مصيره السياسي؟
- هيغسيث: موقف واشنطن بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا لم يتغير ...
- صراع القيادات.. مشادة بين مسؤولين كبار تشعل أزمة في مصر (فيد ...
- مدارس الضاحية في بيروت تخشى العودة إلى الحرب بعد الضربات الإ ...
- نيويورك تايمز: قادة إيرانيون دفعوا خامنئي لفتح باب التفاوض م ...
- لافروف: نلمس رغبة واشنطن في تسوية الأزمة
- -تسنيم- تكشف نقلا عن مصادر خطوط إيران الحمراء في المفاوضات م ...
- دبلوماسيان: الاتحاد الأوروبي سيفرض عقوبات على 9 إيرانيين بسب ...
- السعودية.. كوكايين في إرسالية -دجاج مجمّد- والسلطات تتحرك (ف ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - مشهد سنغافورة ومنطق ترامب السياسي