|
قصة همومُ أرضٍ
مؤيد عليوي
الحوار المتمدن-العدد: 5898 - 2018 / 6 / 9 - 03:23
المحور:
الادب والفن
كان يجمع أوراق الأشجار المتساقطة بغية تنظيف الأرض ، وكلما حرك يديه لجعلها أكواماً يسهل حملها من الأرض ووضعها في أكياس كان قد أعدّها لهذا الغرض ..، كلما حرك يديه دار في خلده سؤالٌ : ( لمَ تسقط هذه الأوراق وتبقى غيرها ،من ذات الشجرة ؟ لأنها ..؟؟ ) فلم يجد جواباً حيث يسكن عقله في أرض أخرى ، لكن المدينة التي يسكنها هذا الرجل تبعد مسافة قبلتين متتاليتين من شفاه عاشقين،عن أحدى مقاطعات اللورد براون ، ولم تكن المسافة القريبة البعيدة عنه شغله الشاغل ،فأرضه وأرض أبيه مازالت أمام عينيه حينما كانا يزرعانها ويشمان عبقها حين تهطل الإمطار المنتظرة ،لكن نصفها بعيد اليوم وهو لم يره منذ عقدين بسبب رجال الكنيسة ، بعيدٌ عنه مسافة أبحار عاشق في المحيط عن رصيف حبيبته بين يدي زوجها ،لذا كان إيقاع الحياة رتيباً في عينيه منذ عشرين عاماً ، على الرغم من انشغاله جلّ وقته في معمل السيارات ، واحتفاظه بشبابه ونصف أرضه التي يجمع أرواق أشجارها المتساقطة ، وكلما حرك يديه تحرك سؤالٌ في عقله ،لماذا يعيش العالم كذبة كبيرة ؟وعندما رمى بالأكياس من يديه في برميل النفايات المصنوع من الخشب ، ساوره هاجس ٌ هل صحيح ثمة كذبة كبيرة في حياة الإنسان؟ حيث أصرّ أن يجد الحقيقة وبكل عناد الأطفال أخذ على نفسه عهداً أن يسأل عن كل الأسئلة التي دارت في خلده منذ عشرين سنة،( نعم أنه يوم الأسئلة ، أنه يوم مناسب فهو عطلة عملي من معمل السيارات الذي لا أحب العمل فيه بقدر حبي للعمل في أرضي ... والنهار مازال في أوله ) خرج من بيته بعد أن رتّب ما فيه من أنية بسيطة ، واستحم ومشط شاربيه ولحيته أمام المرآة عند باب البيت ،ونظر إلى وجهه مخاطباً صورته في المرآة كما اعتاد على ذلك في كل مرّة يقف أمامها مردداً : لن تتزوج ولن تنجب قبل أن تسترد نصف أرضك، هل تفهم أيها القروي العامل . أغلق باب البيت وتحرك ببطء ٍ ومهابة كأنه يطاول الأشجار على جانبيه ، وكانت زقزقة العصافير تزيد من ترنحه مع نغمة تطرب روحه كلما سمع تلك الزقزقة وهو يردد سأسترد أرضي من اللورد براون يوما ما ،ومع مروره أمام المكان الذي نظفه في الصباح الباكر من الأوراق المتساقطة كانت الإعشاب الخضراء بساط الأرض تتكسر بصوت مسموع مثلما يسمع زقزقة العصافير فيزداد شموخا مع نقلة كل قدم ينقلها بثقة مؤكداً أنه سينتصر على السيد براون ، فيخرج من امتداد قامته وينحني يجمع ما سقط من الأوراق مجددا، ومع حركة يديه ينتابه ذات السؤال ، لكنه قرر هذه المرة أن يجد مَن يسأله ، أنه صاحبه القديم الذي يلتقيه بين أمواج البحر أيام عطلته ، وما أن يستدير في الشارع المؤدي إلى الشاطئ يرى صاحبه واقفاً أمامه على غير عادته ،فألقى الرجل التحية على صاحبه قائلا : - صباح الخير - صباح الخير ، أيها الرجل العجوز - أنني لستُ عجوزاً ، على الرغم من أنني تجاوزت السبعين ربيعاً - وما تسميتك للعقدين الأخيرين مِن حياتك بالربيع ؟ ! التمعت في عيني الرجل شرارة كادت تحرق صاحبه ،لكن داخله ذهب إلى نفسه :( لا يعلم هذا ، أن كلمة عقدين تعني لدي تأريخ سرقة نصف أرضي ، حياتي ،زوجتي و أولادي الذين أنتظر ، وربما أحفادي ،عقدين وأنا أنتظر أن أسترد أرضي من السيد براون ) - أنني أمزح معك ، يا رجل فأنا لستُ خصمك قال هذا صاحبه عندما تأكد أنه يستطيع الاعتذار دون ردة فعل جنونية منه ، كما اعتاد مَن يعرفه أن يتحاشى غضبه . - نعم أنت لستَ خصمي ، كنتُ أود أن أسألك : (لمَ تسقط هذه الأوراق وتبقى غيرها ،من ذات الشجرة ؟) - لأنه لا بد أن تسقط من الشجرة لتجدد حياتها وحيويتها ،فلو سقطت الأوراق المتبقية في الشجرة ، وبقيت الأوراق التي في يديكَ ، لسألت ذات السؤال، أنها دورة الحياة لتنمو الشجرة ويكون لها أغصان جديدة وبراعم كثيرة بدل الأوراق التي سقطت . مدّ الرجل يده إلى لحيته الحمراء ، يتأمل كلام صاحبه الذي ذهب مسرعاً إلى سيارة مكشوفة الرأس وقفت بالقرب منهما تقلّ في أحدى مقاعدها الأربعة حفيدته التي ينتظر زيارتها له ، عندما خرج الرجل من نفسه فاتحاً نافذة عقله ليسأل سؤاله التالي ، فيرى صاحبه يتوارى في جيب الشارع الثاني من وقفتهما ، وهو يلوك سؤاله : لماذا فشلت الكنيسة بعد مئات السنين من وجودها ،وأنتصر الشعب عليها في مكان ليس ببعيد عنا ؟ لا بّد أن العالم يعيش كذبة كبيرة ، لقد علمونا في الدير الصغير أن المسيح كان مظلوماً وعندما كبرتُ وقبل عقدين وجدتُ الكنيسة تظلمني وتمنح نصف أرضي للسيد براون لأنه عضو مجلس اللوردات البريطاني ، - أيها المسيح يا يسوع لقد ظلمتني كنيستك . كانت هذه الصرخة تنتاب روحه فيحمرّ وجهه الأبيض ويغدو كلحيته الحمراء ويقطب وجهه فيزمّ على شفته السفلى ، وتقوى قبضته حيث يشدها ويستعد لضرب أي شيءٍ دون عقل أو تروٍ ..، ذهب يمشي بعزم وقوة وهو على هذه الحال حتى صار على قمة جبل تطل على شاطئ البحر وصرخ وتعالى صوته فوق أصوات النوارس وأصوات الأمواج وهي تتكسر على حجر الشاطئ بل صار يتردد صدى صوته القادم من البحر وهو ينادي : - أيها المسيح يا يسوع لقد ظلمتني كنيستك . ردّدها مراراً ولم يكن يعمل هذا قبل عشرين عاماً ، حتى خارت قواه وكأنه خرج من معركة للجيش الانكليزي مع سكان اسكتلندا للتو، استعاد أنفاسه بعد أن داعب لحيته نسيم بارد من هواء البحر ،مشى إلى بيته وفي رأسه صوت جديد : لا بّد أن هناك مثلك مظلومين على هذه الأرض ، يجيب نفسه ( سأجمع كل المظلومين ولو أعرف أن أخوض البحار والمحيطات لأسترد أرضي وأرض غيري من المظلومين ) توجه عصراً إلى نصف أرضه لدى السيد براون ، فوجدها ذات بساط أخضر من العشب، ومحاط بعضها بسياج من الخشب يحتضن الخيول ، كان يحبّ الخيول لكنها اليوم تمرح على أخصب قطعة من أرضه ولا يستطيع سوى النظر إلى الأرض بسبب قانون اللوردات ، كانت خيول السيد براون تسحق أضلاعه وهو ينظر إلى مرحها على أرضه ،وظلت الحرقة تأكل أضلاعه وهو ينظر من خلف حدود رسمتها الكنيسة ...حتى زالت الشمس وقد وجد أجوبة لكل أسئلته فوضع رأسه على الوسادة الوحيدة لديه وهو يقول بصوت مسموع سأجد مَن ينهض معي في الصباح كما ردد في نفسه : ( ربما هناك في مكان بعيد منا ، إنسان مظلوم وقد أخذ منه رجال المعبد والسيد براون نصف أرضه ليتقاسموا ثمارها ويجعلوا أخصبها مراحاً لخيول السيد ، وقد لا يكون على طريقة معبدنا أو السيد ليس مثل براون ،لكن من المؤكد أن عملهم يشبه عمل كل معبد وكل سيد في السرقة وتحت أسماء مختلفة وقوانين تناسب أسلوب سرقتهم ) .
#مؤيد_عليوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بداية القصص ودلالتها في -عزف بلا أوتار-*
-
- حَيْهل - وسرد الحداثة وما بعد الحداثة
-
الميتا – قص ... - ما تجلّى في العتمة - *
-
رمزية الحداثة وما بعد الحداثة في رواية- السقشخي - لعلي لفته
...
-
الشخصية الرئيسة ودورها في بناء القصص القصيرة
-
عرض وتحليل لكتاب - قصص الرواية -*
-
الرفض في قصص فارس عودة
-
إضاءة على البناء الروائي ل- بهّار - *
-
التحايل الدلالي والسؤال الفلسفي في قصص - واسألهم عن القرية -
-
قصيدة صديقتي الآن
-
شعريةُ - يقظة النعناع - * للشاعر أحمد الخيّال
-
قصيدة - نسيتُ -
-
الخطاب الأيدلوجي ودوره في تزييف الصراع الطبقي
-
المكان في قصص عراقية
-
- الفقراء - والتظاهرات والمناهج النقدية
-
قصيدة أنين المحرومين
-
قصيدة مرثية الفقراء على وطن
-
قصيدة عشق
-
ظلُّ كِتاب.. وبقايا شعب
-
مفهوم ( التكييف الهيكلي ) الامبريالي واضراره على الشعوب النا
...
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|