|
وزيرستان
عبدالله المدني
الحوار المتمدن-العدد: 1495 - 2006 / 3 / 20 - 08:32
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
ليس لوزيرستان من اسمها نصيب، إلا إذا افترضنا أن المقصود هو الإيحاء بأن هذه الأرض الممتدة على مساحة 11.5 ألف كيلومتر مربع في شمال غرب باكستان مثلها مثل ممتلكات الوزراء محرمة على الآخرين. فبالمعنى الأخير، هي كانت كذلك على مر العصور، منطقة عصية على كل الغزاة ابتداء من أباطرة المغول ثم ملوك السيخ فجيوش الهند البريطانية.
و لئن لعب العامل الجغرافي المتمثل في الطبيعة الجبلية الوعرة لوزيرستان دورا في هزيمة الغزاة و دحرهم، فان العامل الأكثر أهمية كان شراسة أهلها من القبائل البشتونية المحافظة و تعصبهم القومي و الديني ودفاعهم المستميت عن خصوصياتهم و نزوعهم نحو الاستقلالية و العزلة. و قد أدرك محمد علي جناح هذه الحقيقة وقت شروعه في تأسيس الكيان الباكستاني، فلم يسع إلى فرض هيبة الدولة و قوانينها على المنطقة، وإنما ترك لزعاماتها القبلية التقليدية تصريف أمورها باستقلالية عن المركز مقابل الالتحاق الاسمي بدولته، مرسخا بذلك الوضع الذي كان سائدا زمن الاستعمار البريطاني. بل أن جناح وظف الحمية الدينية لقبائل المنطقة و بسالة أبنائها في أولى الأزمات التي نجمت عن تقسيم شبه القارة الهندية، فكانت قبائل وزيرستان رأس الحربة في حرب باكستان الأولى للسيطرة على كشمير في عام 1947 . و هو ما تكرر في الثمانينات على يد زعيم باكستان الأسبق ضياء الحق أثناء حرب الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان.
وقد حافظت الحكومات الباكستانية المتعاقبة على ما سنه جناح، محاولة على الدوام تجنب التدخل المباشر في شئون وزيرستان، مع بناء نفوذ لها في أوساط قبائلها عن طريق المال و الصفقات والهبات. أما قبائل المنطقة فلعبت من جانبها أدوارا مزدوجة تصب كلها في مصلحتها الذاتية، على نحو ما فعلته زمن الهند البريطانية حينما كان رجالها يعملون نهارا بأجر مع المستعمر في شق طرق المواصلات، ويلجأون ليلا إلى اصطياد جنوده و تخريب منشآته.
و يبدو أن كل هذه الحقائق كانت ماثلة أمام بقايا نظام طالبان المدحور و رموز تنظيم القاعدة يوم أن انهارت دولتهم و قواعدهم في أفغانستان في أكتوبر 2001 ، فكان قرارهم اللجؤ إلى كهوف وزيرستان و جبالها قرارا مثاليا. ففي الأخيرة الوعرة و البعيدة عن هيمنة إسلام آباد لا يضمنون فقط صعوبة وصول خصومهم إليهم، و إنما يضمنون أيضا الحماية الشعبية من منطلقات عرقية أو دينية، ناهيك عن سهولة إعادة بناء كوادرهم الإرهابية فيها، و التخطيط لعمليات مضادة ضد النظام الجديد في كابول و قوات التحالف الغربي عبر الحدود الملاصقة. فالمنطقة تشكل منذ حقبة الجهاد الأفغاني مستودعا هائلا للأسلحة المختلفة المعروضة للبيع في الهواء، و بها أموال كثيرة متأتية من زراعة المخدرات و بيعها، و فيها عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان ممن يمكن استثارة حميتهم الدينية و الأثنية للالتحاق بالجهاد ضد نظام كابول و الغرب.
من جانبها، أدركت واشنطون هذا المخطط، ولا سيما بعد أن تزايدت حوادث العنف المسلح ضد قواتها و قوات الحكومة الأفغانية انطلاقا من وزيرستان، ناهيك عن ورود معلومات استخباراتية تفيد بتواجد بعض الإرهابيين المطلوبين من الجماعات الشيشانية و الاوزبكية المتطرفة هناك أيضا. و قد تمثل الرد الأمريكي في الرهان على استراتيجية جديدة مفادها تضييق الخناق على وزيرستان من جانبي الحدود بواسطة عمليات تشارك فيها قوات التحالف من الغرب وقوات الجيش الباكستاني من الشرق. و كان شروع إسلام آباد منذ عام 2002 ببناء قواعد عسكرية في وزيرستان، ثم استخدامها في عمليات عسكرية منذ عام 2004 ، منسجما مع هذه الاستراتيجية، وإيذانا بانتهاء عهد طويل من غياب سلطتها الفعلية عن المنطقة.
غير أن هناك الكثير من الشواهد على أن القوات الباكستانية فشلت حتى الآن في حسم الأمور لصالحها رغم كل ما يقال عن جاهزيتها و كفاءتها العالية، بل تسببت في حدوث مآزق جديدة.
في الأسباب، و بعيدا عن ما ذكرناه آنفا حول الطبيعة الجغرافية القاسية للمنطقة و ما جبل عليه أهلها تاريخيا من استبسال في مواجهة أي تدخل في شئونهم سواء من المركز أو من الخارج، هناك العوامل الداخلية المعاكسة إجمالا لتوجهات و سياسات نظام الجنرال برويز مشرف. فالأحزاب الإسلامية و العلمانية المعارضة للنظام تبدو رغم اختلاف توجهاتها متحالفة ضد أي قرارت للحكومة، و من ضمنها قرار بسط السلطة على وزيرستان و تنظيفها من الميليشيات الاجنبية والجماعات الإرهابية، الذي يرى فيه الكثيرون رضوخا لضغوط خارجية من الغرب دون مقابل واضح. وهذا بطبيعة الحال حال دون تشكل إجماع شعبي حول الدور الجديد للجيش في وزيرستان، رغم نداءات مشرف المتكررة بأن مستقبل البلاد و أمنها يقتضيان التكاتف ضد أية جماعات متطرفة عاملة فوق الأراضي الباكستانية. و من ناحية أخرى فان هشاشة الوضع الداخلي للنظام حال دون مباشرة قواته لعمليات عسكرية مشتركة و منظمة مع قوات التحالف على الجانب الآخر من الحدود المشتركة مع أفغانستان لوضع وزيرستان بين فكي كماشة حقيقية. و لعل أوضح دليل على هذا الشق هو أن إسلام آباد كذبت سريعا علمها المسبق بعملية نفذتها القوات الأمريكية المرابطة في أفغانستان مؤخرا ضد الإرهابيين في وزيرستان، بل و قدمت احتجاجها على ذلك كي تتخلص من تهمة التفريط بسيادة البلاد.
وهناك أيضا احتمال تورط أطراف ضمن مؤسسة الجيش و أجهزة المخابرات من تلك التي ارتبطت في الماضي بعلاقات تعاون رسمية مع رموز طالبان و الحركات الإسلامية المتشددة الأخرى، أو من تلك المعروفة بتعاطفها مع توجهات هذه الفئات، في تخريب خطط الحكومة في وزيرستان سواء عن طريق تسريبها إلى الجماعات المستهدفة أو مساعدة الأخيرة على الإفلات.
و هكذا ازداد المشهد في وزيرستان سوءا، و لاسيما خلال الأسابيع القليلة المنصرمة. صحيح أن القوات الباكستانية في المنطقة و المقدرة بعشرات الآلاف استطاعت قتل أو اعتقال المئات من الإرهابيين و دك معاقلهم، إلا أن الصحيح أيضا هو ان تدخلها أشعل فتيل المواجهة بينها و بين قبائل المنطقة، و أطلق حركة مقاومة شعبية لعملياتها. وقد تجسد هذا في قتل القبائل للعديد من أفراد الجيش و الشرطة أو اختطافهم كرهائن أو الاستيلاء على أسلحتهم أو التعرض لبعض الساسة المحليين الموالين للحكومة. إلى ذلك امتدت يد المقاومة عبر الحدود إلى داخل أفغانستان لتضرب منشآت أو تزرع متفجرات أو تغتال جنودا و شخصيات سياسية. و هذا أدى بدوره إلى تدهور العلاقات الباكستانية - الأفغانية مجددا، و تبادل مسئولي البلدين الاتهامات ضد بعضهما البعض، و لاسيما بعد محاولة اغتيال الرئيس الأفغاني السابق و رئيس مجلس الشيوخ الحالي صبغة الله مجددي الذي اتهم المخابرات الباكستانية بالوقوف خلف العملية.
ومن نافلة القول ان اتساع شقة الخلاف بين إسلام آباد و كابول يصب في صالح الطالبانيين وحلفائهم من تنظيم القاعدة، بل هو ما سعوا إليه طويلا على أمل ان ينشأ وضع مشابه لما كان قائما قبل أكتوبر 2001 ، حينما كانوا يحظون برعاية الحكومة و المخابرات الباكستانية ودعمهما في مواجهة بقية الأفغان.
#عبدالله_المدني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبدالرحمن في قبضة العدالة
-
رجل آسيا المريض يزداد عجزا
-
المساواة الجندرية كحل لمعضلة اليابان الديموغرافية
-
استباقا لازمة محتملة حول عرش الأقحوان
-
من يمول التطرف و العنف في بنغلاديش؟
-
خان عبدالولي خان
-
الزيارة التي تأخرت نصف قرن
-
آسيا تدشن العام الجديد بإطلاق تكتل جديد
-
مرور عام على تسونامي: المشهد و الدروس
-
لا يزال هناك من يحلم بالدولة الشيوعية
-
أصبح الآن عندهم برلمان
-
ما بين الرياضيات السنغافورية و العربية
-
ملكية فريدة و ملك فريد
-
نحو إقامة نظام نفطي آسيوي بقيادة الهند و الصين
-
أفغانستان تؤكد هويتها الجنوب آسيوية
-
الوزير المثير للجدل
-
امرأة الصين الحديدية
-
النفط الروسي كمحور للتنافس الصيني- الياباني
-
النسخ الآسيوية من الزرقاوي
-
الهند تنحاز إلى إناثها
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|