أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - الغزو الذي أعاد الهيبة للأنظمة العربية















المزيد.....

الغزو الذي أعاد الهيبة للأنظمة العربية


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1495 - 2006 / 3 / 20 - 07:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان العالم العربي قبيل الغزو الأمريكي للعراق قبل ثلاثة أعوام يشهد حراكاً مدنياًً ملحوظاً ويحلم بتحرير حقيقي من الطغيان، فقد تصاعدت الأصوات في العديد من البلدان للتخلص من الاستبداد والنهوض الديمقراطي بعد أن وصلت الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بعض الدول إلى الحضيض وبعد أن ضاقت الشعوب ذرعاً بالديكتاتورية والتسلط. وقد وجد العديد من الأنظمة العربية نفسه في أزمة تحت وطأة المطالبين بالإصلاح. وكان بعض الدول على موعد مع نوع ما من التغيير. لكن سرعان ما ركبت أمريكا عربة الإصلاح وراحت تزايد على الإصلاحيين العرب. ويمكن القول إن الوعود والضغوط الأمريكية اللاحقة المطالبة بالإصلاح في العالم العربي جاءت لقطع الطريق على المنادين بالديمقراطية وإجهاض مساعيهم لأن أي ديمقراطية وطنية حقيقية لن تكون في مصلحة الأمريكيين. لهذا سارعت واشنطن بالضغط على الأنظمة الحليفة لها بأن تجري بعض "الروشتات" الإصلاحية لذر الرماد في العيون وسحب البساط من تحت أرجل الحركات الوطنية المنادية بالتغيير. لا بل خطت أمريكا خطوة أخرى باتجاه تثبيت وتدعيم الأنظمة الحاكمة التي تضعضعت أوضاعها في أكثر من بلد. وتمثل ذلك بغزو العراق الذي كانت الحكومات العربية الأخرى أكبر المستفيدين منه. صحيح أن هناك أهدافاً أمريكية أخرى وراء الغزو، لكن أحد تجلياته تمثل في ترسيخ النظم الحاكمة وإعطائها حياة جديدة وليس إضعافها كما كان يتصور بعض المغفلين بعيد سقوط بغداد.

لقد ظن الكثيرون أن إسقاط النظام العراقي سيكون مقدمة لإسقاط الآخرين وأن المنطقة مقبلة على موجة عارمة من التغيير الذي طالما حلمت به الشعوب الرازحة تحت نير القهر والظلم والطغيان. وفعلاً استبشر العديد من الشعوب العربية بالخير بعدما رأوا تماثيل النظام العراقي تتهاوى في ساحات بغداد ظناً منهم أن الحبل على الجرار. وأتذكر أنني قدمت برنامجاً بعد سقوط بغداد وأرفقته باستفتاء شعبي. وكان السؤال المطروح للاستفتاء: "هل ستدافع الشعوب العربية عن أوطانها فيما لو تعرضت لغزو خارجي على ضوء التقاعس الشعبي العراقي في الذود عن بغداد وتركها تسقط أمام الغزاة انتقاماً من حكامها؟" وقد كانت النتيجة متقاربة، فقد أعرب حوالي نصف المصوتين بأنهم لن يدافعوا عن أوطانهم في وجه الغزاة ظناً منهم أن الغزاة قد يحررونهم ويكونون أكثر رحمة بهم من حكامهم الوطنيين. وقد استشعرت وقتها أن هناك توجهاً لدى الشارع العربي يرحب بالتغيير حتى على أيدي الشيطان بعد أن طفح به الكيل. وبعد أسابيع أجريت استفتاء آخر. وكان السؤال:"أيهما أفضل الأنظمة العربية الحاكمة أم الاستعمار؟" فتبين أن أكثر من خمسة وثمانين بالمائة من المصوتين فضلوا الاستعمار على الأنظمة العربية الحاكمة مما جعل بعض أعضاء البرلمان البريطاني يتندرون بالنتيجة في مجلس العموم كما أخبرني جورج غالاوي.

كم كان الشارع مغفلاً وساذجاً وقتها، فقد ظن، وبعض الظن إثم، وهو فعلاً إثم كبير في هذه الحالة، أن أحلامه بالتغيير تقاطعت مع التوجهات الأمريكية في المنطقة وبأنه لا بأس في الترحيب بها كونها ستجرف معها الطغيان والاستبداد. لكن هيهات، فقد تبين لاحقاً أن أحلام التغيير التي رافقت سقوط بغداد تحولت إلى كوابيس مرعبة. وقد حل الخراب والدمار محل الإصلاح والديمقراطية. وتجلى ذلك في أنصع صوره في العراق ذاته الذي أصبح ساحة للقتل والاقتتال والإرهاب والتناحر الطائفي والنهب والسلب. ولا شك أن ذلك وقع برداً وسلاماً على الأنظمة العربية التي كانت خائفة من التغيير والإصلاح لأن الغزو عزز مواقعها وجعلها تبدو بالمقارنة مع المشروع الأمريكي في العراق ملائكة رحيمة. ولا شك أيضاً أنها كانت تود أن تقول لشعوبها: "ما بتعرف خيرو لتجرب غيرو".

لقد أنقذ الغزو الأمريكي للعراق معظم الأنظمة العربية. وقد تغير موقف الشعوب بعد ثلاثة أعوام على الغزو مائة وثمانين درجة. وكم تختلف نتائج الاستفتاءات الحالية عن نتائج تلك الاستفتاءات التي أعقبت الغزو. فلو سألت مواطناً عربياً هذه الأيام:"هل ستدافع عن بلدك فيما لو تعرض لغزو خارجي؟" سيقول سأدافع عنه بالغالي والرخيص ولن أسمح للمغول والتتار الجدد أن يقلبوا نظام الحكم في بلدي، فهو،على علاته، يبقى أفضل مائة مرة من الوعود الغربية بالديمقراطية. لاشك أن تجربة العراق جعلت الملايين يلعنون الساعة التي حلموا بها بالتدخل الخارجي.

لا أعتقد أن هناك أنظمة أكثر سعادة من الأنظمة العربية بعد ثلاثة أعوام على الغزو الأمريكي للعراق، فقد أعاد لها الأمريكيون الهيبة من حيث دروا أم لم يدروا. وقد أصبح السواد الأعظم من الشعوب العربية يريد الحفاظ على الوضع الحالي مهما بلغ من السوء، فهناك سيئ وأسوأ والأسوأ، وهم باتوا يعتقدون أنهم في وضع سيئ، لكنه أفضل بكثير من الأسوأ المتمثل بالتدخل الأمريكي. وقد قابلت أشخاصاً عاديين في بعض الدول العربية كانوا يتذمرون دائماً من الوضع في بلدانهم ويطالبون بالتغيير والإصلاح. أما هذه المرة فقد غيروا لهجتهم تماماً وأعربوا عن تأييد منقطع النظير لأنظمة الحكم في بلدانهم التي كانوا يتهمونها قبل ثلاثة أعوام بكل الموبقات. لقد تعلموا درساً مريراً مما حل بالعراق والعراقيين وهم بلا أدنى شك يرفضون الانتقال من الرمضاء إلى النار. وقد سمعت أحدهم يقول: "لم أعد أريد لا ديمقراطية ولا "ضرّاب السخن"، فقط أريد أن أأوي إلى بيتي بسلام في آخر النهار وأربّي أولادي في مدارس آمنة وأحافظ على ما جنيته من رزق بسيط." لقد تبخرت كل الأحلام الوردية بالتحرر والديمقراطية وبات هم الملايين محصوراً في تأمين البيت والأولاد والاستقرار مهما حمل من آلام ولتفعل الحكومات ما تشاء طالما أنها أمنت لنا على الأقل الأمن والأمان وبعض الفتات. ماالذي أجبرك على المر غير الأمر منه؟ كأنك يا بو زيد ما غزيت.هكذا يلهج حال الذين حلموا يوماً بعالم عربي أفضل قبل الغزو الأمريكي للعراق.

أما لسان حال الحكومات العربية فلا شك أنه يعجز عن شكر الأمريكيين، فهم جديرون بكل الحب والتقدير على خدماتهم الجليلة للأنظمة الحاكمة التي تضحك في سرها وتقول: "اللهم نجـّهم كما نجـّونا ولو على حساب أرواح مئات الألوف من القتلى والجرحى والثكالى وأنـّات الجوعى والمرضى والمشردين وأنقاض المدن والقرى العراقية المدمرة". آه كم كان البعض مغفلاً عندما ظن أن الحكومات العربية كانت آيلة للسقوط بعد غزو العراق! هل كانت ضارة نافعة لها، أم أحد تجليات الاستراتيجية الأمريكية لبعث الروح من جديد في أنظمة ماتت وشبعت موتاً والتفافاً خبيثاً على أحلام الشعوب بالتحرر والإصلاح والنهوض والتغيير الحقيقي؟ لكن لا أعتقد أن جرعة الإنعاش التي حُقنت بها الأنظمة العربية ستدوم طويلاً ومن غير الممكن أن تسلم الجرة دائماً.



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عولمة باتجاه واحد
- ما أحوجنا إلى النقد التلفزيوني
- الاستبداد العربي أكبر حليف لإسرائيل
- هل يلغون الحج يوماً ما بعد ضجة الرسوم الدنماركية؟
- لماذا لا يتوارون خجلاً؟
- عولمة الحزن والأسى والبلادة
- العولمة تعيد حساباتها
- أليست دولة المؤسسات كذبة كبرى؟
- كلنا أولاد حارة واحدة وما حدا أحسن من حدا
- العوّربة تصرع العولمة بأدواتها
- أنيتا روديك: لدي خمسون مليون جنيه لن أترك منها جنيهاً لأولاد ...
- عندما يتاجر مصممو الأزياء بعذابات الفقراء
- لماذا وحدتهم الوطنية مقدسة ووحدتنا مدنسة؟
- السمكة تفسد من رأسها
- خرافة الإعلام الحر
- لماذا كلما ارتقى الغرب علمياً انحدر إنسانياً؟
- تعددت الأكاذيب والاستعمار واحد
- -الدمقراطية- العراقية:ضجيج ليبرالي وحُكم كهنوتي!
- مجلس الطُغيان الدولي
- متى يُحسن السوريون التعامل مع الإعلام؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - الغزو الذي أعاد الهيبة للأنظمة العربية