|
الايقاع و محمد عبد الوهاب / الجزء الاول
حيدر سالم
الحوار المتمدن-العدد: 5870 - 2018 / 5 / 12 - 01:37
المحور:
الادب والفن
الايقاع و محمد عبد الوهاب / الجزء الاول لا أنوي الحديث عن إيقاع المقسوم و أيوب و غيرهما ، بل أحاول الولوج في موضوع شائك ، و صعب ، و هو تأثير إيقاع حركة الحياة / الانتاج على الايقاع الموسيقي ، و لم أجد أحب من عبد الوهاب موسيقياً الى قلبي ، و لمعاصرته أشكالا متبانية من موسيقانا . بدأ عبد الوهاب - الطفل - يغني في المسرح الغنائي بين الفصول ، كتقضية و قت جميلة بينما ينشغل الاخرون بتغيير الديكور و التحضير لفصل جديد من الرواية التي تُقدم ، و كان في ذلك الوقت يغنّي لسلامة حجازي حوالي سنة 1918 الى 1920 ، يغني أتيت فالفيتها ساهرة ، وغيرها من القصائد العتيدة التي اشتهر فيها حجازي ، و كانت هذه بداية موفقة لطفل ينجذب الى الرصين الذي " لايؤكل عيش " إزاء ما كانت تُغنى من طقاطيق مبتذلة ، و هذا الخط المستقيم سيرافقه طوال مسيرته الابداعية . لو استمعنا لقصيدة اتيت فالفيتها ساهرة من الحان حجازي و نظم خليل مطران ، نجدها خالية من الايقاعات المصاحبة للغناء الذي إعتدنا عليه في هذه الايام بل صارت رئيسية ، تصاحبه آلة القانون و الكمان و لقدم التسجيل أكاد لا أجزم وجود آلة العود ، و هي تضعنا في عصر مصر المحروسة ، بين " الحنتور " و بائع " عرق السوس " و نلمح " السقا " يحمل الماء لإيصاله الى سرايا الباشا ، بدون صخب المكائن التي تعتّم رؤيتنا للافق ، بدون حركة إنتاج سريعة ، كانت مصر مازالت في الحقبة الاقطاعية ، ثمة بعض الصناعات البسيطة قائمة من صناعة النسيج و غيرها ، لم تدخل مصر في دوامة الرأسمالية ، و لم يتحول الفرد آلة بعد ، وكانت أقل تعدادا مما هي عليه اليوم ، إذن القانون و الكمان فقط ، لا إيقاعٍ و لا هم يحزنون ! ، رغم وجود الايقاعات في ذلك العصر ، و لكن سياق الأغنية نفسها هادئ ، و تتيح للمستع السباحة في نغمٍ شاسع و ممتد طويلا ، عكس ما نسمعه اليوم حيث الجملة الموسيقية تسابقنا و لا نكاد نسمعها لننتقل لجملة ثالثة و قد غابت عنا الثانية في طي الفوضى ! . سيتعلم عبد الوهاب في فترة العشرينات العزف على آلة العود من أستاذه محمد القصبجي ، و هي مدة مفصلية في إرساءه ، و هي الأساس - العشرينات - الذي إستمر عليه عبد الوهاب ، وكانت أساسا صلبا ، بنى عليه عبد الوهاب عالماً منقطع النظير . و تغنت له السيدة منيرة المهدية بأولى ألحانه للمطربات في اوبريت كليوباترا ، كانت ألحانه قريبة من أسلوب سيد درويش الذي تأثر بمدرسته و أكمل المسار التطويري للأغنية العربية بعده ، و هو من اكمل المسرحية التي تركها الشيخ سيد رغما عنه عندما داهمه الموت ، و يلتقي بالشاعر أحمد شوقي ، و يقترب من مجالس الامراء ، و يأخذ صوته هدوء حياتهم الفسيحة و تردد ألاصداء في سراياهم الواسعة ، فهو حتى في الجمل الشعبية التي لحنها نجده شعبيا " شيك " . تغنى من كلمات شوقي قصيدة في المسرح الغنائي ، هي قصيدة أنا انطونيو ، وهو لحن تقليدي مثل القالب الذي يلحن فيه الشيخ سلامة حجازي ، وجاءت القصيدة من مقام البيات . و لحن أيضا قصيدة أخرى " أخاف عليك من نجوى العيون " في مقام حجاز كار و من نظم أحمد رامي وجاءت كذلك في القالب التقليدي . ومن الواضح أنه كان متحفظا في التعامل مع تلحين القصيدة هكذا حصل مع قصيدة ردت الروح ( مقام بيات ) من نظم شوقي ، و هذا الحال سيتغير بالطبع فعبد الوهاب يسأم من المُقام في مكان واحد ، و سنجده ثائرا في القصيدة ، و مجددا ، و تعد " يا جارة الوادي " هي النقطة الفارقة في مسيرته الابداعية ، حتى انه كسر قاعدة في اللغة العربية من أجل ما وجده جميلا للموسيقى بإظهار حرف اللام في كلمة " الرياض " . الى جانب القصائد غنى أطوارا أخرى من الاشكال التلحينية ، مثل المونولوج ، ففي مونولوج " كلنا نحب القمر " كان يرسم فضاءا ، وخيالاً تلحينيا لم تعتده الاذن العربية ، و الايقاع مثلما قلنا سابقا تأخذ دوره الالات الموسيقية ، و هذا المونولج من نظم احمد عبد المجيد ( مقام حجاز كار كرد ) ، وايضا مونولوج كتير يا قلبي ، و على غصون البان من نظم رامي . و في قالب الطقطوقة غنى خايف اقول اللي في قلبي نظم أحمد عبد المجيد و في مقام حجاز كار كرد ، وبقيت هذه الطقطوقة بلحنها العذب خالدة الى اليوم ، لحنت هذه الطقطوقة بمصاحبة الايقاع البسيط الذي لانكاد نلحظه ، و أشك أنا بوجوده حيث يعطينا ضربة بسيطة نستقر عليها في نهاية الجملة الموسيقية . ولحن عبد الوهاب في قالب الدور ، مثل احب اشوفك ، ونجده متأثرا بأستاذه الشيخ درويش الحريري ، وجاء هذا الدور من مقام النهاوند ، و نتفرس بعبد الوهاب الشرقي ، الغارق في شرقيته ، في الوقت الذي لحن فيه مونولوج " في الليل لما خلي " و مونولوج " أهون عليك " ، وهما خطوة جريئة في تاريخ موسيقانا ، فالمونولوج الاول جاء بطريقة حرة بدون إيقاع ثابت في مسار المونولوج ، كان أشبه بعمل أوبرالي مصري ، و فيه سابقة أن يكتب شوقي بالعامية المصرية ، أما الثاني ففيه جملة موسيقية مقتبسة من أوبرا عايدة ، كان عبد الوهاب يحاول في تلك الفترة أن يوسع نطاق الغناء العربي ، و يدخل عليه ما لم يألفه المستمع ، فأدخل الفيولونسيل و الكونترباص و الهارب و الكلارنيت ( محمد عبد الوهاب تأليف سعاد الهرمزي . ( و لحن أيضا في قالب الموال مال الفؤاد ده نظم إبراهيم عبد الله ، و اللى راح راح نظم حسن أنور . كان عبد الوهاب في العشرينيات يمهّد لما سيأتي من تغيير كبير يقوم به ، و أصبح الشارع العربي يطرب لطريقته بالغناء ، و لجمله الموسيقية التي تختلف عما طربوا له من قبل ، و سنشهده يغير في كل الاتجاهات ، في القصيدة و الطقطوقة و المونولوج الخ . كان ايقاع الحياة هادئا ، و رتيبا ، و حركة الانتاج تكاد تكون ايضا كذلك ، و انعكاسها على عبد الوهاب كان واضحا ، و على مسار كل الموسيقى العربية آنذاك ، حتى مع الكلمات نجد الحب العذري ، أو الحب " القديم " كما نسميه اليوم ، نحن أبناء الجيل الجديد / حركة الانتاج المتطورة ، حيث الكلمة الصلبة و الحب الفاتر ، لان الفرد تعلم تأليه فردانيته في ظل إغتراب العامل ، و مزاحمته الآخرين في السعي وراء العمل و زيادة الدخل ، أصبح الحب دافعا لزيادة الكسب الحسي ، خلافا عما هو عليه في العصر الزراعي ، في ظل الملكية الخاصة ، و تعظيمها . لذلك نجد عبد الوهاب يتغنى دائما بحب يشبه اجواء الملكية الخاصة ، حيث التفاني في حب المملوك ، و ابقاء جميع الحواس و المشاعر تصب ناحيته ، كما ان ايقاع المساحات الشاسعة من الخضرة و الاشجار يبقى مسيطرا علينا ، رغم انه يعيش في مدينة ، لكن توطين الناس في مكان تجتمع فيه المصانع كان ما يزال في طور النشوء .
أما في ثلاثينيات القرن الماضي ........
يتبع
#حيدر_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كافكا ليس كابوسياً
-
أرصفة مريدي - قصة قصيرة
-
مقطع من قصة ( ن ) / قصة طويلة
-
أسير مريدي - قصة قصيرة
-
حسناء مريدي - قصى قصيرة
-
حسناء مريدي - قصة قصيرة
-
الثياب الرثة تقلقكم
-
المتفوقون بالعمل !
-
طالبُ المُستنصرية الأخير - نص
-
حنا مينه قاصاً
-
سكّان الأزقة الكافكوية ، سعدي عباس العبد أنموذجا
-
إبتسامة هاربة - قصة قصيرة
-
العنف اللغوي في الاغنية العراقية
-
برستيج العامل الجديد
-
عن سوق مريدي (3 ) / مروءة أهل العراق البلاستيكية
-
الأخطل الصغير و دماء الورد !
-
الابنودي أصابع الطين - مقال
-
باليه فوق الجثث - قصة قصيرة
-
كافكا و جليل القيسي
-
مهرجان الغايات و الوسائل
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|