|
(3) هل للإنسان أن يختار طريقه
فوزى سدره
الحوار المتمدن-العدد: 5868 - 2018 / 5 / 10 - 23:56
المحور:
الادب والفن
كُنْ مُسالما لخصمك مادمت تعيش معه تحت سقف واحد - صباح الخير يا ميكو . ما الجديد فى عقلك اليوم ؟ - لا أعرف يا صديقى ، فمنذ فتحت عينى وعشت بينكم تنتابنى حالة من الحيرة - حيرة من ماذا يا ميكو؟ - إنى أرى الأمور على غير ما يرام ،وأخاف أن أقول رأيى بصراحة ، ربما أجد مصيرى فى الشوارع أو الملاجئ - لا تخف يا ميكو ، أنت بخير ، ولكنى لاأفهم ما الذى يحيرك وما الذى يخيفك ، تكلم بصراحة ولا تخف . ممن تخاف ؟ - فى الحقيقة أنا غير راض عن أحوالك ، وقلت لك كثيرا أنت تتعب وتعبك بلا فائدة ،فأنت تكتب ولا أحد يقرأ ، وإن قرأوا لا يفهمون ، وإن فهموا يفهمون بالمقلوب ، فما الذى تجنيه من كل ذلك التعب ؟ - وما الذى تريدنى أن أجنيه ؟ - أن تجنى بقدر الجهد والتعب ، وأعتقد أنك اخترت طريقاً لحياتك متعباً وشائك وغير مجدى لهذا الزمان . - وهل للإنسان أن يختار طريقه .. أليست لظروفه وبيئته والوراثة عاملا كبيرا فى نوع الطريق ؟ - نعم ولكن أين العقل الذى أعطاه الله للإنسان دون بقية الكائنات على الأرض ؟ - يا ميكو . أشر علىّلإنسانا أو كائنا ما اختار أبواه أو شكله أو بيئته أو وظيفته أو لونه أو جنسه أو حتى إسمه ، أليست كل هذه التركة تشكل جزءا كبيرا فى الانسان وطريقه فى الحياة وبقدر اختلاف التركة يختلف الناس ، فأنت تجد الغنى والفقير ، الجاهل والمتعلم ، الجميل فى الصفات والقبيح فى السلوكيات ، والكل مضطر للتعايش مع بعض ، رضى أم لم يرضَ ، ولذلك تجد الظلم والاستبداد . - أعرف ذلك ، أنا لم أرد التطرق لذلك ولكنى أعنى قضية معينة وهى عدم التكافؤ والمساواة بين ما يحمل الإنسان من فكر كَوَنَه بجهد جهيد ومستوى معيشته ، إن فى ذلك معاناة مؤلمة - وَضَح أكثر يا ميكو ، فأنت تعرف أنه كلما ازداد السن قل الاستيعاب - ليس فى كل الأحوال ، وهذه ليست قاعدة عامة ، وما أقصده أنك ترى مثلا عقلا فارغا تماما من أى قيمة فكرية وابداعية ، وبالفهلوة أو التحايل أو ربما بما ورثه من سلفه ، يعيش فى مستوى مادى محترم ، وآخر يحمل تعب السنين وخبرات وجهد وفكر يهز النائمين ويقلق نوم المنافقين والمستغلين ، ثم تجده مقيد الحال معثر الجيب ، فارغ اليدين ، أليس هذا مثيراً للحيرة ومدعاة للأسف . - هل أنت تقصدنى يا ميكو ؟ أم تتكلم بصفة عامة عن قضية نتحاور فيها ؟ - هى قضية عامة وأنت من ضمن أفرادها ، فقد لمست وعشت معك ورأيت أن ما اخترته أسلوبا وغاية لا تجنى منه غير المتاعب بلا طائل أو فائدة ، واجعلنى أُذكرك بأشياء أعرفها قبل أن أعرفك . - ماذا تعرف يا ميكو ؟ - هل تتذكر أحدهم حين قال لك : مَنْ أنت وأهَانَ فكرك وجريدتك ، وذَكَركَ بكل ما يملكه من محلات ومال ، وإن هذا هو النجاح الحقيقى والثراء والقوة ، أتذْكرْ مَنْ مَنَع جريدتك من وصولها للناس واختلق حججا واهية ، أتَذْكرْ مَنْ سألك عن وظيفتك وهو يعرف ماذا تعمل ولما عرف استنكرها بسخرية ، أتَذكرْ من أغلق برامجك ومواقعك ، وغير ذلك الكثير والكثير ، وأنا أريد أن أعفيك من كل هذا التعب والمعاناة ، ولا أريد أن ترحل من هذه الدنيا فقيرا معدما ويذهب كل تعبك فى الحياة هباء ، ولا يجد ورثتك ما تخلفه لهم من مال أو ممتلكات ، فتثيرحنقهم حتى أنهم لا يبالون بزيارة قبرك أو يكلفون أنفسهم بوضع الورود عليه . - ما هذا يا ميكو ؟ ما الذى تقوله ؟ .. أنا لم أعهد منك هذه الطريقة فى التفكير ، فما الذى تشعر به الشاه بعد سلخها ، وما الذى يعنينى ويفيدنى من زيارة الناس لقبرى بعد أن أكون قد خلعت الجسد ، فقد أصبح لا ينتمى لى ولا أنتمى له ، فما هو إلا جلباب إن خلعته ذهب إلى سبيله وإلى أصله فى التراب . - أنا كصديق مخلص أقول لك ما أراه لنفعك ، بالله عليك يا صديقى فأنت عرفت كثيرا من الناس وتقول أن لك أصدقاء ، هل أفادك أحدا بمعلومة قيمة أو أرشدك أحد لطريق يؤثر على معيشتك ؟ هل زارك أحد ؟ أو رفع سماعة تليفونه ليقول لك صباح الخير . كيف حالك يا رجل ؟ نشتاق أن نراك - معك حق يا ميكو ولكن فلنعذر كل الناس ، ففى هذا الزمن الكل يتكالب على لقمة العيش . يركز فى بيته وأولاده وليس لديه وقت للآخرين وأنا أشكر يا ميكو اخلاصك ووفاؤك وسؤالك عنى دائما . - أعرف أنه كانت أمامك فرص كثيرة تضعك فى مستوى معيشة جيد بين علياء القوم ، والناس دائما ينظرون ويقيمون الحاضر وليس لهم شأن بالماضى أو المستقبل . - نعم يا ميكو ، لماذا لا ينتهز بعض الناس الفرص التى تتاح لهم فى الحياة ، بينما البعض الاخر يتحينون الفرص ويلتهمونها التهاما . أليس هذا ما تعنيه ؟ - بالضبط . فأنت مثلا أتيحت لك الفرص أن تدخل فى السلك القضائى واتيحت لك فرصة الدخول فى السلك الدينى ، وقد فوتَ هذه الفرص برغبتك وارادتك ، ولو عرف الآخرون ذلك لاندهشوا وربما لا يصدقون - معك حق يا ميكو ، ولكنى أسألك سؤالا . هل يمكن للقاضى أو رجل الدين أن يجلس فى المجالس العامة . فى قهوة أو كافيتريا أو حتى غرزة ، بين بسطاء الناس ، وهل يمكن أن يشاهد ما فى دور السينما والمسارح والأفلام والمسرحيات على أنواعها ، وهل يمكن أن يكون له رأي خاص أو فكرة يُصرح بها وقد تكون على حق بينما تتعارض مع ما فرض عليه من لوائح وقوانين وطقوس، إن هذه المهن وإن كانت تُحسب لهم ولكنها تخضع لرؤساء وتحتاج مواهب خاصة ، أما أنا فقد جبلنى الله على الحرية ، أحب الترحال والأماكن العامة وأجلس بين البسطاء على المصاطب لأتعلم منهم ، أحب الكتب والفن . فكيف أقيد نفسى بما لا أملكه ولا من طبيعتى أو مواهبى ، ولنفرد لذلك حواراً مستقلا يحتاج لاستفاضة . - دعنا من ذلك الآن ، ولكن ما الذى يمنعك من أن تدير مشروعا تجاريا كبيرا ، وما أكثر المشروعات ، ولك أصدقاء حباهم الله بموهبة الكتابة وعرفوا انها لا تدر ذرة نفع ، فلجأوا للتجارة . - كلامك معقول ولكن إن رغبت ، فما باليد حيلة . أين الامكانيات ؟ - أنا عندى فكرة ولكن أخاف أن أعرضها عليك - قل ولا تخف يا ميكو - من جهة الامكانيات إذا رغبت فأنى أرى أشياء لا تُؤكل ولا تُلبس ولكن لها قيمة إذا بيعت قُدرت بمبالغ كثيرة تكفى أن تفتح مولا كبيرا أو مطعما أو سوبر ماركت .. أوكافيتريا للعائلات مثل "ستار بوكس " - ايه ده يا ميكو انت وسعتها على الآخر ، ولكن ما هذه الأشياء التى قلت أنها لو بيعت تدر مبلغا ماشاء الله . - الذهب يا صديقى والدولارات فى البنوك السويسرية - وأين هى يا ميكو ؟ - أنظر حولك - أتقصد زوجتى ؟ - لا . بل لنقُل الحكومة . - فهمت يا ميكو لقد اقنعتنى ونورتنى .. ولنجرب .. قلت لزوجتى : ما رأيك يا حبيبتى فيما قاله ميكو ؟ - وماذا قال ؟ - أن أفتح مشروعا تجاريا يدر علينا ربحا ويبسط حالنا - وماله يا نور عينى . فلتفتح والله يفتح عليك - نحتاج أن نشترى قطعة أرض ونبنيها ، وبضاعة وعمال - وماله يا حبيبى سوف أصلى من أجلك - ونعمل مشروعا متكاملا بضعة محلات من كل نوع وتكون الأسعار فى متناول الجميع - جميل جدا يا حبيبى . فكرة هائلة - وماذا لو شاركتينى وساعدتينى - بماذا يا حبيبى ؟ - بشوية ذهب نبيعهم ودولارات سويسرا نسحبهم وهنا صرخت الحكومة فى وجهى : ميكو هو الذى أوحى لك بهذه الأفكار المسمومة ؟ - نعم . ميكو صديقى المخلص - فليخرج ميكو من البيت حالا .. كلاب تتكلم . ده اللى ناقص . نحن نريد كلابا خرساء . - مسكين يا ميكو . هذا جزاء أرائك وأفكارك وحواراتك ***** وخرج ميكو من البيت حيث لا أعلم ، وظللت أبحث عنه فى كل مكان بلا جدوى وإنتابنى حزن ووحدة ، فلم أجد إلا كتبى أدفن فيها همى وأشكو لها ظلم السلطان . ولكنى فى انتظارك يا ميكو ، وسوف يكون لك رأى وحوار ولو كره الكارهون. *****
#فوزى_سدره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بالقراءة تُقاس حضارة الشعوب
-
البحث عن الوفاء
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|