أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - الشاعر الأسباني لوركا / نائم والعشب ينبت بين أصابعه














المزيد.....

الشاعر الأسباني لوركا / نائم والعشب ينبت بين أصابعه


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 422 - 2003 / 3 / 12 - 04:46
المحور: الادب والفن
    


            
  * الإهداء:  إلى الروائي الشهيد حسن مطلك الذي أعدمه الفاشيون في العراق.


     حين قرأت شهادة قاتل لوركا في رواية فيلالونغا وهو يروي بالتفصيل كيف ساقه إلى      الموت ثم أطلق عليه الرصاص، بلا قمر، شعرت بعجز الجريمة عن قتل المغني أو قتل النشيد أو الروح أو الأمل، فلوركا لم يعد ملك نفسه، بل هو ملكنا نحن الذين نقف كل صباح على حافة أمل جديد وفي صلاة خاشعة من اجل انتصار الإنسان على الوحش.

يقول القاتل:

( ذهبت في طلب لوركا في  منتصف ليلة التاسع عشر من  ـ انهض. هذا هو الوعد.

قال: متى شئت. أنا جاهز.
نظرت إلى ساعتي: على مهلك.معنا وقت.

قال لوركا:
ـ أحب ألا يحدث ذلك في المقبرة. المقابر ليست ليموت فيها الناس.إنها فقط للصمت والأزهار والغيوم.
ولا أحب الموت على مرآى من القمر.

 وحين وصلنا، ساده فرح غامر فهمت معناه. لا يوجد قمر.

توقفت السيارة. نزل منها رجال الفصيل السبعة. كما ترجل قس طرز على ثوبه الكهنوتي قلب يسوع المقدس. وضعت إصبعا على  كتف الشاعر وقلت له:

ـ تقدم وأنا أدله على الطريق.

سار راكضا في الطريق المحاذي لمجرى ساقية جاف. وبعد عدة دقائق من المشي توقف. ظهرت أمامه في الأفق جبال لاسييرا وقد غطاها ضباب الليل الأزرق. وقربها وراء غابة الحور السوداء، قرية الشاعر ومسقط رأسه. سمعته يتمتم مرتين: لماذا يا ربي؟

 كان أحد رجال الفصيل يمشي إلى جانبي ومسدسه في يده. أدخل فوهته في صلب الشاعر وانتهره بجلافة:
ـ امش وألا بقرت بطنك.

استأنف لوركا سيره متعثرا بالحجارة وسقط ثلاث مرات على ركبتيه. فجأة توقف وسألني:
ـ قل لي الحقيقة. هل هذا مؤلم كثيرا؟.

فجأة ندت صرخة. صرخة لا يبدو أنها ندت من حنجرة إنسان. توقف لوركا عند حافة الجرف. أخدود عريض طويل حفر في باطن الأرض، كاشفا عن جذور الأشجار. على مرمى أبصارنا منظر فاحش فظيع: ساق امرأة عارية ظلت خارج القبر فوق التراب المحرك منذ وقت قريب.

أجهش لوركا في البكاء.

تقدم الكاهن وفي يده صليب. قال للشاعر:
 ـ اعترف.
تساءل: بماذا أعترف؟
قال الكاهن:
ـ بما تريد.

مد لوركا يده وابعد الكاهن. عبأ رجال الفصيل سلاحهم. قلت له:
 ـ أركض.

قال : بأي اتجاه؟.
قلت: على خط مستقيم. إلى أمام.

ركض عشرين مترا بشكل يثير الشفقة وتوقف.
 ـ أركض أيضا!

استأنف الركض ويداه تهتزان ورأسه يتداعى كأنه تمثال لا حياة فيه. وأصدرت أمري:
ـ نار.

ولما اقتربت منه رأيت وجهه معفرا بالدم والتراب الأحمر. وكانت عيناه جاحظتين.قال بصوت خافت:
ـ أنا مازلت حيا.

حشوت مسدسي وصوبته إلى الصدغ. انطلقت الرصاصة ونفذت من البطن.

ودفناه عند جذع شجرة زيتون...).

قتل قرب نبع ماء  جوار غرناطة وفي قرية فيثنار أو تل الفخار من قبل الفاشيست.

 كان لوركا قد انتظرهم طويلا وقد تأخروا عليه، بل كان قد كتب عن هذه اللحظات كثيرا وخاصة في قصيدة شهيرة يقول فيها:

 (عرفت أني قتيل
فتشوا المقاهي والمقابر والكنائس
فتحوا  البراميل والخزائن
سرقوا ثلاثة هياكل عظمية لينتزعوا أسنانه
ولم يعثروا عليّ
الم يعثروا عليّ؟
نعم لم يعثروا عليّ.)

  دفن بلا قبر في مكان مجهول.
 إنه يخيفهم حيا وميتا.

في شهادة قاتل لوركا الفاشي يقين ساذج أنه يقود هذا الشاعر إلى الموت والنسيان والقبر إلى الأبد، دون أدنى شعور أو حس أو وعي أنه هو الذي سيمضي إلى النسيان والتجاهل والاندثار ويظل هذا الموسيقي الشاعر حيا عبر العصور.

 لكن لماذا كان لوركا لا يريد الموت تحت القمر؟.
 ربما نجد الجواب في قصيدة رثاء صديقه مصارع الثيران أغناثو الذي قتل هو الآخر في حلبة لمصارعة الثيران:

( لا أريد أن أراه
قل للقمر أن يأتي
لأني لا أريد أن أرى دم
أغناثيو فوق الرمل ).

  قتل الشاعر لوركا تجسيد، كما يقول محمود درويش في تعليق له على رواية مقتله المريرة( لعجز الدكتاتور القابع في القصر، وصغار المندسين في الشعر عن الحيلولة دون انبثاق أغنية لوركا من كل أعضاء الجسد ومن جميع مجالات الروح).

  أيتها الأيائل
لا توقظي هذا الأندلسي النائم على التراب
والعشب ينبت بين أصابعه.

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية التاريخ والقرد الأخير 19
- حروب الأعزل 18
- الشاعرة باميلا لويس/ عاد ميتا بهداياه
- ولادة جيل الغضب 17
- الشاعر رعد عبد القادر / أسرار اللحظات الأخيرة
- سعدي يوسف للجنرال فرانكس:لا تقطع شجرة! 16
- ما جدوى أن تكون مثقفا؟ 15
- أسرار ليلة الدخلة 14
- يوميات قلعة الموتى 13
- السجن والطبقة والجنس 12
- الشاعر حسين حبش ـ غرق في الورد
- ذهنية المخبأ السري .11
- الشاعرة جنيفر ميدن ـ تأملات في الوحش
- لن نركع . 10
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة 9
- الشاعر علي رشيد ـ الحرب والطفولة
- محنة البطريق ـ نقد العقل الاختزالي 8
- محنة البطريق ـ تفكيك صورة الجلاد 7
- محنة البطريق ـ نقد العقل الجنسي 6
- محنة البطريق ـ مقتل محارب نظيف5


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - الشاعر الأسباني لوركا / نائم والعشب ينبت بين أصابعه