سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1493 - 2006 / 3 / 18 - 11:31
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
يبدو أن الشيطان الصغير ، إيران ، قد اقتنع الآن بوجوب الجلوس في حضن الشيطان الكبير ، أمريكا ، وذلك بعد رفض لهذا الجلوس العلني دأبت إيران عليه منذ سنوات ، رغم سياسة الكواليس التي كانت تجري ما بين الطرفين على هذه الشاكلة أو تلك ، وأبرز حالات التفاهم التي تمت بين الشيطانين كانت بعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان قبل سنوات ، حيث كان خليل زاده ، السفير الأمريكي في العراق الآن ، هو ذاته الذي قاد تلك المباحثات حول الوضع في أفغانستان ، حينما كان سفير لأمريكا في بلده الأم ، أفغانستان .
لقد كانت طهران حتى وقت قريب تتشرط على الشيطان الأكبر في الوصول الى تفاهم حول العراق ، ومن خلال عملائها فيه ، بوجوب انسحاب كامل للقوات الأمريكية من العراق أولا ، ثم بعد ذلك يمكن الحديث عن هذا التفاهم الذي طلبته أمريكا بداية ، وعلى لسان سفيرها في العراق ، خليل زادة ، منذ شهر تشرين الثاني / نوفمبر من السنة المنصرمة ، ولكن إيران ظلت على عنادها المعروف ، والمزيف ، ذلك العناد الذي سرعان ما يتحول الى إذعان تام ، تتنكر فيه لكل حلفائها ! وأصدقائها ! من بعض التنظيمات التي تدعي أنها تمثل هذه الشريحة ، أو تلك من شرائح المجتمع العراقي .
لقد عُرف عن إيران سياسة التراجع عن مواقفها هذه ، ليس في زمن الجمهورية الإسلامية وحسب ! وإنما منذ زمن الشاه المقبور ، وذلك حين سحب هذا الشاه دعمه للحركة الكردية في شمال العراق إبان قيادتها من قبل الراحل ، مصطفى البرزاني ، على إثر توقيع اتفاقية الجزائر ، تلك الاتفاقية التي فرط صدام المجرم فيها بالكثير من المياه العراقية في شط العرب ، وببعض من الأراضي العراقية الواقعة على الحدود الشرقية للعراق ، ثم رحل الشاه ، وجاء الخميني بعده ، لتقوم الحرب الدامية ما بين العراق وإيران ، تلك الحرب التي استمرت سنوات ثمانية ، أزهقت فيها ملايين الأرواح من شعبي البلدين الجارين ، وكل هذا ليس فقط بسبب من الجريمة الكبرى التي قام بها صدام حين أعلن تلك الحرب ، ولكن بسبب من العناد الإيراني الذي أظهرته السياسة الإيرانية ذاتها في وجوب مواصلة الحرب الى الساعة التي ستسقط فيها القوات الإيرانية عاصمة العراق ، بغداد ، وتقيم حكومة عميلة فيها على غرار حكومة ولاية الفقيه في إيران ، معتمدة على بعض العناصر التي تدعي أنها تمثل الشيعة في العراق ، خاصة تلك العناصر التي ظللتها الدعاية الإيرانية النشطة ، والموجهة بعناية الى أبناء الشيعة في الجنوب والوسط من العراق ، هؤلاء الذين اعتقدوا أن إيران لن تفرط بهم على حساب مصالحها القومية التي تدعيها في العراق ، ولكن اعتقاد هؤلاء ما كان إلا أضغاث أحلام سرعان ما تبددت ، وذلك حين تجرع الخميني كأس السم ، ووافق على وقف إطلاق النار في تلك الحرب ، بعد أن تيقن أن النصر في تلك الحرب على العراق صار مستحيلا في ضوء المخطط المرسوم لها من قبل الشيطان الأكبر ، أمريكا ، والذي يرسو على نتيجة مؤداها : حرب ليس فيها غالب ومغلوب !
ويبدو أن هذا الموقف الأمريكي هو الذي أقنع الساسة في إيران في نهاية الأمر بضرورة قبول وقف إطلاق النار ، وجلوس مع صدام الكافر ! ، مثلما كانت تصفه الدعاية الإيرانية خلال سنوات الحرب ، واليوم يعود الموقف الأمريكي المتمكن بالتفوق الهائل على إيران ، ليجبرها على التحدث الى الأمريكيين ، والإصغاء لهم بأذني حصان ، وفيما يخص الوضع القائم في العراق الآن ، وذلك بعد أن تكشف للإيرانيين أن بعضا من عملائها العراقيين غير قادرين ، متفردين ، على حكم العراق بطريقة ولاية الفقيه الإيرانية ، سواء أتى هذا الحكم عن طريق الميليشيات التي دربتها وسلحتها هي ، مثل ميليشيات بدر ، أو سواء عن طريق الانتخابات التي لم تأت بنتائج حاسمة وفق التصور الساذج الذي قبلت به إيران ، وبعض من الدائرين في فلكها من العراقيين بالمخطط الأمريكي الهادف الى إسقاط نظام صدام المجرم في العراق ، ذلك التصور الذي برروا به تعاونهم فيه مع الشيطان الأكبر ، أمريكا ، بقولهم : دع أمريكا تسقط صداما ، وسنأتي نحن الى الحكم في العراق عن طريق الانتخابات ! ويضيفون : أليست هذه هي الديمقراطية التي تريدها أمريكا !
هذه التبريرات صارت أوهاما الآن ، خاصة في ظروف الصعبة ، المحيطة بجمهورية ولاية الفقيه ، والمتمثلة في الوضع الاقتصادي المتدهور ، وتصاعد الوعي القومي لدى الكثير من الشعوب الإيرانية ، هذا بالإضافة الى العزلة الدولية التي وضعتها أمريكا فيها . هذه العوامل وغيرها ، مما سأاتي عليه بعد قليل ، هي التي اضطرت القيادة في تلك الجمهورية الإيعاز الى عبد العزيز الحكيم ، وباتفاق مسبق ، كي يقوم بتوجيه دعوة لإيران من أجل إجراء مباحثات مع الأمريكان بشأن العراق ، تلك الدعوة التي وجدت استجابة فورية من الجانب الإيراني ، وعلى لسان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي لارجاني الذي قال : ( إن إيران قد وافقت على تلبية مطلب الحكيم لحل مشاكل وقضايا العراق وصولا الى تأسيس حكومة عراقية مستقلة . )
ورغم ذلك فإن علي لارجاني ما كان صادقا أبدا في زعمه الفائت ، والقائل إن موافقة إيران على إجراء مباحثات مع الجانب الأمريكي كانت تلبية لمطلب عبد العزيز الحكيم ، أو من أجل الرغبة الإيرانية في تأسيس حكومة عراقية مستقلة . فدعوة الحكيم تمت ضمن تمثيلية إيرانية ـ أمريكية يراد منها حفظ ماء وجه إيران المذعنة للقدر الأمريكي المحيط بها الآن ، يضاف الى ذلك أن لارجاني يعلم علم اليقين ، المبين ، الناصع ، الجلي ، أن العراق لن تقوم به حكومة مستقلة أبدا مع الوجود الأمريكي فيه ، سواء ساعدت إيران في ذلك ، أو لم تساعد ، فكل الحكومات القادمة في العراق ستكون تحت الهيمنة الأمريكية دون أدنى ريب ، حالها في ذلك حال حكومات كثيرة ، تخضع لتلك الهيمنة في عالم اليوم ، خاصة في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث .
وإذا كنت قد طرحت من قبل بعضا من الأسباب التي دفعت إيران للقبول بالجلوس في أحضان الأم الرؤم ، أمريكا ، وبهذا الشكل العلني ، فحري بي أن أستعرض أسبابا أخرى لهذا الإذعان الإيراني الغير مفاجيء أبدا ، وهي :
1ـ قناعة إيران التامة بأن عملاءها في العراق لن يستطيعوا ، الآن أو مستقبلا ، أن يحكموا العراق لا عن طريق قوة ميليشياتهم ، ولا عن طريق صناديق الانتخابات ، ولا حتى عن طريق ما يصدره مراجع الشيعة من فتايا في العراق .
2ـ قناعة إيران بأن هؤلاء العملاء قد أظهروا من الهزال والضعف ، وعدم المقدرة ، في إدارة دفة الحكم في العراق ، وبعد أن مكثوا بالحكم لأكثر من سنة سادت فيها فوضى عارمة ، وتدنت فيها درجات أمن المواطنين العراقيين الى الحضيض ، يضاف إليها الضائقة الاقتصادية التي تأخذ بخناقهم .
3ـ قناعة إيران بأن التدهور المريع والسريع الذي تشهده الساحة العراقية قد يفقد هؤلاء العملاء زمام الأمور فيها ، مما يؤدي الى عودة أنصار صدام ، أو أطراف من سنة العراق الى الحكم في العراق ثانية ، وبتفاهم مع الأمريكان كذلك ، خاصة وأن صور من العناد للمخططات الأمريكية المعدة للحكم في العراق ، قد أظهرتها أطراف تدعي تمثيل الشيعة فيه ، وهو عناد مستمد من الموقف الإيراني قبل أن يطلق الحكيم دعوته الأخيرة لها ، فقد وجدت إيران أن الضغط على عملائها في العراق بوجوب التمسك بعنادهم ذاك قد يدفع أمريكا بعيدا عن هؤلاء ، والى عملاء جدد من العراقيين ، ومن حملة السلاح الذين فتحت أمريكا صفحة للحديث معهم ، مثلما ذكرت بعض الأنباء ، ولكن ، وعلى ما يبدو ، أن هذا الحديث متوقف الآن .
4 ـ إرباك الاندفاع الأمريكي نحو عرب الخليج العربي ، هذا الاندفاع الذي تجسد بزيارات المسؤولين العسكريين أو المدنيين الأمريكيين المتكررة لأقطار هذا الخليج ، يضاف الى ذلك تعزيز التواجد العسكري الأمريكي فيه ، حيث شهد هذا التواجد في صوره الأخيرة وصول حاملة الطيران الأمريكية المسماة ، ريغان ، والمصنعة سنة 2003 م ، الى موانىء دولة الأمارات العربية .
5 ـ إرباك الموقف الدولي من قضية الملف النووي الإيراني الذي أحيل الى مجلس الأمن قبل أيام ، انتظارا لإصدار قرار من المجلس ذاته بهذا الشأن يتوقع أن يكون حازما ، مثلما عبر عن ذلك رئيس وزراء بريطانيا ، توني بلير ، في آخر حديث له عن الملف النووي الإيراني ، ولهذا كان الأمريكان على بينة من هدف الإذعان الإيراني هذا ، فبادروا الى القول : إن المحادثات بين أمريكا وإيران ستنحصر في نطاق ضيق ، هو نطاق الشأن العراقي ، ولن تتعداه الى الملف النووي الإيراني ، وبهذا القول أوصلت أمريكا رسالة طمأنة لحلفائها الغربيين : بريطانيا وفرنسا ، هؤلاء الحلفاء الذين حاولت إيران أن تشقهم عن الموقف الأمريكي بشأن ملفها النووي في محادثات عقيمة دامت سنوات فيما بينها وبينهم ، ولكنها انتهت في نهاية الأمر الى فشل تام ، وها هي الآن تسعى الى شق الأمريكان عن شركائهم الغربيين ، وذلك بعد وصول ملفها النووي الى مجلس الأمن ، وعن طريق الورقة العراقية التي استلمتها من عملاء لها في العراق ينفشون بريشهم مثل الديكة أمام عدسات التصوير على أنهم حكام العراق الجديد !
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟