هشام برجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 5866 - 2018 / 5 / 7 - 00:41
المحور:
الادب والفن
عندما ننظر مليا الى نقطة الالتقاء بين السماء و صفحة البحر الزرقاء، تنتابنا الكثير من الارتسامات المتلاطمة، نتلمظ أسئلة المعنى والغاية والوسيلة والقيم، و قد نقترض من الماضي أمجادا سحيقة.
السفر عبر نقطة الالتقاء يبعث على الاطمئنان، و يَخلُق، بهدوء، إحدى أروع صور الوجود، لكننا لا ندرك في غمرة تلك اللحظات السعيدة أن ما نراه مجرد وهم، فالسماء و البحر غير قابلان للتلاقي، لذلك، يجب أن نقول لأولئك الذين يزعمون بإلحاح أن الحقيقة تنثر الاطمئنان، إنهم مخطئون، فالوهم مصدر للاطمئنان أيضا. إذا كان كل من الوهم و الحقيقة ينشران الخوف حينا و الاطمئنان حينا، فلا حاجة لبذل الجهود المضنية بحثا عن الخط الفاصل بينهما.
عبثا نلهث خلف الفصل الشراحي بين الوهم والحقيقة مهما تكن شواخصهما، إذ تساورنا فكرة خاطئة مجددا تربط بين الحقيقة و الواقع. للذين رحلت تأملاتهم صوب هذا الاتجاه في هذه الأثناء، أقول باقتضاب : البحر و الشمس و الغروب و التلاقي أو اللا تلاقي، كلها كائنات واقعية.
لكل واحد منا حقائقه و لكل واحد منا أوهامه، و مقياس تقبلها لا يرجع الى الحقيقة بحد ذاتها أو إلى الوهم بحد ذاته، إنما يتصل بصفة وشيجة، أو رجيمة، بالمحتوى الجمالي.
إذا كان الوهم جميلا فإننا نقبله، و إذا كانت الحقيقة جميلة فإننا نقبلها، بل إن الحقيقة كما هي تكافئ الوهم الجميل، وإذا قمنا بجمع كل الحقائق الجميلة، فإن وهما جميلا واحدا سيكون أجمل منها دون ريب، مثلما يكون وهم سيء واحد أسوأ من كل الحقائق السيئة.
لقد أوهمتني أنك تحبينني، و آمنت بهذا الوهم، تسلل إلى معتادي اليومي وبه تَأَثّث ...
غدا كياني ، بحيث لا أكون أنا، إذا لم أستشعر وجوده في كل حدب أوجه ناظري إليه و في كل فكرة تشق طريقها الى ذهني.
أتقنت صناعة الوهم...بيد أنه كان وهما جميلا، و بذلك يكون أجمل من كل الحقائق الجميلة.
#هشام_برجاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟