أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام برجاوي - إلى صديقة ... هزم التّواري ملامحها.














المزيد.....


إلى صديقة ... هزم التّواري ملامحها.


هشام برجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5866 - 2018 / 5 / 6 - 08:35
المحور: الادب والفن
    


التقينا خلال لحظات تنبذ الرصد بقدر ما تعشق الصدفة التي لم يكن أريجها إلا إحدى معجزات هذا الوجود.

لا تنطوي، في تقديري الشخصي، تحضيرات اللقاء وسياقاته على قيمة فضلى، كل ما أستطيع قوله إن الله أتقن الإعداد لذلك اليوم البعيد.

كلما سافرت عبر تقاسيم صور الملكات المسجونات داخل تلافيف كتب التاريخ العتيقة، يتهاطل اسم "لطيفة" على مزاجي. هذا ما علق على حيطان الذاكرة، اسم بلا جسد، لكنه روح من النقاء تحلق بسعادة، ولامبالاة، في خيالي الشاسع. أحاول، عبثا، لملمة كل الأوصاف المقتبسة من روعة الاعتناق المؤقت للماضي المسرور، غير أن الصورة الأخيرة اسم يهمس بكل الإحتمالات.

ما أروع الهجرة إلى أغوار الأيام الخوالي لأنها تنتصر، بحفنة من الوقت، على قتامة الإيمان الناضج بأن خرافاتنا وأشياءنا الصغيرة لن تبقى على ما هي عليه.

تفاصيل اللقاء تلاشت، وما بقي صامدا علاقة انسانية تقاوم سدل الستار. في كل قطرة لامعة من قطرات روحين مزجهما القدر، تنبثق عزيمة الإستمرار.

اختارت صحبتنا المدرسة، و فدت الشمل بالنفيس طيلة ست سنوات متواصلة، تخللها اكتشاف الإنتماء و بناء الهوية واللمس الطفولي لمعاني الإطمئنان التي استشرى في كل موقع من المجتمع أنها مهام مخصصة للكبار فقط، هذا تقييم فاشل طبعا، ذلك أن اليافعين يملكون الوعي الكافي لفهم فذلكات الإجتماع البشري المستمدة من التطبيق اليومي المكرور، و مهما تكن النتائج، فأنا أعتقد أن الذرية تُجسّد المساحة المشتركة بين الزواج والتزاوج.

هكذا يرتسم فحوى نقاشاتنا في ذاكرتي. اجتماعات التأمل في الحياة كانت كثيرة ، فقد ارتشفنا رونق نسيان موعد التعارف البسيط ، منذ الأيام الأولى . لقد أكدت لي أن سرعة النسيان مقياس لتوقع مصير العلاقة الإنسانية، وخاصة نسيان وقت التعارف، فعلاوة على إشارته الواضحة إلى تقدم العلاقة، فإنه يتحكم في اكتمالها أو اخفاقها.

لنا رؤيتان بريئتان ألفت بينهما أفكار مشتركة ، فقد بدأ الله والكون بالتسرب إلى امتداد التساؤلات. رغبة الإدراك لا يحتكرها الإكتساب العلمي، بل إنه قد يساهم في وأدها أو إجهاض تطورها في أفضل انجازاته.
كما سيطر على تفكيري مبكرا، انبرت لطيفة للنضال ، رفضت لقب : " المتعلمين " بانطوائه المتعمد على انتقاص جسيم من كرامة الإنسان، وقاومت شيوع الإكتساب : " لسنا أكياسا بلاستيكية يستعملها الزبائن لمدد زمنية قصيرة، ثم يلقون بها إلى سلة المهملات أو يوجهونها لإعادة التصنيع. "
السؤال الذي لا يزال يراودني : هل كانت تسعى إلى عالم مثالي يرتكز على صحة سلوك الفرد؟ قد أبالغ، و ربما تكون انطباعاتي متولدة عن التحاقي القسري بالكبار.

لحظة حميمية استوطنت ذاكرتي، مجرد قبلة، لا أدري متى حدثت، لكن المهم أنها حدثت. من عاداتنا الخالدة الإجتهاد في شرح الأحداث المؤلمة، أما ما نعتبره "رصيدا مبهجا" فإننا نكتفي، و يجدر بنا، أن نستمتع به قبل أن ينفذ. هذا ما نستطيع أن نعامل به البهجة، الإستمتاع بها، خاصة و أننا في أغلب الأحيان لا نتحكم فيها، فلطالما ارتبطت بالصدفة.

كأي باحث مبتدىء في متاهة الحب المثيرة، تطلعت إلى قبلات أخرى، و لم أتصور أن عنق حلمي سيتكسر عند قبلتين: الفاتحة التي نقشتها بأحرف وامضة ساقية الماء قرب مكتب المديرة في المدرسة، و قبلة الخفوت التي أقرها رحيل لطيفة مع أسرتها إلى مدينة أخرى. لدى استلامي للخبر، لم أتفاجأ، لكنني حاولت ابداء رفض أباده اصرار والدها على تغيير مكان اقامتها.

أتذكر أنها زارت منزلنا للمرة الأخيرة، و علمت من خلال شقيقي أننا شاركت في رحلة مع جماعة من الأصدقاء إلى الحقول المتاخمة للوسط الحضري. غادرت بهو المنزل بسرعة، لنلتقي أمام بوابة المدرسة… ورحلت.

من الصعب أن أعيد خلق ملامحها، بيد أن هذا الإخفاق المتقادم يخسر دوما أمام اقتناع شخصي مفاده أن لطيفة فتاة تبنت تقييما عاما للأشياء ... اكتنفه ما يُمكنُ أن يُبْنَى عليه.



#هشام_برجاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى فكتور هيجو ... في ذكرى الرحيل.


المزيد.....




- أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
- بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
- -دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
- وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي ...
- الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته ...
- شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
- آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
- هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر ...
- شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
- لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام برجاوي - إلى صديقة ... هزم التّواري ملامحها.