أمان
أدت عملية التمييز الاجتماعي بين ادوار الرجل والمرأة في المجتمع الى تمييز بينهما في الحقوق والواجبات والمكانة والسلطة الاجتماعية، كما حرمت النساء من الحصول على المساواة في الفرص مع الرجال داخل مجتمعاتهن.
وأدى هذا التميز بين الرجال والنساء والمسند الى ادوار النوع الاجتماعي، الى وجود فوارق بين الجنسين في التعلم، والصحة، والعمل، والحصول على الموارد، والحقوق والواجبات. ويعرّف هذا الفرق اليوم بفجوة النوع الاجتماعي.
وانعكست فجوة النوع الاجتماعي نفسها على التنمية حيث لم تؤخذ المرأة في الاعتبار عند وضع خطط التنمية لا كمشاركة في العملية الانمائية ولا كمستفيدة في منجزاتها على نحو كامل. كما لم تتعرض خطط التنمية الى إبراز المعوقات والظروف المعيشية التي تحول دون مشاركة المرأة في عملية التنمية.
ان الاهتمام بالنهوض بالمرأة في مجال التنمية ظهر منذ المؤتمر العالمي الاول المعني بالمرأة الذي عقد في المكسيك عام 1975 .
وفي أوائل الثمانينات في القرن الماضي، شكك علماء الاجتماع في منهج دور المرأة في التنمية الذي يركز فقط على احوال المرأة، ويتجنب التطرق لمسائل تتعلق بدور العلاقة بين الرجل والمرأة.
وكما يقول هوايث هود "لا يمكن أي دراسة عن المرأة والتنمية ان تبدأ من وجهة النظر القائلة بأن المشكلة تكمن في المرأة او تكمن في العلاقة بين النساء (1). وفي اوائل التسعينات انتقل الاهتمام من النهج الاقتصادي لدور المرأة في التنمية، الى النهج الجديد الفكري والشامل والمتكامل عن المساواة بين الجنسين والتنمية.
هذا النهج العالمي ينظر الى المجتمع ككل، ويركز على البنية الاساسية للعلاقات بين الرجل والمرأة، ويقدم صورة واضحة عن توزيع الادوار بينهما، وعن النظام الدينامي لتبادل التعامل والتعاون، ويسلّط الضوء على أهمية العدل والانصاف في هذه العلاقات.
هذه النقلة النوعية، جعلت الاهتمامات لواضعي السياسات والمخططين في برامج التنمية، تتجه نحو تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وإدخال قضاياها في جميع السياسات والبرامج دون استثناء.
فالمساواة بين الجنسين من أهم العوامل لتحقيق تنمية اجتماعية عادلة مستدامة. وما الاتجاه اليوم الى تحليل قضايا الجنسين على اساس النوع الاجتماعي، الا لتقويم الفجوة التي تفصل بينهما وتوطئة لوضع سياسات تحقق المساواة بين المرأة والرجل.
والمساواة بين الجنسين تحمل معنى الشراكة الحقيقية بين الرجل والمرأة وتقاسم المسؤولية، وإزالة أي خلل في الحياة العامة والخاصة (2)، سواء في الاقتصاد او في عملية اتخاذ القرار. وتحقيقاً للمساواة بين الجنسين، لا بد من تغيير البنية الاجتماعية التي ترسخ عدم المساواة في العلاقات بين المرأة والرجل، اي إحداث تغيير في الاتجاهات والاذهان، فالمساواة بين الجنسين تعني ان النساء والرجال احرار، في تنمية قدراتهم الشخصية والتعبير عن اختياراتهم دون قيود او قوالب ثابتة، وتمنح حق البروز والتمكين لكلا الجنسين.
* فما هي المشاركة السياسية للمرأة؟
تكمن أهمية المشاركة السياسية في المستويات المختلفة لصنع القرار، كونها تتيح للنساء ان تشارك على نحو فعال في تخطيط السياسات وتوجيهها بشكل يخدم فكرة المساواة ليس بين الجنسين فقط بل بين جميع المواطنين عموماً. والقيمة الموضوعية للمشاركة السياسية تتجلى في التأثير على إعادة توزيع مصادر القوة بين الجنسين كمعيار لاعادة توزيع علاقات القوة في المجتمع وتحسين آليات الممارسة الديموقراطية.
فالمشاركة السياسية ليست امراً سهلاً في ظل الارث التاريخي الذي قسم العمل على اساس الجنس، كما أشار تقرير التنمية البشرية الخاص بالمرأة لعام .1995 إن المشاركة السياسية في كل بلدان العالم لا تزال صعبة ومعقدة، فهي لا تزال 10 في المئة على مستوى العالم في البرلمانات و4،6 في المئة على مستوى العالم العربي.
ان وضع مشاركة المرأة في الحياة السياسية في الدول العربية، لا يزال في بداية الطريق، كما تؤكد الارقام التي أوردتها تقارير الانجاز والتقدم بعد مؤتمر بيجينغ. ومن أهم العقبات التي ذكرها الباحثون، في المشاركة السياسية للمرأة، بنية المجتمع العربي (الأبوي) الذي يؤثر في بناء التصورات عن الادوار الاجتماعية للمرأة والرجل على السواء.
وهذا ما ظهر في بحث مرغريت حلو، في لبنان (المرأة في الانتخابات 2000) عندما ذكرت ان خطاب المستجوبات اللواتي ترشحن لمجلس النواب في ،2000 يبيّن أن معظم المعوقات ناجمة عن عادات وتقاليد وقيم اجتماعية وذهنية سائدة وممارسات سياسية. اما العوائق الاقتصادية، فتشكل عائقاً اساسياً في مشاركة النساء وقد تجاوزت حدودها الكلاسيكية في زمننا، لتصبح الثروة هي السلطة.
إن وجود المرأة في الهيئات السياسية واشتراكها في القرار السياسي بات اليوم ضرورة ملحة. ولقد كان موضوع المشاركة السياسية للمرأة اولوية في خطط اللجنة الاهلية لمتابعة قضايا المرأة منذ 1955 حتى اليوم.
وقامت بالعديد من النشاطات في هذا المجال، وصدر عن انجازاتها كتاب عام 2002 عنوانه "دعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية في لبنان - تجربة الانتخابات البلدية والنيابية 1998 - 2000" للدكتورة فهمية شرف الدين والدكتورة امان كباره شعراني.
اما على الصعيد الاقليمي، فقد عقدت اللجنة مؤتمراً اقليمياً بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ابيرت; حول "مشاركة المرأة في النظام السياسي في الشرق الاوسط في أيار 2002 .
وأخيراً لا بد لنا كأفراد ومواطنين ومؤسسات رسمية وأهلية ان نسعى لتوسيع فضاء الحريــات العامـــة والفرديــة، لتأمــين مناخ يساعد على التمكين السياسي والاقتصادي والثقافي للمرأة، ويجعلها مساهمة فعالة في الحياة السياسية الوطنية، وأملــنا كبير في التوصل الى تكوين تجمعات ناشطة في البلاد العربية، من الرجال والنساء، المؤمنين بتقاسم الادوار بين الجنسين، تسعى جميعها لتفعيل تمثيل النساء في المؤسسات والهياكل السياسية.