أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الهروب من الحرية طلبا للأمان















المزيد.....

الهروب من الحرية طلبا للأمان


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 5862 - 2018 / 5 / 2 - 09:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




"الناس، التي لا تصلح إلا لطاعة الأوامر، هم عبيد بالفطرة". أرسطو


لا تغرك الحلل الفاخرة التي يرتدونها، أو الأحذية اللامعة، وأربطة العنق المستوردة التي يعقدونها وتتدلى من أعناقهم. هم لا يزيدون عن كونهم عبيدا في ثياب جديدة.

إذا لم يستطع الإنسان العادي التعايش مع الحرية وتبعاتها، ماذا يفعل؟ يقول عالم النفس الكبير "إريك فروم"، أنه يتنازل طوعا عن حريته، ويقدمها على طبق من ذهب إلى أول مستبد أو رئيس عصابة يصادفه.

هل هذا ممكن؟ نعم هذا ممكن ويحدث كل يوم. نحن نرى في مياديننا وشوارعنا نوعين من البشر. نوع يمثل عشاق الحرية، المدافعون عنها بأرواحهم الطاهرة، المبذولة عن طيب خاطر، لنصرة الحق والعدل ورفعة شأن الوطن.

نوع آخر، يمثل الهاربون من الحرية، العابدون للأصنام البشرية، المرتمون في أحضان الاستبداد، المدافعون عن الظلم والاستعباد، المستعدون لفدائه بأرواحهم وأموالهم وأولادهم.

يتحرر الإنسان، ويتخلص من سلطة الحاكم المستبد، ليجد نفسه مجرد فرد أو رقم في مجتمع لا يعبأ بالأفراد. يشعر أنه غريب في بلده، معزول عاجز مستهلك، ومستغل ومحتقر من الآخرين.

حياته ليس لها معنى أو مبنى. هذا الإحساس يصيبه بالرعب. لذلك نجده مستعدا وجاهزا للامتثال والاستسلام لأي سلطة أو نفوذ آخر، يخرجه من هذه الوحدة، مستعدا للتنازل بمحض إرادته عن حريته التي لا فائدة منها، والتي لا يرجى من ورائها أي خير.

هناك حالة أخرى من الحرية. نجدها مصحوبة بالوعي والمسئولية والالتزام بالقيم النبيلة. هذه الحرية، تساعد الفرد على التوحد مع نفسه وأسرته ومجتمعه، وتشجعه على اكتشاف ملكاته وقدراته الخلاقة، التي ترتقي به وبمجتمعه وبالإنسانية جمعاء.

هل الحرية حقا عبء ثقيل، لا يستطيع أن يتحمله الإنسان ويهرب منه، كما يقول إريك فروم؟ وهل توجد غريزتان موروثتان داخل النفس البشرية، إحداها تتوق إلى الحرية والانطلاق إلى رحاب أوسع للغناء والتغريد، مثل طيور الربيع؟

الأخرى تنزع للانكماش على النفس والامتثال والاستسلام والتنازل عن الحرية، ومعها القدرة على التفكير العقلاني، طلبا للأمان والسكينة وراحة البال، مثل البهائم المستأنسة؟

يقول الفيلسوف الأمريكي وخبير التربية العظيم جون ديوي: "الخطر على ديموقراطيتنا لا يتمثل في استبداد الدولة والحاكم. لكن جل الخطر يقع دفينا داخل النفس البشرية.

الخطر على الديموقراطية، تجده قابعا بين حنايا نسيج الحالة الاجتماعية للمجتمع، من فقر وجهل وظلم وسوء تربية وتعليم. هذا الخطر، هو الذي يدفع الفرد للتنازل عن حريته بمحض اختياره. لذلك، المعركة الحقيقية تبدأ بإصلاح الفرد والمجتمع، عن طريق إصلاح القضاء والتربية والتعليم الجيدين".

التعليم الذي يقصده جون ديوي، هو التعليم الحضاري التنويري العقلاني، لا التعليم الديني أو الأيديولوجي.

الظلم والاغتراب عن النفس والمجتمع والبيئة، والوحدة القاتلة التي تصاحب ذلك، تدفع الإنسان لمحاولة الاتصال بالآخرين. الاتصال بأفراد أو جماعات أو أفكار معينه. من هنا يأتي التطرف الديني والتطرف الوطني والتطرف القومي والتطرف لأية فكرة معينة. كلها ملاجئ مختلفة، تربط الفرد برفيقه الفرد، وبالمجموعة داخل الجماعة.

هذا الانتماء للجماعة يعطيه الشعور الزائف بالأمان. لكنه، في نفس الوقت، يدمر حريته وقدرته على التفكير العقلاني. من ثم، يرتبط بالجماعة وتصبح هي كل حياته، ويكون مستعدا للتضحية بنفسه في سبيلها، ولا يستطيع الحياة بدونها.

أثناء الحرب الإيرانية العراقية، كان الإمام الخميني يسلم المقاتلين الإيرانيين، ومنهم الأطفال، مفاتيح بيت الجنة. وهي عبارة عن مفاتيح بلاستيكية خضراء تعلق في رقاب الجنود.

كان يقال لهم ان هذه المفاتيح، عندما يستشهد المقاتل، سوف تدخله الجنة. لهذا لم يكن الجندي يأبه بموته أو حياته. يقال إن مفاتيح الجنة وجدت معلقة في رقاب جثث خمسة آلاف طفل.

الرواندية، حركة غريبة ظهرت في أجواء الحياة العباسية عام 141هـ. سميت الرواندية نسبة إلى قرية راوند القريبة من أصفهان. أعلنت الحركة أن أبا جعفر المنصور هو الإله الذي يرزقهم ويطعمهم ويكسيهم.

جماعة دينية، أصلا من كاليفورنيا، ذهبت لتعيش في بلدة "جونز تاون" في أمريكا الجنوبية، بعيدا عن أعين البوليس الأمريكي. رئيس الجماعة هو القس الأمريكي جيم جونز.

سيطر جيم جونز على الجماعة سيطرة كاملة، بعد أن عمل لهم غسيل مخ، وأخذ أموالهم ومتاعهم. تحول أتباعه إلى مجرد عبيد وجواري بدون عقل أو روح. مثل الإنسان الآلي أو إنسان فرانكشتين الممسوخ. لا يعصون له أمرا، ويفعلون ما يؤمرون. كان رئيسهم يوطئ الزوجات أمام أزواجهن والبنات أمام آبائهن وأمهاتهن.

عندما فاحت الرائحة الكريهة. أرسل الكونجرس الأمريكي أحد الأعضاء ليتبين حقيقة ما يجري داخل هذه الجماعة الدينية. قوبل بالرصاص، فقتل هو وأربعة من رفاقه.

عندما تيقن رئيس الجماعة، جيم جونز، أنه لا فائدة من المقاومة، أمر أتباعه بالانتحار الجماعي. أطاعه الجميع، وهذا هو الغريب في الأمر. كانت الأمهات تسقين أطفالهن السم الزعاف، وينتظرن حتى يتأكدن من موتهم.

هذا مخالف للغريزة وطبيعة البشر. لا نجده في طبيعة الحيوان. فقد نرى الدب الأب يقتل أولاده، لكن الأم لم نرها قط قتلت أولادها. لا في عالم الحيوان أو حتى في عالم الحشرات.

ثم تقوم الأمهات بشرب السم ليلحقن بأطفالهن. 909 روح بريئة ذهبت بهذه الطريقة البشعة يوم 18 نوفمبر عام 1978م. من بينهم 276 طفل برئ والكثير من كبار السن. هذا ما يفعله غسيل المخ، والهوس الديني بالناس. هذا ما يفعل الامتثال والاستسلام، والتنازل عن الحرية والكيان، طلبا للأمان.


في عام 1993م، مات 80 شخصا بالحريق في مدينة واكو بالولايات المتحدة، عندما حاصر البوليس الفدرالي الجماعة الدينية. عندئذ، أمر رئيس الجماعة بالمقاومة حتى الموت.


في قرية سويسرية عام 1994م، مات 49 شخصا يتبعون جماعة دينية، اسمها معبد الشمس، بالانتحار الجماعي، لأنهم كانوا يعتقدون أن العالم يتجه نحو كارثة.

في عام 1997م، قام رئيس المجموعة الدينية، المسماة بوابة السماء بالولايات المتحدة، بأمر أتباعه بالانتحار الجماعي. مما تسبب في وفاة 39 شخصا. ذلك لكي تتمكن أرواحهم من اللحاق بالمذنب هالي أثناء اقترابه من الأرض.

235 نفس ماتت حرقا في أوغندا، بما فيهم من أطفال صغار، عندما أمرهم القس كبتيريي المنشق عن الكنيسة الكاثوليكية بالانتحار الجماعي. لأنه تنبأ بنهاية العالم مع نهاية عام 2000م. في أوغندا أيضا في نهاية الثمانينات، سبق أن قامت جماعة دينية مسيحية بالانتحار الجماعي، مات فيه مئات الناس.

الشاب أو العضو يسلم قلبه وعقله للزعيم أو الأمير أو الرئيس، بدون مناقشة أو تحقيق. هذه هي سيكولوجية الجماعة ال (Cult). الفرد فيها مجرد نفر ورقم، لا يكلف نفسه سؤال الزعيم عن أي شيء. يقبل أوامره ونواهيه بدون مراجعة وبدون قياس أو منطق.

يغيب العضو عن الواقع داخل الجماعة. ويبعد عن مشاكله اليومية وضغوط الحياة الخارجية. يتوهم أن حل كل مشاكله النفسية والمالية داخل الجماعة، يكون في طاعة الأوامر وفي الاستجابة التامة لما يقوله الزعيم. أي عندما يسلم النمر، كما نقول بالبلدي.

هذا يجعله يعيش في عالم مثالي من الإخوة ودفئ الأسرة والأمان الخادع. فيدمن العضو الانتساب للجماعة. لأنه لا يجد نفسه إلا بها. يصل به الأمر إلى أن يقبل كل ما يقوله الزعيم بدون تفكير. هنا تصبح الجماعة، أهم، بالنسبة للعضو، من أي شيء آخر. أهم من نفسه ومن الأسرة ومن الوطن. أهم حتى من الحق والعدل.

النهضة الأوروبية حدثت، عندما تحول الاستسلام والإذعان للكنيسة والاعتماد عليها في كل شيء، إلى الاعتماد على الإنسان نفسه. على العلوم والفكر التنويري العقلاني، لكي تساعده على حل مشاكلة وتخطيط مستقبله.

هنا أصبحت الحرية، حرية إيجابية، ضرورة ملحة وعامل أساسي للتقدم والنهضة. بعد أن كانت الحرية عبئا ثقيلا لا يمكن للإنسان تحمله.

الإنسان الحر، مسئول عن نفسه، ومسئول عن كل الناس. عندما يختار الإنسان لنفسه، يختار في نفس الوقت لكل الناس. عندما نقوم بالكذب وتزوير الانتخابات والنصب وخداع الناس بالدجل والرشاوي، يكون عملنا المشين هذا بمثابة طلب من الناس لكي تفعل نفس الشيء. بذلك، نبني عالما كله نصب وتزوير، عالما كله غش وخداع.

حرية الإنسان الإيجابية تساهم في خلق الإنسان الراقي، كما نتصوره وكما نود أن يكون. إننا ندعو ونقول لكل الناس، اختاروا كما اخترنا. إننا نقول، فكروا. واختاروا كما اختار من سبقونا في الحضارة والمدنية. اختاروا الحرية الإيجابية، التي تضع مصير الإنسان بين يديه، والتي تدفع الإنسان إلى إعمال الفكر والعمل.

حيث لا خلاص لنا إلا بالعلم والثقافة والفن والديموقراطية والعمل المنتج. الإنسان الذي لا يصلح إلا لطاعة الأوامر، لا يستحق أن يعيش حياة كريمة، لأنه عبد بالفطرة كما يقول المعلم الأول، ومعلم كل الأجيال، أرسطو العظيم.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوديسة هومير 1
- حكم المواشي وحكم البني آدميين
- الديموقراطية ونظام نقر الدواجن
- عندما كانت مصر جميلة
- كيف ولدت الشمس وكيف تموت
- الدستور وُضِعَ فى ظرف استثنائي، وبنوايا حسنة
- أوريستيا - ثلاثية أسخيليوس - أجاممنون
- دعوة لسماع الموسيقى الكلاسيكية الغربية
- لو كان ابن سلمان حصيفا
- تيران وصنافير ومبدأ فصل السلطات
- إلتماس إلى جوبيتر العظيم
- فرعون مصر المفترى عليه
- هذا ما تفعله السلطة بنا
- تفجير كنائس المحروسة، خط دفاعها الأخير
- تأثير نظرية التطور على الفكر المعاصر؟
- هل الأخلاق شئ ضروري لبقاء الإنسان؟
- فكرة داروين الخطرة
- روحي أنت طالق
- دعوة لقراءة شيكسبير: العاصفة
- الفلسفة البراجماتية


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الهروب من الحرية طلبا للأمان