أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - المشرحة














المزيد.....

المشرحة


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1490 - 2006 / 3 / 15 - 10:56
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


قادماً من إمبراطورية صربيا الكبرى، وما تبقى من أوصال الاتحاد اليوغوسلافي المنقرض، ككل البنى الصورية والعقائدية الجبرية، إلى زنزانة عزلاء في لاهاي، ظلّ الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش يتعرض حياً للتشريح السياسي في "الهايغ"، ولاسيما على مدى الأعوام الأربعة الماضية، قبل أن يدخل، جثة هامدة خرساء، فعلياً، إلى غرفة التشريح الطبي الحقيقي، ويتعرض للتشطيب والتقصيب وتقطيع الأوصال، تماماً كما حاول أن يفعل هو سابقاً بشعوب البلقان. ومن نافلة القول أنه قد كان قبلاً قد أعمل مباضعه، ومقصاته، ومشارطه القومية والعنصرية، وأدواته الإجرامية في جسد تلك الأقليات، والإثنيات المنكوبة التي أُجبرت على الانضواء، وبخطأ تاريخي ذات يوم، تحت راية شيوعية خاصة من انتاج الاتحاد اليوغسلافي الذي أسسه الماريشال المتمرد جوزيف بروز تيتو، والذي تجلى بتيّار عدم الانحياز كرد يائس في عالم الاستقطاب الطاغي الذي كان سائداً بين الشرق والغرب ذات زمان.

وكجميع الحمقى والموتورين والعميان، في التاريخ الإنساني المديد لم يتعظ "مجنون ميرا"، ومهووس صربيا الكبرى بما آلت إليه الفاشيات القومية والعنصرية التي جسدها هتلر وموسيليني، والتي فتحت أكبر محرقة بشرية في تاريخ الإنسانية جمعاء، وظل حتى وقت قريب، بعض من رموزها العنصريين الفاشيست يتعرضون للتشريح السياسي والقانوني، ويدخلون إلى المشرحة الأممية جماعات وزرافات ووحداناً. وأراد أن يجرب، نفس الألعاب النارية الحمقاء، التي أحرقت الأخضر واليابس، ولكن في نفس الوقت، أصابع كل من حاول أن يلعب بها، ويقترب منها.

ولعلها من مفارقات القدر النادرة، وصدف السياسة العجيبة فقط، وتاريخ التشريح القانوني، أن تتم محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ويتعرض نظامه للتشريح القانوني والسياسي والإعلامي، في نفس تلك اللحظة التي كانت تتجه فيه السيارة المحملة بجثة ميلوسيفتش إلى المشرحة الطبية الفعلية في لاهاي. ففي المشرحة القانونية، والإعلامية حيث كان مبضع القاضي العراقي رؤوف عبد الرحمن، ورئيس هيئة الإدعاء العام الأستاذ جعفر الموسوي، يعمل تشريحاً بواحد من أكره الأنظمة الشمولية التي ظهرت في التاريخ البشري، وكانت أكثرها سادية، ودموية. ومهما تكن نتائج أية عملية تشريح سياسي وطبّي وإعلامي، فإن مجرد الدخول إلى أية مشرحة، ومن أي باب كان، لهو دليل على وجود شبهة ما، وانحراف، وضلال وعرضة للقيل والقال والاتهام، وعلامة على دنو الأجل السياسي، واقتراب ساعة الحقيقة الكبرى، التي حاول هؤلاء، طويلا، إخفاءها عن الناس.

ولن نضيف شيئاً جديداً، وعبقريا، لو قلنا بأن ميلوسوفيتش، ومن بعده صدام حسين، كانا، حتى الآن، أبرز ضحايا النظام العالمي الجديد وعملية افتتاح المشارح، في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، التي كانت هي الأخرى عرضة لعملية تشريح كبرى، أظهرت كل تلك العيوب والنواقص التي كانت تتضخم، وتتورم، بجوفها بعيدا عن كل أنواع الرقابة، والإشراف الطبي والقانوني والإعلامي. وأن ذاك السقوط كان، بحد ذاته، محفزا، وإيذانا بافتتاح كل تلك المشارح التي يبدو أنها تزدهر في غير مكان، ولن تغلق في القريب العاجل. ويبدو أن مهنة التشريح السياسي، والإعلامي، والقانوني قد ازدهرت أيما ازدهار، في هذه الآونة بالذات، بعد أن كانت التورية، والتمويه، وإخفاء الحقائق، والهروب من العقاب، والتلطي خلف الشعارات هي القاعدة، والمعيار.

وفي الحقيقة ليس من العدل أبداً الحكم على الناس من خلال ولائهم، وانتمائهم، وحبهم لأوطانهم، وحتى عصبيتهم القومية أحياناً، وليس من المعيب أبداً، أن يتفانى أي كان في حب وطنه والإخلاص له، إلا أن الخطر الداهم والحقيقي يتأتى حين يحاول أي كان أن يفرض عقيدته، ورؤيته، وعصبيته، ويحارب الآخرين ويصادر أمنياتهم، وأن ينكر عليهم تطلعاتهم، ويحبط آمالهم، ويطوع رغباتهم ويعمّد كل ذلك بالموت الزؤام، ودماء الضحايا والأبرياء، إظهاراً للنقص، وإرضاء لغرور الذات، والعقد النفسية الشنعاء، والنرجسية الفاشية العمياء. وهذا، بكل أسف، ما حصل مع الرئيسين الذين تصادف وجودهما في المشرحة، بمفهومها الرمزي العام، بذات الآن.

لقد فتحت العولمة الجامحة، والنظام العالمي الجديد، وهو ليس أمريكا بالتحديد كما سيقفز فوراً بعض الأذكياء، أبواب المشرحة على مصراعيها، التي ستظهر ما لدى بعض الأنظمة من عقد، وشذوذ، وانحراف. ولم يعد من الممكن بعد الآن ارتكاب أية جرائم، ومن أي نوع كان، دون أن يتعرض مرتكبيها للتشطيب، والتجريح، والتشريح، وسبر الأغوار.

والسؤال المهم، هل سيتعرض القائد المهيب الملهم للتشريح الطبي الفعلي بعد هذا الكم الهائل من التشريح العام، أم يقف الأمر عند هذا الحد من التشريح القانوني؟
سؤال ستجيب عنه الايام القادمة.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سمر يزبك:تكريم المرأة على الطريقة السورية
- أحزاب العرب الكوميدية
- إلى ظبية فراتية
- تحررالمرأة بين الواقع والأحلام
- الاعتقال هو الحل
- أنا سوري آه يا... شحاري
- الحراك المذهبي والسنيّة والشيعيّة السياسية
- ما هكذا الإجحاف يا سيريا نيوز
- العراق: العبور الشاق، والمخاض العسير
- أطوار الزمان الغريبة
- أسافين المعارضة السورية
- ماكيافيلية الإخوان:رد على د.خالدالأحمد
- خدام - البيانوني: تطبيع الفساد، أم تعويم الإخوان؟
- مخاتير الوزارات السورية
- خبر عاجل:ملاحقة خدام بتهمة إقلاق راحة الجوار
- هل تتخلى أوروبا عن علمانيتها؟
- الفالانتاين.....دعوة للحب
- حفلات التعذيب على الطريقة الديمقراطية
- متى يعتذر رسامو الكاريكاتيرات المسلمون؟
- التغيير وكيس الوزير


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - المشرحة