أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماهر رزوق - ترويض الشعوب














المزيد.....

ترويض الشعوب


ماهر رزوق

الحوار المتمدن-العدد: 5840 - 2018 / 4 / 9 - 02:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تحدثت من قبل في مقالات سابقة عن الارتباط الوثيق بين الرضوخ السياسي و القناعات الدينية التي تدعو إلى الرضى و القبول ، و عدم الاعتراض و التشكيك ... و مازلت حتى الآن في صدد هذا البحث الذي يطول الحديث عنه و ربما لا ينتهي ...

في كتابه (تعديل السلوك) ، يتحدث الدكتور جمال الخطيب ، بشكل غير مباشر عن فكرة ترويض الشعوب ، التي عنونت المقالة بها ، و يشرح بالتفصيل الآلية التي تعتمدها السلطات بكافة أنواعها لتحقيق هذا الهدف ... و إحدى أهم الأفكار التي يتحدث عنها هي (كلفة السلوك) Cost of Behaviour و سأحاول شرحها هنا بطريقتي الخاصة لتتوافق مع أفكاري المطروحة في مقالات سابقة ...

تعمد الأنظمة الاستبدادية إلى تأسيس هيبة لكيانها و بث الرهبة في قلوب الشعوب التي تحكمها بشكل مستمر ... إما عن طريق التهديد الصريح ، أو تناقل الاشاعات أو السماح بالمسرحيات و المسلسلات التلفزيونية التي تحاول بطرقها الساخرة أن تؤكد الخوف من السلطة و خطر التحدث عن أي شيء يخص الحكومة أو الدولة ... و هذه الأساليب كلها تحاول أن تنبه المواطن إلى الكلفة الكبيرة التي سيتم دفعها مقابل كلمة بسيطة قد تبدر عنه في لحظة غضب ... و أن هذه الأنظمة و كل رموزها لا تتسامح أبداً مع أي خطأ مهما كان بسيطاً ... كما أنها لا تنسى و لا تغفر حتى لو بعد سنين طويلة ، أي أن الهرب إلى خارج البلد و الابتعاد عن الانظار لفترة معينة لا يقي المواطن حقدها و عقابها المقرر ...
و هذه الأساليب ليست حكراً على الأنظمة المستبدة فقط ، بل إنها موجودة منذ زمن طويل و لربما اعتادت عليها هذه الشعوب و لم تعد تستهجنها ، بل على العكس ، إنها تعتبرها تصرفاً طبيعياً ، و حتى أنها تصبح هي بنفسها الرقيب على أفكارها ، كما أنها توجه اللوم للمواطن الضحية بدلاً من توجيه الاتهام للجاني ... فهي تعتمد مبدأ (أعذر من أنذر) ، و أن المواطن الذي يعرف قسوة حكومته ، لماذا يقدم أساساً على نقدها و توريط نفسه في مدارات عقوباتها العجيبة ....

و الحقيقة أن هذا التعود له مصدر أساسي ينبثق منه ، و هو الدين و تعاليمه التي تدعو إلى كل ما ذكر سابقاً ، حتى قبل ظهور الأنظمة الحالية بشكلها الحديث ... فالله نفسه (يمهل و لا يهمل) ، و حتى أنه قد يعاقبك بأطفالك الذين لا ذنب لهم !! ... كما أنه يعدك بعقاب أبدي في نار جهنم ، عقاب لا نهاية له و لا سبيل إلى إيقافه ، بعد أن فقدت فرصتك الأولى بالتوبة في الحياة الدنيا ...

و هناك فكرة أخرى تحدث عنها د.جمال الخطيب ، في نفس الكتاب المذكور ، و هي فكرة مكملة للفكرة السابقة ، و هي فكرة (تعميم السلوك) Generalization of Behaviour ، و التي تعني ببساطة أن السلوك الذي اعتاد عليه جيل معين من تلك الشعوب ، يقوم بتعميمه على الأجيال اللاحقة ، بحيث يصبح الجميع و كأنهم نسخة واحدة عن أصل معين ... و هنا يرقى مستوى الردع عند تلك السلطات ليطال المواقف و النوايا ، و ليس فقط سلوك البشر ... و طبعاً يكون ذلك الردع باتجاه المستبد و رموزه كلها ، و ليس هو وحده ...
و هذا طبعاً ما كان و مازال يقوم به رجال الدين ، عن طريق خطبة أيام الجمعة ، و الندوات الدينية التي تقام في الجوامع أو تبث على القنوات التلفزيونية ، حيث يتم نشر أفكار الموروث الديني و توعده بالعقاب الشديد في الآخرة ، و عقوبة الدنيا طبعاً للخارج عن الملة و الشاذ عن الجماعة ...

و هذه السلطات جميعها (الدينية و السياسية) تعمد دائماً إلى تقوية الشعور بالذنب لدى الشعوب التي تحكمها ... فالذنب يرافق المخطئ لمجرد الشك أو بوادره ، و ممكن أن يتطور الأمر به إلى معاقبة نفسه على أخطاء لم يقترفها حتى ، و إنما لمجرد التفكير بتلك الأخطاء !!
و كأمثلة على ذلك ، لدينا ممارسات الشيعة (الاثنى عشرية) في يوم عاشوراء ... حيث تعاقب الجماهير نفسها على خيانة لم ترتكبها ، فيبكون و يلطمون و يغرقون في شعور الذنب المؤلم ...

هناك أيضاً فكرة أخيرة يطرحها الكاتب ، و تشكل الخطوة النهائية في تلك العملية المتكاملة ، و هي آلية (ايقاف التفكير) Thought stopping ، و هذه الآلية تعتمد مبدأ الرقيب الذاتي ، و هذا الرقيب ينشأ بعد فترة طويلة من التخويف و الترهيب ، و في هذه العملية يتم تجريم الوساوس التي تراود الفرد ، و تجريم عملية الشك التي تعتبر الأساس في طريقة التفكير المنطقي العلمي ... و هنا ينتج لدينا المؤمن الآثم ، في مقابل المواطن الخائن ، كثنائية متوازية و متقاربة تكمل إحداهما الأخرى ... و كل هذا يؤدي إلى إيقاف عملية التفكير نهائياً ، خوفاً من التورط في المحظور و المحرم الذي تفرضه الأنظمة و الأديان التي تعتبر هذه الشعوب مجرد أطفال يجب قيادتهم و توجيههم كي لا يخطئون ...



#ماهر_رزوق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية ذات القطب الواحد و الحرية المطلقة
- مقطع من روايتي : الصوت الغريب
- التعليم في المجتمعات المتخلفة
- عقدة النقص بين الاستلاب الديني و السياسي
- ثقافة الفضيحة وهشاشة المجتمعات المتخلفة
- قصيدة : الظهور الأخير
- تساؤلات ضرورية (3)
- ثقافة العيب و علاقتها بالخضوع السياسي
- هذه الأنظمة من هذه الشعوب ...
- فادي عزام : خسرت البوكر و ربحت قلوبنا
- العصبية و الخطر الوجودي
- جرأة الرواية العربية المعاصرة
- التمرد أم الثورة ... أيهما أجدى ؟؟
- السلوك العنيف وعلاقته بالتخلف
- العدوانية كوسيلة لإرضاء الغريزة
- نصوص تخنق العدم و تجتث الحقيقة
- معايير التكفير بين الأمير و الفقير
- الانجاب بديلاً عن الانجاز
- في الخرافة و التخلف
- البطل العربي


المزيد.....




- زيارة مفاجئة فجرا للرئيس التونسي إلى المزونة والهدوء يعود إل ...
- البنتاغون يعلن تخفيض وجوده العسكري بسوريا إلى ألف جندي
- قاضية تمنع إدارة ترامب من إجراء تغييرات على جوازات سفر -الأم ...
- إعلام: المسودة الأمريكية لصفقة أوكرانيا لا تتضمن ضمانات أمني ...
- خبير عسكري: الجيش الروسي يقطع شريان حياة المقاتلين الأوكراني ...
- الرئيس الكونغولي السابق كابيلا يعود من منفاه إلى غوما الواقع ...
- -تبت إلى الله-.. تفاصيل التحقيق مع مدرس استدرج طالبة إلى منز ...
- رئيس أركان البنتاغون يغادر منصبه قريبا بعد فضيحة تسريب معلوم ...
- ماكرون يدعو الباحثين من جميع أنحاء العالم إلى اختيار فرنسا و ...
- مجلس الشورى الإيراني: يجب أن يعود الاتفاق مع الولايات المتحد ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماهر رزوق - ترويض الشعوب