|
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5837 - 2018 / 4 / 6 - 21:07
المحور:
الادب والفن
سيرةُ المهرّب العراقيّ، الذي سلّمَ صديقها " فرهاد " لمهرّب الإيقونات، كان لا بد أن تذكّرها بمواطنه؛ " رفيق ". هذا الأخير، لم يكن كريماً إلا وهوَ يعرض فتياته مجاناً على مَن كان يتوهم أنه " حبيبُ السيّدة السورية ". علاوة على ما كان يغرسه غريمها في رأس سكرتيرها السابق من كلام شائن بحقها، كلام كان ينقل إليها على لسان الآخرين. كل ذلك، كانَ بغيَة دفع " فرهاد " لترك عمله لديها. ولكن الرجلين كلاهما، كان يائساً في واقع الحال، يدفعه الإفلاس الروحيّ إلى الانزلاق في مستنقع الوهم.. وكلاهما اختفت آثاره من مراكش، منذ عام على الأقل، مخلفاً جرحاً في روح بعض ساكنيها يصعبُ اندماله. من ناحيته، بقيَ " فرهاد " وفياً لصداقتها على الرغم من ظروفه الصعبة في موسكو، صادقاً في نقل مشاعره من خلال الرسائل. تكتمه، في المقابل، عن موضوع الفتاة الروسية، التي تعرّف عليها متأخراً، أحالته " سوسن خانم " إلى شعور الحَرَج.. شعور، لا يتعلق بها هيَ وإنما بنوع العلاقة مع تلك الفتاة. لقد بقيَ في أعماقه ذلك الرجل الشرقيّ، المتوجّس مما يمكن أن يُظنّ به لو أنه صرّحَ علانيةً بحبه لمومس. ربما كان محقاً لناحية واحدة، لو تذكرنا ما سبقَ وقاساه من شقاء مع مخلوقة مثل " الشريفة "، أخفت سوقيتها بحنكة ومكر لحين أن حبلت منه ومن ثمّ تزوجته.. أو بكلمة أكثر دقة، أخذته خطفاً إبّان كان غارقاً بحب غيرها دونما أمل، مستعملةً الوسيلة النسائية المألوفة: منح جسدها، امتحان أعضائه الأكثر سرانية؛ هيَ من كانت آنئذٍ لا تكاد واثقةً من دافعها الجنسيّ، السَويّ! " كنت قد انتهيتُ من الاستحمام بعدما عاشرتُ فتاةً أعرفها، تعيش في جوار المسكن. لم يكن عليّ إخبارك بشأن الفتاة، لولا أنّ الزائرَ شاهدها تغادر شقتي. قال لي بقحّة أدهشتني، ما أن همدَ على الأريكة: " إنك تتسلى بصحبة العاهرات، فيما الخطيبة المخلصة تنتظرك! "، هذا كلّ ما جاء في رسالته إليها بخصوص الفتاة. أسعدَ صديقته، ولا غرو، أن تكون هيَ مَن فتحَ لها قلبه بحديثٍ صريح، وإن يكن مقتضباً.. فتحَ قلبه بصدق، بدليل أنه كانَ على يقين بأنّ ذلك المدعو، " حبيب "، سبقَ وقطعَ صلته مع مَن كانت تدفع له لقاء تقاريره المرسلة إلى مراكش عبرَ بريد السفارة السورية في موسكو. مع ذلك، دهمها الإحساسُ بالعار لمعرفة " فرهاد " بأمر موظف السفارة، الذي كان مكلفاً بتتبع حركاته في العاصمة الروسية. " ليسَ غريباً على رجل وضيع، رقيع، أن يبيعني مثلما كان أمره مع زوجي السابق. تباً له ولجماعته الجشعة، التي لا يُشبع عيونها الجائعة سوى تراب القبر! "، فكّرت وهيَ تنشُّ ذبابَ الحديقة عن عسل سحنتها بحركة مغتاظة. كانت تأمل إذاً بالحفاظ على صلتهما الروحية، طالما أنّ حبه لها لم ينضج قط، بله وأضحى الآنَ من مخلفات الماضي. هذه العاطفة الجديدة، المحمّلة على أجنحة رمز البريد، عليها كان أن تُبترَ في وقتٍ اعتقدت فيه " سوسن خانم " أنها باتت تنمو لتغدوَ مستقبلاً على غرار " الشعلة الزرقاء ". أليسَ كلاهما أيضاً، كاتباً ومتغرباً، حال ذينك الأديبين اللبنانيين، اللذين تحابا على صفحاتِ خطاباتٍ طائرة فوق البحار والمحيطات؟ ولكن رسائله انقطعت فجأةً، وكانت الصلة الوحيدة بينهما. فانكفأت هيَ إلى تضميد جراح روحها، بالانغماس أكثر فأكثر بالأعمال التجارية. في تلك الأثناء، دأبت صورة الصديق القديم تتلاشى رويداً، يوماً بعد يوم، لتتشكل في محلها صورة أخرى مبهمة، يصعبُ تحديد ملامحها على من كان في مثل الخانم ارتباكاً وحيرة. إنها كانت قد شُفيت بصعوبة من حبّ أحد الرجال، الذي مرّ في ربيع حياتها. تزوجته لأعوامٍ طوال، مع كون علاقتهما العاطفية قصيرة. كانت آنذاك صبية في العشرين، ناضجة بالقدر المتاح لتفاحة الخطيئة أن تنضجَ. " الشيخ سالم "؛ هوَ ذلك الدبلوماسي، الرفيع الشأن، المشار إليه أكثر من مرة في الصفحات السابقة من سيرتنا. لقبُهُ، في العُرف الكويتيّ، يُعادل صفة الأمير. تعرفت عليه " سوسن " عن طريق ابنته، وكانت زميلتها بمعهد اللغات ومقيمة معها في حجرة بمسكن الطلبة. سيارته " المرسيدس " السوداء اللون، اللامعة كالياقوت، حقّ لها أن تجلبَ كلّ مرةٍ أنظارَ زملاء ابنته، الجالسين في بوفيه المسكن الجامعيّ ذي الواجهة الزجاجية، المطلة على الطريق العام. ولأنّ غالبية الطلبة العرب هم ممن يعتنقون الأفكار اليسارية، فقد كان من الواجب عليهم أن يعلّقوا بكلمات متفكّهة على أحد الرموز الرجعية، المنبثق على غرّة مثل شوكية صحراوية قبيحة في حديقة مونقة غرّاء. على أنّ بعض أولئك الطلبة، الذكور، جسّدوا حقدهم الطبقيّ بالتقرب من ابنة الدبلوماسي، وربما بنوع من الشفقة لكونها إنسانة طيبة أتعسها القدَرُ ـ كما وردة متوحّدة في صحراءٍ من الأشواك. " سارة "، وهذا اسمُ الابنة، كانت فضلاً عن سحر سحنتها في غاية السخاء على ملبسها وزينتها. ملاحتها ولون بشرتها الحنطيّ، لعلهما ينتميان لأصل والدتها، الفارسيّ. وعلى نقيض الأب أيضاً، بدت الفتاة بسيطة متواضعة وعلى شيء من الطبع الخجول. إلا أنها لم تخلُ من إرادة في شخصيتها الرقيقة على وجه الإجمال. ولقد أضطر الأبُ الصارم، شديد التحفظ، للرضوخ أمام تصميمها فيما يخص قضاء ليالي وأيام العطلات في المسكن الجامعيّ أو الأماكن المخصصة للطلبة في المنتجع الشتويّ بضاحية موسكو. في ذلك المنتجع، إنما توثقت علاقتها مع زميلتها السورية، " سوسن بيطار ". فلم تلبث فورَ العودة إلى عرين السفارة ( أين يقع مجمع مساكن موظفيها )، أن طلبت من والدها التوسط بنفوذه لنقل زميلتها إلى حجرتها في المسكن الجامعيّ. وكانت تلك أيضاً، فرصة اللقاء الأول بين " سوسن " وزوج المستقبل.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 1
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2
-
الطريق إلى الغوطة
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 1
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 5
-
ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|