|
من دفع َ للزمّار ...
حازم العظمة
الحوار المتمدن-العدد: 1488 - 2006 / 3 / 13 - 09:51
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
ما يحزن في الثقافة العربية أ كثر من غيره هو حالة الإستلاب التام أمام النفوذ ، الشهرة ، المحافل ، " العالمية" ، الأسماء اللامعة ، النجوم ، الشيوخ ، البطاركة ، الخواجات *... ، يكفي تكرار إسم ما عدداً كافياً من المرات أمام المتخلف ، على أن يكون هذا التكرار بالتبجيل الكافي، و على أن يكون التبجيل مدعوماً بالثروة و النفوذ ، حتى يعتبره البدوي ، بمثابة " شيخ" من الشيوخ ، و يتمنى التقرب منه .. ، و لينخرط بعد قليل في مديحه ... ( على طريقة - شيخ شعرائنا- المتنبي ).
نيتشة الألماني ، مثلاً ، تجري إعادة ترويجه بطريقة تستغرب من أين أتت ، و لكن إذا تابعت مراكز ترويج " الثقافة " باللغة العربية و وكلائها ، لوجدت في النهاية أن خيوط الترويج تنتهي على الأغلب إلى مراكز معينة في أوربا ، و غالباً إلى مراكز " إرشادية" أو " استشارية " في أمريكا ... ، أعني أمريكا بوش و المكارثية – الجديدة - و صِدام الحضارات .... و بصورة مستقلة عن الشعر الثقيل و الكئيب الذي لنيتشة ( هذا سيعتبره الآن شيوخ الثقافة الموهومة تجديفاً ما بعده تجديف .. ) , هذا الشعر الفارغ إلا من حكم بطريركية ، و " تأملات" و جودية من النوع الأشد إبتذالاً ، نيتشة هذا هو في أساس العنصرية الألمانية ، و كل عنصرية أخرى بطبيعة الحال ، و هو الذي يمثل ، أحسن ما يمثل تيار الفلسفة الألمانية الذي كان جزءً من التيار النازي ، و " الدليل" النظري للذين ، في الثقافة ، مهدوا لصعود الهتلرية .. و مع هذا ، و رغم هذا، ستظل تظهر في صحافتنا الثقافية المقالات إثر المقالات و الدراسات بعد الدراسات في شرح و إعادة شرح هذا الشيخ الجليل ...
إلا أن الإتجاهات الأمريكية الأشد محافظة هي ، في الأصل ، من يروج لنيتشة الآن ، و نحن كالببغوات نهز رؤوسنا ، مدعين الفهم و " الإطلاع " ، تماماً مثل الشيوخ في المجالس البدوية حين شيخهم يسرد لهم " سالفة" ما أو حكمة ما فيهزون رؤوسهم .. طويلاً
قبل هذا ألم نعجب – يُعجبوا - أيما إعجاب بـ " لورنس العرب" ، بإعتبار" حكمته" ... و نصّبناه - نصّبوه – " شيخاً "كبيرًا ... ، و ليس لمجرد أنه كان يوزع الدراهم و الأسلحة بكرم عظيم... بل أنه أخذ يتصرف ، إمعاناً في الهزء و في العنجهية ، على أنه فعلاً شيخ بدوي ... ،كأن يلطم قفاه كل قليل في المجلس كما يفعل " الشيوخ" و يتظاهر بأنه أمسك قملة هناك في نقرته ... فيفركها و يرميها أمامه في المجلس ...
ثمة أسماء بعينها ، تكتب في الصحافة العربية الثقافية ، هي التي تلتقط هذه الخيوط ( خيوط الترويج للثقافة الأمريكية ، ثقافة الرأسمالية في مرحلة الإمبراطورية تحديداً )، و هذه هي التي تروج بطريقة تبدو منهجية لاتجاهات بعينها و لأسماء بعينها ... ، لن أذكر إسماً محدداً ، ولو كمثال ،لأن الموضوع لا يتعلق حقاً بأشخاص ، ما أتناوله هو الظاهرة ... ، أحد هؤلاء يبدو لك و كأن لديه قائمة طويلة و تنتظر النشر بالتسلسل ( و كأنه يغرف من ملف معد سلفاً )، للشعراء الذين كانوا أو ما زالوا ، معادين لليسار و للشيوعية ، القيمة الشعرية لهؤلاء ملتبسة غالباً ، إلا أن أجهزة الدعاية التابعة للإستخبارات الأمريكية روجت لهم بكثافة ، قبل و بعد سقوط الأنظمة المسماة " شيوعية" في أوربا الشرقية و روسيا ، و في كل مرة ، من خلال التقديم ، الذي يبدو و كأنه بإهتمام أدبي و ثقافي فحسب ، تجري إعادة تذكيرنا بالأ نظمة الساقطة هذه و تجري إعادة تعليمنا أبجديات المفاهيم الأمريكية عن " العالم الحر " و " الديموقراطية" الأمريكية ...و حتى عن التجارة " الحرة" ... سولجنستين مثلاً جرى التطبيل له على نطاق غير مسبوق حين كان " منشقاً " ، و إستخدم هكذا أداة في الحرب الباردة ، بعد إنهيار النظام السوفييتي لا يكاد أحد يذكر اسمه الآن من الأوساط التي أعتبرته في وقت ما عبقرية لن تتكرر ، السبب أنه الآن يصرح بوضوح بأن أسوأ ما حدث لروسيا كان انهيار الإ تحاد السوفييتي ... و أن الحضارة الرأسمالية الأمريكية متوحشة و معادية للإنسانية ...
من لديه شك في دور الإستخبارات الأمريكية في الثقافة عليه أن يراجع كتاب الباحثة الانجليزية فرانسيس ستونر سوندرز ، صدر سنة 2002 بعنوان " من الذي دفع للزمّار " و هو يتحدث عن إنخراط وكالةالمخابرات المركزية الأمريكية في تمويل الثقافة في فترة ما يسمى بـ "الحرب الباردة " ، و عن دور الإستخبارات في إشهار أسماء بعينها و إتجاهات ثقافية و تيارات ، و مجلات ثقافية و معارض تشكيلية ، و الميزانيات التي خصصت لذلك لا تصدق : مئات ملايين الدولارات المخابرات المركزية الأمريكية أسست عشرات المجلات الثقافية ومن بينها مجلة " حوار "، ( الشقيقة الصغرى لمجلة إنكاونتر ) التي كانت تصدر في لبنان واستكتبت المجلة عددا هائلا من " كتاب النخبة " بسبب سخاء مكافأتها، ومن المعروف ان يوسف ادريس أثار ضجة هائلة بسبب رفضه لجائزة المجلة والتي كانت تعني مبلغا محترما للغاية .... مجلة " حوار ليست الوحيدة – في حينه- و هي ليست الوحيدة الآن خاصة ً...
نحن لا نفهم العصر و لا نفهم الحضارة ، ، و مصابون بعقدة " الدْونية " ، مثلاً لا نفهم لماذا كُـتابنا مغمورون هكذا في العالم ، فيما لا نعترف بهم ( إلا بعد أن يعترف بهم الغرب )، بل و نحط من شأنهم لهذا أو لذاك من الأسباب ...
، لا نستطيع أن نواجه أنفسنا بطريقة واقعية ، و نشك بجدارتنا بكل شيء ، نشك بعدالة و جودنا إطلاقاً و إذا قال عنا " الأجانب" شيئاً نكاد نصدقه و لا نصدق أنفسنا ... لأن " الأجانب "لم يقولوا ... أو لم يوافقوا ... ، و نطير فرحاً إن أعجبهم شيء لنا .... الوجه الآخر لهذه العملة – شكلها الثاني- هو " النكوص" و هذا يعني أن صدمة الحضارة و صدمة الحداثة أصابتنا بالإنسحاب ... و التقوقع ، أي أننا في هذه الحالة نغمض أعيننا ، و نغلق النوافذ و الأبواب ، لا نرى إلا " تراثنا" – دينياً أو قومياً لا فرق كبير – و نردد أننا " خير أمة أخرجت للناس " و غير ذلك ... و نرفض المدنية و نرفض العصر و نرتد إلى الماضي و هو ماض على الأغلب موجود في رؤوسنا – أو هكذا رأيناه- حسب ُ...
* قبل أن يحوز نجيب محفوظ عل " نوبل" بالكاد إكترث له ، بهذا الإهتمام ، أحد كل هؤلاء " النقاد" الذين الآن لا يكادوا يتوقفون في مديحه و إعادة مديحه .. نفس الظاهرة تجدها في ما يتعلق بأدونيس ( الذي بفارغ الصبر ينتظر الجائزة نفسها)، فالإهتمام بأدونيس لم يبتدء على نطاق واسع إلا بعد أن أصبحت واضحة " أهميته" لدى بعض الأوربيين و خاصة بعض الفرنسيين الذين ترجموه و من ثم وجدوه " يحقق" الـ " نمط" المكرس عن " الشرق" الذي لم يتخلص منذ ما قبل القرن التاسع عشر من سحر " ألف ليلة و ليلة " و التي أصبحت بدورها نمطاً " كولونيالياً " عن كيف تفكر بالشرق –أعني كيف تفكر "استشراقيا"َ بالشرق - مخلوطاً بالغموض التهويمي ... و الماورائية ، و بالجنس بمفهومه " الحريمي " و بألغاز الكتب الباطنية
#حازم_العظمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
5 ملايين دولار هدية للنظام لا للمعارضة
-
فندق بين الشيح و البحر
-
هنتنغتون في صراع السنة و الشيعة !
-
جدارٌ بجانبيه زُرقةُ البحر
-
أربع محاولات في تعريف الشعر
-
الدعم الأمريكي المزعوم لحركة فتح ما أسقطها في الإنتخابات
-
لماذا إسرائيل تصر على الدعاية ل و بالنيابة عن -حماس-
-
عن الليل و الخيل و التين و ..-شاغال-
-
كومةٌ من أنصافِ برتقالاتْ حول زجاجةِ باكاردي فارغة ْ
-
شارع النهر
-
النُخب الثقافية العربية : آخرُ من يصِل
-
الديموقراطية بصفتها إعادة إنتشار عسكري أمريكي على مستوى العا
...
-
الأشياء طويلة و مائلة
-
أسطورة الإنتحاريين و الحزام الناسف
-
الجَدْي
-
ديموقراطية ال 80 مقالاً كل يوم
-
لماذا الإسلاميون يفوزون في الإنتخابات المصرية ...
-
مقاولون أمنيون
-
في غفلة ٍمن مستبدي العالم
-
من هي الجهات التي تتهمها الحوار المتمدن ...
المزيد.....
-
الكونغو الديمقراطية: غوما تحت سيطرة المسلحين … دمار ونهب وال
...
-
قولوا وداعًا لأمريكا.. ترامب يُعيد تهديد مجموعة -بريكس- إذا
...
-
الخارجية الروسية: إجراءات شطب -طالبان- من قائمة الإرهاب مستم
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على أهداف لـ-حزب الله- في الب
...
-
بريدنيستروفيه ومولدوفا تتفقان على خطة أولية لتوريد الغاز
-
أبرز مواصفات الهاتف الجديد من -Nothing-
-
اكتشاف بكتيريا خطيرة في بعض منتجات الدجاج التي تورد إلى روسي
...
-
-فينشينزو.. رجل المافيا-.. عدالة العصابات وتهجير السكان لاست
...
-
العبور من الثورة إلى الدولة في سوريا
-
سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية العام
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|