|
عديقي اليهودي 30 * يوم الحب والألم!
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 5837 - 2018 / 4 / 6 - 02:31
المحور:
الادب والفن
استفاق عارف على مكالمة هاتفية من زوجته الأولى تهنّؤه فيها على السلامة والوسام . ثم جاءه هاتف من صديقة فرنسية . وآخر من صديقة سورية ، ثم تلقى هاتفا من زوجته النمساوية ، تبعه آخرمن صديقة ألمانية، وقبل ان تبلغ الساعة الحادية عشرة صباحا كان قد تلقى قرابة عشر مكالمات من زوجتيه وصديقات وعشيقات سابقات . بحيث أطلق على يومه هذا يوم الحب والألم لتذكره بعض ماضيه وما جرّه عليه من أفراح وأتراح ! دهشت سارة وهي تستمع إلى المكالمات وتبادل المشاعر التي مرعلى بعضها عقود وما تزال الصداقة قائمة . تساءلت سارة بدهشه : - حبيبي كيف استطعت أن تحافظ على علاقات طيبة مع مطلقتيك وبعض صديقاتك؟ " ههههههه " ضحك عارف وأجاب : - هن من يحرصن على ذلك حبيبتي لأنهن طيبات .. أما أنا فكنت عاقاً وفاشلا في علاقاتي العاطفية ، كنت أقرب إلى عاشق بلا حدود ! - وما الذي دفعهن إلى الإبقاء على صداقتك ؟ - ليس هناك غير صدقي يا حبيبتي . كنت صادقا مع زوجتيّ وصديقاتي، وصادقا مع الناس . يمكن القول أنني كنت أعيش بوجه واحد أظهر به أمام الجميع . - كيف ؟ - لا أكذب ! - ألم تكن تخاف المجتمع ؟ - لا أظن ! أو لم أكن مباليا على الأغلب، ثم إن نمط حياتي لم يكن معروفا للناس، وإن كان ذلك ينعكس في بعض أحلامي أحيانا وخاصة حين أقدم على أمرغير مألوف للناس، لكني مقتنع بصوابه . ليس هناك موقف يتناقض مع الأعراف الظاهرة للمجتمع إلا وله ثمن شخصي يدفعه المرء بدرجات متفاوته . ربما من كان بلا إحساس لا يكترث للأمر ، وخاصة فيما يتعلق بالدين وحريّة المرأة والجنس ! - ماذا تقصد بالأعراف الظاهرة للمجتمع؟ - ظاهرالمجتمعات المتدينة غيرباطنها ، فالظاهر تدين وأخلاق عالية ، والباطن أمرمختلف ، تقدم فيه النفس على ما يلبي رغباتها حسب ما يتاح لها.. معظم الناس يصلّون ليس بدافع الإيمان ، بل بدافع الخوف من عذاب جهنم ، أو التكفيروالإلحاد وما شابههما من قبل المجتمع . ما يجعلهم يحيون في ظل رهاب ديني اجتماعي. - أليس هناك من يصلّي بدافع الذهاب إلى الجنّة أو غايات أخرى كالإيمان مثلا ؟ - أعتقد أن هؤلاء الفئة الأقل في المجتمعات . - لنعد إلى الصدق . هل بوسعك أن تذكرلي مثلا عن صدقك مع النساء ! - لماذا هذا الإحراج حبيبتي ؟ - هل تخجل منّي ؟ - لا ، لا أخجل ، المشكلة الآن أنني لست الرجل الذي كنته في ما يخص علاقتي بالمرأة ومسائل أخرى ، أكاد أن أكون زاهدا في كل شيء، ومنذ قرابة عقدين من الزمن . حياتي بعد سن الأربعين بدأت تتغيرإلى حد كبير . سأذكر لك بعض القصص.حين أحببت ذات يوم روسية خارقة الجمال اسمها جينيا ، كنت في موسكو حينها ، وفي حدود الثامنة والعشرين من عمري وهي في التاسعة عشرة ، سألتني قبل أن تقيم علاقة معي " هل أنت متزوج؟" قلت لها ما لم تتوقعه " أنا متزوج وأحب زوجتي ، وكلما أحببت غيرها ، أحببتها أكثر" أدهشتها الإجابة المعقدّة التي لم تسمع مثلها من قبل . تغدينا معا.. ومن ثم ذهبنا لممارسة الحب ! - فعلا . أمر غريب ، لكنه ينم عن صدق ذكوري . لكن كيف تعرفت إليها ؟ - أعجبني تعليقك " صدق ذكوري " فأنا كنت ابن الذكوريّة وتربيتها، وإن حاولت التخلص مما أورثتني ! أمّا عن التعارف ، فقد كنت أتجول في معرض لمنتوجات مختلفة للجمهوريات السوفيتية .. ولفت انتباهي جمال فتاة ترتدي ملابس صفراء كملابس رواد الفضاء . تحرشت بها بالإنكليزية متسائلا عما إذا كانت تجيدها ؟ أجابت بعد أن لمست طريقتي المهذبة في التحرش: أجل ! قلت لها: أنا سائح ولا أعرف شيئا هنا ، فهل بإمكانك مرافقتي لمساعدتي؟ قالت : بكل سرور! - وماذا أيضا ؟ - حين قررت فتاة نمساوية أن تقيم علاقة حب معي ، قلت لها حتى لا تبدو ذات يوم وكأنها مخدوعة أمامي : أنت لست الأولى ولن تكوني الأخيرة ، فهل تقبلين إقامة علاقة حب معي على هذا الأساس ؟ قبلت . لكنها سألتني : وماذا عنّي أنا ؟ قلت لها أنت مسؤولة عن نفسك بالتأكيد وحريتك بيدك ! - ماذا حدث بعد ذلك ؟ - مارسنا الحب كالعادة ، لكن ، وحين سافرت لبضعة أسابيع ورجعت ، سألتها عما إذا مارست الحب مع أحد خلال سفرها . قالت أنها مارسته مع رجل . ولم أجد نفسي إلا وأنا أبكي من أعماقي ! فوجئت بالأمر . لم تتوقع أن يكون الأمر مؤثرا عليّ إلى هذا الحد . تأسفت وقالت أنها لن تفعلها ثانية . قلت لها وأنا أبكي : أنت تمارسين حقك في الحياة في أن تكوني حرة يا حبيبتي ، وأنا مع هذه الحرية ، لكن هناك ثمن أورثنا إياه المجتمع الذكوري ، وينبغي أن ندفعه ، ونتحمل فيه عواقب سعينا إلى التحررمنه ! أنا لست عطيل ، وأنت لست ديدمومنة ! نحن بشريا حبيبتي ولنا أهواؤنا وأمزجتنا وتطلعاتنا ورغباتنا ، وينبغي أن نعيشها قدرالإمكان دون الإساءة للآخر، حتى لو كانت تتناقض مع أعراف اجتماعية بالية ، وتربية ذكوريّة متخلفة ! ضمت سارة رأس عارف إليها وقبلته . تساءلت : - كيف تعرفت إليها ؟ - كانت تسأل عني في دمشق وتحمل كتابا مترجماً إلى الألمانية يحتوي بعض قصصي ، فهي كانت تعد رسالة ماجستيرعن القصة الفلسطينية . - هل هي من تزوجتها ؟ - أجل ! - يبدولي أن الغيرة الجنسية غريزة في الإنسان أكثر مما هي اكتساب مجتمعي . - صحيح . لكن التربية قد تساعد على تنميتها أو الحد منها . فلا يعقل أن يقدم رجل على قتل زوجته لمجرد الشك أو حتى الخيانة الزوجية . وجرائم القتل الأخرى التي ترتكب ضد الأخوات والبنات بدوافع الشرف، لها علاقة ما بالغيرة أيضا وليس بالشرف! ويندر أن نجد رجلا قتل من قبل امراة بدافع الغيرة أو الشرف . فالمرأة قادرة على تحمّل غيرتها على الرجل . - ربما تبكي كما حدث معك حبيبي. إنها ردة فعل جميلة وإنسانية كما أرى ! - ليس هناك ما هو أصعب من أن يكون الإنسان منسجما مع فكره . المجتمعات لا تخرج من حالة اجتماعية أو نظام اجتماعي محدد ، إلا بثورة ، أو شبه ثورة . كم من الصراعات والثورات وشبه الثورات حصلت في أوروبا ، لعزل الدين عن الدولة ، وتحريرالمرأة من حزام العفّة الفظيع الذي فرضته عليها الكنيسة والمجتمعات الذكوريّة ؟ - لم أسمع عن هذا الحزام وأكاد لا أصدق أنه كان يستخدم ! - بل كان يستخدم وعلى نطاق واسع عند خروج المرأة من البيت أو غياب الرجل، وخاصة من قبل المحاربين المشاركين في الحروب . كانوا يرغمون زوجاتهم على ارتدائه وإقفاله بقفل حديدي يحملون مفتاحه معهم ! - أمر فظيع ، أقرب إلى الأساطير! كيف كانت المرأة تحتمل كل هذا العذاب ، خاصة وأن المحارب قد يغيب شهورا وربما سنة عن البيت ؟ - أكيد كانت حياتها مأساة وخاصة مع اللواتي يوضع عليهن حزام حديدي وليس جلديا! - هل كان العرب يستعملونه ؟ - لم يرد ما يؤكد استخدامه على نطاق واسع ، ليصبح حالة اجتماعية كما في أوروبا وحتى الصين والهند حسب ما قرأت ، وإن قيل أن الأشوريين والفراعنه استخدموه . ربما استخدم بشكل محدود. تروى في بلدتنا طرفة عن أحد الأجداد ، أنّه أخاط فرجي زوجتيه حين ذهب إلى الحج . وكانت إحداهما عفيفة والثانية ليست كذلك ، فقامت هذه بفك الخيوط ومارست الجنس. وحين عاد الحاج ، استقبلته زوجتاه بالرقص والغناء وضرب الدّف. غنّت غيرالعفيفة قائلة " من فرحتك يا بوعلي وتقطعن قطبانه " وغنّت العفيفة " من فرحتك يا بو علي برقص وقطبانه فيه " راحت سارة تضحك .. تساءلت : - ألم يكن هناك حزام عفّة للرجل ؟ - قرأت أن الكنيسة فرضت ذلك أيضا على الرجل في أوروبا حتى لا يمارس العادة السّريّة ، وأشك في أن يكون الأمر قد طبق على نطاق واسع ! ربما من قبل رجال محدودين كان للمرأة سلطة عليهم . الجنس في الحضارات القديمة كالسومرية والبابلية كان يمارس بشكل جماعي في المعابد كطقس مقدس، للتقرب إلى الآلهة ، وهذا يعني أنّه كان يحمل شعوراً روحياً ، وكانت عذرية الفتاة تهب للآلهة ، كما في عبادة عشتار ، حيث كانت العذراء كما يروى تجلس في المعبد أو أمامه منتظرة أول قادم ليفض بكارتها ، كنوع من التقدمة القربانية للإلهة ! - كيف تتصور العلاقات الإنسانية في المستقبل ، فيما يتعلق بالحياة الزوجية والجنسية ومسألة التكاثر ؟ - تطرقت إلى ذلك في بعض كتاباتي . الحياة المادية تطغى على علاقات البشر ، بحيث تكاد الرومانسية والروحانية وحتّى الإنسانيّة بمفهومها الواسع، أن تنتهي من العلاقات الإجتماعية . تصوّرت مجتمعات تنقرض فيها الحياة الزوجية ، لمعظم الناس . وأن التكاثر فيها يتم بوسائل صناعية ، أو عبر نساء مختارات مخصصات للإنجاب ،يطلق عليهن الأمهات ، يمارس الخصب معهن أيضا رجال مختارون ، وتكون الغاية من الممارسة هي الإنجاب. إنها مجرّد تصورات، فلا أحد يمكنه أن يدرك بالضبط ، نمط العلاقات الإنسانية في مجتمعات ما بعد ألف عام أوأكثر .. حتى الآن ما تزال المؤسسة الزوجية هي الأمثل لتكاثر المجتمعات ، والعلاقات الحرّة تظل محدودة ، وإن كانت تكثر مع تقدم الزمن . العلم يفكر منذ عقود في إيجاد مجتمعات بعقول متفوقة ، لا أحد يدرك بالضبط ما نمط العلاقات التي ستنجم عن هذه العقول . يمكن أن يتحوّل الشعور الجماعي إلى شعور انساني .. المسألة تتعلق بنوع العواطف والمشاعر التي ستنتج عن علاقات حرّة. - ألا يمكن لفكر فلسفي كفكرك مثلا يمكن أن يفرز مجتمعات إنسانية ؟ - المسألة تتعلق بمدى صواب الفكر وأخذ الناس به ، فإذا ما ثبت للبشر ذلك ، وأخذوا به ، سينجم عنه علاقات إنسانية عظيمة تخدم الإنسان وتبني مستقبله . *******
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عديقي اليهودي 29 * مبروك يا عارف !
-
عديقي اليهودي 28 * أبطال تراجيديون ، من جليّات إلى ياسر عرفا
...
-
كم أحسد الشعراء ؟ -هلوسات- على هامش السياسة والرواية والشعر.
-
عديقي اليهودي 27 * عارف يرفض وسام دولة اسرائيل ويتقبل وسام د
...
-
عديقي اليهودي 26 *عارف نذيرالحق يرفض استقبال ممثلي السلطة ال
...
-
عديقي اليهودي 25 * فيضان سيل وادي أبوهندي!
-
عديقي اليهودي 24 * حب وقلق وشواء وحجل وشاباك !!
-
عديقي اليهودي23 * الخالق العظيم !!
-
عديقي اليهودي 22 * صباح بطعم القبل!
-
عديقي اليهودي الفصل 21 *موسى يبدأ حياته بقتل مصري تشاجر مع ع
...
-
عديقي اليهودي الفصل العشرون * القتل لمجرد الرغبة في القتل !
-
شاهينيات صعبة وصادمة جدا، في الخلق والخالق!
-
عديقي اليهودي . الفصل التاسع عشر . حالة حب !
-
عديقي اليهودي . الفصل الثامن عشر
-
عديقي اليهودي . الفصل السابع عشر
-
عديقي اليهودي الفصل السادس عشر
-
العقل لبناء حضارة انسانية ولا شيء غير ذلك!
-
عديقي اليهودي الفصل الخامس عشر
-
عديقي اليهودي. الفصل الرابع عشر
-
اوسلو الاولى في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي!
المزيد.....
-
ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في
...
-
تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و
...
-
السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت
...
-
“تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية
...
-
-مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر
...
-
رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر
...
-
بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا
...
-
انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
-
زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟
-
كفن المسيح: هل حسم العلماء لغز -أقدس- قطعة قماش عرفها التاري
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|