|
درويش وكنفاني .. وإشكالية الإبداع في ظل الإلتزام الحزبي
رضي السماك
الحوار المتمدن-العدد: 5836 - 2018 / 4 / 5 - 18:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الثاني من نيسان / أبريل الجاري نظّم المنبر التقدمي البحريني ندوة بمناسبة الذكرى الثانية والاربعين ليوم الأرض الفلسطينية وهو اليوم الذي لعب المناضلون الشيوعيون الفلسطينيون في هذا الجزء العزيز من فلسطين العربية داخل الكيان الصهيوني فيما بات يُعرف ب " أراضي عرب 48 " وهو الجزء الذي عجزت إسرائيل عن طرد سكانه العرب دوراً محورياً لتعبئة الجماهير والتحضير له في الثلاثين من آذار / مارس من العام 1976 لإعلان الإضراب العام احتجاجاً على سياسة مصادرة وتهويد ما تبقى من أراضٍ تحت أيدي هذه الأقلية . وقد نجح الإضراب رغم كل التهديدات والضغوط الاسرائيلية لإفشاله ، ورغم لجوئها أيضاً لفضه بالقمع الوحشي وسقوط ستة شهداء ، واعتقال المئات وفصل العديدين من وظائفهم .. وأصبحت ذكرى ذلك اليوم العظيم بعدما كانت تخص عرب 48 مناسبةً تاريخيةً وطنيةً فلسطينيةً عامة يُحتفل بها سنوياً ويُحيي ذكراها الفلسطينيون كافة في مختلف أماكن وجودهم لتجديد الاحتجاج على سياسة التهويد ليس في أراضي 48 ، بل وفي الضفة الغربية والقدس وللاحتجاج كذلك على سرطان المستوطنات المستشري ، وللتأكيد على تمسكهك بكامل حقوقهم المشروعة غير القابلة للتصرف ومنها حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس وحقهم في العودة . وفي المحاضرة التي القيتها في تلك الاُمسية تناولت الرموز الإبداعية والأدبية التي برزت في الوسط الاجتماعي لعرب 48 من خلال الدور الذي لعبته صحافة الحزب الشيوعي " راكاح " الاتحاد والجديد والغد في احتضان أعمال تلك الرموز الشابة المنضوية تحت لواء الحزب نفسه على صفحاتها ، والتي سرعان ما برزت أسماؤها ونتاجاتها إلى خارج الخط الأخضر على امتداد العالم العربي ، وبخاصة بعد هزيمة 67 بعدما ظلت أعمالها لسنوات غير قليلة مُغيّبة ، أمثال الشعراء محمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران ، فضلاً عن جيل الروّاد أمثال الروائي إميل حبيبي والشاعر توفيق زياد . وقي هذا السياق سنحت لي الفرصة من خلال التفاعل مع مداخلات الحضور أن أتناول ولو بشكل عابر إشكالية العلاقة بين المناضل المثقف أو المُبدع تحديداً والحزب أو التنظيم اليساري الذي ينتمي إليه وذلك من خلال تجربة نموذجين فلسطينيين من المبدعين اليساريين عاشا ظرفين مختلفين من ظروف قضية ومأساة شعبهما ؛ الأول هو الشاعر الراحل محمود درويش وقد كان أحد الرموز الإبداعية الشعرية لعرب 48 ، والثاني هو الشهيد الفلسطيني غسُان كنفاني ، رئيس تحرير مجلة " الهدف " الناطقة بإسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي كانت تصدر من بيروت ، وهو نفسه كان أول من لفت نظر النخبة المثقفة العربية إلى أعمال الرموز الإبداعية لعرب 48 في كتابه الذي أصدره عام 1966 الموسوم " أدب المقاومة في فلسطين المحتلة " ، ثم في كتابه الثاني " الأدب المقاوم تحت الاحتلال من 1948 - 1968 " والذي أصدره بعد نكسة 1967 . فيما يتعلق بالنموذج الأول ألا هو الشاعر الفلسطيني محمود درويش فقد برزت مواهبه المبكرة الواعدة - كما ذكرنا آنفاً - على صفحات صحافة الحزب الشيوعي العربية داخل إسرائيل ألا هي الاتحاد والجديد ، لكنه كشاعر ذي أحاسيس مرهفة لم يتحمل الحصار العنصري الخانق الذي تفرضه السلطات الاسرائيلية على عرب 48 وتعرضه للاعتقالات المتكررة الأمر الذي يحول دون تفجر ينابيع موهبته الإبداعية الواعدة ، فكان قراره المعروف بهجرته الى بيروت إحدى عواصم النشر والثقافة العربية مروراً بالقاهرة ، وكانت بيروت حينذاك تحتضن حينذاك مقر منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية المسلحة مروراً . ورغم قرار الحزب بفصله بموجب لوائحه التنظيمية الانضباطية لعدم إطلاعه بما ينوي الإقدام عليه إلا أن ما بلغته تجربته الشعرية في المهجر العربي من تطور ونضج وما وظفه من خلالها من اداء ودور نضالي فائق الاهمية لصالح قضية شعبه برمتها أثبت الاحداث صحة قراره ، حيث أعطى من خلال موقعه وارتفاع قامته الإبداعية النضالية ووصوله إلى العالمية .. مالم يكن بوسعه أن يعطيه لو اقتصر عطاءه على أوضاع وحقوق الأقلية العربية في أراضي 1948 كمناضل حزبي مثقف وإن كان يتمتع بمواهب أدبية . ولعل الحفاوة الكبيرة التي اُستقبل بها في مدينة حيفا بين رفاقه ومحبيه وعشّاق شعره والذين جاءوا باالآلاف من كل حدب وصوب من مدن وقرى الجليل وغصت بهم قاعة "الأوديتوريوم " فوق سفح جبل الكرمل عدا عشرات الآلاف من رفاقه ومحبي شعره والذين لم يتمكنوا من الحضور ونُصبت لهم شاشات كبيرة لمتابعة الحفل خارج القاعة وفي مدن وقرى الجليل وفي تلك الاُمسية ألقى فيها كلمة مؤثرة عن الانقسام والاقتتال الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس وبضعاً من أجمل وأروع قصائده وكان ذلك قبل عام واحد فقط من رحيله التراجيدي المؤلم - إثر عملية قلب دقيقة خضع لها - بعد غياب قسري دام أكثر من 35 عاماً ( 1970 - 2007 ) . ولا شك في أن تلك الحفاوة الجماهيرية والنخبوية والحزبية الكبيرة التي اُستقبل بها لهو أسطع دليل قاطع على الاعتراف الضمني ، حزبياً وجماهيرياً ، بصواب قراره بهجرته القسرية من وطنه بأراضي 48 إلى المهجر العربي ( بيروت ) وكان ممن القوا كلمة ترحيبية به المناضل والمحامي التقدمي الشاب أيمن عودة والفنانة التقدمية أمل مرقص حيث لمس الجمهور في تلك الاُمسية التاريخية ، وبخاصة نخبته المثقفة مدى النضج الإبداعي والتألق الشعري الذي وصل إليه الشاعر الكبير درويش في منفاه العربي مقارنةً ببداياته الشعرية الأولى وهو شاعر شاب محاصر من السلطات العنصرية الاسرائيلية على أرض وطنه . أما فيما يتعلق بالنموذج الثاني والذي الشهيد الروائي والقاص والصحفي غسان كنفاني والذي قُيّض له أن يكون شاهداً هو على وجه آخر من مأساة شعبه في المهجر وقبلها كان شاهداً على ظروف الهجرة الإجبارية لشعبه منذ نكبة 48 وهو مازال طفلاً ، فقد فجّر الموساد جسده بطريقة بشعة في بيروت بمعية إبنة اخته لميس ذات ال 19 عاماً في سيارته المفخخة وهو يهم بتشغيلها في يوم صيفي من 1972 . وما كان في تقديري ليستهدف العدو هذا المبدع والروائي الكبير وهو في أوج عطائه الإبداعي لو لم يكن يشغل مركزاً قيادياً حساساً في فصيل وطني مُقاتل ألا هو " الجبهة الشعبية " ويرأس تحرير مجلتها الناطقة بإسمها والتي تنشر عملياتها القتالية ضد العدو . بطبيعة الحال ليس بعيداً أن تطاله أيدي أعدائه وأعداء شعبه الاسرائيلية لكن لربما ما كان ليُستهدف لو لم يكن يشغل ذلك المنصب بطريقة ترصدية ومنهجية من قِبل الموساد من خلال تلك العملية الإجرامية التي قام بها لتصفيته في بيروت في ذلك اليوم الصيفي المشئوم من تموز / يوليو عام 1972 . فكم كان بوسع هذا المُبدع الكبير أن ينبغ وتتفجر مواهبه الإبداعية وليتمكن من خلالها من تسخيرها في خدمة قضية شعبه بل وحتى فصيله الوطني بصورة أعظم من مجرد ايفائه بمهام صحفية يستطيع غيره الإيفاء بها . يكفي أن نقرأ مثلاً روايته المهمة " عائد إلى حيفا " و التي التي نشرها عام 1970 ، إذ مازالت إلى يومنا هذا تحتفظ ليس بقيمتها الإبداعية فحسب ، بل وفي دلالاتها التاريخية والإنسانية على الجريمة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق شعبه ، فهي بهذا المعنى الأخير مازالت تقض مضاجع عدوه الصهيوني ، وبخاصة بعدما تمت ترجمتها إلى العبرية وتم تمثيلها قبل ثلاث سنوات بهذه اللغة في عقر دار عاصمة إسرائيل تل أبيب ما أدى إلى إثارة احتجاجات صهيونية صاخبة يومية ضدها خارج المسرح ، وكانت قد مُثلت بالانجليزية على مسرح مقهى السلام في نيويورك عام 2011 وأثارت أيضاً موجة غضب لدى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الذي مارس شتى أشكال ضغوطه ونفوذه لإيقافها فاضطر المقهى لإيقافها . وأنت لو قرأت دراسته في الأدب الصهيوني لشعرت من خلال افكاره واسلوبه أنك أمام عمل ليس مُبدعاً فحسب بل مفكراً واعداً . بطبيعة الحال لا أحد يصادر حق المثقف أو الأديب المُبدع العربي في الانتماء إلى أي حزب وطني أو يساري مناضل يختاره ، أياً كان خطه السياسي أو تياره الايديولوجي ، ولا يتعارض هذا الانتماء - في تقديرنا - مع ممارسة دوره الإبداعي الذي نبغ فيه في أي جنس من أجناس الأدب والكتابة ، شريطة أن يكون حزبه متفهماً ومحتضناً لموهبته مانحاً إيّاه قدراً معقولاً من التفرغ لها وتوظيفه لها في إطار خلّاق من التوفيق بين التزاماته الحزبية النضالية وبين تفرغه لأعماله الإبداعية بما يخدم حزبه وقضية شعبه في آن واحد، ودون ارهاقه بمهمات حزبية متشعبة فوق طاقته ، ودون التدخل التعسفي أيضاً في أعماله أو توجيهها بمنظور سياسي تنظيمي حزبي ضيق الأفق على نحو ما تابعناه في قراءاتنا للأعمال المنتمية للحقبة الستالينية والتي امتدت تقاليدها ومواريثها الثقافية والأدبية إلى ما بعد اُفولها حتى انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع العقد الأخير من القرن الماضي .
#رضي_السماك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور اليسار العراقي في بناء الوحدة الوطنية
-
وداعاً للكاتب والمناضل المصري صلاح عيسى
-
الديمقراطية هي السبيل الوحيد لاشتراكية المستقبل
-
مئوية ثورة اكتوبر الاشتراكية .. آفاق نهوض الشيوعيين العرب من
...
-
مئوية ثورة اكتوبر .. كيف تحققت نبؤة ستالين في الشرق الأوسط -
...
-
مئوية ثورة اكتوبر .. الشيوعيون العرب وقرار تقسيم فلسطين - 4
...
-
مئوية ثورة اكتوبر .. مراجعات الشيوعيين العرب للتجربة السوفيي
...
-
مئوية ثورة اكتوبر .. إلهامها في العدل الإجتماعي عالمياً ( 2
...
-
مئوية ثورة اكتوبر .. تأثيرها الحاسم في تاريخ القرن العشرين (
...
-
البحرينيون والعرب بين الضحك والاكتئاب
-
مئة عام وعد بلفور .. نصف قرن على التقسيم
-
مستقبل المعارضة البحرينية بعد حل - وعد -
-
مغزى ثلاثة مواقف عربية مناوئة لإسرائيل
-
دروس انتزاع المرأة في السعودية حق السياقة
-
آفاق نزع فتيل أزمة أستفتاء كُردستان
-
محنة المغردين في العالم العربي
-
ماذا جرى لبطرس غالي في غرفة نوم عيدي أمين ؟
-
العبارة الانجليزية التي أفقدت عبد الناصر صوابه !
-
عشرون عاماً على رحيل الجواهري
-
القدس وتخاذل الأنظمة العربية .. مالجديد في الأمر ؟!
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|