أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - أسير مريدي - قصة قصيرة














المزيد.....

أسير مريدي - قصة قصيرة


حيدر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5835 - 2018 / 4 / 4 - 23:09
المحور: الادب والفن
    


أسير مريدي
قصة قصيرة

عند الساعة الرابعة عصراً ، الزمهرير يكشرُ عن أنيابه ، يجلسُ هاشم بائع الاحذية على الرصيف الى جانب صديقه سعدي ، تُلوّن أشعة الشمس الناعسة المدى بخيوط فاترة ، ترسمُ خلف الغيوم الواناً متثائبة ، و بائع الاحذية المُستعملة يستلقي داخل ذاكرته ، امامه اكوام من الاحذية المتعانقة ، مرصوفة بشكلٍ هرمي ، كانها قبور مُتلاحمة ، قبور تلبسها الاقدام المتية التي شققها التيه ، كانا يرصدان ذكرياتهما النائية ، الموغلة في الغياب ، قادمة من حرب إيران الى حيث يجلسان في سوق مريدي ، السوق الفائضُ بالضياع ، في فوضاه العارمة ، الاشياء متكدسة بلامبالاة ، باعة الكتب ، الحلويات ، الساعات ، الهواتف ، الجميع يُكدس حاجاته بلا شكل ، تنغرس اللحظات الزائرة في أعينهما ، مثمرة دموعاً رقراقة ، تحتضر خلف اسوار صمتهما ، بقيت دموعهما صامتة في ضجيج مريدي ، يغيبان في مكانٍ ما يخصهما ، يستمعان الى اصوات مدافع حرب ايران بدل اصوات المُشترين !

يواري هاشم قدمه السالمة بينما قدمه الاخرى المعطوبة ممدة أمامه ، تأسرُ إنتباه المارة ، نصف قدم ، يربتُ بيده عليها ، باتت هذه القدم المقطوعة ، هذا النصف الغائب هو حضوره ، و وجوده ، عقده الصارم مع أرضه . كان يحلم بعالمٍ لا شرّ فيه ، و لا خيانة ، و لا سادة و لا عبيد ، يحلم بعالمٍ لن يدركه ، و يعيش رغم تجذره بهذه الارض البائسة ، هنالك ، داخل وهم لذيذ . الفضاء يتضوع برائحة عطنة ، السوق مكتظ بحاجاته التالفة / الفاسدة ، يزدحم بالناس الذين يغمرهم الجذل بما تركه الاخرين ليُباع لهم كاشياءٍ مُستعملة ! ، حياتهم ذاتها كانت مستعملة ، كل شيء لديهم مستعمل ؛ أحلامهم ، أعمارهم ، نواياهم ، حتى التراب الذي خلقوا منه كان مستعملاً . كان هاشم يضرمُ همومه داخل هيكله المتهرئ ، ولعله هو ايضاً حاجة تالفة من حاجات مريدي المرمية ! ، يعجّ الفضاء بدخان السجائر و النفايات المُحترقة ، يدخنُ هاشم سيجارته بنهمه المُعتاد ، الدخان يتصاعد ، كان يشبه الدخان المُرتقي ، يتلاشى في الاعالي ، يتوارى في تلافيف الزمن ، دون أن يُعكّر صفاء الحياة المُنتحل . كان يحلم دائما بأن يتركه قلقه المزمن ، طالما تذكّر كلمات سعدي حينما أعاره رواية الجريمة و العقاب في تسعينات القرن الماضي ، حينذاك حدثه عن " راسكولينكوف " الذي يشبهه ، القلق ذاته ، ما أن ينبري أحد لإتهامه بشيء مهما كان ضئيلاً ، سيخرُّ صريعا من وطأة القلق ، كان يتخيل الاشياء السيئة فقط ، ويرسم مشهد حدوثها، و يتعذب منها ، و ينهي صداقاته ، وعلاقات الحب ، بسبب شكوكه ، وقلقه الذي لا ينضب ، القلق الذي صار حياته ، لا يستطيع الان التخلّي عنه ، إنه اللون الوحيد الذي يراه ، أو يرى من خلاله ، هو رائحة الدخان الذي ينفثه ، و تلاشيه رويداً ، و بقائه في الذاكرة ، يُقاوم كجناحٍ مكسور ، القلق / الدخان ؛ هو الطير داخل صدره ، تتكسر جناحاه مثل صاعقة كلما فكّر بالمسافة القادمة ، كان لا يقدر على مقاومة الحلم بالطريق التالي في هذه المسيرة العشواء ، و لا ينفكّ أن يتوقع الاسوء ، يبصر الكلاب التي تثبُ من كل جهة ، و الذئاب التي تُحيك رعب الليل بعوائها ، و يبقى القلق سراج طريق البشرية ، لكنّ هاشم وحده كان طريقه القلق بذاته .

لطالما أعاد لسعدي وصفه ؛ إن حجم الصاروخ الذي سرق نصف قدمه ، كان بحجم الجزء المبتور ، و هي منشطرة الان لحضور معتم ، و غياب دثرته ساحة الحرب في تراب مجهول ، ثم يكرر عبارته المعهودة ، لعل الصاروخ أراد ان يُكمل نفسه ليُصبح قدماً ، و لهذا أخذ نصف قدمه ، و لعل ما تبقى في جسده أصبح نصف صاروخ ؟

في جعجعة هذه الايام ، تشرأب لهما ايامهما من دهليز موجع ، يجلسان في قطار لم ينتهي من رمي ركابه ، من سيتذكر شخصاً قُطعت قدمه ؟ يُقابله بائع صور ، تبرز أمامه صورة قائد إيران الذي حاربه في زمن غابر ! ، الخميني الان اصبحت صوره تباع ، اما قبل سنوات كان نصيبه من هذا الشعب السُباب . هاشم المبتور ، كان شاعراً ، لكن قصائده ذهبت في مهب الريح ، تحت أضراس الضباب ، و المطر الذي ياكل كل الاشياء المُظلمة ، يجلسُ هاشم إزاء عمره أو اكوام الاحذية المُستعملة ، يجني منها ما يسد رمقه ، من الاحذية أو عمره المستعمل .

كان ساهياً ، يسمع أزيز الرصاص القادم من ثمانينات القرن الماضي ، الهواء رمادي ، يخترق الصدر ، وصله صوت شاب يسأله عن سعر الحذاء الاسود ، وبعد ان باعه ، بقي يتطلع اليه و هو يتأبط الحذاء ، يلفّه في كيس أسود ، داهمته اسئلته القديمة و بصوتها المشروخ ، ما اذا كانت الاحذية تعطي لاقدامنا صك الوصول ؟ لم يستطع ان يخطو هاشم خطوة ثانية مع السؤال حين تبخّر مع تسائله بإنفجار اقتلع الجميع من مكانهم . بقيت الاحذية المستعملة هي الوحيدة التي لم تمت ، فوق الجثث المتفحمة ، يتصاعد منها الدخان ، ممتزجا مع دخان النفايات !

16 . 3 . 2016



#حيدر_سالم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسناء مريدي - قصى قصيرة
- حسناء مريدي - قصة قصيرة
- الثياب الرثة تقلقكم
- المتفوقون بالعمل !
- طالبُ المُستنصرية الأخير - نص
- حنا مينه قاصاً
- سكّان الأزقة الكافكوية ، سعدي عباس العبد أنموذجا
- إبتسامة هاربة - قصة قصيرة
- العنف اللغوي في الاغنية العراقية
- برستيج العامل الجديد
- عن سوق مريدي (3 ) / مروءة أهل العراق البلاستيكية
- الأخطل الصغير و دماء الورد !
- الابنودي أصابع الطين - مقال
- باليه فوق الجثث - قصة قصيرة
- كافكا و جليل القيسي
- مهرجان الغايات و الوسائل
- عن جدي و الشهد و الدموع
- عجين مريدي - قصة قصيرة
- عن سوق مريدي - مقال
- عن سوق مريدي ( 2 ) - مقال


المزيد.....




- - كذبة أبريل-.. تركي آل الشيخ يثير تفاعلا واسعا بمنشور وفيدي ...
- فنان مصري يوجه رسالة بعد هجوم على حديثه أمام السيسي
- عاجل | حماس: إقدام مجموعة من المجرمين على خطف وقتل أحد عناصر ...
- الشيخ عبد الله المبارك الصباح.. رجل ثقافة وفكر وعطاء
- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - أسير مريدي - قصة قصيرة