|
سنوات الدم والدمار في إلماين وأذرار نسيذي يذير
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 5825 - 2018 / 3 / 24 - 18:05
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
استجابت منطقة [ إلماين وسيذي يذير ] مبكرا لنداء الثورة ، فقد انخرطت نخبة طلائعية من أبنائها في العمل الثوري ، وأصبح سكانها يُميزون بين جبهة التحرير FLN، و جيش المصاليين MNA، ففي خريف 1955 حل بها فوج معتبر من جيش التحرير الوطني كان في استقبالهم المناضل (سعيدي محمود) و(مريجي بهلول) ، وقع اجتماع كبير في (لوطا اسقفان) نشطه المناضل [ سي حميمي أوفاضل ] تمت التعبئة و زوّد الجنود ب 14بندقية صيد من أهالي القرية كعربون انخراط فعلي في الثورة ، بعد القسم على المصحف الشريف . وغدت المنطقة معقلا كبيرا لاستقطاب الثوار ، بدليل أن العقيد عميروش زارها في مهمة في الشهر الأخير من 1955 .
°°°نشاط ثوري معتبر . بُعد الجهة عن مراكز التواجد العسكري الفرنسي في (بني ورثلان) و(عراسة ) و (بني حافظ ) و (لافاييت ) زاد من حيوية الجهة ، فقد أصبحت ( قرية سيذي يذير) مركزا للتعبئة و التنظيم والعبور ، فقد مرت بها المناضلة [ مليكة قايد] ، وانخرط عشرات شبابها في الفعل الثوري منهم ( الصديق أوبراهم) و (خياري يدريس ) .... ..... نشاط الجهة الثوري وتكثيف العمليات الحربية ضد فرنسا وأعوانها و تخريب المنشآت الحيوية خلق جوا من القلق لدى عساكر فرنسا وأحسوا بأن هذه المنطقة خارجة عن السيطرة ، لذا قرروا وضعها تحت المراقبة مع الفحص الدوري لأراضيها فقد بدأت القوات الفرنسية تراقب المكان مثل حصارها ( لقرية ثاوريرت) المقابلة في الأيام الأخيرة لسنة 1955 . إن النشاط الثوري لهذه الجهة جعلت منها محل شبهة ، لذا حرص عساكر فرنسا وقيادتها السياسية رسم خطط لتركيع الجهة و ضبط سكانها بمختلف الأساليب .
°°° عملية الأمل … الأمل في السيطرة .
أجتمع قادة الشر العسكري وخططوا ... فولّدوا خطة حربية ضد الثوار الجزائريين في منطقة القبائل الصغرى كلها أملا في استرجاع السيطرة عليها ، أعطوا لها تسمية الأمل l’operation Esperance) فكان المجرمان العنصريان ( موريس بابون )[1] و ( روبير لاكوست [2] ) قد منحا الضوء الأخضر لتنفيذ هذه الخطة الجهنمية بقيادة الجنرال دوفور général Dufourt [3] التي استهدفت السكان العزل في قرى ومشاتي جهات وادي بوسلام ، وإلماين وقرى بني عباس ،و الكانطينا (جعافرة الحالية ) .... والتي غرضها ترحيل الثوار المجاهدين لما أحدثوه من مخاطر على السيادة الفرنسية بتخريب وسائل الإتصال ،واغتيال الخونة ، و إقامة الكمائن ، وهو ما جعل هذه الجهات خارج السيطرة الفرنسية ومرتعا خصبا للنشاط الثوري المتمرد ، وكأنها مناطق محررة عبر عنها ( تظاهر جيش التحرير في إلماين ، ومرور كتيبة من مجاهدي الأوراس بقرية بسيذي يذير[4] ) .
ولاسترجاع الجهة لبيت الطاعة بالقضاء على الذين هم خارج القانون الفرنسي ومعاقبة المتعاونين معهم ، جندت فرنسا أرمادا حربية باسم ( عملية الأمل ) قوامها عشرة آلاف من العساكر المدججين بالأسلحة المتطورة مصدرها قوات الحلف الأطلسي ، وكان الطيران فيها يمثل رأس حربة في هجومها البربري فالطائرات T6 المعروفة عندنا ب (ثاموشارث ثاوراغث ) والطائرات المقنبلة الأمريكية طراز B26 ، والحوامات العادية و الكبيرة ، و السيارات من نوع الجيب JEEP والجمسي GMC هي الوسائل الأكثر إستعمالا في جهتنا خلال هذه الحقبة المليئة بالدم والدمار .
°°°بدايات الدم و الدمار .... دشن المعمرون فعلهم بقنبلة [ قرية إلماين EL MAIN] في 12 ماي 1956 راح ضحيته 70 شهيدا من المدنيين بسقوط ديارهم ، هذا الفعل جعل أهالي الجهة يبدعون في التصدي بحفر الخنادق في كل مكان ، داخل المنازل ، وفي محيط القرى و ضيعاتها القريبة ، لحماية الأنفس من الهجمات المباغتة للطيران الهمجي الفرنسي . وتلتها قنبلةٌ أخرى لقرية ( سيذي يذير SIDI I-dir-) في 28 جوان 1956 . كانت مسبوقة بحصار جهنمي للقرية بعد الإنزال الجوي بالحوامات ، مارسه جيش المرتزقة من (الفيلق الفرنسي الثامن ) المشكل من عساكرمرتزقة يهود و سينغال وأوربيين من مختلفي الجنسيات ، وهو ما رفع وتيرة التأهب عند الساكنة ، فالنساء والأطفال اختبأوا في المغارات اتقاء شر القنابل وضربات الطائرات الصفراء ، والرجال غالبهم هاجر القرية باتجاه الوادي ، ومن بقي منهم في القرية أهلكته وأفنته قوى الشر الفرنسي فقد أعدموا 12 فردا منهم نساء ، وجرحوا ستة اشخاص ( فقاموسهم الحربي يجعل من كل سكان القرية عدو يجب قتله ) . عاشت المنطقة ظاهرة (الكر والفر) بين المناضلين وعساكر فرنسا قرابة الشهرين ، وممّا خفف وطأ تقدم مزيد من عساكر فرنسا للجهة اشتباك قوات جيش التحرير بقيادة (الحسن أوشملاخ ) بالجيش الفرنسي الزاحف عند قنطرة ) ايث وامعوش( وهو ما أعاقهم عن التقدم نحو قرانا ، و نجا الكثير من الفارين من الموت المحتوم .
°°°الطيارة الصفرا ..... حبسي ما تضربيش . هذه الطائرة الشبح ، الطائرة المفزعة التي لم يسلم منها الإنسان والحيوان ، عندما تطل على قريتنا غيلة بصوتها الأزيزي المرعب تتوقف أنفاس الناس ، ويلوذون بالفرار باتجاه الخنادق اتقاء شرّها ، وفي أثناء الفرار تحصد الأرواح حصدا بقنابل الروكيت والرشاشات ذات العيار الكبير . هذه الطائرة ذات المرونة و المناورة العجيبة هي من صنع أمريكي فيما قبل الحرب الكونية الثانية ،إسمهما الصناعي T6 وبأنواع مختلفة، ولوّنت باللون الأصفر تمييزا للرؤية ومنعا للتصادم مع غيرها ، لعبت دورا حاسما في الحرب ضد دول المحور لما تمتاز به من خصوصية ، اقتناها الفرنسيون بعد تطوير تصنيعها ، واستخدموها واسعا في حربهم ضد الجزائريين ، وأسقط ثوارنا في جهتنا أربع منها ،اثنتان أثناء معارك أذرارأومازة وإمرجيين.
°°°طيلة فترة الحصار الطويلة اعتاد الناس حياة الإختباء في الخنادق المظلمة نهارا ، والعودة إلى بيوتهم ليلا ، فقد انقلبت الحياة كلية ، فكثير من الفلاحين قاموا بجني محاصلهم الزراعية ليلا بسبب قوة تركيز الطيران الحربي الفرنسي على ضرب كل شيء يتحرك على البسيطة ، لكن يوم الخميس 28 جوان 1956 كان يوما مشهودا بجُرمه ، فقد تم قنبلة قريتنا بالطائرات الكبيرة B26 الأمريكية ،مدعومة بالطائرات الصفراء والمروحيات ، و أصيبت أهداف مدنية وأُسقطت دور وأزهقت أرواح ، فتحولت القرية إلى نار ودخان متصاعد يحجب المكان ، ففي بضع ساعات تم إسقاط 36 قنبلة كبيرة راح ضحيتها 27 من سكان القرية ، و83 جريحا وهُدمت 88 دارا [5] ، فبعض الأسر أبيدت إبادة شبه كاملة ، كأسرة ( داعو لحلو) 7شهداء ، وأسرة( صهلال ) 5 شهداء ، وأسرة (زميط مولود) 5 شهداء ... رحمهم الله جميعا ، ولم تتوقف القنبلة ولم تهدأ قوى الشر إلا بعد إقامة ثكنة بإلماين وأخرى بسيذي يذير ، لينتقل الخطر من السماء للأرض ، فقد هيمن عساكر القبطان لورا Le Capitaine Georges Laurent وقوته البرية المتخصصة المعروفة ب الفوج الرابع من التنانين ، السرب الرابع . ème régiment de dragons, 4ème escadron4
°°°الطيران الحربي الفرنسي في إطار تنفيذه ل(عملية الأمل ) لم تكن قريتنا وحدها المستهدفة ، فقد تكررت الأفعال التدميرية في كل القبائل الصغرى الواقعة على ضفاف وادي بوسلام فيما بين بني عيدل وبني ورثلان وبني عباس ، وجهات جعافرة وبوندة و أولاد خليفة و بوفنزار و تفرق وعشابو،....... فقد كان الهدف الإستعماري واضحا منذ بدايته وهو إعادة هيمنته على الجهة بعد أن عُدّت محررة ، وعبروا عن ذلك رمزيا بإعادة غرس العلم الفرنسي مجددا على أديم ترابها ، و كرروا خططا أخطر وأوسع [ كعملية المنظار operation jumelles. ] ، غير أن إرادة الثورة العاصفة اقتلعت جذورها وجذور الخائنين ، فالثورات علمتنا أن الهزيمة في معركة هي سبيل للإنتصار في الحروب الكبري.
الإحالات والمراجع __________________________________
الإحالات :
[1] موريس بابون Maurice Papon من غلاة الإدارة الفرنسية كان واليا على قسنطية في 1956 ، وصاحب سجل دموي عندما كان محافظا للشرطة في باريس فهو الآمر باغتيال الجزائريين ورمي بعضهم بنهر السين خلال مظاهرات 17 أكتوبر 1961 . [2] روبير لا كوست Robert Lacoste وزير الجزائر في عهد حكومة فليكس قايار 1957 يشغل منصب شبيه بمنصب الحاكم العام للجزائر . [3] الجنرال دوفور جنرال القوات الفرنسية العاملة في الشرق الجزائري منفذ عملية الأمل ، يشرف على قواعد عسكرية و مطارات للطيران الحربي في باتنة وقسنطينة ويعد مطار عين ارنات قرب سطيف هو مصدر انطلاق الطائرات المقنبلة والطائرات الصفراء والمروحيات التي استهدفت مناطق الماين وسيذي يذير في 1956. [4] الكتيبة تتشكل من مجموع 110 جندي ، وحسب شهادات الفاعلين فإن الكتيبة التي تظاهرت في ساحة إلماين قبل يومين من قصف القرية كانت بحضور شخصيات بارزة كريم بلقاسم ، العقيد عميروش ، وعيسى حميطوش البونداوي .[5] حسب شهادة جودي أتومي DJOUDI ATOUMI المنشورة في مجلة الإكسبريسيون بالفرنسية . المراجع أ) مذكرات بن براهم براهيم ، ناحية سيذي يذير من الحركة الإصلاحية إلى الثورة التحريرية لخير عبد الله . ب) العدد الثالث لمجلة المجاهد سنة 1956 . ت) شهادة المجاهد DJOUDI ATOUMI
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسلمون و (ستيفين هوكينغ ) .
-
معركة [أذرار أومازة ]
-
أردوغان في الجزائر ... تعاون أم هيمنة ؟
-
محند الشريف ساحلي وحرب الذاكرة في الجزائر .
-
بأي حرف نكتبُ اللغة الامازيغية ؟
-
(عيد يناير) بين الإنكار والإصرار
-
(البربريست) الذين ولّدُوا الهمة .
-
الترسيم (الكاذب ) للأمازيغية .
-
أزمة صائفة 1962 ... والثورة التي سُرقت .
-
الأمازيغية ... جريمة في ثورة الجزائر !؟
-
الأكاديمية البربرية بين الحقيقة والتزييف .
-
امبريالية اللغة العربية .
-
رايات الهوية ... تؤرق الأنظمة الإستبدادية .
-
معركة الهوية ..... بين الأمازيغ والنظام الجزائري .
-
حجم الدمار من انقطاع العلاقات القطرية السعودية .
-
الأمازيغية ... حقوق أم رغبة في الإنفصال ؟
-
مأزق الدولة الوطنية في الجزائر .
-
الأمازيغ من (كراكلا) إلى ( بومدين) .
-
مأزق الهُوية في فرنسا .
-
أنريكو ماسياس ، Enrico Macias
المزيد.....
-
مسؤول مصري لـCNN: وفد حماس بالقاهرة الأسبوع المقبل لبحث المر
...
-
العراق.. تراجع عن مطلب خروج الأمريكيين
-
ضربة جديدة لحكومة ميلوني: إعادة 43 مهاجرا من ألبانيا إلى إيط
...
-
متظاهرون يتصدون لمحاولة طرد أحد المستأجرين من حيّ تاريخي في
...
-
51 مليون يورو .. بيع سيارة مرسيدس للسباقات تعود إلى الخمسينا
...
-
رئيس جمهورية بريدنيستروفيه: احتياطيات الفحم لتوليد الكهرباء
...
-
لافتات في غزة دعما لموقف السيسي ورفضا للتهجير على أنقاض الحر
...
-
الخارجية الروسية تؤكد أهمية عرض الممارسات الدموية للقوات الأ
...
-
-أمريكيون موتى-.. خبير يذكر ماسك بـ-الأهوال- التي رأتها القو
...
-
أسير محرر يعود إلى غزة ليكتشف مصرع زوجته وطفلته خلال الحرب (
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|