|
علي السباعي في (ايقاعات الزمن الراقص) تصوير لحِلْكة الحياة العراقية
شكيب كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 5823 - 2018 / 3 / 22 - 10:58
المحور:
الادب والفن
ربما بعكس ما قاله بعضهم من الكتابة في درجة الصفر، او موت المؤلف، وانتهاء علاقة منشئ النص، بنصه الابداعي، حال الفراغ من كتابته، ملقيا اياه بين يدي القارئ والمتلقي، فان نصوص علي السباعي القصصية، ما كان يمكنها نزع جلدها وهويتها واجواء المحيط الذي تعيش فيه، لذا جاءت نصوصه القصصية مصورة لحال العراق عامة والجنوب العراقي خاصة، في سنوات الجدب والحروب والحصار، وما تركته هذه الاجواء من صور كالحة حالكة على الحياة العراقية المعيشة، وكانت اغلب قصص (ايقاعات الزمن الراقص) المجموعة القصصية الصادرة من اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام (2001) تصور الحلكة التي عاشها العراقيون منذ عقود، منذ ان غادروا الاستقرار والامان والاطمئنان، وازدياد زوار الفجر، وذاك المترصد عند منعطف الزقاق، الصور قاتمة .. قتامة اجوائنا، وحالكة حلوكة حياتنا (كنت احسب انني اعيش في عزلة موحشة، كل ما فيّ ينتمي الى الماضي، حتى انفاسي فإنها تصدر عن الوحدة المتفردة بداخلي) من قصة (عرس في مقبرة) ص10. حتى الليل الذي تغنى به العشاق والمحبون، وناجوا قمره الجميل وهو يرسل ضوءه لينير دروبهم نحو فراديس المتعة والجمال، هذا الليل لدى علي السباعي يرتدي ثوبه الجنائزي الاسود (ارتدى الليل ثوبه الجنائزي الاسود، اكتست القبور بظلام حالك..) ص12. هواء الدنيا ما عاد هواء رخيا عذبا، ينعش النفوس (لأن هواء الدنيا يزكم انفي لما فيه من نتانة..) من قصة (الخيول المتعبة لم تصل بعد). كما ان حياته ضائعة، وليست حياته بل حياتنا ضائعة من قصة (هكذا وجدت نفسي) ص27. انه يتمزق ص30، ذلك لان الموت في كل مكان، اصابني الخوف، الألم، الفزع ص43 من قصة (ورقة) لأنهم جيل الخوف والرعب والهزيمة (نحن جيل الخوف يا هذه، بذار نساء الرعب، ايام الخوف، ارضعتنا، واصابع الشقاء الحديدية فطمتنا، يا جالبات الموت) من قصة (مملكة الغضب) ص66. فلقد عاش ازمنة الخوف، البؤس،الغربة، وما اجمل ان اعيش لحظات الموت ص67. واذ يسأله الحاج ماضي ــ ولنقف عند مغزى الأسم، ماض ــ لماذا اراك مهموما هذا الصباح، وانت كنعناع البراري، يجببه قائلا (كلا لست نعناع برار انا نبات الصبير) من قصة (ضريح الامس ــ ضريح اليوم) ص92. حتى عنوانات المجموعة القصصية هذه (إيقاعات الزمن الراقص) ذوات سمات قاتمة، لأنها مستلة من الحياة العراقية على مدى عقود مضت (عرس في مقبرة) (الخيول المتعبة لم تصل بعد) (آخر رغيف) (مظلومة) (مملكة الغضب) (الايادي المتعبة) (ضريح الامس ــ ضريح اليوم) (الصراخ) (الطعنة) (الاكفان). ترى لماذا كانت حياة العراقي رديف الاسى والاذى منذ قرون وما زالت؟ أهي تعود لشخصية العراقي الحادة، الذكية التي لا تقبل الاخر، المتورمة بالأنوية العالية حد انها لا ترى غير نفسها بديلا لكل شيء، لذا رأينا الحزن يغلف حياة العراقي، فهذا شعره الشعبي وابوذياته وحتى اني لا اكاد انفي عن الابوذية، صفة الاذى والوجع العراقي المزمن، انها ابو (الاذية) ام الوجع والاذى لو كان شاعر غير الرصافي، وهو يصور مشهد الغروب، غروب الشمس الجميل، وهو في جلسته تلك، في مقهاه المطل على دجلة الخير في محلة السفينة بمنطقة الاعظمية، وماؤه يمضي هادئا منسابا رقراقا؟ يوم كانت الحياة هادئة هينة، أكان يصوره مثلما صوره الرصافي؟ وصف الشمس بالنازلة، نازلة الى اين؟ وشبه صفرتها بالعاشق، ولكن أي عاشق؟ انه العاشق المريض ، وقد شابت وجهه صفرة وورس. مجموعة (ايقاعات الزمن الراقص) للقاص الشاب علي السباعي، وان جاءت ــ كما قلت ــ محملة بصور الرماد والفجيعة، فأنها جاءت لتشتغل على ثيمة اخرى، انها قصر الحياة التي يحياها الانسان، وانها فضلا على عبثية الحياة وتحطم الكثير من منظوماتها الاخلاقية والذهنية، فهي قصيرة: (-عمرنا قصير، لن نعيش طويلا، لهذا انتم التاريخ المتجدد بأجيالكم القادمة، وجيلكم سيدحر النظام الدولي الجديد..) من قصة (ايقاعات الزمن الراقص) ص7. (ـ ان حياتنا قصيرة، عندما يمر بنا مركب الزمن، فلن يتوقف، ولن يعود) من قصة (الخيول المتعبة لم تصل بعد) ص23. ان تأكيد القصر، قصر الحياة يحتمل احد الوجهين: الاول: انها لقصرها، يجب ان تعاش بشرف ونزاهة، لأن كل الناس الى ذهاب، ولن يبقى الا الذكر الحَسَن ، الذي هو للانسان عمر ممتد وباق، والوجه الثاني، انها لقصرها وتفاهتها، فلا تستحق أي اهتمام، ولتذهب كل سويعاتها هباء منثورا، لكني ارى علي السباعي يؤكد الجانب الايجابي منها، فالتاريخ المعاصر للعالم اصبح: الصراع بين القديم والجديد، البداوة والتكنولوجيا، اللامألوف والمألوف، وان النظام الدولي الجديد، لابد ان يأكلنا او نأكله، بعد ان تحول العالم الى قطبية احادية. ترى أكان تأكيد قصر الحياة، توجس من المقبل الآتي من الايام عند القاص علي السباعي، أم هو هاجس مستمكن في لا شعور الكاتب ومتمكن منه؟ أيا كانت الاجابة، فان هذه الثيمة، ثيمة العمر القصير، تمثل صورة من صور الكتابة عنده. واذا كان القاص علي السباعي في مجموعته (ايقاعات الزمن الراقص) قد نحا منحى القص الواقعي ، المنتزع من الحياة والقريب منها، فانه في مجموعته القصصية الثانية (زليخات يوسف) وقد طما الخطب حتى غاصت الركب في الوجع والاذى والهم، وجد انه لن يستطيع تصوير الحياة العراقية، وقد غدت كابوسية مخيفة، وتخطت كل التصورات التي يمكن ان يتفتق ذهن الانسان وعقله عنها، وجد ان يترسم نهج الغرائبية السحرية، او الفانتازيا الفاجعة، فجاءت اغلب قصص مجموعته (زليخات يوسف) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة عام 2005، ان لم اقل كلها، تدور حول فانتازيا الحياة العراقية وفجيعتها. اذا كانت الحياة التي تحياها، قد تخطت سبل العقل والواقع، فليس بأمكانك ان تصورها بالواقع المنتزع من الحياة، واذا كانت قد استحالت الى فانتازيا رمادية، ان لم اقل سوداء، فما عليك الا ان تغير بوصلتك نحو بحور السحرية الغرائبية، تنتزع منها نصك المحمل بالاسى.
#شكيب_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق في القلب برغم البعاد صموئيل شمعون يصور لنا حياة (عراق
...
-
طه حامد الشبيب في روايته (حبال الغسيل) رواية تحكي الوجع العر
...
-
إطلالة على حياة عوني عبد الهادي وجهاده
-
إنهم يكتبون عن أنفسهم.. أيجوز هذا؟
-
قراءة مغايرة لعالم إحسان عبد القدوس: «أصابع بلا يد» ومهاجرون
...
-
يوم كان صدر المجتمع العربي رحباً
-
الباحث عبد الغني الملاح يبحر في اوقيانوس المظان...هل استرد ا
...
-
(الاستشراق) لإدوارد سعيد وحذاقة كمال أبو ديب في ترجمته
-
شباب متمرد...نصير الجادرجي في مذكراته
-
حسب الشيخ جعفر يسرد لذائذه المسكوفية شباب مُتقد يحيله الزمن
...
-
رقة الشعر إزاء قسوة الجلاد...جوزيف برودسكي يحاكم بتهمة التبّ
...
-
كاظم عبد الله العبودي: صوت شعري غَرِدْ لغة جواهرية النسج.. و
...
-
محمود البريكان الموهوب الذي وأد نفسه بالصمت...لماذا تخلى أما
...
-
واحدة ابن زريق هل هي له حقا؟ مُطْلِقُ نفثاتها ثري أمير وما ه
...
-
زيارة المعري لبغداد مثابة مهمة في حياته وتوجهاته...
-
محمود أحمد السيد... لو لم يتخطفه الموت سراعاً
-
ظواهر القراءة لدينا ولديهم ... ايقاظ المتلقي النائم
-
حرث في المفاهيم الدكتور جلال الخياط في (المتاهات) النقدية...
-
لويس عوض في سيرته الذاتية...مفكر حر ناوأه الرجعيون واليساريو
...
-
التصادي والمشتركات المعرفية والأنثروبولوجية...
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|