أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - سارق النوروز!!















المزيد.....

سارق النوروز!!


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5822 - 2018 / 3 / 21 - 21:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


النوروز هو عيد الحياة، أغنية الطبيعة التي تعلن ميلاداً جديداً للزمن. إنَّه بهجة النغم عبر قيثارة الجبال والوديان والأشجار والأزهار والرياح والشمس والضوء بأنفاس الحب والأمل. وأبداً لم تكن البهجة شكلاً زائفاً ولا ابتسامة فارغة المعنى، فالأعياد تجعلها روحاً يشمل الكائنات والأحياء. هكذا يجدد النوروز جوهر الأشياء وينثر عبق الإنسان الفوَّاح بتنوعه وحيواته. يعطيها ألقاً مختلفاً يحسه القاصي والداني، كأنَّ الحياة تضم إلى راحتيها جميع أبنائها في لحظات كونية تنتظر السعادة الهائمة من الماضي والمستقبل.

كلُّ ذلك كان بالنسبة لشعب الكرد نبضاً للطبيعة واحتفاء بحقيقتها. لكن فجأة نضبت المعاني من أرواحهم كما تجف أغصان الأشجار بالخريف، لقد دفعتها أطماع " الغراب العثماني" ( أردوغان ) إلى حافة الهاوية. إنه خاطف السعادة والأمل والحقيقة والطبيعة من أعناق الرجال والنساء.

لقد أشار السلطان العثماني في غير مناسبة: أنه لن يسمح بقيام دولة كردية جنوب تركياً خوفاً من تقوية أكراد الداخل، فشتت المجتمع الكردي. ولوح مراراً باستعمال القوة الدموية لتصفية أية تجمعات ضمن هذا العنوان بالشام والعراق، فأحدث الفوضى وحاصر المدن. ولم يترك باباً إلاَّ وطرقه لانزال التهديدات التركية على تلك المنطقة كالصواعق التي تنذر بالموت. وليس هذا فقط بل حذر أمريكا وروسيا من مساعدة الكرد في استعادة أراضيهم وحقوقهم من الدواعش أو الاقتصاص لكرامتهم التي أراقها الإرهاب.

الكرد كانوا وما زالوا أغنية حزينة حائرة في " أحداق الشرق " ما بين عرب وترك وفرس. لم ينالوا منهم سوى الملاحقة والضياع والقهر والاحتلال والقتل. وكانوا هم الوقود الحي لجميع الحركات الهدامة والارهابية بالمنطقة. بالأمس القريب دمر الدواعش بلدانهم وشردوا عائلاتهم واستباحوا أسرارهم وسبوا نساءهم أمام العالم أجمع. ولم يقل أحد لأي داعشي أنت عدو الحياة التي هي الأنشودة الأصلية.

حتى بدا أنَّ دمار الكرد كان سببه الأول أنَّهم أصحاب تلك الأنشودة من عصر إلى عصر، يدركون كيف تكون أدق معاني الحياة وأسرارها، وهي ما طبيعتها؟ ولماذا هي نيران تطاول قمم الجبال وتسرج بأنينها منذ آلاف السنين؟! ولماذا يضيء بريقها المستقبل تحت سنابك الظلام الكثيف؟

في الأساطير اليونانية القديمة لم يكن ديونيسيوس Dionysus ليسرق النيران من الآلهة لكي يأخذها لنفسه، بل فعل ذلك معطياً إياها للبشر. لكي يحيوا ويمارسوا الحرية ويتمردوا ويبحروا تجاه المجهول دون حدود. وضع لهم نيران الكرامة والحياة طي أفعالهم وغرائزهم. فإذا كان العيش رغبة وطاقة، فالجانب الرمزي هو اشعال فتيلها من الآلهة التي تستأثر بكل شيء. إذن لماذا لا يكون الأمل تمرداً على أي كائن ولو كان إلهاً؟! من هنا كان عمل ديونيسوس عيداً للتحرر واغترافاً من معين الرغبات والملذات ومظاهر النشوة.

أما السلطان العثماني الجديد فهو سارق النوروز، أعاد أجواء الكآبة إلى ساحة الكرد بشمال سوريا والعراق وجنوب تركيا. ولم يكن بينه وبين أي داعشي فروق تذكر، هذا قتل وذبح، وذاك العثماني أباد وهدَّم المدن الكردية في عفرين وكوباني والقامشلي. ولم يعترف بالتنوع العرقي ولا الثقافي الذي توفره الكيانات العرقية والتاريخية. مع أن المعادلة التي حسبها خطأ سترتد عليه، بمعني أنه لو أباد كرد الخارج سيؤسس لاحتقان تاريخي مع كرد الداخل!! وسيكونون قنبلة موقوتة بين أقدام الأتراك في أي مكان!!

ورغم ذلك لم ينتبه السلطان إلى المعضلة ولا النتائج، فالكرد الآن تحت مقصلة الإرهاب باسم دولته المجاورة ( تركياً ). ولم يخف على المتابع أن أردوغان راع للإرهاب الإخواني الذي يفتح له الطريق هناك. لقد دخلت جحافله السلطان على كرد سوريا لتنهب وتهجر وتعيد التلاعب بالديموجرافيا وأنماط السكان لصالح جماعاته الدينية. ولم يكن ليمر إرهابي واحد إلى شمال سورياً إلا ويحميه العثماني الجاسم على التلال القريبة من الحدود. وكان يسمح بخروجه وعودته ثانية وتجنيد سواه في المعارك لأجل هذا الغرض.

يتعلق وجه الغرابة في أنَّ السارق يلبس خطاباته رداء الوطنية والحرية والدفاع عن الأراضي. وبدلاً من أن يحتفل الكرد مع تجليات الطبيعة الأم، أخذوا يعانون جراحهم الدامية منذ أزمنة بين العرب والترك والفرس والدول الطائفية المستبدة. ثم كانت تركيا العثمانية طامة أخرى في حلقة يبدو أنها لن تنتهي قريباً. لم ينس الأتراك هذه الظلال العثمانية الغابرة التي كانت تحتل الشرق العربي برايات الخلافة الاسلامية. إن الأعلام التركية التي ظهرت وهي تتدلى من نوافذ المنازل في عفرين تعكس الخطوط الاستعمارية الراهنة لأشباح تلك الخلافة. ولم يتورع أخوان سوريا واخوان المشرق كله في الحلول مكان أهل البيوت المدمرة. وقد تركوا الجثث في الشوارع تنهبها الكلاب الضالة ذاهبين إلى نهب الدكاكين والأسواق والسيارات و الاستيلاء على المزارع.

وتثار نفس الغرابة في تسمية الحرب العثمانية على عفرين بـ" غصن الزيتون". وهنا تكتمل أركان السرقة الرمزية للنوروز. ما دخل الزيتون الرامز للطبيعة والسلام والأمل بالدمار الناتج عن الاشتباكات؟! هل سيبرئ " زيتون السلطان" جرائمه ضد الإنسانية من الإدانة الدولية لاحقاً؟ إنَّ الأمر خداع لا متناه تحت لافتات سلمية، حتى يكون القتل حلالاً على الطريقة الداعشية مرة أخرى. لقد استعادت تركياً دور البديل الارهابي في تصفية حساباتها الخاصة. إنه زيتون الدم، مغموس بروائح الموت وشواء الجثث وبقر البطون وتشريد الأهالي.

إذا كان التحرش بالأوطان كارثة، فإنَّ انتهاكها واستباحة ساحتها وتصفية سكانها هي أم الكوارث. ربما لم يكن ذلك وارداً بوضوح في الحالة السورية إلاَّ عندما ذكر السلطان العثماني( أردوغان ) إنه في طريقة لإعادة هذه الأراضي إلى أصحابها. لكن السؤال المبدئي: من أصحابها أيها السلطان؟ إنه يعزف على وتر تزييف الحقائق تحت نظر الرأي العام الدولي، فالكرد تاريخيا يستوطنون هذه البلدان. وهم كتل سكانية لهم عاداتهم وتقاليدهم المشهورة في التاريخ الثقافي للمنطقة حتى قبل الديانات الإبراهيمية.

من هم أصحاب تلك المناطق إذن؟! إن السلطان العثماني يرى في جماعات الإرهاب سكاناً أصليين. في مشهد يصور الوجود الكردي كأنه احتلال لمدن لا يملكونها. ولئن كان الأمر كذلك، فلماذا يجيء إليها كلُّ أخواني قريب أو بعيد؟ لقد رفعوا الاعلام الخاصة بالجيش السوري الحر، وهو الغطاء المعروف لتنظيمات مسلحة قائمة على تجنيد افراد الجماعات الدينية بجانب بعض فصائل المعارضة منذ اندلاع الثورة السورية.

وعندما أعلن السلطان العثماني تحرير عفرين خرجت المشاهد صادمة. بقايا أناس يجرجرون آمالهم في الهروب من القصف والقتل. وغبار يطارد العصافير ونعيق البوم يحل وسط النهار. واتسعت آمال السلطان في تصريحاته الخاصة بأنه سيوسع رقعة عصن الزيتون إلى مدن الكرد الأخرى لتكتمل أركان الكارثة.... أخيراً: من ينقذ الكرد من زيتون السلطان؟ ولماذا يتركه المجتمع الدولي يعربد على جثث الضحايا باسم الخلافة؟!



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميتافيزيقا الإرهاب: القطيعة والاعتقاد (2)
- ميتافيزيقا الإرهاب (1)
- التَّحرُش الجنسِي كمظهرٍ تعويضي
- ماذا وراء التحرُش الجنسي ؟!!
- الهرْش الديني: في حساسية الاعتقاد!!
- فلاَّحٌ في حقلِّ الديمقراطية
- أنطولوجيا الحب: هل نحتفل بالسر؟!
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (6)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (5)
- دولةُ المتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (4)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (3)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (2)
- دولةُ المُتملِّق: في العقل الاحتيالي (1)
- لعنة التاريخ: ترقيع بكارة الثورات!!
- احتمالات الربيع الفارسي
- دولةٌ تحارب الإرهابَ
- الربيع بالحروف الفارسية
- الإرهاب يهنئنا بالعام الجديد!!
- فوضى الدولة النهارية
- أسطورة الدولة الليلية


المزيد.....




- الإليزيه يعلن استدعاء السفير لدى الجزائر و-طرد 12 موظفا- في ...
- المغرب يواجه الجفاف: انخفاض حاد في محصول القمح بنسبة 43% مقا ...
- كيف رد نتنياهو ونجله دعوة ماكرون إلى إقامة دولة فلسطينية؟
- أمير الكويت ورقصة العرضة في استقبال السيسي
- الرئيس اللبناني: نسعى إلى -حصر السلاح بيد الدولة- هذا العام ...
- مشاركة عزاء للرفيقتين رؤى وأشرقت داود بوفاة والدتهما
- ويتكوف: الاتفاق بشروط الولايات المتحدة يعني وقف إيران تخصيب ...
- ترامب: مزارعونا هم ضحايا الحرب التجارية مع الصين
- مصر.. أزمة سوهاج تتصاعد والنيابة تحقق في تسريب فيديو المسؤول ...
- نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسية يزور الجزائر


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - سارق النوروز!!