|
مبدأ الصدمة وسقوط الانسانية في متاهات الحروب
ضحى عبدالرؤوف المل
الحوار المتمدن-العدد: 5820 - 2018 / 3 / 19 - 13:03
المحور:
الادب والفن
تطور التاريخ الحديث والمعاصر في اوروبا بعد الحرب العالمية، واتخذ طابع التطور منهجا استمراريا دون تباطؤ في الحركة التصاعدية نحو الخروج من الأزمات بعد التأثر من مبدأ الصدمة وسقوط الانسانية في متاهات الحرب العالمية، والخطوات الحاسمة التي كانت من شأنها انهاء هذه الحرب بعد التوترات التي طالت الرؤوس، وأوقعت الكثير من الضحايا المؤرشفة بعدسات مصوري الحروب " كفرانز ادامز" وغيره. وما كان لاوروبا الحديثة ان تتطور ما لم تسقط الانسانية فيها في آتون الحرب، ونيرانها التي حصدت مساحات فكرية وانسانية وطبيعية. خسرت من خلالها اوروبا ادمغة قوية الى جانب الصراعات التي هددت السلام، وجعلتنا حتى الان نبحث عنه في ظل الثورات القائمة. ذلك أن الشعوب منذ القديم لم تكن ترعى الاهداف الانسانية في تطورها ونموها مهما كانت النتائج او العواقب الوخيمة التي من شأنها وضع الانسان في الدرك الأسفل من اهتمامات الدول التي قامت فيها الحروب او تلك التي كانت الملعب الأساسي للسياسة التي اكلت الأخضر واليابس، وادت فيما بعد الى التطور بنسبة عالية ان صح القول ، بصرف النظر عن الحركات النازية والنضال المستشرس في ظل الصراعات التي حددت المصير، واستطاعات تغيير الحدود التاريخية ان لم اقل السياسات واولياتها في وضع الاسس الحديثة التي تخلفنا عنها عربيا وتخطتها اوروبا لتصبح في مصافي الدول القوية . صراعات طبقية سياسية جرفت في ذلك الوقت بسيولها كل قديم ووضعت الاسس النهضوية لقيام مجتمعات جديدة نتجت من مبدأ الصدمة هذا ، وفسحت المجال أمام القضايا الاجتماعية. لتبرز كواحدة من العناصر السياسية التي من شأنها تقوية الاهداف الشعبية المساعدة في ترسيخ القاعدة الجماهيرية التي تتيح للسياسة اثبات وجودها والخروج من الافكار السياسية التي كانت سائدة انذاك. لنشهد على ولادة تاريخ جديد متزين بمنظور تتعايش فيه كل الفروع المتناحرة، وان باحتفاظ ضمني بالمسببات التي ادت الى ذلك او الصحوة القوية، والبحث في مسألة التوسع العالمي الذي نشهده حاليا بعد بروز عدة صراعات شبيهة بالصراعات التاريخية التي كانت قائمة، وجعلت من اوروبا الحديثة قارة يصعب منافستها في ظل كل هذا التخلف التاريخي او الحضاري او الانساني الذي اصابنا. وجعلنا بحاجة لمبدأ الصدمة لكن دون الوقوع في خسارات انسانية نفتقد بعدها القدرة على بناء الانسان . تغيرت مسارات الامور بعد الحرب العالمية، وتركت للانسانية جروحات لا يمكن الشفاء منها تاريخيا . لأن كل ما من شأنه ان يؤرخ لفترة سوداء هي بمثابة تفجير، لحدث مخالف لعهود الانسانية التي عكست المعايير، وجعلت من الدول التي كانت على الخط التصاعدي في هبوط حاد بعد ان كانت تؤجج الحروب، وتفتح ابواب الفتوحات او الاحتلالات. هذا عدا الاصابات التي جعلت من الانسان ينزف، ويتمزق ويتشتت ويصبح بهوية ضاعت فيها اخلاقيات الانسان، واصبحت اخلاقيات بشرية تميل الى العنف والاقتتال والتعدي على الحقوق، وجعل التاريخ يحفل بالمعارك التي تدين الانسان، وتجعله تحت مبدأ الصدمة يعيد بناء المجتمعات الانسانية التي ما زالت تفتقد للسلام. فهل ما زلنا نحمل بذرة الحروب العالمية التي قامت؟ وكيف تمت تسوية النزاعات بعد زمن حافل بالهتليرية ذات الطابع المأساوي الذي اسقط الانسانية واوقعها في فخ الحروب المتواصلة التي قضت على السلام؟. ومن هم صناع الحروب وماذا ارادو من مبدأ الصدمة ؟. يبدو أن احداث الحرب العالمية جعلتنا نفقد الوعي ، وبالتالي لا نستطيع تقييم الاحداث كما ينبغي . لاننا ما زلنا بحاجة لمبدأ الصدمة بعد الوقوع في عدة حروب لم نستفق منها . اذ ما زلنا في ظاهرة اجتماعية تنحدر نحو الانقسامات التي تتخذ عدة هويات ابرزها المذهبي والعقائدي والرأسمالي والارستقراطي والاشتراكي ، وما الى ذلك من مسميات ولدت بعد الحرب العالمية بشكل كبير، ومن الضروري ان تقوم حضارة عالمية من شأنها رفع المستوى الانساني باحترامه للثقافات المشتركة دون الولوج الى خلافات تدخلنا في حروب تقضي على الانسانية اكثر واكثر، وتجعلنا في تخلف مستمر لم يحدث في التاريخ من قبل . فهل من زمن هتليري جديد بات خارج سيطرة البشرية التي فقدت انسانيتها في ثورات الربيع التي ادت الى مزيد من الانقسامات على الصعيد الانساني . متى تصبح العلاقات الانسانية الجزئية علاقات دول كاملة تجمع الانسانية في عالم تلغي البشرية فيه عقائدها السابقة ؟ سؤال هو بحد ذاته يشكل مبدأ الصدمة لنا . اذ نفتقد للمنطق العالمي تاريخيا ، وما يسمى بثمرة جهود هتلر في التوسع العالمي هو اخفاق ناتج عن ديكتاتورية العلاقات السياسية، والانظمة التي تقوم على اسس لا تقدم للانسان سوى المزيد من الانهيارات التي جعلتنا نبحث عن التوالف العالمي بين الانسان والانسان، وخصوصية الفرد في شؤونه العامة والخاصة. خاصة المتعلقة بالكرامة والحقوق والتمثيل المتوافق بشكل اساسي مع الفهم العام لقيمة الانسانية . لنتقاسم حقيقة سقوط الانسانية في متاهات الحروب علينا ان نلغي الكثير من المفاهيم التاريخية التي من شأنها وضعنا في ثقوب سوداء تتطلب منا الكثير من الجهد للخروج منها فيما بعد . اذ تستحق العقلانية الحياتية ادراك مساوىء الحروب وسلبياتها التي تمزق الانسان والطبيعة من حوله بل ! وتقضي على الاهداف الانسانية بشكل عام. بلبلة صادمة اوقعتنا تحت تأثيرات القيم المستحدثة من الحروب المؤثرة على الافكار والثقافات، وبالتالي على النتاج الفني والادبي، وبرؤية تفتقر الى التوجيه الابداعي الذاتي الناجم عن اعادة الانسان الى طبيعة مساره بعد الحروب التي تلقاها عبر الازمنة ، وما زال يقبع تحت ويلاتها، كما يحدث الان والذي يجعل من الانسان متنافر مع طبيعته الاصلية التي خلق عليها وهي حب الخير والسلام ..
#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النفس الانسانية وامكانية اعادتها الى النهج الصحيح من خلال ال
...
-
نقطة ارتكاز قراءة في كتاب- السياسة الدولية في الشرق الأوسط -
...
-
الإدارة الثقافية للحوارات... مفهوم الحرية كل متكامل
-
مؤثرات القضية الفلسطينية وتاثيرها على فن البوستر الفلسطيني
-
ازمنة ارتبطت بامكنة شاهدها - ديفيد روبرتس- بعين الفنان وبصير
...
-
تنظيمات لونية ذات انعكاس مرئي متناقض مع الشكل
-
البناء الفني في شكل الانسان
-
التفاصيل النحتية المرتكزة على ديناميكية لا محدودة
-
المشهد الحسي الانطباعي المتكون من نظرة واقعية
-
التعبيرية في المدرسة الاميركية
-
الواقعية في المدرسة الاميركية
-
الرمزية في المدرسة الفنية الامريكية
-
الانطباعية في المدرسة الاميركية
-
الصياغة النحتية المؤثرة على المضامين الهندسية.
-
متحف فني يرتكز وجوده الاساسي على شبكة الانترنت بشكل اكبر.
-
تنويعات فنية مسكونة بلمسات انفعالية
-
طابع رؤية تتزامن ذهنيا مع المشهد وتكوينات عناصره الفنية
-
سمفونية بصرية تعزفها اوتار ريشة ادركت قوة المعاناة
-
علاقة الخط مع الاتجاه والمسار المعاكس للعناصر الفنية الاخرى
-
سجلات نحتية ترسم من الماضي ما يحاكي به - عدنان يحي - قصة الح
...
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|