أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح-2-














المزيد.....

سجن الرّوح-2-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5819 - 2018 / 3 / 18 - 14:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم أكن أعرف الفرق بين الغنى والفقر، فأغلب الذين كنت أراهم مثلي لا يشكون من شيء رغم اصفرار وجوههم. نشأنا على أنّ الحياة هكذا، علينا أن نشرب الماء وهو غير موجود، وأن نخبز، والطحين غير موجود، وأن ندفأ لبعض الوقت في الصّباح فعلبة المازوت الصّغيرة قد لا تكفي لذلك اليوم لو أشعلنا المدفأة أكثر من ساعة في الصّباح، وليس في كلّ صباح.
في أواخر الخمسينات كان هناك عدة أحزاب مثل الحزب القومي السّوري والشيوعي، وهما أكبر الأحزاب في منطقتنا، والحزب الاشتراكي الذي كان رئيسه أكرم الحوراني، وحزب البعث حيث أصبح فيما بعد" البعث العربي الاشتراكي"
كانت موجة الشيوعية قد اخترقت الشّباب في ذلك الحين، وأعني بالشباب الذكور، فلم يكن هناك نساء منظمات في الحزب الشّيوعي في بلدتي، وكان لهم مكتباً، وكذلك كان للحزب القومي مكتب، لكن لم يكن ذلك اللؤم الحالي في العلاقة بين الأحزاب، ولا زلت أذكر محمد الماغوط والذي كان قومياً في ذلك الوقت لكنه أنكر ذلك فيما بعد. كان صديق أخي ويأتي يومياً إلى بيتنا، كما أنّ عائلة صديقتي المفضلة من مصياف كانت قومية سورية وكان أخوها الوحيد في السّجن، لكن تلك العلاقات بدأت تضعف بعد ملاحقات عبد الناصر للكثير من أفراد الأحزاب، وبخاصة للشيوعيين، حيث يتمّ الضّغط على عائلاتهم من أجل تسليمهم، وبالتالي يتمّ تخويف النّاس من العائلة.
كنت أستيقظ في الرابعة صباحاً على صوت سيارة جيب تقف قرب بيتنا، ولمدة أسبوع، وكانت تسأل عن إخوتي حيث كان أحدهم شيوعيّ، لكنه هرب إلى بيروت، وفي يوم من الأيام أخذوا أبي معهم قليلاً ثم عاد لوحده. قال عرضوا عليّ أن أوزع المنشورات فرفضت-منشورات الحزب الشيوعي-وفي ذلك اليوم ذهبنا إلى المدرسة ، وعندما عدنا لم نجد أبي وأمّي وأختي ، وكانت جدتي تبكي، وتقول أخذوهم إلى السّجن. سجن أخي المعلم في السويداء، ولم يكن شيوعياً بل لأنه ساند طالباً فقيراً. وهرب اثنان إلى بيروت وبقي الأخ الأصغر منّي وأنا واختي وكنا في المدرسة خارج السّجن. أفرجوا عن والدتي وأختي فيما بعد وأخذوا والدي إلى حمص حيث بقي زمناً، وكانوا يقولون له :ابنك لدينا سوف نعدمه، وعندما تم إلقاء القبض على عائلتي وحسب ما سمعت من أهل الحيّ فقد كان يصرخ " المخبر رفيق القطريب" من السلمية: أبيدوا هذه العائلة. إن تبيدوا عائلة أفضل من أن ينتشر الوباء، فتجيبه أختي المكبلة . يالك من مجرم. روّعت الجميع. وقد قال أهل الحي انها استبسلت، وكان أهل الحيّ متعاطفين جميعاً.
كان الشيوعيون في تلك الفترة حزباً واحداً، وكان الانتساب للمخابرات هو عمل غير أخلاقي بالنسبة لأغلب الناس، ولا زلت أذكر أن معلّمتي منتهى مازوني كانت غير محجبة رغم أنها من مدينة حماه، وكانت متمكنة في قضايا المرأة، وقد كانت عائلة من آل المازوني تعيش في السلمية، والعائلة هي عبارة عن أم وابنتها وابنها, كان سهيل مازوني الابن يعمل معلّماً وحيداً في الريف، وعندما أتت مخابرات عبد الناصر إلى المدرسة كي تسجنه . ضرب الطّلاب المخابرات بالحجارة، وقد كانوا خلال فترة سجنه يجلبون لوالدته التموين الذي يستطيعون عليه، ويقال أنه خرج من السّجن ربما بربع نظر بعد فترة طويلة. وبالمناسبة فقد بقي أبي في السّجن ربما لمدة شهرين، وعندما خرج كانت أمّي تنقع ثيابه الدّاخلية بالزيت حتى تستطيع قلعها -عليها آثار القيح والدّم- عن ظهره، وقد روى لنا عمّا رآه.
ومن رجال تلك الفترة المعروفين طالب الكردي، وهو يقيم في حيّ القدامسة، وكان محبوباً حقاً بين العائلات التي يزورها. كنا نتمتّع بحضوره.
كان الفقر عنوان المرحلة، لكنّ السّهرات لم تتوقف رغم أن أغلب الشباب إما أن هربوا أو دخلوا السجن، وقلة منهم صمدوا في السّجن كانوا يوقّعون على ورقة ويخرجون. لم تخل السهرات من شتائم لعبد الناصر، ومن طرائف، ومن فترة صمت يستمع الجميع فيها لأخبار هنا لندن.
كانت المرحلة الناصرية مرحلة الجفاف والفقر في بلدتي، ولا زلت أذكر أنّ أختي كانت ترسلني إلى الدّكان فأشتري بأربع فرنكات سكر، وبفرنك شاي، وكان البائع يخلطهم مع بعضهم، وكذلك كنت آخذ علبة المازوت الصغيرة، وأقول له عبئ لي نصفها. هو يحتفظ ببرميل مازوت صغير له صنبور أمام الدكان يشتري منه جميع سكان الحيّ.
مع تلك الفترة بدأ الانقسام العائلي يظهر بشكل غير مباشر، حيث أن العائلات التي بدت مستفيدة من الطائفة كانت قريبة من الناصرية، وفي مرّة من المرّات كانت تمرّ امرأة وابنتها تنتمي لعائلتنا من أمام بيتنا، وكانت العادة أن نجلس أمام باب الدّار في الداخل، فقالت الأم لابنتها: تعالي ندخل قليلاً. قالت: لا. إنّ سمعتهم ليست جيدة الآن، وتقصد بالسًمعة أنه غير مرض عنّا من قبل عبد الناصر.
أما بالنسبة للحياة النهارية فكانت صعبة جداً عندما يحلّ الصّيف. حيث نقل الماء، والحطب، لكن وضع المرأة كان سيئ جداً فقد قتلت بضع نساء بسبب علاقات حبّ، وأحرقت امرأة نفسها بالكاز داخل غرفتها هرباً من الظلم، وأحاديث النساء في النهار تقتصر على ذلك، ولا بد من أن نذكر بعض التفاصيل عن وضع النساء فيما بعد.



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سجن الرّوح-1-
- طريق العودة
- بمناسبة عيد المعلم العربي
- هل غيّر الغرب فكر المرأة السّورية؟
- قصة حقيقية عن العبودية
- سيرجي سكريبتال مرة أخرى
- رد على وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون حول حادث تسمم ال ...
- الفقر يخلق الظّلم
- من أمام المقبرة
- تحرّر المرأة مرهون بالسّلام
- يوم الإنسان السّوري بدلاً من يوم المرأة
- الجنس الثالث
- اضحك، فليس في الضحك عار
- تماهى مع النّظام، واشتم العرب السّنة
- العجز عن الكلام
- آسفة على الكذب
- طواحين النّار
- أبطال الديجتال
- مفردات اللغة، والاكتئاب
- تقبيل الشمس


المزيد.....




- اتفاق جديد أم تكرار لاتفاق 2015؟ .. شاهد كيف وصف ولي نصر محا ...
- سواريز يثير الجدل بـ-محاولة عض- جديدة
- المجر تحظر فعاليات مجتمع الميم العامة بتعديل دستوري
- رائد فضاء روسي يكشف عن توقعاته حول مشروع المحطة القمرية
- مفاجأة مسقط: لدى طهران 7 قنابل نووية!
- أم فلسطينية تودع ستة من أبنائها قتلتهم غارة إسرائيلية في غزة ...
- تقرير إعلامي: ندوة تقديم إصدار أطاك المغرب “الصيد البحري في ...
- مقتل 3 أشخاص في احتجاجات شرق الهند رفضا لإقرار قانون يتعلق ب ...
- الهجمات -الإرهابية- تفاقم الأوضاع الإنسانية شمال بوركينا فاس ...
- معارك في البر والبحر.. هكذا تصعّد بريطانيا المواجهة مع روسيا ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح-2-