أكرم إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1485 - 2006 / 3 / 10 - 11:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بتاريخ 2|2|2006أصدرت اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق توضيحاً وبياناً متناقضين . يقول التوضيح : " إذا كنا نركز اليوم على المخاطر الداخلية فلأننا ندرك أن التصدي للمخاطر الخارجية لن يتحقق في ظل استمرار الاستبداد الذي يلغي دور الشعب و حقه في المقاومة " . هنا نجد المقاومة حقاً ، لكن البيان يعطي انطباعاً مختلفاً . ولكي يساهم القارئ في التحليل سأعمد إلى حذف كل ما له علاقة بالديمقراطية ومطالب الشعب عامة ليرى بنفسه ماذا يبقى . وهي طريقة أقترحها لدى قراءة أي وثيقة سياسية ، خاصة المعارِضة منها، وعلى الأخص معارضة إعلان دمشق، وعلى أخص الأخص حزب الشعب . &! nbsp;
بعض ما جاء في البيان :
بعد أن وضعت السلطة البلاد في دائرة الخطر نتيجة أحداث العام المنصرم ، وبسبب السياسات الخاطئة والمغامرة التي أوقعتها في عزلة عربية ودولية كبيرتين ، ها هي اليوم تدفعها أكثر فأكثر في سياسات مدمرة ، تفرضها على الشعب بالقوة العارية وحسب مصلحتها الخاصة بعيداً عن المصالح الوطنية العليا للشعب والوطن .
تمعن السلطة في اعتراض الديمقراطية بالوطنية عبر خطاب قومجي شعبوي ، يزيد القلق على مصير سورية ، وسياسة ترجح اليوم أكثر من أي يوم مضى مصالح الممسكين بها على مصالح المجتمع . وتهدد أكثر من أي يوم مضى أمن وسلامة البلاد ، وتعرض وحدتها الداخلية وعلاقاتها العربية لامتحانات عسيرة . وتأتي تصدعات السلطة المتتالية ، التي كان آخرها انشقاق نائب الرئيس عبد الحليم خدام ، لتضيف بعداً جديداً لأزمات السلطة ، وهي أزمتها مع نفسها . وكما يتهم النظام منتقديه ومعارضيه في وطنيتهم لمجرد اختلافهم معه ، يفعل الشيء نفسه مع أعمدته وقادته وبناته ، الذين يخرجون عليه تحت شعار فتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد . وليس لدى السلطة وأجهزتها ومؤسساتها الشكلية إلا تخوين كل من يطالب بالتغيير الديمقراطي وإنهاء الاستبداد . كذلك تفعل مع اللبنانيين الذين يطالبون بالحرية ! والاستقلال والسيادة ، ويعملون على حماية تجربتهم الديمقراطية وإعادة بناء دولتهم وفق إرادة الشعب اللبناني ومصالحه .
وتواصل التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية عبر تحريك بعض أتباعها واستطالاتها الأمنية والسياسية لشق لبنان إلى معسكرين ، مشجعة على الاستقطاب الحاد وتوتير الأجواء ، وتعطيل عملية الوفاق الوطني وإعادة البناء برفع الشعار الخطير والمقلق إما نحن وإما الفوضى .
وعلى الصعيد الخارجي ، وفي مواجهة تداعيات الاغتيالات السياسية وعمليات التفجير في لبنان وما استدعته من مناخات وإجراءات دولية ، تواصل انتهاج سياسة حافة الهاوية مع لجنة التحقيق الدولية وقرارات مجلس الأمن . مما يضع سورية في مواجهة المجتمع والشرعية الدوليين . ويعرضها لاحتمالات عقوبات وحصار ، يزيدان في إضعاف الوطن ومعاناة الشعب . وتستمر في رهانها على صفقات مع الخارج وتقديم التنازلات له ، علها تساعد على تجنب الاستهداف وإطالة عمرها .
وفي هذه المرحلة الدقيقة والظروف الصعبة ، يستمر النظام في انتهاج السياسات المغامرة والتدميرية ، حين يضع سورية في موقع الحلقة الأضعف في علاقة محاور إقليمية ، قد يغري ضعفه فيها بتشديد الحصار على البلاد ، وتعريضها لضربات مختلفة . فلا مصلحة لسورية في التحالف السوري – الإيراني الجديد ، الذي يصب في مصلحة إيران وحدها إقليمياً ودولياً . ويعمل على عزل سورية عن عالمها العربي ، ويضعها ورقة في مواجهة القوى الدولية .
إن تصحيح العلاقات السورية مع أشقائها العرب وخاصة مع لبنان ...
2 / 2 / 2006 "الرأي / خاص"
أهم أفكار البيان هي :
1ـ تتحمل السلطة السورية المسؤولية كاملة عن عزلتها عربياً ودولياً ، فلا دور أو لا وجود لمخططات الدول الاستعمارية وإرادتها ، كما لا شأن لتبعية الأنظمة العربية الفاسدة القامعة .
2ـ نتج عن هذه السياسة ، التي ترجح مصالح الممسكين بالسلطة على مصالح المجتمع ، تصدعات في السلطة ، كانشقاق عبد الحليم خدام ، الذي خرج على النظام تحت فتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد ، فواجهته السلطة بالتخوين ، كعادتها مع كل من يطالب بالتغيير الديمقراطي وإنهاء الاستبداد .
3ـ القوى القومية واليسارية والإسلامية ـ خاصة حزب الله ـ في لبنان هي استطالات أمنية وسياسية للسلطة السورية ، تستخدمها لوضع اللبنانيين أمام خياري "إما نحن وإما الفوضى" .
4 ـ سياسة السلطة السورية مع لجنة التحقيق الدولية وقرارات مجلس الأمن تضع سورية في مواجهة المجتمع والشرعية الدوليين ويعرضها لاحتمالات عقوبات وحصار .
5ـ التحالف مع إيران مغامرة لا مصلحة لسورية فيها، وهو يصب في مصلحة إيران وحدها إقليمياً ودولياً ، ويعمل على عزل سورية عن عالمها العربي ، ويضعها ورقة في مواجهة القوى الدولية .
التعقيب على هذه الأفكار :
من الطبيعي عندما يتعرض طرفان لخطر من عدو مشترك أن يتحالفا ، فهل سوريا وإيران مستهدفتان من عدو واحد ؟ هذا لا يخفى على أحد ، وليس موضع اجتهاد ، أما سوريا فيخبرنا العدد 46 من "الرأي" أنه " قد يقوم تفاهم مع النظام شرط أن يسلم بكل ما ترغب به الولايات المتحدة بخصوص العراق ولبنان وفلسطين" ، أي أنها مستهدفة أمريكياً بسبب موقفها بخصوص العراق ولبنان وفلسطين ، وأما إيران ، فيقول الأمريكيون أنهم لن يسمحوا لها بامتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية لأنها دولة داعمة للإرهاب ، أي بسبب موقفها بخصوص العراق ولبنان وفلسطين أيضاً . وهو أمر لا يخفى حتى على الهبل ، بدليل دعم الغرب عامة لامتلاك كل من الهند والباكستان للطاقة النووية العسكرية . إذاً السلطة السورية لا تقحم نفسها في أمر لا يعنيها عندما ت! تحالف مع إيران. يبقى السؤال : لأي أمر يعنيها ؟ والجواب عند معارضة إعلان دمشق هو : لحماية نفسها . لكنهم يقولون أن السلطة " تراهن على صفقات مع الخارج وتقدم التنازلات له ، علها تساعد على تجنب الاستهداف وإطالة عمرها ". وهي طريقة متبعة من الأنظمة العربية التابعة التي وضعت سورية نفسها في عزلة عنها بسياساتها المغامرة والمدمرة . وهكذا وضعنا البيان أمام مشكلة بحاجة إلى حل ؛ فالسياسة تكون مغامرة عندما تصطدم بإرادة أمريكا وهو ما لا ينسجم مع تقديم التنازلات لها .
الحديث عن تقديم التنازلات لم يأت من موقع الرفض ، فلقد درجت " الرأي " على الحديث عن مساومات النظام وتراجعه وتنازله مقترناً بالدعوة إلى الاستسلام وعدم المعاندة ، فلا يبقى إلا الاعتقاد بأن أصحاب هذا الرأي لا يجيدون إلا المناكفة . ولكي لا يشبه كلامي كلامهم باعتباري أتناول دائماً وثائق معارضة إعلان دمشق ، خاصة حزب الشعب ، لدرجة أصبحت معها أخاف التكرار ، أقول لكي لا أشبههم أحيل القارئ إلى افتتاحية العدد 33 و 34 و 35 من "الرأي" حيث يجد هذا المعنى واضحاً . إذاً لا بد أن الحديث عن التنازلات بعد كل هذه الاندفاعة في الهجوم كان منصة إطلاق لقوله " علّها تساعد على تجنب الاستهداف وإطالة عمرها " وكأني به يقول : دعوا السلطة تقلع شوكها بيدها ، أو أن الشعب لا يدافع عن سلطة كهذه كما يقول رياض الترك عادة .
هل قضية معارضة إعلان دمشق عادلة ؟ سيقولون : نعم ، بالتأكيد قضيتنا عادلة . طيب ، هل قضية إيران عادلة ؟ إنها عادلة على الأقل من حيث عدم صلاحية ونزاهة ومصداقية الأطراف المطالبة لها بالتخلي عن امتلاكها للطاقة النووية السلمية وقد امتلكوا هم وغيرهم واستخدموا وهددوا باستخدام هذه الطاقة للأغراض العسكرية ، فلو صدقت هذه المعارضة لتعاطفت مع إيران ، خاصة أنها تتقدم جميع الأنظمة العربية في دفاعها عن الحقوق العربية في فلسطين ، أو من منطلق أكلت يوم أكل الثور الأبيض . وهو ما تفعله إيران إذ تعمد إلى التعاون مع كل من تهدده أمريكا في القارات الثلاث المستهدفة ، كحكومتي هوغو شافيز وكاسترو رغم اختلاف العقائد .
لقد اقتضى الرأي في التحالف مع إيران بعض الإطالة لأنه جديد ، أما بقية الآراء فسأمر عليها بأسئلة سريعة .
هل نستطيع معارضة النظام دون تلميع أنظمة الفساد والتبعية عبر تبرئتها من المسؤولية عن عزلة سوريا ، أم أن الأخبار عن مساعدات من السعودية لحزب الشعب ـ وربما لغيره ـ صحيحة ؟!
هل معارضة النظام تتطلب جعل خدام منشق سياسي وداعية ديمقراطية وإصلاح وتغيير ؟!
هل نستطيع معارضة سياسة السلطة السورية في لبنان ، وحتى في سورية ، دون معاداة قوى الممانعة وتلميع قوى الانعزال ؟!
هل معارضة السلطة توجب تهيئة الأجواء لعمل لجنة دولية شكلت في سياق هجمة استعمارية على المنطقة ، أوقد يترتب على النقص في نزاهتها ومهنيتها نتائج كارثية ؟!
هل كل ما سبق من الأمور الصعبة ، أم أنه اصطفاف سياسي لقوى فاسدة واستبدادية قضيتها استهداف ثقافة الممانعة ؟! والآن ، عم يعبر الخوف من " وضع سورية ورقة في مواجهة القوى الدولية" ؟!
لقد تناولت هذه الأفكار كثيراً في الحوار المتمدن وفي قاسيون الورقية والإلكترونية ، لذا مررت عليها بهذا النحو خشية التكرار ، فمن يرغب يمكنه العودة إلى تلك المقالات. أما الموقف من الأزمة اللبنانية ، فلقد تناولته في المقالة التالية التي عقبت فيها على افتتاحيتي "الرأي" 34 و35 إثر صدورهما ولم تنشر قبل الآن ، إلا أنني استفدت من المقالة والافتتاحيتين مرات كثيرة ما اقتضى التنويه. أما تخصيص حزب الشعب فيعود إلى كونه هو الذي يقرر سياسة التجمع الوطني الديمقراطي ، نواة معارضة إعلان دمشق ، ويتخذ من بقية الأطراف ديكوراً باعتبارها أسماء بلا مسميات ، ولا تعدو كونها مجموعة من العجزة من رتبة عضو لجنة مركزية . هذا أولاً ، وثانياً ، لأن استهداف ثقافة المقاومة عند حزب الشعب ترقى إلى مستوى الأيديولوجيا كما يظهر جلياً في موضوعات مؤتمره الأخير وافت! تاحيات "الرأي" ، صحيفته المركزية. وأما افتتاحيتي "الرأي" 34، 35 ، فلأنهما مع افتتاحية العدد 33 مفتاحيتان في فهم طبيعة حزب الشعب ومعارضة إعلان دمشق عموماً ، ومنه التوضيح والبيان أعلاه .
#أكرم_إبراهيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟