|
حياتي و 11 من سبتمبر
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 1484 - 2006 / 3 / 9 - 09:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفــــصل الأول هذه لن تكون حياة شبيهة بحياة الناس الطبيعيين ، لأني لست من اؤلئك البشر الذين كتبوا عن مغامراتهم و حياتهم الحافلة بالأسفار ، و ليست هذه سيرة رجل سياسي له علاقات بالأحداث السياسية الكبيرة و الانقلابات و الحروب و الغزوات ، إنها بالأحرى حياة إنسـان مشلول و سجين بين أربعة جدران ، و رغم هذا السجن الذي خرج منه بشكل نادر ، لكنه لم يسمح لهذه الجدران أن تقف عائقا بينه و بين الاطلاع و إبداء رأيه في السياسة و الدين و الثقافة ."1". ولدت في العام 1972 م في مدينة الموصل "نينوى" الواقعة في شمال العراق و هي المدينة التاريخية المعروفة و المذكورة في العهد القديم و هي تحوي إلى الآن آثار المحاربين الآشــوريين الذين أسسوا إمبراطورية كبرى بين 1000 و 610 ق م كما تحوي آثار عصر المماليك "القرون الإسلامية الوسطى"، و لا أدري هل هو من سوء الحظ أم حسنه أن اكتشفت جملة أمور بمرور الوقت و منها ، أنني أعاني من حالة عوق شديدة و لا أمتلك جسما طبيعيا صحيحا كسائر الناس و البشر ، و اكتشفت أيضا أنني وسط مجتمع شديد التعقيد ، متعلق بالتقاليد و الشعائر الدينية و القومية و له مقاييس عجيبة و غريبة في تقييم الإنسان و مركزه الاجتماعي و العلمي ، و اكتشفت الأسوأ : و هو أنني أعيش في عراق "حزب البعث" و "صدام حسين" و هو عصر يشبه استخدام "آلة الزمن" في العيش وسط أجواء عصور الظلمات و حيث القوي يأكل الضعيف في نهاية القرن العشرين حيث العالم المتمدن قد قطع شوطا بعيدا في الثقافة الإنسانية و سن القوانين التي تتغير أحيانا أسرع من تطور التقنيات "2". كنت الابن البكر للعائلة ، والدي معلم متزوج من ابنة عمه "والدتي" و هي ربة بيت اضطرت أن تترك السلك الدراسي لتتفرغ لبيتها و ابنها ، كنت محظوظا رغم المصاعب التي تحيط بي ، فقد كان والداي لا يقصران في رعايتي و أدركا إلى مدى جسامة المسؤولية الواقعة على عاتقهما ، ليس لأنهما أصبحا والدين لطفل ، بل لأن هذا الطفل معاق و مشلول ، كان الأمر المخيف بالنسبة لهما أنهما خشيا أن أصاب بإعاقة نفسية إلى جانب الإعاقة الجسدية "3". كان والدي شخصا موهوبا و محبا لفن الرسم ، رسم قريتنا "بامــرني" حيث كان يسكن جدي و هذه المنطقة كانت على الدوام كسائر المنطقة الشمالية حيث يسكن الأكراد ، تشهد مواجهات عنيفة بالأسلحة الرشاشة و المدافع ، و ذات مرة شهدت إحدى تلك المعارك أثناء زيارتنا لبيت جدي الذي كان قد أعاد بناء منزله الذي هدمته الحكومة ، و لسوء الحظ كان مصير هذا المنزل أيضا أن يهدم بعد سنوات من ذلك ، و كان المقاتلون الأكراد يقصفون قمة جبل صغير يقع أمام منزل جدي عبر سيطرتهم على جبل أكثر ارتفاعا كان يقع في مقابل الطرف الآخر من البيت ، فكنت أشاهد سلاسل من الرصاص الأحمر يتطاير بين الجبلين و كطفل صغير لم أكن أدرك مخاطر مشاهدة معركة من على سطح المنزل و لكن كنت محظوظا فلم يصبني شيء و خرجت من تلك التجربة متأثرا و رغم هذه المواجهات لم أفقد أنا و أبي متعة مشاهدة القرية الخلابة ، و هذه كانت كسائر القرى الكردية محاطة بالجبال و المناظر الخلابة و جداول الماء العذب الباردة حتى في عز الصيف الحار ، كنت أشاهده و هو يرسم بألوانه الزيتية و قد ملأني الذهول و الإعجاب ، طلبت بلهفة و بإلحاح الطفل المحب للاستطلاع أن يدعني أرسم بألوانه الزيتية ، منحني تلك الفرصة و لكن حينما شعرت بأني لا أملك القوة الجسدية و لو باستخدام الفرشاة ، خصوصا و أن الرسم بتلك الألوان يتطلب الكثير من القوة الجسدية ، شعرت بالسخط و الحزن في الوقت نفسه ، لكن والدي لم يسمح لليأس أن يتسلل إلى قلبي ، فقد اشترى لي أوراقا و أقلاما ملونة و قال لي : جرب الرسم بهذه و كن واثقا أنك ستنجح " "4". كنت سعيدا لأنني اكتشفت أنني امتلك قليلا من القوة يمكنني من خلالها أن أمسك بالورقة و القلم ، كنت في البداية معجبا برسم الحصان ، ثم رحت أرسم القطط و الكلاب و البشر ، و ما أحزنني جدا أن بعض أقاربنا راحوا يعاتبونني على رسم الأشياء الحية كالبشر و الحيوانات قائلين لي : أن الله سيدخلك إلى جهنم بسبب رسمك هذه الأشياء. طبعا لم يسمح والداي لأولئك المتدينين "السنيين" التقليديين أن يدخلوا اليأس و الخوف إلى قلبي و شجعوني على الاستمرار دون توقف ، كان علي أن أنتظر سنة كاملة ـ و حينها كنت في السابعة ـ حتى يكتشف والدي و إخوته ، حيث أن الجميع مع زوجاتهم و أطفالهم كانوا يسكنون معنا في بيت قديم و كبير ، اكتشفوا أنني أحمل في داخلي موهبة رسم كبيرة ، بل إن أحد أصدقاء والدي قرر أن ينشر صورتي مع لوحة من لوحاتي و كتب عني موضوعا بعنوان ((موهبة بحاجة إلى رعاية))!! و طبعا كان الرد على هذه المقالة هو "رجع الصدى" و الصمت "5". لكن والدتي لم تكن مقتنعة أن هوايتي في الرسم تكفي ، بل أصرت عليّ ، و أنا الطفل العنيد ، أن أتعلم القراءة و الكتابة ، كانت تكرر علي القول : أن موهبة الرسم ليست بشيء قياسا إلى القراءة و الكتابة و أن عليك أن تدرس و عقلك لا يزال صافيا .. لكن ما أن تكبر حتى يصعب الأمر عليك .." و كانت تلك أكبر و أعظم حكمة تلقيتها في حياتي ، و هذا الأمر طبعا فيه صعوبة في دولة متخلفة كالعراق الذي يحكمه الطاغية صدام و حزبه الإرهابي ، فقد كان من شبه المستحيل عليّ الذهاب إلى المدرسة ، خصوصا و أن الحكومة كانت قد عينت والدي في قرية بعيدة عن المدينة عقابا له على عدم انخراطه في حزب البعث ، بالتالي كان على والدتي أن تتفرغ لرعايتي في البيت ، و بعد مشادات كلامية بيني و بين والدتي ، رحت أكتب ما تمليه علي من حروف و كان والدي بدوره يهديني الهدايا كلما نجحت في أداء واجباتي ، و بمرور الوقت وجدت نفسي محاطا بإخوة لي انضموا إلى حياتنا الصعبة "6". و ما كدت أتقن القراءة و الكتابة حتى رحت أطالب والديّ بأن يشتريا لي قصص الأطفال ، ثم كان أن دفعني حب الاطلاع و التفاخر أيضا أن أقرأ كــتب الكــبار فقرأت كتابا تاريخيا في أربع مجلدات ضخمة ، أذهلني التاريخ بما ينطوي عليه من حروب و معاناة و آلام الشعوب المقهورة و أدركت خلال فترة قصيرة أن صــدّام ليس أول و لا آخر طاغية في التاريخ ـ و إن كان أكثرهم قسوة و تخريبا و تدميرا ـ و ما أحزنني و حزّ في نفسي أكثر هو أن قائمة "الكتب الممنوعة" أكبر من تلك المسموح بقراءتها ، و كان علي أن أودع الكتاب ذو المجلدات الأربع و الذي كان قد استعاره والدي من المدرسة لأجلي ، فقد قررت السلطات سحبه و حرقه لأنه أُضيف إلى قائمة "الممنوعات" و كان ذلك بداية غيظي و حنقي تجاه الدكتاتورية البغيضة ."7" كان العراق آنذاك يشهد بداية سيطرة "حزب البعث" على الحكم . E-mail: [email protected] Website: http://www.sohel-writer.i8.com
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القلم -يذبح- أحيانا..!!
-
كوميديا -العقل العراقي-!!
-
كاريكاتير العالم -الإسلامي-!!
-
هل أصبح -العراقيون- غرباء في بلدهم ؟!!
-
ترشيح الجعفري .. خطوة ديمقراطية -
-
وزارة التقوى و تبديد المال العراقي
-
حكومة جديدة !! أم حديقة -عشائر-؟!!.
-
من يعاقب العالم -الظلامي-!!
-
كاتب قومجي و موقع طائفي !!
-
محاكمة -صدام- تحت المجهر..
-
ماذا سيحدث .. لو انتصر -الإرهاب-؟!!.
-
أوهام السيد قادر .. من صنعها !!
-
ماذا يريد -الرئيس-!! .. الطالباني ؟!!
-
مهزلة العقل الإيراني
-
ماذا بعد .. الانتخابات !!
-
الأمة العراقية .. المشروع الحقيقي للبناء
-
طريق الحُرية .. من العراق إلى لبنان
-
هل تنكر الحكومة الإيرانية غدا .. مأساة الطّف !!
-
مؤتمر الوفاق الوطني العراقي .. الضّحايا و الجلاّدون !!
-
كيف غرق - الحكيم - في وحل .. نجاد !!
المزيد.....
-
الملكة رانيا تهنئ الأمير هاشم بعيد ميلاده العشرين
-
انتشال 30 جثة حتى الآن لضحايا كارثة مطار ريغان في واشنطن
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فوائد -مكملات الحمل- في تقليل مضاعفات الولادة
-
ماذا نعرف عن وحدة الظل في كتائب القسام المسؤولة عن تأمين الر
...
-
-مخاوف من سيطرة دينية على الحكم في سوريا- - جيروزاليم بوست
-
سانا: الرئيس أحمد الشرع سيلقي خطابا موجها للشعب السوري مساء
...
-
شاهد: فرحة أسرة الأسيرة أغام بيرغر بعد أن أفرجت عنها حماس
-
انهيار صخري في أعماق كاليفورنيا يكشف أسرار تكوّن القارات
-
سر -طبيب الموت- ولغز -عاصمة التوائم-!
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|