|
لقاء بلا دموع
دينا سليم حنحن
الحوار المتمدن-العدد: 5803 - 2018 / 3 / 2 - 10:18
المحور:
الادب والفن
لقـــاء بلا دمـــوع عن قصة حقيقية دينا سَـليم حَنحـَن
يراها، والرؤية بالقلب والعين، لكن قلبه يرتجف خيبة وخذلانا، تراه، وقلبها يرتعد خشية وتنتظر، تنظر إليه على عجل ثم تخفي نظراتها، وهو بدوره يحاول اخفاء حيرته، هم ثلاثة أشخاص تنغلق على مصائرهم أبواب المدينة التي غدت غريبة، ثلاثتهم حائر باللقاء ولا يدركون كيف يتصرفون، رغم أنهم أقرب من الجفن إلى العين. عيناها تلمعان فرحا، كم هي بريئة هذه الصبية، تنتظر لقاء والدها مثل الغريبة، لم يلتقيا منذ عشرين سنة، أما الأم، فاغتالتها أفكارها المزدوجة، ولاحظت ما فعلت به السنين وكيف أدرك الشيب مفرقيه، إنه زوجها، لقد كبر في العمر ولم يعد ذلك الوسيم الذي تعرفه... يا لكل هذا الضياع؟ حياة زوجية غير متوازنة، ولا وجود لشراكة حقيقية، عائلة نشأت في ظروف غير مثالية، تتكون من أب سجين وأم جميلة وصبية أصبحت في العشرين، لم يكبروا ولم يتشاركوا مراحل العمر معا، نشأت الأسرة على اختزال بعض الصور التذكارية واقتطاع بعض الصفحات من ذاكرة مثقوبة! ثلاثتهم، أحاطتهم حمى الغربة، هم الآن في مرحلة التجربة، محاولة العبور حتى القفز عن السور للوصول إلى خريطة الود، حبذا لو لم تكن المساحة ضيقة، وكل ذلك منوط بالزوج، فهو الذي تخلى عنهما بفعلته الشنيعة عندما تورع وفعلها، فقتل نفسا محرمة على يد فاعلها، لكنه فعلها رغم توسلات زوجته التي تظهر أمامه الآن، لقد أصبحت أكثر نضجا وجمالا وحساسية. صرير بوابة السجن يخرج الحياة عن صمتها، لقد أغلقت البوابه خلفة وهي تتأمل زوجها من بعيد وتنتظر منه الاقتراب، أما الفتاة فتقف صامتة لا تدري ماذا تفعل، أما حارس السجن فقد أخذ مقعده داخل مقطورته وانهمك حالا بعمله، لم يعد يهمه أمر حسام فالسجين لم يعد سجينا بعد أن أوفى سنوات العقاب داخل القضبان، لكن حسام لم يعجبه الأمر، فتدرج عائدا نحو المقطورة، بعد أن انتظر شيئا ما توقعه ولم يحصل عليه! لقد توقّع أن تركض نحوه زوجته وتحتضنه كما خطط المشهد في خياله، وأن تتدفق الدموع من مقلتيها فرحا وحسرة على سنوات الفراق، لكنها لم تفعل! تباطأ حسام في مشيته خصيصا حتى يتحقق من هواجسه وتمنى أن يكون مخطئا، لم تحرك الزوجة ساكنا، وعندما وصل نحو المقطورة أشار للحارس بيده أن يفتح النافذة، لكن الحارس رفض أن يفعل مما لم يعجب حسام الذي أصرّ على الحارس أن يفتح النافذة، سأله الأخير وبالإشارة من خلف النافذة (ماذا تريد)؟ فرد عليه حسام بالإشارة أيضا بما معناه أن يفتح النافذة. - شو بدك؟ مش خلصت مدة العقوبة، ليش بعدك هون؟ سأله الحارس - أردت أن أودعك الوداع الأخير قبل أن أذهب، ألم نكبر معا هنا، أنا داخل القضبان وأنت خارجها؟ لا تظن أننا حتى ولو لم نتبادل الحديث معا كل فترة مكوثي أننا غير أصدقاء، أنت سجين مثلي مثلك وقمت بعملك على أكمل وجه وأنا لست غاضبا منك فهذا أكل عيش، لكن أن تعاملني معاملة الغريب الآن أيضا؟ فهذا ما لن أقبل به نهائيا، لقد مللت من هذا الشعور يا اخي! قال حسام - وحياة ربك إنتَ قاتل إنتَ؟ ولك كيف عملتها وقتلت وإنت بتحمل كل هذه العواطف؟ واحد بكل هذه المواصفات كيف يكون قاتلا، روح على بيتك، ربنا ييسر طريقك واعمل حساب ما ترجع؟ أجابه السجان - شيء ما انكسر داخلي، ألا ترى ذلك بعينيك؟ علاقتي مع زوجتي منتهية الصلاحية ونيران الشوق هامدة، هل رأيت دمعة واحدة نزلت من عينها؟ أتت حتى هنا ولم أشعر بحرارة اللقاء وكأنني سأصبح عبئا عليها، وابنتي، لم تركض نحوي، إنها لا تعرفني، فأنا غريب بالنسبة إليهما! لقد أغلقت باب الزنزانة على روحي وتركتني وحيدا... تعال نحسبها سوا: إن اعتبرنا أن السنة الميلادية فيها 365 يومًا في السنة البسيطة و366 في السنة الكبيسة، وتتألف من 12 شهرًا، فيكون مجموع السنة البسيطة 4.380 يوما، لكن مجموع السنة الكبيسة هو 4.392 يوما – أضربهم في عشرين سنة يصبح المجموع 87.840 مرة أغلقت علي باب الزنزانة! - إنتَ شو عم تخرف، إنتَ أكيد مجنون، ابعد عني وروح عند مرتك وبنتك، يالله على بيتك! - لا تندفع هكذا ولا تصرخ في وجهي ولا تغضب ولا تعلي صوتكَ ... لن أذهب إلى الغرباء، لقد أصبحت غريبا عن أسرتي، لذلك قررت البقاء هنا لإيفاء ما بقي من عمري، أتذكر؟ طوال فترة محكوميتي لم تقل لي كلمة واحدة، ورميت لي طبق الطعام واستخسرت بي تحية الصباح وهمّشت وجودي...زوجتي تشبهكَ، وابنتي لم تركض لاستقبالي عندما خرجت من هذا الباب؟ لم تر عيني هدوءا يشبه هذا الهدوء؟ أنا أحترق الآن أضعافا ولم تعد تهمني الحياة كثيرا وأريد العودة من حيث خرجت، أعدني إلى السجن أرجوك فالزنزانة أرحم ...ارحمني وافتح لي باب القضبان مجددا، ارحمني!. لم يكمل حسام كلمته الأخيرة وإذ برصاصة تخترق صدره انطلقت من مسدس أخ المغدور الذي أنتظره عشرين عاما حتى يثأر لأخيه!
#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرين الحياة والموت
-
رماد الحياة
-
مشاهدات هذا اليوم
-
مجرد رأي
-
(بيتتا) الانتحاب الراقي لسيدة الكون
-
الجوكاندا
-
أنا ونوح وهواك
-
لا أحد يطرق الباب
-
عود قصب
-
الشيطان بيننا
-
للصمت جدار من الذكريات
-
نص عن قصة حقيقية
-
ادمان وجريمة
-
فوضى
-
كسرتي خبز وقطعتي سبانخ
-
لا أحد يقرع الباب
-
وصمة على عنق
-
ورق سوليفان
-
ذكريات - أول قصيدة
-
مقعد أنيق
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|