أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل حسن الدليمي - سماح الجمال والحبر السري















المزيد.....

سماح الجمال والحبر السري


كامل حسن الدليمي

الحوار المتمدن-العدد: 5801 - 2018 / 2 / 28 - 15:17
المحور: الادب والفن
    


سماح الجمال والحبر السري
قراءة في رواية " شجرة الزيتون "
كامل حسن الدليمي
لايمثل هدوء المرأة في طباعها الاستكانة والرضوخ لانونثها والاستسلام لسطوة الجسد وفسلجته ، ولا يعني جمال الأنثى في كل الأحوال أنها:" تلك اللقمة السائغة بفم الرجل" متى شاء يمضغها وإن أراد يرميها منتصف الطريق، خصوصا إذا ما التفتت المرأة لقواها الفكرية وطورت ذاتها بذاتها من خلال استكناه حقيقة تركيبة المجتمع والكشف عن دهاليز الظلمة فيه ، ومدى التزامه بالأبعاد العرفية انطلاقا من نافذة الدين والتعامل مع الأنثى بمصطلحات تحولها إلى كائن من الدرجة الثانية في كل شيء ، هذا الدرس البليغ تلمسته في بوح " سماح الجمال " من خلال الصرخات الواعية التي شكلت صعقات "كهرواجتماعية" اذا صح القول لما تختزنه ذهنية الرجل العربي عن نفسه بكونه الفارس الذي يجب أن تسجد له المرأة بكل الاحوال لا لشيء سوى لانه رجل وحسب ، هذه الرؤية التي تسببت في تخلف العقل الأنثوي وتراجعه وتسليمه لما يؤمن به المجتمع ظاهرا فقط ، ويعمل بعكسه في الواقع، وهذا ما يؤيد زعمي أننا نعيش عصر زندقة نظهر عكس ما نبطن ولنعترف بأن مجتمعنا العربي مازالت الخرافة تهيمن عليه ومازال العرف الأخرق يطوح به .
الروائية سماح الجمال ومن خلال رواية " شجرة اللوز " قالت ما قالته من قبلها أخريات ولكن ليس بهذا الكشف المجهري لدهاليز وضاعة ودونية أعراف تمارس ضد المرأة باسم الدين والدين منها براء، وهذا ما نكتشفه من خلال رحلة تقصي في السرد الذكي الذي جعل الرواية تتميز في جوانب مختلفة عن غيرها رغم أنها لا تتعد مائة وثلاثين صفحة من القطع الصغير وكأن الجمال تقول في ظل انهماك الإنسان في البحث عن لقمة العيش ما عاد قادرا على المطاولة في القراءة علينا أن نريحه باقتضاب الفكرة وتكثيفها وهذا يحسب للروائية في زمن قلّ فيه القراء.
استهلت الرواية بمفردة " الظلام" لفظ له دلالاته المختلفة ولكن الثابت أنه يحيط بالأرض من كل جوانبها والمفردة متضادة مع النور ، فالنور استثناء من القاعدة الأصلية، وهي الظلمة التامة. وكما أنه لا ضياء يستمر للأبد، كذا الحياة هي قبس من نور أو هبة مقيّدة بتوقيت محدد. فلا نور يستمر للأبد ولا حياة خالد لأحد، كلها ومضات أو استثناءات ترد على قواعد مستقرة، كشهب تلمع في سماء مظلمة تضيء للحظات لكنها إضاءة المحتضر . ثم تعود الأمور سيرتها الأولى، ظلام دائم برودة مطلقة وكأن لم يكن ثمة حياة من قبل.
فهل كانت الجمال تقصدت من الظلام إحدى مترادفاته المعنوية وهي تستهدف " شيوع الظلم وغياب العدل على الأرض؟" تقول :" كان الظلام يدق بظلاله على المكان " ص6، من هذا اللفظ فتحت الروائية نوافذ صغيرة نحو الضوء بل تنحصر هذه النوافذ لتمثل شقوقا دقيقة في جدار الظلام ، وهو توافق مع القاعدة القائلة بأن السيادة للظلام والاستثناء هو النور ، وبمعنى آخر الحياة مليئة بالقسوة والفرح ومضة أو أدنى من ذلك سرعان ما تتلاشى .
ويبدو اليأس في نفس بطلة الرواية منذ الوهلة الأولى فالمكان غرفة ظلماء والتعبير مجازي عن "ضيق الحياة وقسوتها وسيادة الرديء " أما الزمن فيستدعيه الحدث الروائي وفق امتدادات متصلة مع بعضها ومتحركة نحو فضاءات مفتوحة.
ونعود للرواية في بداياتها لنجد أن هناك حرصا كبيرا لدى الراوية على محاولة بث أفكارها المؤسسة على قاعدة أخلاقية إنسانية مشتركة ممزوجة بمساحة من التحرر الفكري الذي يجب أن يتسم به أي روائي وألا ستظل لديه أماكن مضببة لا يمكن ولوجها ، وبالتالي ستشكل مواطن ضعف تلقي بكاهلها على السرد برمته ويتحول إلى مجرد " حكي" لايثير أحد .
أما ما تقوله الجمال فهو مختلف تماما جرأة وحرفية ووضوحا فقد نجحت في كسب المتلقي لجانبها تقول : "الظلام الحالك يحيط بها من كل جانب ، لايترك شقا يخرج منه بصيص للنور كي ترى ، لا تستطيع أن تخرج من غياهب الظلمات ، صرخة مشروخة تهدم فوق رأسها أعمدة البيت ليخرج ويبتلعها ولا يترك منها شيئا ، وتصبح روحا خاوية تطوف فوق جثمانها ببرود" ص7.
رغم بساطة الجملة السردية إلا أنها تحمل قيمة معنوية عليا تشعر المتلقي بالانتماء للجملة لفظا ومعنى وهذا الأسلوب يتطلب جهدا ووعيا وقاموسا لفظيا يوفر البدائل للفظ الواحد من مترادفات المفردة .
( لا يترك شقا يخرج منه بصيص للنور) و( أن تخرج من غياهب الظلمات) و( تهدم فوق رأسها أعمدة البيت ) و( تصبح روحا خاوية تطوف فوق جثمانها ببرود) .
هذه الجمل يسيرة على التلقي غائرة في التأويلات ولنضرب مثلا على ذلك ( لا يترك شقا ...) هذا يعني أن الأجواء كلها من حولها حالكة الظلام تسعى لبصيص نور وهي تماما لا تقصد المعنى القريب بالنسبة للقاري الحاذق، إذ يحيلنا هذا القول لماهية الجدار هل هو الجدار الملموس أم هو شيء آخر، واعتقد أنها تقصد العرف الذي يسد على الأنثى أي أمل في القادم فهو ظلمة تلتف كالأفعى حول عنق المرأة ولا يسمح بأي فضاء للحرية ، وبهذا التأويل أوصلت الراوية رسالتها للمتلقي من خلال نضوج الفكرة . وهكذا بقية الجمل أعلاه كلها تحتمل غير المعنى القريب .
وفي مجال التشبيه الذي أصرت الروائية على استعماله وهو أحد أركان البلاغة العربية فقد والدال على سعة أفق الكاتب في أي غرض كتب هناك من الصور ما تستحق التوقف عندها ودراستها وكأن الروائية تنسج نصا نثريا من ارقي ما يكون تقول:
" تجاهلت موضوع الكابوس ، أشعلت سيجارتها الوحيدة المتبقية ، تنفثها ببطء وسعادة كمن يودع حبيبا ولن يلتقه ، يحررها هذا الإحساس ، إحساس القدرة على السعادة دون الآخر" ص9 .
إذا كان الفائض اللغوي في الشعر يشكل مثلبة وعيبا فإن الرواية كجنس من أجناس الأدب كذلك الفائض في اللغة يثقل السرد ويشكل دافعا للملل من المتابعة عند المتلقي ، ولو تفحصنا النص أعلاه لا نجد حرفا زيادة عن الحاجة وكأن الجمال قد وزنت ألفاظها بميزان الذوق ووضعت كل مفردة محلها الذي تستحقه لصناعة صورتها الجميلة التي تفوق الواقع بكثير.
والصور البلاغية في المتن كثيرة ومتعددة توحي للمتلقي أن الروائية تتمتع بحس مرهف ومخيال محلق في الماوراء وهذه صورة أخرى تؤكد سعة افق الروائية تقول:
" خمرية بـ دلال وشعري قطعة من الليل، متموج كما ينبغي، وعيوني حالكة السواد صاخبة ،لست طويلة ولا تستطيع أن تنعتني بالقصيرة ،يخجلني الثناء وكلمات الغزل وتشتعل وجناتي بحمرة تزيدني جمالا وانوثة ،..." ص24.
إنّ اللغة تحيل النص الروائي إلى نص لغوي إبداعي يحتمل المنطق السردي من وجه البنية السردية، والجمالية في مقاربته للنص الروائي وخصوصية الحركة السردية في سياق تطور مكوناته التي يدور حولها محور الخطاب الروائي واللغوي، وإذ يخضع النصُّ الروائي إلى آليات السرد من منطلق أن السياقات السردية تتعالق حولها نصوص مُهجنة للبنية المحورية للخطاب السردي ،وهذا ما وجدنا الرواية قد سارت عليه في اخضاع اللهجة العامية لمصلحة السرد .
هذه الجمل التصويرية المعبرة عن إحساس الأنثى بقدراتها الجمالية والروحية ترجمة لصورة المرأة القوية القادرة على خوض غمار تجارب الحياة دون الوصاية المحددة لدورها والمهمشة لتلك القدرات من قبل الرجل ، الجميلة المؤمنة بما وهبها الله من خصال تستطيع من خلالها العيش بأمن وسلام وتحافظ على ما لديها فهي تواصل القول" كأنثى احترم جسدي تماما واعرف كيف أحافظ عليه وأدلله..." ص25.
ونؤكد إن عملية ممازجة اللفظ الفصيح مع العامية أمر خطير فيما لو أهمل الروائي قواعد تداخل اللغة بالدارجة وما جاءت به الجمال يذكرني بأسلوب الطهطاوي الذي لم يتخلى عن اللهجة المحلية الدارجة والتي اكسبها جمالية ورسم من خلالها لوحة مليحة معبرة عن الجمال في كل ما جاء به والطهطاوي صاحب مدرسة في ذلك ولا ريب ، بل وجه الدعوى لذلك، مؤكدا على اهتمام المجتمع باللهجة الموروثة بل وتفعيلها للحفاظ على تراث المجتمع بوصفها جزءاً لا يتجزأ من موروث المجتمع.
ثم توغل الرواية في العرف الاجتماعي داعية وبكل صدق الى النظر في المتخلف منها ووجهت الروائية رسائل كثيرة للمرأة بأن تكون أكثر قوة في مشاعرها ولنتابع هذا الحوار تقول:
" اليوم اتبعت قرارا وسأتبعه بقرارات قد تعصف بما تبقى لي من مشاعر دونك ، سأبتعد عنك ، نعم لا وقت لدي أكثر من ذلك هو قرار بنكهة الاشتياق ..." ص80
تنسحب المرأة من حياة الرجل إذا شعرت بما يهدد كرامتها ويمسخ شخصيتها ويذيبها في شخصيته حتى تتهدم أركانها ككيان مستقل ، ولا أقصد كل النساء بل الواعية منهن والتي تفهم العلاقة مع الرجل تشاركية وليس الغائية ، ومتى شعرت بالإلغاء انسحبت على الرغم من وجود المشاعر بينهما، وتنسحب المرأة لأسباب أخرى لكن الشعور بالالغائية هو السبب الأول المفسر لذلك التخلي الكلي والتضحية .
ما شكلته " شجرة اللوز " للروائية سماح الجمال كرواية موضوعية استقت مادتها من الواقع العربي المعاش صرخة بوجه الأعراف البالية والعادات الاجتماعية التي كلما تقدم العالم عادت الى الواجهة بقوة بدعوى الحفاظ على الموروث الذي يطبق انتقائيا من الرجل مؤكدا على سيادة الذكورية في عالمنا الضاج بالمتناقضات والذي يحسب فيه المتخلف من العرب أن شرفه يكمن في المناطق المحرمة للمرأة في الوقت الذي يرتكب فيه كل الموبقات المتعارف عليها " يسرق ، يقتل ، يشرع خلافا للدين، يزني ..." كل ذلك لايعده شرفا فقط الحجر على الأنثى هو الشرف الرفيع لذا لن يصلح العرب والمرأة تعامل "مواطن يستوجب الوصاية عليه" وشجرة اللوز في متونها فضحت الكثير من الممارسات الاجتماعية الخاطئة في الوقت ذاته وجهت ونصحت ودلت على الحلول الناجعة وهذا كله يحسب لثقافة ووعي وإلمام الروائية الجمال بما يحيط بها ، ولا أدعي قراءة تفصيلية للرواية التي لو طلب مني تقيمها لقلت وبلا ادني شك أنها تقف في الصف الأول من روايات هذا العام بكل تفصيلاتها وأركانها .



#كامل_حسن_الدليمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الالهي - بارقة أمل في طري ...
- التوظيف التاريخي في شعر محمد الخالدي
- قراءة في مجموعة الشاعرة حسيبه صنديد – تونس
- قراءة في ( بين زمانيين للشاعر الفلسطيني نزار سرطاوي )
- قراءة في - أنا سرب القطا -(1) للشاعرة حياة الشمري
- سلسلة شعراء ( مهرجان الإسكندرية الثاني للشعر العربي ) المنعق ...
- جمال الرميلي وتغريبة المنافي قراءة في نصوص المجموعة
- قراءة في (كُنتَ الوقت ) للشاعرة هيام الأسد (السودان)
- الدكتورة لطيفة النجار والمنزل النظيف تجريب علمي في عالم الطف ...
- قراءة في مجموعة - فوق اجنحة الهوى-
- واسيني الاعرج وحكاية العربي الاخير
- زهرة البرتقال اتساق الوجع ونزف الدلالة
- بائعة الاعشاب بين الواقع والمخيال
- الاغتراب في شعر حسين حسان الجنابي
- طفل البحر
- شرائع الوجاء
- محمد كاظم ومنى يقظان وعالم الطفولة
- عالم الواسطي وسرية البوح
- يوميات مريض
- عين على داغستان وقلب في بغداد


المزيد.....




- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل حسن الدليمي - سماح الجمال والحبر السري