زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
الحوار المتمدن-العدد: 5800 - 2018 / 2 / 27 - 00:23
المحور:
الادب والفن
......
بالنسبة لي ، الكتابة بضمير المتكلم " أنا " مُرْعبة للغاية ، لأنها - بالنسبة لي - أكثر من مُجرّد مفردة عابرة بين السطور والمعاني ، بل هي عوالم عميقة الغور غامضة ، فالـ أنا تعني عندي أنني قد وعيت ذاتي سلباً عن شيء ما ، والـ أنا تعني أني قد تخلصت للتو من عماء العدم ، و دخلت في متاهة التحديد الصعب لإمكانيات وجودي المتعين ،
أشعر كلما لفظتها أو كتبتها ، وكأن خاطري يحتضر ، وبنات أفكاري قد أصبحت نسوراً عمياء تتعقب ذهني بجوع أصم لا ينصت أبداً إلى طلبات المهاودة أو الصلح ..
الأنا ..
إنها مفردة تُحَمّلُني ذاتاً إضافية ثقيلة الظل ، تحوم فوق ذاتي المتعبة ، وتزيد من شقوق عاقليتي المُتآكلة أصلاً بفعل الخطاب ، فتفتك رويداً رويداً في بصيرتي المتواضعة ، وتهدد قريحتي بإطرادٍ الجفاف الدائم ، وذلك عبر دنوها بي من أعاجيب هذا الواقع المهيب و المترامي الأطراف ..
أحْياناً كثيرة ، وبعد كل مرة أحدس بحياة تلك الـ أنا في ذهني ، أحبُ فوراً أن أهرب بعيداً وأخْلدَ إلى نفسي ، كي أكونَ على طبيعتي حقاً ، ولكي أمنحَ ذاتي فرصةَ الإنكفاء والإنفصال عن كل ما هو خارجٌ عني ، من أنوات مثيرة وجائعة ، تغزو كينونتي بشكلٍ مُستمرٍ ، وتلتهم عاقليتي بكلِّ وقاحة وصلف ..
الأنا ..
إنها الكتابة الهاربة عند الأعتاب و حين غفلة حراس الوعي لدي ، وهي المضيفة التي تغادرني مهددة قائلة : بأنها ستوصد في وجهي كلّ أبواب الصدق ، إنْ أنا تأخرت في التعبير عن نبش ذاك الآخر المتواري في أعماقي ، أو إنْ أنا التفتُّ إليه أكثر مما ينبغي أو سلّمته مقادَ عقلي ...
الأنا ..
هي الآن الذي يجعل الأفكار المتمردة في خلدي تثور على ذاتها ، إثر كل عبارة يتيمة أكتبها على عَجَل ، أو بعد كل شذرة تفر من رياض خاطري ، لتلفتَ إنتباهي بأنين لا ينقطع ، وهي الإفصاح للعالمين بأن تلك الأنا الموهومة التي أحملها بين جنباتي ، ما هي إلا مِرْجَل محدود التصوّر ، وشظايا مراياهم التي تحتفظ بما يدور حولي من طيوف وقصص متشاكلة ، وأن كل ما أشعر به منها الآن ، أو أرى وأفهم .. إنما هو هذا الذهاب الأكيد لوجودي القلق وذاك التلاشي التام فيمن يلتهمني في كل ثانية دون أي شعور بالرحمة أو الأسف ..
ربما للحديث بقية ..
#زكريا_كردي (هاشتاغ)
Zakaria_Kurdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟