|
الركود وراء سراب الاغتناء السريع غير المشروع -- الحركية المجتمعية -- ( 7 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5788 - 2018 / 2 / 15 - 23:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مجتمع أبوي بتريركي باتريمونيالي ، فان العلاقات العامة داخله تُطبع بالسكيزوفرانيا من قبل من المفروض فيهم أنْ يمثلوا المدنية والتمدن في أرقى صورهما . ان غياب المواطنة والدولة المدنية ، يجعل من الرعايا في الدولة البتريركية الأبوية ، مجرد رعايا تابعين للراعي في كل ما يتعلق بالحقوق غير المكفولة . في هذا النوع من المجتمعات التي تسود وتغلب التقليدانية والماضوية ، فان تحرك الأقلية المدينية ، رغم انه رفع شعارا له الذي هو التحديث ، فان كل الممارسات الحاصلة باسم التمايز بين العصري وبين التقليداني ، يتم ضمن التقاليد المرعية والأصول البالية ، الخادمة للدولة الأبوية . وبالرجوع الى التاريخ شيئا ما ، والى ما خططه كُتّاب ومثقفون فرنسيون أمثال بول باسكون ، وريمي لوفو ، ومكسيم رودينسون ....الخ ، سنجد ان الحركة الاجتماعية المغربية ، تتم ضمن التقاليد المخزنية التي هي جزء من التأطير الإيديولوجي للدولة الأبوية . لقد أدى الغاء الحماية الفرنسية – الاسبانية على بلادنا ، واستبدال سيطرتها بعلاقات استعمارية جديدة ، بين المغرب وبين مستعمري الأمس ، الى رحيل جزء هام من البيروقراطية المدنية والعسكرية التي كانت تسهر على ضمان " الآمن " ، واستمرارية الاستغلال أولاً ، وفرض بناء هياكل الدولة الأبوية الجديدة الامتداد الطبيعي للدولة السلطانية ما قبل الحماية ثانيا ، تعويض الأجانب بعناصر مغربية (بالرغم من كون المديريات القديمة هي التي كانت تُسيّرُ فعلا ، تحت ستار " التعاون " و " المساعدة التقنية " ، أهمّ دواليب الدولة ) . لقد مكّن هذا الوضع الجديد نفرا غير قليل من العناصر البرجوازية والبرجوازية الصغيرة ، بل وحتى عناصر من أصل " شعبي " ، من حرق المراحل ، والتسلق لاحتلال قمم ومستوياتها الوسطى . في خضم بناء الدولة الجديدة وبسط السيادة الوطنية على كل مجالات الحياة الاجتماعية ، شهدت بلادنا غداة استقلال ايكس ليبان ، حركية اجتماعية لم يسبق لها مثيل ، أتاحت الفرصة لبعض الفئات الاجتماعية المحدودة ، للتسلق الطبقي الذي وصل الى حد اللحاق بصفوف الطبقات السائدة ( بالنظر الى الامتيازات الهائلة الاقتصادية ، وغيرها التي كانت تصاحب هذا التسلق الطبقي / الاجتماعي ) . لقد كان ولا يزال الانتماء الحزبي الإنتهازي ، والولاء الأعمى للنظام أساسا ، وفي الدرجة الثانية التكوين الثقافي ( حملة الشهادات والمتعاونون والمتعلمون بشكل عام .. ) هي المرتكز والميكانيزم الرئيسي الذي استندت اليه هذه الحركية الاجتماعية الدائبة ، وقد كانت الزبونية ومختلف أشكال المحسوبية ، من المميزات الهامة التي طبعت هذه الحركية الاجتماعية ، التي طبعتها الممارسات السكيزوفرانية للسطو على المناصب السلطوية للاغتناء السريع الغير المشروع . و إذا كانت السياسة الاستعمارية قد عملت على حرمان أبناء الجماهير الشعبية الكادحة من التعليم ، فان إعلان استقلال ايكس ليبان ، قد شكل بالنسبة لهذه الجماهير ، الفرصة الذهبية لتحقيق مطلبها في التعليم ، وانتشال أبنائها من براثين الأمية والجهل . فأقدمت الجماهير الشعبية المحرومة والكادحة فور إعلان الاستقلال ، على تسجيل أبناءها في المدارس ، وقبلت كل التضحيات من اجل تعليم أبناءها تعليما جيدا . غير ان الرغبة في تعليم الأبناء ، لم تكن وحدها وراء ذاك الحماس الشعبي المنقطع النظير ، بل بالإضافة الى هذه الرغبة الأكيدة ، كان تعليم الأبناء ولا يزال الى اليوم ، يعتبر بمثابة الاستثمار الذي قد يعود بالنفع العميم على الآباء بعد توظيف أبناءهم ، وكانت الوظيفة وما تزال ، هي الهدف المنشود ، وكان لهذه الكلمة وقع سحري ، نظرا لكل الامتيازات التي كانت ترتبط بها في عقلية الجماهير الكادحة . ومما كان يغذي هذا الاتجاه ، هناك عوامل موضوعية أهمها انتشار الأمية ، وكون ( الرأسمال ) الفكري ، والمهارات الفكرية ، والتقنية ضئيلة ، بل ونادرة ، بحكم سياسة النظام التجهيلية ، ودعاية البرجوازية الميركانتيلية الاستقلالية حول أهمية التعليم ، وكذا النماذج الملموسة " للنجاح الاجتماعي " الذي حققه " أصحاب الشهادات " ، واحتلالهم " لمناصب مرموقة " في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية . غير ان طموح الجماهير الكادحة في تحسين أوضاعها بواسطة تعليم أبنائها سرعان ما سيتبخر . ذلك ان هذه الحركية الاجتماعية الاستثنائية لم تعمر طويلا ، وأصبح الباب مسدودا في وجه أفواج المتعلمين والمتخرجين الجدد ، ويكفي ان العديد من الشعب أصبحت تخرج المعطلين بالمدرسة المحمدية للمهندسين ، إضافة الى إفلاس كلية العلوم والآداب منذ ثمانينات القرن الماضي . أولا ، ان الجرْي الوهمي وراء تحسين الأوضاع ، عن طريق التسلق الشخصي ، يسير دوما في اتجاه معاكس للطرح الجماعي / الطبقي ، لمشاكل الجماهير الكادحة ، ولسعي هذه الأخيرة الى انتزاع مطالبها ، وتحسين أوضاعها بواسطة نضالها المشترك ، كما انّ ذاك المنحى يشجع كل أصناف الوصولية ، والكلبونية ، والإذلال ، وأنواع الانتهازية المستشرية في المجتمع . ثانيا ، لأن التعويل على الحركية الاجتماعية ، يصاحبه الطموح الى اللحاق بصفوف " المحظوظين " ، والاستفادة الشخصية / العائلية من الأوضاع القائمة ، الأمر الذي يخفي التعارض / التناقض بين المستفيدين من الأوضاع ، والسواد الأعظم من الشعب . ثالثا ، لأن هدف ومصلحة الجماهير الكادحة في دك أركان سلطة المحظوظين ، يغيب ويتحول الى ركض ، وبكل الوسائل ، للوصول الى مستوى المحظوظين ، وينقلب التناقض بين المستغَلين والمستغِلين إلى تناقض / تنافس مُحتدّ بين المستغَلين للاستفادة من الأوضاع على حساب باقي المنافسين . وهكذا ، فان الحركية الاجتماعية ، المبنية على السكيزوفرينية المقيتة ، بتغذيتها للكثير من الآمال والأوهام ، وباخ فاءها للتناقضات الاجتماعية الحقيقية ، وإثارتها للتناقضات بين الجماهير الكادحة ، تشكل عاملا هاما من عوامل تعتيم الوعي الطبقي / الاجتماعي للجماهير الكادحة ، فضلا عن كون هذه الحركية الاجتماعية ،تحول دون اتضاح التناقضات الاجتماعية بين الطبقات / الفئات السائدة وجماهير المستغلين . ( يتببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببع )
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنتهازية والوصولية وثقافة التقاليد البالية الممزوجة بثقافة
...
-
دائما محاولة لتشخيص اسباب انعدام بروز وعي / اجتماعي / طبقي ج
...
-
عوامل حالت وتحول دون بروز وعي اجتماعي / طبقي جماهيري شعبي --
...
-
ما هي معوقات بروز وعي اجتماعي / طبقي شعبي جماهيري بالمغرب ؟
...
-
وعي جماهيري شعبي اجتماعي امْ وعي طبقي ؟ ( 2 )
-
صراع طبقي ام صراع اجتماعي ( 1 )
-
المثقف الثوري والوعي الطبقي
-
طلقات في عزّ الليل
-
الملكية البرلمانية . سؤال : ايُّ ملكية نريد ؟
-
هل اصبحت القرارات الأممية ومجلس الامن ، متجاوزين في حل نزاع
...
-
نقاش سياسي -- الجمهوريون --
-
هل ستعترف اوربة بالجمهورية الصحراوية ، إنْ حضرت اللقاء المنت
...
-
إيجابات رفيق في زمن الخيانة ، في زمن الردع العربي
-
إغتراب البطولة في رواية - وليمة لأعشاب البحر -
-
خطاب الملك و مآل الصحراء
-
ويستمر الظلم -- إخبار لاحرار وشرفاء الشعب المغربي
-
رد على الجيش الالكتروني الجزائري الذي يديره الجيش والدرك وال
...
-
خبث الجزائر ومكر البوليساريو
-
السؤال الذي على المغرب طرحه على الاتحاد الاوربي
-
لعبة الامم واشكالية صياغة القرارات الاممية -- الصحراء المغرب
...
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|