|
جَبر مِنْ الحُلمِ إلَى القَبرِ
يحيى غازي الأميري
الحوار المتمدن-العدد: 5785 - 2018 / 2 / 12 - 15:39
المحور:
الادب والفن
يَقولُ الرَّاوِي وَهُوَ يَصِفُ حَيَاةَ وَحُلم العَمّ جَبر: جَاءَ جَبرٌ إِلَى الدُّنيا فِي يَومٍ قَائِظٍ مِنْ أَيَّامِ شهرِ تَمُّوز بَعدَ مَخَاضٍ عَسِيرٍ، وَعَيشِ لَيسَ بِاليَسِيرِ فَفَرِحَ بِهِ الأَهلُ وَالأَصحَابُ المُحِبون فِيمَا اغتَاظَ لِمقدمِهِ البَعضُ مِنْ الأقاربِ والجيرانِ الحَاقِدِين وَمُنذ الصِغَرِ رَاحَ يَتَعَلّمُ - جَبر- فِي المَدرَسَةِ وَيَعمَلُ فِي شَتَّى الأعمالِ بِجِدٍّ وَهِمَّةٍ وَإِتْقَانٍ وَفِي فَترَةِ زَهوِ الفتوةِ وَالشَّبَابِ أهتدى - جَبر- لحِزبٍ ينتصرُ لكرامةِ الإنسان... ويُكمِلُ الرَّاوِي حديثهُ نقلاً عَنْ لِسَانِ جَبر: كَانَتْ الِاجتِمَاعات تعقدُ فِي السِّرِّ لَكِنَّهُا كَانَتْ تَطُولُ سَاعَاتٍ وَسَاعَاتٍ وَنَحنُ نَتَلَقَّى الدُّرُوسَ وَنَتَدَارَسَ فِيها بعمقٍ واهتِمَام وَنُنَاقِشُ الأَفكَارَ وَالخُطَطَ بِكُلِّ ثِقَةٍ وَإِمعَان لِبِنَاءِ الوَطَنِ وَنُصْرَةِ الإِنسَانِ مُهتَدين بِأَفكارِ أَسَاطِينَ* المُنَظِّرِينَ الِاشتِرَاكَين مَعَ شَيءٍ مِنْ قَوَانِينَ الدَّولَةِ وَالدِّين مثلنا بِالتنفِيذِ فولاذٍ لا يلين وَيُكمِلُ الرَّاوِي، قالَ لي جَبر: نَحنُ أَصبَحنا الأَغلَبِيَّة عُمال وَفَلاحِين وَمَعَنَا جمع مِنْ المُثَقفِين وَالمؤيدين، وَكَادَ الفرح أن يحلقَ بيَّ مَعَ الطُّيُورِ وَالْعَصَافِيرِ، وكنتُ مَعَ رِفَاقِي كُلّ يَومٍ نحلمُ بِحُلمٍ جَدِيدٍ، نتخيلُّ وَنحَدِّدُّ وَنرسُمُ مَلَامِحَ الوَطَن؛ وكأنها مَدِينَةٌ مِنْ مُدُنِ أَسَاطِيرِ أفلاطون؛ فَهيَ فَاضِلَةٌ عَادِلَةٌ، لا مِسكِينَ فِيهَا،لا جَوعَانَ، وَلا عُريان؛ وَحَتَّى اليَتِيمُ وَالعَاجِزُ وَالمُعاقُ يكون فِي سعادةٍ وَأَمَان، أَمَّا التَّعلِيمُ وَالعِلَاجُ فَلِجَمِيعِ سُكَّانَ الوَطَنِ بِالمَجَّانِ؛ لا بَلْ لا فَرقَ فِيهَا بَيْنَ الخَادِمِ وَالسُّلطَان. وَيَستطردُ الرَّاوِي وَعَنْ لِسَانِ جَبر يَقول: كَانَتْ أَحلامُنا تَكبرُ وأمالنا تَزدَهِرُ رغمَ مَا نَمُرُّ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَعَوَزٍ وَاستِبدَادٍ وَبَطشٍ وَفَقرٍ وَبَاتَ الحُلم قَريباً؛ بل هوَ قَاب قَوسَين أو أقرب مِنْ أن يَكُون حلماً فِي أَنَّ يَكُون الوَطَن يَتَّسِعُ للجَمِيعِ وَمُخضَرٍّ كالرَّبِيع فِيهِ الشَّعبُ حُرٌّ سَعِيدٌ وَالعَيشُ كرِيمٌ رَغِيدٌ وَيَتَحَقَّقُ الشِّعَارُ العَتِيدُ . . . عِندَمَا أَفَقتُ مِنْ غَفوَتِي ، واأَسَفاه ؛ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنَّ امْسِك شَيئاً مِنهُ ، فَقَد تَلاشَى سَرِيعاً كَمَا السَّرَاب؛ كَالمَاءِ فِي الغِربَال... وَيَختتمُ الرَّاوِي حديثهُ ذا الشجون حَيث يَقُول: هَذَا مَا أَخبَرَنِي بِهِ العَمُّ جَبر وَهُوَ يُوَدِّعُ الدُّنيا قبل ان يدفِنَ وَهُوَ حَيٌّ فِي قَبرٍ مجهول... وَيَقولُ الرَّاوِي : بَعدَ زمنٍ، مِنْ تَنفِيذِ الإِعدَامِ مَرَّرَتُ بِالديارِ الَّتِي قَضَى حَيَاتَهُ فِيهَا العَمُّ جَبر؛ شَاهَدَتُ جَمعاً مِنْ خَمسَةِ رِجَال، فَقرَّرَتُ السُّؤَالَ عَنْ حَيَاتِهِ وَرَأيِ النَّاسِ عَنهُ وَمَكانِ قَبرِهِ. قَالَ لِي أَحَدُهُمْ : - لَمْ يَتَزَوجْ جَبر، وَعَايَشَ الحرُوبَ وَالحِصارَ، وَمَسَّهُ العَوَز وَالفَقر. وَرَغمَ مَا لقى مِنْ السَّجنِ وَالتَّهدِيدِ وَالبَطشِ، لكنه بَقِيَ صَابِر وَلِلعَمَلِ مُثَابِر. لَمْ يُفَكِرْ لِخَارِجِ البَلَدِ أَنْ يُهَاجِرَ أَو يُسَافِر، وَرَفَعَ شِعَار الهُرُوب مِنْ الدِّيَارِ عار. فِيمَا قَالَ شَخصٌ أَخَّرَ بِصَوتٍ جَهوَرِيّ: - جَبر يَستَحِقُّ المَوت؛ أَنَّهُ زِندِيقٌ مَارِقٌ كَافِرٌ وَبِعَصَبِيَّةٍ أَضَافَ رَجُلٌ أَخَّرَ وَبسبابةِ يَده يُحذر: - أَنَّ نَهجَ مَبادِئِهِ لِلقِيَمِ وَالثَّوَابِتِ مُدَمِّر. رَدَّ عَليهما شَيخ كَهل يتكأ عَلَى عَصاه: - لَا تَظلم جَبرٍاً، فهوَ للكفرِ غير مُجاهِرٍ وَلِلحَقِّ وَالصدق صَدِيق مُنَاصِر. وَبِعصبةٍ وَحدةٍ قَالَ كَهلٌ آخِرٌ : - لا يَستَحِق الإِعدَامَ جَبر، وَهُوَ لَيسَ بفاسقٍ أَو سارق، جَبر رَجلٌ ضد الفقر وَالظلم ثائر؛ وَأرَدفَ يَقول : - وَكَانَ لِجَبر حُلمٌ جَمِيلٌ وَعَقلٌ رَصِين. وَعندما سأَلتُ الحضور عَنْ مَوضِعِ قَبرِ جَبر قَالَ الجمِيعُ : - لا نَعرِفُ فِي أَيِّ مَكَانٍ دفن. اِمرَأَةٌ تَلتَحِفُ السَّوَادَ، وَتَحمِلُ طِفلَهَا الصَّغِير عَلَى كَتِفِها ، كَانَتْ تَسمَعُ الحدِيثَ؛ تَرفعُ يَدها وَتَطلبُ الاذن بالحَدِيثِ ، وَبِصَوتٍ حَزِينٍ قَالَتْ: - جَبر مَا مَاتَ ؛ جَبر لَمْ يَزَلْ حَيٌّ يُرزَقُ عِندَ أَصحَابِ الضمائِر؛ فَهوَ هنا، وأشارتْ... لقَلبها... هَذيان مَعَ الفجرِ / مالمو فِي 8 شباط 2018 مُلاحظة : هُنالِكَ قِصَّةٌ طرِيفَةٌ تَدورُ حَول مثلٍ شعبيّ مشهور وَهوَ: (جَبر مِنْ بَطنِ أُمِّهِ لِلقبرِ) استوحيتُ هذا النص مِنها ، فَهنالِكَ عِدة آلَافٍ عاشت وتعيش معنا إلى الآن مثل العَم جَبرٍ، لَمْ تذق طعم السَّعَادة فِي حَيَاتِها؛ فَقطْ عَاشَت لَحظَة حُلمٍ، كَمَا عَاشَ الحُلم العَم جَبر. * أَسَاطِين : أَسَاطِين العِلمِ وَالأَدبِ تَعنِي الثقَاتُ المبرزِينَ فِيهِ ، وَأَسَاطِينَ الزَّمَانِ : حُكَمَاؤُهُ
#يحيى_غازي_الأميري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِنْ العَزِيزِيَّةِ إِلَى ربُوعِ بَلدِ الكِنَانَةِ /ج2
-
مِنْ العَزِيزِيَّةِ إِلَى ربُوعِ بَلدِ الكِنَانَةِ /ج1
-
طَعنَةُ الغَدرِ
-
خَلَجَاتُ الرَّحِيلِ
-
رُهَابُ المَطَرُ
-
مُخيمٌ للنازحِين فِي فَصلِ الخَريفِ
-
مُبْعَدٌ في البَردِ
-
لُغة الفايكنج* (الرونيّة) في أُمسيةٍ ثقافيةٍ في مكتبةِ روزنك
...
-
حزنٌ و ضجرٌ
-
اختتام الدورة الصحفية التطويرية في مالمو
-
إشادة بمعرض الكتاب العربي الأول في اسكندنافيا
-
نَشْوَةُ الأملِ
-
يومٌ في ضاحيةِ روزنكورد/ مالمو.. مِنْ دَفترِ يومياتي
-
هَمسُ الوسواس
-
رُؤْيَا
-
ملتقط العلب الفارغة
-
ما مرَ عيدٌ والعراقُ سعيدُ
-
حقوق المكونات في الدستور العراقي/ محاضرة ثقافية في الجمعية ا
...
-
صراخٌ بين الضلوع
-
من الكأسِ إلى الحبسِ ودبيب القمل في الرأسِ
المزيد.....
-
رسميًا إلغاء مواد بالثانوية العامة النظام الجديد 2024-2025 .
...
-
مسرح -ماريينسكي- في بطرسبورغ يستضيف -أصداء بلاد فارس-
-
“الجامعات العراقية” معدلات القبول 2024 في العراق العلمي والأ
...
-
175 مدرس لتدريس اللغة الصينية في المدارس السعودية
-
عبر استهداف 6 آلاف موقع أثري.. هكذا تخطط إسرائيل لسلب الفلسط
...
-
-المُلحد-.. إبراهيم عيسى: الفيلم هو الدولة المدنية التي نداف
...
-
ساويرس يرد على سؤال بشأن فيلم -الملحد-.. وهذا ما قاله عن -من
...
-
-رأس الخس- يلاحق تراس من جديد ويخرجها من المسرح (فيديو)
-
هيفاء وهبي تعلق على قرار منعها من التمثيل والغناء بمصر بآية
...
-
بعد أزمة فيلم -الملحد-.. هل تأجل العرض بمصر أم مُنع العمل؟
المزيد.....
-
في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
(مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
كتاب نظرة للامام مذكرات ج1
/ كاظم حسن سعيد
-
البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
صليب باخوس العاشق
/ ياسر يونس
-
الكل يصفق للسلطان
/ ياسر يونس
-
ليالي شهرزاد
/ ياسر يونس
-
ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير
/ ياسر يونس
-
زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي
/ ياسر يونس
-
رسالةإ لى امرأة
/ ياسر يونس
المزيد.....
|