|
غوديفيا .... الليدي زوجة الحاكم الظالم ليو فريك
مكارم المختار
الحوار المتمدن-العدد: 5775 - 2018 / 2 / 2 - 01:07
المحور:
الادب والفن
غوديفيا .... الليدي زوجة الحاكم الظالم ليو فريك
ماذا ..... ماذا يسترعي إنتباهك في هذا المنظر ؟؟؟ تمعّن قليلا في تفاصيل اللوحة، فـ سرعان ما سـ تكتشف أن صورة المرأة العارية فيها ليست ممّا يثير الغرائز أو يخدش الحياء،! وحتى لو لم تكن على علم بقصّة اللوحة، سـ يساورك إحساس بأن ملامح المرأة الرزينة ورأسها المنكّس إلى أسفل ونظراتها المنكسرة تنمّ عن شعورها بالحرج والحياء وتوحي بأنها لم تختر هذا الموقف من تلقاء نفسها وإنما قد تكون دُفعت إليه دفعا ورغما عن إرادتها .... هنا نقص عليكم الحكاية عن : الليدي غوديفا زوجة الحاكم الظالم ليو فريك الليدي غوديفا هي بطلة واحدة من أشهر الأساطير التي تناولها المؤرّخون والشعراء والفنّانون منذ ظهورها قبل أكثر من خمسمائة عام، ومن بين من تحدّثوا عنها كلّ من سيغموند فرويد والشاعر الفرد تينيسون والروائي دانيال ديفو، كما جسّدها العديد من الفنّانين مثل جون كالير وآدم فان نورت وجورج واتس، بالإضافة إلى النحّات جون توماس . . الغريب أن الناس اعتادوا على أن ينفروا من صورة الأنثى العارية باعتبارها رمزا للعيب والخطيئة، ومع ذلك أصبحت غوديفا، وبرغم عريها، تجسيدا للبطولة والتواضع والتضحية والإحساس بالآم الناس ومعاناتهم. وطبقا للقصّة، فإن غوديفا، ومعنى الاسم " هِبَة الله "، كانت زوجة لأمير انجليزي يدعى ليوفريك، كان حاكما لمقاطعة كوفنتري خلال العصور الوسطى، كان ليوفريك أميرا مستبدّا أثقل على رعيّته بالضرائب الجائرة، وأصبح الناس يعانون الأمرّين جرّاء استهتاره وظلمه. وقد قصده أعيان المدينة ووجهاؤها يطالبونه بأن يشفق على الناس ويتحسّس معاناتهم ويعيد النظر في سياسته الظالمة، لكن تلك المناشدات وقعت على آذان صمّاء، فلم تليّن قلب الأمير ولم تثنه عن موقفه المتعنّت. زوجته، الليدي غوديفا، كانت امرأة حكيمة وعاقلة، وقد ناشدته، هي الأخرى، وتوسّلت إليه مرارا أن يخفّف من معاناة الناس ويرفع عنهم سيف الضرائب، لكنه كان يرفض طلباتها بعناد، وعندما سئم من كثرة توسّلاتها وعدها بأن يذعن لطلبها شريطة أن تتجرّد من ملابسها وتركب حصانا يطوف بها، وهي عارية، في طرقات المدينة. فكّرت غوديفا طويلا في طلب زوجها الغريب، وفي النهاية وافقت على شرطه على مضض. ثم اصدر ليوفريك إعلانا حدّد فيه يوما معيّنا وطالب فيه الناس بالبقاء في منازلهم وبإغلاق نوافذهم بإحكام ريثما تمرّ الأميرة في شوارع المدينة. وفي اليوم الموعود، ركبت غوديفا حصانا بعد أن تخلّت عن ملابسها وجالت به في طرقات البلدة، والتزم الجميع بتعليمات زوجها بالحفاظ على حياء المرأة، ما عدا شخص تعيس يُدعى " توم "، دفعه فضوله الشهواني إلى حفر ثقب في جدار منزله كي يتمكّن من رؤية الأميرة وهي تمرّ في الشارع عارية. وتقول الأسطورة أن الرجل المتلصّص عوقب بالعمى من فوره نتيجة استراقه النظر إلى امرأة عارية. وفي النهاية، حافظ زوج غوديفا على وعده لها وقرّر إلغاء الضرائب التي كانت تثقل كاهل الناس.
هذه الأسطورة الجميلة تنطوي على بعض المفارقات، وأولّها أن خلاص الناس أتى من زوجة نفس الحاكم الذي كان قد استخفّ بهم وسخر من طلباتهم، والمفارقة الثانية أن المرأة ظلّت على عفّتها واحتشامها، بل إنها أصبحت بطلة في أعين الناس، على الرغم من طوافها في الطرقات وهي عارية. في الحقيقة، لا يملك المرء إلا أن يعجب بشجاعة الليدي غوديفا وشهامتها ونبلها وتضحيتها وحسّها الإنساني العالي. لاحظ كيف أن انتماءها للطبقة الحاكمة لم يمنعها من إظهار تعاطفها مع هموم ومعاناة الناس العاديّين، بل لقد قبلت أن تدفع ثمنا باهظا نتيجة إصرارها على أن تساعد الناس وتخفّف من معاناتهم. فرويد تأثّر بهذه الأسطورة وبنى على نموذجي " توم وغوديفا " بعض تعريفاته ومفاهيمه عن العري والاستثارة، وتوم نفسه صار شخصيّة مفضّلة للفنّانين والكتّاب، ومع مرور الوقت، أصبح كبش الفداء الذي يتحمّل، رمزيّا، وزر رغبة العامّة في النظر إلى امرأة عارية. بعض المؤرّخين يشيرون إلى أن الليدي غوديفا كانت امرأة حقيقية عاشت في كوفنتري وكانت متزوّجة من احد الولاة المتنفّذين فيها، غير أن القصّة نفسها، بحسب هؤلاء، لم تحدث قطّ، ولا يُعرف حتى الآن كيف ولماذا اخترعت هذه الأسطورة، لكن يقال أن أصولها تعود إلى العصور الوثنية، وقد أضاف إليها مؤرّخو المسيحية في القرون الوسطى عنصرا سرديّا انتقل من جيل إلى جيل حتى أخذت شكلها النهائي الذي تُعرف به اليوم . و .... في الختام، ليس لي شخصيا إلا أن أدون بعض كلمات مداخلة وتعليق، عن حقيقة صدق قصة الليدي غوديفا، بـ انها إمرأة إيثار وتضحية، لم تستثرها إنتمائتها للطبقة الحاكمة، بقدر ما رأت أن للمروءة إنتماء في روحها النبيلة العفيفة، ولن أزيد عن الملاة في المفارقة ذات الحديين في الاسطورة الرائعة هذه، بين سندان الحكم والجور فيه والعفة والتضحية، لذلك .... لذلك أحببت أن نقرأها سوية
مكارم المختار منقول بتصرف والترجمة عن مجلة الكاردينيا عن الموسوعة الحرة
#مكارم_المختار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرية المرأة .....!
-
التسامح بين لجم الضمير وبوس اللحى
-
تراتيل في ق . ق . ج .
-
إتجاهين إتحدا .....
-
نشر مادة جديدة
-
لحن يجري متعب السراب
-
بين التحمل والملل .....
-
الخصم الودود والمرافق اللدود .....
-
فرصة أمس .... أم خيبة حاضر !!!
-
حديث الحرف .... أجندة الروح
-
وجه معاصر للعالم القديم يصنعه البترول
-
بين الهمة ونحوة الانسانية يعاب على العرب ..... عبث الالتزام
-
جدلية الشدو ... ق . ق . ج . ج .
-
ظاهر وباطن
-
ضاع صوت ......... وأصابع منصتة
-
السياحة والاقتصاد
-
اقتصار النجاح واتساعه .... بين قدرة عطاء ومتطلبات اندماج
-
معوقات المرأة تداخل الواقع والطموح
-
ومضات بلا مأوى
-
الهيئات والمؤسسات المجتمعية والتوحيد تحت مضلة العمل الانساني
...
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|