|
حوار مع السفسطائي المطلق-3
أيمن عبد الخالق
الحوار المتمدن-العدد: 5771 - 2018 / 1 / 29 - 18:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حوار مع السفسطائي المطلق -3 خلق الله الإنسان حرًا قائده العقل" – عبد الرحمن الكواكبى • السفسطائي: كنا قد تكلمنا في المرة الأخيرة عن صلاحية الحس العلمية، وقلتم أن الحس مجرد ناقل أمين، وأنه لايصيب ولايخطأ لأنه ليس بحاكم، وإنما الحاكم هو العقل. • الفيلسوف،نعم صحيح. • السفسطائي: وقلتم إنّ الخطأ هو من العقل، وهذا اعتراف منكم بعدم إمكان الاعتماد على الأحكام العقلية. • الفيلسوف: نعم أنا قلت إنّ العقل يخطأ، ولكن لايعني ذلك أننا نفقد الثقة بالكلية في أحكامنا العقلية. • السفسطائي: كيف ذلك؟ • الفيلسوف: أعيد عليك السؤال مرة أخرى، كيف عرفنا أن العقل يخطأ؟ • السفسطائي: أمممم ...لاأدري....لقد فهمت منكم أن معرفة الخطأ فرع معرفة الصواب، فلابد أن يكون هناك من أدرك الصواب قبل ذلك. • الفيلسوف: وليس إلا العقل نفسه، لأنه هو الحاكم الوحيد في مملكة الإنسان، ولكن أحكامه متفاوتة من ناحية الدقة، والقوة والضعف. • السفسطائي: ممكن تبينوا كلامكم أكثر. • الفيلسوف: العقل تتفاوت أحكامه بتفاوت مبادئها التي ينطلق منها، ويصدر الحكم على أساسها. • السفسطائي: يعني أليست كل مبادئه عقلية؟ • لا بالطبع...ققد تكون مبادئه حسية أو تجريبية مأخوذة من الحس والتجربة، وقد تكون استقرائية ظنية مأخوذة من الاستقراء، وكثيرا من الأحيان تكون مبادئه عرفية مأخوذة من البيئة التي نشأ وترعرع فيها، سواء كانت أعرافا دينية مذهبية أو أعرافا عامة اجتماعية ناشئة من العادات والتقاليد، وتارة تكون مبادئه مجرد مبادئ استحسانية نابعة من أذواق الإنسان، أو مصالحه الشخصية والفئوية. • السفسطائي: وكل هذه الأحكام تعتبرها أحكاما عقلية؟! o الفيلسوف: أكيد...لذلك لاتجد إنساناً يدعي أنّ أحكامه واعتقاداته غير معقولة، أو أنه إنسان غير عاقل...ولكنك إذا تأملت كل هذه الأحكام العقلية العامة، ستجد أنها تتفاوت في الدقة والصلاحية العلمية، مع كونها أحكاما عقلية عامة. • السفسطائي: كيف ذلك؟ o الفيلسوف: من الواضح أنّ الأحكام العقلية الناشئة من المبادئ الحسية والتجريبية والاستقرائية، هي أكثر دقة وعلمية وموضوعية من غيرها من الأحكام الناشئة من الأعراف الدينية والاجتماعية، والاستحسانات الشخصية الانفعالية، والتي مرجعها إلى أمور نسبية متغيرة بتغير البيئة، والثقافة، والمجتمعات البشرية، وتغير الأمزجة والأذواق، والمصالح الشخصية. • السفسطائي: نعم صحيح...هناك فرق واضح بينها. o الفيلسوف: طبعا الأحكام العقلية المبتنية على الحس والتجربة، إذا لم يراع فيها الإنسان التأني والدقة العلمية، يمكن أن يقع في الخطأ والاشتباه، كما في الأخطاء التي نسبتها أنت إلى الحس، نتيجة التسرع في الحكم دون مراعاة ظروف الإدراك وشرائطة الموضوعية. • السفسطائي: إلى هنا الأمر أصبح واضحا لي، ولكن إلى الان لم أفهم كيف يصحح العقل أخطاءه الحسية، بل وكيف يصحح اعتقاداته الفلسفية والدينية، والتي هي وراء الحس والتجربة؟ o الفيلسوف: نعم هذا سؤال مشروع جدا، وهو ماكنت أتوقعه منك، وهنا بيت القصيد. • السفسطائي: وهذا ماانتظره منكم؛ لأنه في الواقع هو ماأبحث عنه منذ البداية. o الفيلسوف: هناك نوع اخر من الأحكام العقلية تبتني على مبادئ عقلية أولية تحليلية، واضحة بذاتها عند كل عقل سليم، وهذه المبادئ ننطلق منها بطريقة عفوية تلقائية في الكثير من أحكامنا، ولكن من دون أن نشعر بها، ولولاها مااستطعنا أن نصدق بأي شيء، بل لولاها مااستطعنا أن نشكك أو ننتقد أي شيء، فهذه المبادئ تمثل حجر الأساس للذهن البشري • السفسطائي: هذا أمر غريب، وقد شوقتني إلي معرفتها o الفيلسوف: لعلي قد نبهتك على بعضها في أثناء حوارنا، عندما سألتك عن شكك، وأنك هل يمكن لك أن تشك ولاتشك في نفس اللحظة،ولما نفيت أنت ذلك، قلت لك أنّ ذلك لوجود مبدأ امتناع التناقض، وأنه لايمكن أن يجتمع الصدق والكذب معا، فلايمكنك أن تصدق مثلا بأنّ "كارل ماركس" شيوعي، وليس شيوعيا، أو أنّ "جون لوك" ليبرالي وليس ليبراليا، هذا نوع من الجنون.......وهذا المبدأ هو أول المبادئ العقلية، وحجر الزاوية في التفكير الإنساني. • السفسطائي: هذا يعني بكل بساطة، أنه بدون هذا المبدأ، يُشل الذهن الإنساني بالكلية، ولايستطيع أن يفكرعلى الاطلاق. o الفيلسوف: أكيد...لأن حكمك على أي شيء، هو سعيك لأن تثبته، أو أن تنفيه، فإذا اجتمع الإثبات والنفي، فكيف تحكم على الأشياء، بل أقول لايمكن لك حتى أن تشك في أي شيء، كما كنت تشك أنت قبل ذلك في كل شيء، لأن شكك نابع من عدم قدرتك على الإثبات والنفي، وعدم قدرتك أيضا على أن تجمع بينهما، فتقع تلقائيا في الشك. • السفسطائي: هذا المبدأ واضح جدا عند عقل أي إنسان، ويعتمدعليه كل إنسان في تفكيره، وإن كان الكثيرربما لايلتفتون إليه في حياتهم كما تقولون.....ولكن هل هناك مبادئ عقلية أخرى مثل هذا المبدأ، لأنه مع كونه ضروريا، فمن الواضح أنه غير كاف في تصحيح وتضمين كل أحكامنا واعتقاداتنا النظرية والعملية o الفيلسوف: أنا لم أقل أنه كاف، ولم أقل أنه المبدأ العقلي الوحيد، ولكنه هو المبدأ الأول للتفكير الإنساني، ونحتاج إلى أن نتكلم عنه وعن غيره من المبادئ العقلية الراسخة في الطبيعة الإنسانية في جلسات لاحقة إن شاء الله....وكل شيء في وقته كما يقولون.
#أيمن_عبد_الخالق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع السفسطائي المطلق - 2
-
حوار مع السفسطائي المطلق 1
-
حوار مع السفسطائي
-
الخروج من المتاهة - 3
-
الخروج من المتاهة 2
-
الخروج من المتاهة 1
-
المتاهة الروحانية
-
مناشئ التطرف الديني
-
مآسي المتاهة الدينية
-
اللاعقلانية الدينية
-
المتاهة الدينية
-
المشاكل الاقتصادية للمتاهة الرأسمالية
-
هيمنة الرأسمالية على المراكز العلمية
-
مشكلات المتاهة الرأسمالية
-
المتاهة الرأسمالية
-
الفنان والفيلسوف يد واحدة للنهوض بالإنسان
-
كيف نبدأ مسيرتنا للخروج من محنت
-
ليس دفاعاً عن الحوار المتمدن، ولكن عن الحقيقة الضائعة
-
الحرية والعقل
-
صناع المتاهة MAZE MAKERS
المزيد.....
-
بعد زيارة وزير خارجية أمريكا.. بنما لن تجدد اتفاق -الحزام وا
...
-
اتهامات بالتحريض وترهيب الشهود.. النيابة الإسرائيلية تفتح تح
...
-
سوريا تحت قيادة الشرع تفتح صفحة جديدة مع الخليج، فهل تنجح بإ
...
-
إسرائيل تصعد عملياتها العسكرية في جنين: نسف 21 منزلا وسقوط خ
...
-
لقطات جوية تكشف حجم الكارثة.. أحياء بأكملها تغرق في كوينزلان
...
-
كيف تتلاعب روسيا بالرأي العام في أفريقيا؟
-
هل نجح نتنياهو بتغيير ملامح الشرق الأوسط؟
-
الأطفال الفلسطينيون المرضى والجرحى يصلون إلى مصر بعد فتح معب
...
-
المتمردون من حركة -إم 23- يدعون حكومة الكونغو الديمقراطية لل
...
-
مصر.. خطاب للسفارة الأمريكية اعتراضا على تصريحات ترامب
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|