|
حول العمر
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 5763 - 2018 / 1 / 20 - 21:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
دخلتُ منذ سنوات مرحلة الكهولة وإن الإنسان في هذه المرحلة غالباً ما يفكر بالعمر و الشيخوخة و الحياة و الموت. وأمامي اليوم ثمة أمور كثيرة تتعلق بالعمر و التجارب الحياتية يمكن تأملها و تعلم العبر منها و مناقشتها. وقد حظيت الأبحاث العلمية حول الهرم والشيخوخة في السنوات الأخيرة بدعم كبير من المؤسسات و الحكومات و المنظمات الدولية في هذه المرحلة من التطور الإنساني حيث نشهد أن أعداد المعمّرين في ازدياد ويأخذ سكان الأرض يكبرون، ويتجاوز اليوم كثير من البشر المئة عام في العمر. إنّ المسألة الأساسية هي أننا أمام تغيرات جوهرية في كل مناحي الحياة، إذ كانت نفوس الأطفال حتى العقود الأخيرة من التاريخ البشري أكبر بكثير من الكبار في العمر، فاليوم انقلبت الصورة في كثير البلدان. و علينا أن نتأقلم مع القيم الجديدة و البنى المجتمعية الجديدة. يعيش البشر اليوم من أبناء الطبقات و الشرائح الوسطى و العليا في المجتمع في البلدان الغنية أطول مدة، ويتمتعون بصحة أفضل و سعادة في البلدان الغنية. هذا ما أسمعه رغم المآسي التي تحل في بلداننا العراق و اليمن و سوريا و أفغانستان وغيرها. يتفاوت بالطبع معدل العمر الذي للمولود. في السويد بلغ عام 2016 متوسط العمر 84 عاما للإناث و تقريبا 81 عاماُ للذكور. و من المتوقع أن يصل هذا المعدل عام 20160 إلى 89 عاماً للإناث و 87 عاماً للذكور. إن الجينات و الطبقة الاجتماعية و البيئة و نظام حياة صحي عوامل مؤثرة في تحديد متوسط العمر. رغم التطور التقني و العلمي لا أحد يشعر بالأمان المطلق، سواء في بيته أو المدرسة أو دائرة عمله.
يلقَى ما يقارب الـ1.25 مليون شخص مصرعهم سنويا نتيجة لحوادث الطرق، وفقا لما جاء في التقرير العالمي عن حالة السلامة على الطرق لعام 2015 ، الصادر عن منظمة الصحة العالمية، وذلك رغم تحقيق تحسينات في مجال الأمان والسلامة على الطرق في العديد من بلدان العالم. في السويد يموت فقط يموت سنوياً 266 شخصاً في حوادث السير و أكثر من100 شخص في حوادث الغرق. وآلاف يموتون بسبب تناول الكحول و المخدرات و ألف ينتحرون أو يُقتلون و ما يزيد عن الأف بسبب السرطان و غيره. إن صح قولنا إن متوسط العمر عندنا هو 81 فالصحيح أيضا أن نصف أعدادنا لن يصل هذا العمر أبداً. لا نحظى بأكثر من 50% من الحظ للوصول إلى هذا المعدل من العمر. يعني ذلك ان علينا أن نبقى ننتظر موت نصف من هم في أعمارنا من الأقارب و الأصدقاء و الخصوم قبل أن نبلغ 81 عاماً. لقد قضى الكثير من أصدقائي و أحبتي في الطفولة و زملائي في الدراسة وغادروا دنيا نا لمختلف الأسباب. صحيح أنّ بفضل العلم الذي قضى على كثير من الأوبئة و الأمراض الفتاكة أصبح بإمكاننا العيش إلى حوالي 80 عاماً. وإن الحقيقة هي أن كثيرين قد بلغوا الثمانين أو أكثر في العصور القديمة. الفيلسوف أفلاطون الذي عاش قبل 2400 عام بلغ عمره أثناء وفاته 80 عاماً. و يقال إن زميله ديموقراط قد تجاوز التسعين من العمر. وعاش الشاعر الكبير بشار بن برد ( وفاة 784ميلادية) تسعين عاماً ، كما تجاوز الممثل المصري جميل راتب التسعين فمتوسط العمر الأقصى لم يتغير بصورة كبيرة خلال 2000 عاماً. و إن الحقيقة هي أن كثيرين بلغوا الثمانين أو أكثر في العصور القديمة. علينا التمييز بين أقصى عمر الإنسان و متوسط العمر المتوقع كمقياس إحصائي لجميع السكان. كان متوسط العمر في العصور القديمة أقصر بكثير مما هو عليه في البلدان الغنية. بينما متوسط العمر في البلدان النامية لا يزال قصيراً مثل السابق. الفرق الكبير هو أن أعداد الكبار في العمر في ازدياد في البلدان الصناعية. ومن أهم أسباب ذلك أن العلوم اكتشفت أسباب المخاطر التي سببت في السابق وفيات الأطفال و الصغار عندما حصدت البكتريا و الفيروسات حياة مليارات البشر. وتجري اليوم أبحاث مكثفة حول الشيخوخة و أسبابها . أصبحنا على معرفة بكثير من العوامل التي تؤثر في طول العمر أو قصره. كما أن قليلاً من الناس تحاول أن تعيش حياة صحية ما أمكن بسبب التكاسل أو تعلقهم بمتع الحياة التي تكلف كثيرا من صحتهم. ومن جانب آخر يقل عدد المدخنين، و تتحسن الرعاية الصحية و التغذية ، وتتوفر الأدوية و العلاجات و نلجأ إلى العمليات الجراحية الناجحة مما يؤدي إلى ازدياد متوسط العمر في المستقبل. و كلنا يعي أن كل ذلك أمر إيجابي مفيد. لكن من يبلغ عمر الشيخوخة يصبح عاجزا على تدبير حياته بدون مساعدة المجتمع. فكلما زاد عدد الكبار في العمر ازدادت الحاجة إلى المساعدة. فأنا شخصياً أفضل الموت على أن أعيش أرذل العمر أفتقر خلاله إلى كلّ حواس اللذة و الاستمتاع، واصبح عالة على المجتمع. إنّ الجميع يريدون أن يعيشوا عمراً طويلاً لكن لا أحد يريد أن يصبح عجوزاً. رغم كل شيء لا بد أن من أن تسوء أجهزة الجسم بعد بلوغنا السبعين. ولم يتوصل العلم لحد الآن إلى حل لغز الشيخوخة. فلا وجود لإكسير الحياة في الواقع. و ربما يكون ذاك من الإيجابيات، فمجتمعنا لم يبلغ بعد درجة النضوج لرعاية الشرائح المتزايدة من المئويين ومن تجاوزوا المئة عام.
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأبقار تحلم أيضاً
-
حياتنا السويدية: مسكن المسنّين
-
حياتنا السويدية- المسبح
-
ذكريات وشجون
-
نهاية التكوين
-
تأمّلات فلسفية: هل الطبيعة ديالكتيكية؟
-
من رباعيات جلال الدين الرومي
-
طحين الشمس
-
حميد كشكولي - الأديب والكاتب اليساري – فى حوار مفتوح مع القا
...
-
المرأة واهبة الحياة
-
التين في ظلال النخيل- الجزء الرابع
-
قصيدة -السوريّة- للشاعر السويدي أريك آكسل كارلفيلدت
-
الشاعر السويدي نيلس فيرلين : أنغام اغنية شعبية
-
التين في ظلال النخيل-3
-
التين في ظلال النخيل- الجزء 2
-
التين في ظلال النخيل الجزء 1
-
تمرد الغيتو - مقاومة المحكومين بالموت
-
كشف الحقيقة في أعماق الظلام
-
قد حان لي وقت الصلاة - قصيدة لإميلي ديكنسون
-
رحلة موفقة ، سيدي الرئيس!
المزيد.....
-
مصطفى شعبان بمسلسل -حكيم باشا- في رمضان
-
شاهد: أصدقاء وأقارب الأسيرة الإسرائيلية آغام بيرغر يحتفلون ب
...
-
حركة حماس تعترف بمقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف
-
القاهرة: لا لتهجير الفلسطينيين من أرضهم
-
عمّان.. رفض قاطع لتهجير الفلسطينيين
-
حماس تنعى عددا من كبار قادتها العسكريين وفي مقدمتهم القائد ا
...
-
سـوريـا: مـا هـي طـبـيـعـة الـمـرحـلـة الـجـديـدة؟
-
الدولي المغربي حكيم زياش ينضم إلى نادي الدحيل متصدر الدوري ا
...
-
العراق ومصر يجددان رفضهما لتهجير الفلسطينيين
-
الجيش الفرنسي يسلّم آخر قاعدة له في تشاد
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|