سمير عبد الرحيم اغا
الحوار المتمدن-العدد: 5761 - 2018 / 1 / 18 - 15:04
المحور:
الادب والفن
فراشات جامعية
قصص قصيرة جدا
سمير عبد الرحيم أغا
(صورة التـــــخرج )
ركضت سريعا .... أحاول ان احصل على مكان جميل, بين زملائي , مكان ارى الجميع منه, نرسم " يوم سعيد, نادت الأصوات : البنات في الصف الأول وقوفا ، في يد كل منهن وردة ....ردد آخر : الطلاب في الصفوف الخلفية , الكل يتجمل .. الملابس . الشعر, اسعد يركض يحاول ان يحصل عل مكان .. لمياء لازالت ترتب مكياجها, روباك تبحث عن مكان بجنب أختها "اشتي " ولا ترضى إلا بهذا المكان, وصباح يريد ان يقف مع لمياء, لحظات تمر مسرعة, نرتب نفسنا والمصور يعيدها, أسعد يركض في وسط الصف, ونحن أكثر من خمسين طالبة وعشرين طالب .. يجب ان تجمعنا الصورة .. العيون كلها تنظر, لقطة .. ابتسامة .. نظرة . ذكرى, اليوم رمينا الأقلام والكراريس ، تركنا كل شيء , ولم يبق في جيوبنا إلا الابتسامة نحملها قلوبنا ... لصورة التخرج .. يقف المصور, يراجع الصفوف واحدا... واحدا يتكلم مع اسعد وسمير وسعدي ولمياء بأسلوب مهذب ولطيف .. الوجوه كلها سعيدة تحاول ان تتكلم ، وتقول .... احبك . .. لحظات ... صمت ينطلق صوت المصور :
سكوت .. سكوت "راح نصور " استعدوا
وبين همسات الطالبات ونظراتهن على ترتيب شكلهن .. تطلق الكاميرا فلاشها .. : استعدوا لقطة أخرى .... شكرا ، ثم تتعالى (الهلاهل )....نتفرق وسط التعليقات والصراخ العالي ، في اليوم التالي, تأتي الصورة أعلقها على جدار غرفتي ... انظر إليها وتنظر لي اسلم عليها وتسلم علي . وبمرور الأيام تصبح ذكرى .
صورة حرب
بعد انتهاء سنوات الحرب , قلت لنفسي : لابد ان أعود إلى الحياة, بحثت في دفاتري لم اجد شيئا ، بحثت في صوري القديمة , لم اجد شيء ، وجدت صورة "التخرج " لا تزال معلقة على جدار غرفتي , ذكريات لا تفارقنا على مدى الحياة ، أفتش في قاموس الأسماء, تأملت زملائي , كنت على حافة البكاء ، لأننا لم نبق على اتصال ، صفوف الصورة خمسة ، كأن الذاكرة غيرت مكانهم .. طبعا الصفوف ألأولى جلوسا للبنات, ما عاد وجوههم حاضرا أمامي .. من بين الصفوف اخترت الصف الثالث وقوفا من الصورة, هناك أشخاص ليست لدينا القدرة على نسيانهم مهما فعلوا ، عشرة طلاب اعرفهم كما اعرف أولادي , كلانا واقف أمام الكاميرا ، كانت كالحلم .في حياة كل منهم أيام جميلة أتذكرها جيدا ... انتقلنا بعد التخرج مباشرة, من حدائق الجامعة ... ليس إلى بيوتنا او مدن خيالية بل الى خنادق القتال, ابتدأت الحرب للتو, تدربنا, وتعارفنا مع كل المتخرجين من الجامعة, ضحكنا, لعبنا, احتضن بعضنا البعض, أفراحنا توقظ العصافير, مضى شهر وأكثر, دخلنا جبهات القتال, أسمائنا في أوراق التخرج مكتوبة في أسفل الصورة , وأسمائنا في خنادق القتال مكتوبة على قطعة معدن معلقة بصدورنا, غابوا عني لسنوات, بدأت ابحث عنهم, ولكن إلى متى ابحث ؟ مرت سنوات ولم اعرف مصيرهم, وخيل إلي ان وقتا طويلا مر دون ان اعرف أحوالهم, وفي كل مرة اطرح على نفسي سؤالا تقليديا :
هل ماتوا ... هل لا زالوا على قيد الحياة.. ؟"الموت عادة لا يأبه بالأسماء, الحزن يأتي فجأة, لابد أن القدر عرف مكانهم و ملك الموت سجل أسمائهم في سجله, وما شعرت بنفسي إلا وأنا واقف إمامهم . قال لي أحدهم : ثمانية منهم ماتوا في معركة لم اعرف تاريخها ... لكنني اعرف إنها كانت تسمى " معركة الفاو " انظر إلى الصورة واعرف أن الذي بقي من العشرة هو أنا والعاشر لازال مصيره مجهول .
انا وظلي
ثلاثة أشهر مرت من الدراسة وأنا أتقدم نحو نفسي بتأن ، كنت أتصور أن عقد الحب قد انفرط ، قلت ربما أغدو حبيبا وربما هذا قدري ، رغم أنني غير مولع بالأقدار يكفي أن احلم لتصادق الحياة على فشلي، أكثر من مرة رسبت بامتياز ، وفي أول امتحان وبالذات في درس الإحصاء .
قررت بيني وبين نفسي أن أتدارك الخلل ، قمت من نومي متعبا ، ولم أكن قد توصلت إلى قرار ، الأمور لم تعد تطاق ، بل ضاقت إلى ابعد الحدود ، أحسست أن كل شيء غدا في ثقل الجبل ، الكتب والشوارع والبيوت وزملائي وهواء آخر الليل ، في مكتبي الصغير كنت أدرك أنني اغرق في نهر مجهول ..... إنني شاب من أبناء الزمن الجديد الذي يقولون عنه انه لا يصلح لحمل أكياس القطن ، وأنا الذي عشت زرقة السماء الصافية في قريتي ، وخضرة النخيل الزاهية ، وسمرة الأرض ، وسمعت صوت الريح في ليالي الشتاء ، وان الاستيقاظ في الصباح ، يعني ميلاد جديد ، مشكلتي أن الفشل يقطع الطريق أمامي وأبدى العداوة لي وأمس أشاد بقوته ...على إتيان ما لم يأمر به الله ، خرجت من أعماق سريري ، لم يكن هناك شيء اعمله، كنت أحس بطعم الفراغ لزجا على طرف لساني ، فتحت نافذة غرفتي ، كان الأمر محيرا ، كل من حولي من زملائي ، على ما يرام ، خسرت كل صداقاتي السابقة ، أحيانا اعذرهم فانا ليس جديرا بهذه الصداقة ، يجب أن يكونوا بحاجة لي وليس أنا بحاجة لهم أغلقت نافذة غرفتي الصغيرة ، أحضرت مرآة كبيرة مشروخة من المنتصف تماما ، .. وضعتها أمامي وجلست ، رحت أناقش كل الأمور ، مع الجالس أمامي ، كان بين أصابع كل منا قلم ودفتر وتحت يده ورقة .. ارتفع صوت كل منا :
- لا تغضب ... فـأنا لم افشل .
بحثنا ودرسنا سبب الفشل ، هكذا نحن في الحياة ، نتعلم من الفشل ، دونا بعض النقاط الهامة ، خلال الحديث الدائر ، حسبت الأمور في ذهني ، استرقني تفكير ما قاله لي ،كان صادقا فيما يقوله أتسال : كيف سحبني الفشل بهذه الطريقة ..؟ قال لي : ابحث عن السبب ، ابحث عن عنوانه ، كل هذه مجتمعة ، بدأت ابحث ، ثمة شيء يشدني إليه ، اتخذنا القرار تعاهدنا على تنفيذ كل شيء بدقة ، قمت ، ابتسمت ، حييت الجالس أمامي ، بادلني التحية ، وكان هو الآخر قد ابتسم لي ومسكني من يدي وقال :
ـ لنركض إلى النجاح ....
، لم يمد احدهما يده لكي يصافح الآخر استأذنته في العودة إلى مكاني ، فعل مثلما فعلت قررت أن أصارحه دائما ، وبدت لي المصارحة موقفا معقولا إلى ابعد حد ، وضع يده محاولا أن يوضح الأمر لي قلت له :
- ما الذي أوصلك الى هذا الحال .
ورقة صغيرة جدا
لفت انتباهي في احد الامتحانات ، أن أرى من موقع جلوسي في قاعة الامتحانات المكيفة ... يد مروان تأخذ خلسة ورقة صغيرة جدا من جيب قميصه ..ثم ينظر حوله بخوف وتردد ويكتب ما موجود فيها على دفتر الامتحان ,... ثم يندفع فاقد التوازن خانقا الورقة إلى مكانها ، يتلفت مروان يمنة ويسرة وكأنه رادار متحرك إلى كل الجهات ...بدا حريصا ودقيقا على اختيار حركاته خاصة أمام المراقب يعود إلى وضعه السابق دون أن يحس به احد .. ظل مكانه ساكنا لا يحرك يدا ولا لسانا ، أغمضت عيني لحظات ، فإذا بحضوره يسيطر علي، أصابني دوار شديد من هول المفاجأة تحركت المشاعر في داخلي ، دقات قلبي تتسارع وهي تتجه نحو مروان ، ألقت في طريقها نظرة سريعة نحو المراقب ،كل الطلبة يعرفون مروان مثل شجرة الفل وأنا أولهم .. لا يغش ،لا يكذب. يتكلم بصدق ...رمزا جميلا للوفاء والإخلاص يقرأ لنا أجوبة الامتحان بدون ملل ، ما هذا الذي رأيت ؟ خجلت من سؤالي ، لم اتوقع اطلاقا ذلك المنظر ؟ هذا الذي يستحي أن يحرك لسانه ، لا اذكر من قال عنه على مسمع مني : انه واجهة كبيرة للمثل العليا ، و ثروته من النجاح في الدروس لا تعد ولا تحصى نتيجة الجد في دراسته . الغريب إنني لم انس نبراته .. كررت ما قلته : بذلت جهدي لاستقصاء سبب "الجريمة " .. إبلاغه الرسالة أن أمكن ، دائرة مغلقة لدور فيها وحدي ، كان مروان نحيلا ممتد العنق لم يبدل نظارته منذ سنوات، المنسق الأول في الاجتماعات ، المنظم الأول للاحتفالات ، كثيرا ما جاءني وقعد عندي وخاض في أمور عامة أو شؤون تخص الطلبة ، يتحدث متمهلا ينطق بلهجة تدنو إلى الفصحى ، يتكئ على مخارج الألفاظ ، يصمت أحيانا ثم تستمر ابتسامته الجانبية المعلقة على حافتي شفتيه ، علاقاته عديدة ومتنوعة ،ولكن ماذا أقول...؟ هل أقول إني رأيت مروان يسرق ... ؟
ربما فعل أكثر من هذا من دون أن يرصده احد . كلا لا اصدق أنا رايته .. يغش، هل كان سعيدا ؟ هناك خيط يجب أن أصله ، رجوته أن يهتم بالأمر ، أشعرته أن يقول الحقيقة لكن هل يستجيب لذلك ؟ انظر إليه ... اختلف معه وامقته ، تذكرت يقينه وإصراره عن السبب ، فورع يده إزاء تثاقلي عليه .. أبدى لينا بعض الشيء ، رجاني إلا افشي الأمر ... دون ارتباك ولا أي خجل واضح ، لكن هل افتح الباب على مصراعيه وأتكلم، كان ممكن أن أثير فضيحة ، أن ابلغ العمادة بالغش رغم أن ذلك حدث و يحدث في كل امتحان ، قد يؤثر هذا على مكانته ويهز صورته ... لماذا الخشية ..؟ رغم ذلك اعترف بانني لم اكن يومها مستعدا للاعتراف ، كان يحتاج إلى أن يتكلم بين الحين والآخر ولو كذبا ، ليمارس على الحياة سطوة ذكائه الرجالي كسارق ...حتى يمسك يوما بالجرم المشهود ، تتلاشى الصور كلها كومضة ضوء حين أراه إمامي في الكلية ، يعاودني منظره المخزي حاملا معه معان.. لم تخطر لي على بال من قبل ، تأسفت عليه لأنني لم اتوقع منظرا كهذا .
علامة استفهام
نظرته الى الاشياء نظرة محدودة ، حياته علامة استفهام .. انجازه الأكبر انه .. يقوم في أحيان كثيرة بأعمال مخجلة كالغش في الامتحانات الفصلية أو النهائية بطريق جنونية محترفة دون أن يثبت احد أي شيء عليه ، يتباهى بذلك حتى اعتقدت انه أحسن مني ومن غيري ، وخاصة أمام الطالبات ، لم اجد تفسيرا لجنونه ، كنت أحس نحوه بحرقة تكوي قلبي تمنيت أن يصلح نفسه والتخلي عن هذا الطريق ، قلت له ذات يوم :
ـ هل تظن إن أحدا لا يعرفك ...؟
يرد باستهتار .
ـ لن يستطيع سيبقى الأمر سرا ولن يصل إلى احد
ـ هل تعتقد أن العمل الخبيث لا تفوح رائحته ... سيأتي يوم يا اسعد
قال اسعد ببرود :
ـ سأتخرج وأصبح أحسن منك
قلت له بثبات وتمعن :
إن كان لك انف واحد وعينان، فالناس لها آلاف العيون المنصوبة في كل اتجاه ولا يمكن أن يستغلهم احد أو يضحك عليهم ، يضحك اسعد بكل ثقة كأنه يرسم أوراق التوت الذي يحبه على جدران الكلية ، لكنها تبدو من الخلف حزينة مغسولة بالحريق والدمار قلت في نفسي :
- هؤلاء هم الذين يضحكون ، ولكن لا اعرف متى تنزع عنهم أقنعة العفة
اردد مرة أخرى مع نفسي : إلى متى يدفن هؤلاء رؤوسهم في الرمال.. لابد أن تظهر يوما ، ايمكن ان تنزل الكلمات صاعقة عليه ،. لكن إلى متى ..؟ ايمكن لقدرته على الغش ان تنتهي ، متى تتساقط أوراق التوت ،كانت كلماته الأخيرة بابا يغلقه بوجهي ، كل يوم يأتي ليصالحني ، ابديت دهشتي لذلك الموقف وقلت : كيف تسمي الغش حلال ..؟ رغم ذلك كنت اسايره فقط ، وحدث ان تشاجر اسعد مع زميله حميد في معركة حامية لا نعرف سببها كأن في الأمر سر ، تشتد .. وانا عاجز ان افعل شيء ، الطلبة تنظر إليهم في تبادل اتهامات غريبة وخطيرة ... حميد يقول لأسعد :
أنت .. غشاش ...
ننظر إليهم بانبهار ... حدث لم نكن نتوقعه .ونجد راحة نفسية في هذا الشجار الطلابي ، أصبح الأمر فرجة واكثر من ذلك ،ألا أن حميد يطلق لسانه " الطويل " ... ويرمي فجأة قنبلة على اسعد ..قنبلة مدوية في أرجاء القاعة : ـ أنت مزور ..
تصورنا في بادر الأمر أن حميد أراد أن يتخلص من المشاجرة في الكلية فقال ذلك ..كي يتملص من العقوبة المترتبة على المشاجرة : يتغير جو المشاحنة وينتقل إلى مكان اخطر ، تجمعت في الحلق اكثر من غصة ، بدأت مرحلة جديدة من المعركة ، صحت متعجبا : ما هذا ؟ يذهب حميد إلى مكتب العميد ، ويقول بكل صراحة :اسعد طالب مزور ... بهت العميد ومن معه وكأن صاعقة ضربته ، تعالت أصوات تطالب بالتحقيق لمعرفة الخبر .. ضحكت هل هذه حقيقة ام كذب ..؟ ام انه اعتراف في لحظة ياس ، ربما أراد حميد أن يتخلص من اسعد فرمى عليه هذه التهمة ، يلتهم الخبر كل أروقة الكلية ، تراجع الكل إلى الخلف ، الكل يرفع يديه يريد معرفة الحقيقة : أطلقت أجهزة الإنذار مدوية تسارعت العيون تريد أن تعرف .. وبالسرعة أرسل العميد رسالة سرية بيد معتمد إلى (إعدادية اسعد ) ليتحرى صحة الخبر ، العيون كلها تترقب .. دهشتي تنسحب تدريجيا الى الحقيقة ، والكل طلب مني تفاصيل ... ماذا جرى ساعة المشاجرة الحامية .. ؟ وكنت أتساءل اثناء ذلك : هل تراه كان يعرف الحقيقة ..؟ يأتي الخبر بسرعة البرق يطير من مكان إلى مكان أقول :
ـ لقد حدث العجب العجاب .. قبل أسبوع قلت له : سوف تظهر الحقيقة وتفوح الرائحة . تنصب الأضواء ، على اسعد كلها .. الكل ينتظر مصيره ، لم يمض أسبوع إلا وفصل اسعد من الكلية .... في الصف الثالث أدارة ،غادرنا اسعد .. مذموم مقهور ، لا يعرف كيف حدث ذلك ؟ .. شهادة اسعد مزورة .. اسعد لم ينجح في الصف السادس الإعدادي بل راسب في الدور الثاني .
صورة لا تنسى
في فسحة الدرس تشتعل نشوة اللعب في النفس, يشاركنا مكي من بعيد, ويكتظ حولنا التلاميذ بحيوية سحرية, يهتف مكي : ـمن يلعب .. ؟ أقرا وجهه بسعادة, كأنه بطل من أبطال اللعب, لذلك كنا نخصه بنظرة تجمع بين الإعجاب والحسد, وحين ينال منا التعب أقول له ـكافي لعب .. يتجاهل دعوتي ...يتغير حاله, يضحك ولا يبرح مكانه, بهرني منظره وهو يحمل الحجارة ويلعب بها كالريح , وسرعان ما يغيب عن نظري, إلا أن صورة مكي لم تغب عن بالي بل لا تنسى أبدا و نادرا ما تغيب عن عيني وخيالي, يترامى في اللعب بلا نهاية, نناديه باسمه, نتصوره اسعد التلاميذ, لا يمر يوم في المدرسة الابتدائية بلا خناق, ولكن بدون إصابات, قد يكون مكي أحد أقطابها, خطاه سريعة ولذلك كنت لا استطيع أن أدرك خطاه حين نمشي معا في ساحة المدرسة, يثير دائما عاصفة من المشاكل, من بيئة متوسطة الحال, ينعم بالحب من أبيه الذي يملك دكان قماش في المدينة, يمازح أكثر من زميل له, وفي بعض المرات يشتبك في خناقة حامية, ويلهب حرارة الاشتباك فيضرب وينضرب وقد تتلاحم الأيدي وتتصل وتتلاصق, فتتحول إلى تكتلات وما أسرع أن تتحول إلى ضربات غاية في العنف .. حين تسنح الفرصة لذلك, ويجد نفسه مشاكسا أكثر من غيره, كأن قوى خفية تشحن قلبه الصغير بحيوية المشاحنات في وقت كان الاحترام هو السلطة الأولى في المدرسة و القرية, فيعتقد مكي أنه يسمع هاتفا يقول : لبيك ... ولم يمض على بدء الدراسة أسبوعان حتى حدث أن رمى مكي احد زملائه في المدرسة بحجارة صغيرة أصابت عينه اليمنى, إصابة بليغة, لم نصدق أول الأمر ذلك ولكن الحادثة حصلت أمامنا, وان الضربة حصلت فعلا, حتى أن الطالب الذي ضربه تمالك أعصابه ولم يأخذ بخناقه, وليس حتما أن يكون ما قد وقع حادثة صغيرة, تركته وجريت فلم يجر ورائي بل وقف ينظر مذهولا, واخذ يناديني باسمي : سمير, كأنه خائف أن يمشي وحده, وقفنا نترقب الحادثة بصمت وارتياب , ولم اعد داريا .. إلى أين أذهب, كان جبينه مقطبا نوعا ما وإحدى كفيه مقفلة على هيئة قبضة, لذلك لم يبرأ احد منا مكي, لذت بالصمت ثم عدت فسألته في دهشة : ـماذا فعلت ? عض شفتيه, كأن الكلام لم يوجه إليهم قال: ماذا حدث ? لا شيء يحدث, ماذا يريد أن يقول ? هل تظن أن ذلك حدث ? مضى مكي مسرعا إلى البيت يسابق الريح ... حائرا خائفا وكأن شيئا ما سيحدث, ويجتاح الخبر مدرستنا, كالنار المستطيرة , نذهل ونفزع, وفجأة يصمت مكي وتعرب ملامحه عن حزن, لم يمض وقت طويل حتى كبر المشهد, إلى استدعاء ولي أمره ثم إلى صدور أمر من مدير المدرسة أستاذ أيوب .... يلزمه بنقل أوراقه إلى مدرسة أخرى, فركت عيني بكفي وأنا في تمام اليقظة, ونحمل الخبر إلى داخل بيته, فأقول − من يصدق هذا كله ? هناك مشكلة لا يفطن لها أحد, وليس من اليسير حلها.. انتظرنا الحل, ولمنجد سبيلا مشروعا يصلح للحل, تركنا مكي يرسم بقية الصورة, التي جعلت من مغامرته حكاية بتناقلها التلاميذ كل يوم. ويستعين مكي بأبيه ليذهب ويجيء معه كل يوم ليكمل دراسته في المدينة, وأعيش بقية أيام الدراسة لم أر مكي , يحزنني ذلك بطبيعة الحال, واعلق عليه : أن ما يحدث لا يصدق ., وأنهى مكي مسيرته في مدرستنا . ومضى كالصيف المرتحل .. وأدرك أن مكي يحترف جنون اللعب بكل أشكاله ولكن ذلك لم يمنعه عن سعيه في الدراسة
#سمير_عبد_الرحيم_اغا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟