|
مذبحة اغتيال الشهود في مخيمي صبرا وشاتيلا
عزالدين المناصرة
الحوار المتمدن-العدد: 5760 - 2018 / 1 / 17 - 19:34
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
يُصنّف بعض الباحثين، وعددٌ من الروايات الشفوية، (جنسيّات) ضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا، أيلول، 1982، بأنها كانت على النحو التالي: 75% من الضحايا، هم فلسطينيون، و20% من اللبنانيين، و5% من جنسيات أخرى: (سوريون، إيرانيون، بنغاليون، أتراك، أكراد، مصريون، جزائريون، باكستانيون، وغجر لبنانيون)، وآخرون لم تحدّد جنسياتهم، أو كانوا بلا جنسية أصلاً. كانت دائرة شاتيلا، ودائرة منطقة صبرا، تضمّ فلسطينيين، ولبنانيين بشكل رئيس، يُضاف إلى ذلك فقراء العرب والعالم، والعائلات الهاربة من بلدانها الأصلية لأسباب عديدة، كذلك عددٌ من متمردي العالم، وتضم أيضاً عدداً ضخماً من مهجَّري الجنوب اللبناني، الذين دُمّرت بيوتهم في بلداتهم وقراهم الجنوبية، بسبب قصف الطيران الإسرائيلي، وبسبب إقامة إسرائيل لدولة الشريط المحتل، بقيادة سعد حدّاد. وبالتالي، فإنَّ دائرة مخيم شاتيلا، ومنطقة صبرا، كانت تشكّل حزام الفقر في جنوب بيروت، وكانت منطقة شعبية بالمعنى العام. وتبلغ مساحة (مخيم شاتيلا) الأصلية، حسب (الأونروا، الأمم المتحدة)، (39.569 متراً مربعاً)، لكنَّ عدداً من الأحياء مع الزمن تشكلت في محيطه، مثل: (أحياء الحرش، وفرحات، والمقداد، وعرسال)، أصبحت حكماً، جزءاً من دائرة مخيم شاتيلا. أما منطقة صبرا، فهي منطقة شعبية فلسطينية – لبنانية، تشمل من حيث السكّان خليطاً من اللبنانيين والفلسطينيين، ويفصلها (شارع محطّة الدنا) عن منطقة (الطريق الجديدة). وبطبيعة الحال، فإنَّ هذه المنطقة كانت متحركة السكّان. أمّا، لماذا كانت النسبة الأعلى من ضحايا المذبحة (صبرا وشاتيلا) من الفلسطينيين، فيرجع ذلك إلى المخطط الذي رسمه الإسرائيليون، بالتعاون مع قيادة القوات اللبنانية الكتائبية، لتدمير المخيم، وذبح كل من هو فلسطيني من أجل تهجيرهم من لبنان: (ادفعوهم نحو الشرق)، كما عبَّر الوزير الإسرائيلي، (يعقوب ميريدور)، و(هناك شعبٌ زائد عن الحاجة)، و(سأحوّل مخيمي صبرا وشاتيلا إلى حديقة حيوانات، وملاعب للغولف)، كما عبَّر (بشير الجميل) قبل اغتياله في (14/9/1982). فالهدف الأساسي، هو سحق الفلسطينيين على وجه التحديد في مخيمي صبرا وشاتيلا، وإبادتهم إبادة تامة، وترحيل ما يتبقى منهم إلى الشرق، أي إلى سوريا، والأردن. أمّا، قتل اللبنانيين، فهو عقابٌ لهم، لأنَّهم عاشوا مع (الفلسطينيين الإرهابيين القذرين)، كما عبَّر عن ذلك القتلة أنفسهم. وهدفت المذبحة لبنانياً من جهة أخرى، إلى دفع (حزام الفقر الشيعي)، حول بيروت إلى العودة إلى جنوب لبنان، من أجل أن يقيم (الرأسماليون اللبنانيون) المتواطئون مع القتلة في الهدف، مشاريعهم التجارية والسياحية باغتيال الفقراء، أو دفعهم إلى الفرار. أمّا (إسرائيل) واليمين اللبناني الطائفي، فيشتركان في هدف (الإبادة التدريجية للمخيمات الفلسطينية في لبنان)، لأنَّ الاندماج، ممنوعٌ أصلاً. هكذا أبيدت مخيمات لم يعد لها وجود: مخيم النبطية عام 1974، مخيم جسر الباشا، ومخيم تل الزعتر، ومخيم ضبيّة المسيحي الفلسطيني عام 1976، وصبرا وشاتيلا عام 1982. ويُشتبه بأن (مخيم نهر البارد)، الذي دُمّر عام 2007، كان يندرج ضمن نفس المخطّط، بتعاون لبناني رسمي مع الولايات المتحدة، تحت ذريعة (محاربة الإرهاب)، التي لا تختلف كثيراً عن ذريعة اغتيال بشير الجميل، التي خطّط لها الأميركيون والإسرائيليون، قبل مذبحة صبرا وشاتيلا، رغم أن الإسرائيليين، خططوا للمذبحة مع (مرتزقتهم) قبل ذلك، أي يوم (3/9/1982)، ويوم (12/9/1982). - كنت عام 1974، في احتفال شعبي في قاعة جمال عبد الناصر، خطب فيه ياسر عرفات، وآخرون في إحدى المناسبات، لوَّح لي شخصٌ من بعيد بالتحية، وناداني باسمي، قائلاً: أراك بعد المهرجان. في البداية لم أعرفه، ولكن بعد أن التقيت به بعد الاحتفال، عرفت أنه أحد أبناء عمومتي، (أبو أحمد خليل المناصرة)، المحرّر في وكالة وفا للأنباء الفلسطينية، لم أكن قد رأيته منذ غادرت فلسطين للدراسة في جامعة القاهرة في خريف 1964. أخذني إلى منزله، وعرّفني بزوجته (عائشة الصفدي)، وهي من (مخيم شاتيلا). ومنذ ذلك العام، وحتى خروجي من بيروت في (1/9/1982) بعد الحصار، نمت علاقتي بالمخيم وأهله. ألقيت دروساً في القراءة والكتابة، والرسم على بعض تجمعات أطفال شاتيلا، عندما انقطعوا عن مدارسهم خلال الحرب الأهلية اللبنانية. وكان ذلك في أوقات فراغي من عملي كرئيس للقسم الثقافي بمجلة فلسطين الثورة، الناطقة بلسان منظمة التحرير الفلسطينية. وكنتُ أذهب في أيام الآحاد مع (أبو أحمد)، لزيارة أنسبائه في مخيم شاتيلا (منزل أهل زوجته). أتذكر (أمّ قاسم)، و(أبو العبد الصفدي)، وبناته (شقيقات عائشة): حنيفة ومريم وأبو قاسم وزوجته وأبناءه وبناته، كيف كنَّ يُرحبن بي ترحيباً حارّاً، عند قدومي إلى منزليهما: منزل العائلة في شاتيلا، ومنزل أبو قاسم (الابن) في صبرا. وفي مخيم شاتيلا، تلقيتُ عام 1976 دورة عسكرية (دورة الكرامة)، بإشراف ضُبّاط من جيش التحرير الفلسطيني القادم من مصر. أمّا (حيّ صبرا) اللبناني الفلسطيني، الملاصق لمنطقة الطريق الجديدة، والذي يعتبر استكمالاً لمخيم شاتيلا، فإنَّ منازله عبارة عن عمارات عالية عادية، تختلف عن بيوت مخيم شاتيلا، التي كانت تتكون من طابق واحد، أو اثنين على الأكثر فقط، بقرار من الحكومة اللبنانية. كان (حي صبرا)، هو الحي الذي تزوجت فيه في نهاية صيف 1978، وعقد قراني الشيخ زكريا الغندور، ووقَّع على (عقد الزواج)، الشهود: ماجد أبو شرار، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مسؤول الإعلام الموحد، وأحمد عبد الرحمن (رئيس تحرير فلسطين الثورة، بصفتهما (أصدقاء)، وأرسل لي خليل الوزير (أبو جهاد) في يوم عرسي، باقة ورد، وورقة حجز في فندق (ڤينر هاوس) في رأس بيروت، لمدة أسبوع، وحضر العرس: صديقي، عبد المعطي السبعاوي (قائد القوات الفلسطينية المحمولة)، وأبو نائل من التوجيه السياسي، وحشد من الأصدقاء. تمَّ ذلك العرس في (حي صبرا) في الطابق الأول، والطابق الرابع من عمارة تقع في (زاروب حطين)، الذي يقع عند مدخل شارع صبرا الرئيس. أيضاً، ولد ابني الأكبر (كرمل)، بتاريخ (26/8/1979) في (مستشفى غزَّة) في حي صبرا بالتحديد، وعاش عاماً ونصف العام في منزل جدّه (الفلسطيني العكَّاوي)، وجدّته (اللبنانية الصيداوية) في حي صبرا أيضاً، قبل أن يلتحق بنا في (صوفيا)، العاصمة البلغارية، حيث كنا ندرس، أمُّه، وأنا. وولدت زوجتي نفسها في بيروت أيضاً. هكذا، كانت وما تزال علاقتي بدائرة مخيم شاتيلا من قلبه إلى أطرافه، و(حي صبرا)، الملتصق بالطريق الجديدة، وحي الفاكهاني، علاقة خاصَّة، وعامَّة، عميقة وحميمة. أمّا في عام 1982، فقد كنّا نسكن في شقة في عمارة جديدة، بالإيجار، وهي ملك منظمة التحرير الفلسطينية (أزيلت من الوجود بعد الخروج من بيروت)، يفصل هذه العمارة، شارعٌ عن (المدينة الرياضية)، لهذا شهدتُ بنفسي أوَّل غارة للطيران الإسرائيلي على المدينة الرياضية، بتاريخ (4/6/1982)، عند الساعة الثالثة، وعشر دقائق عصراً، حيث لم تعد شقتنا صالحة للسكن بسبب الخراب الذي أحدثته الغارة، فرحلنا إلى شقة تقع في (بناية بركات) في رأس بيروت، التي تطلُّ على (قصر صالحة). أقول ذلك، لأدلّل على أنَّ علاقتي بدائرة شاتيلا، وحي صبرا، لم تكن علاقة عابرة. لهذا عندما حدثت المذبحة، وكنت في دمشق، أُصبتُ بحزنٍ وألمٍ عميقين على ضحايا المذبحة، الذين أعرف الكثيرين منهم. وقلقت كثيراً على عائلة زوجتي، وعائلة الصفدي، كما قلقت على عائلة (أبو الأمين المناصرة)، وهي العائلة الوحيدة من عائلتي الكبيرة في فلسطين، التي هاجرت إلى لبنان، لأنَّ هذه العائلة، هاجرت أولاً من (الخليل)، مسقط رأسي إلى حيفا، قبل عام 1948. ثمَّ هاجرت مرَّة أخرى شمالاً إلى (مخيم شاتيلا) بعد عام 1948. كان (أبو الأمين) من (جبل الخليل)، جنوب فلسطين. وكانت (أُم الأمين) من حيفا، من (عائلة المغربي). ثمَّ تشتت بعد المذبحة ما بين بلدان عربية، والولايات المتحدة. كما أنَّ مذبحة صبرا وشاتيلا، عمَّقت إحساسي التراجيدي المأساوي، وشعوري بالقهر، عندما أنكر الجميع مسؤوليتهم عنها، وكأنَّ (الأشباح)، هي التي ذبحت واغتالت أربعة آلاف فلسطيني ولبناني مدني، كلُّهم من النساء والشيوخ والأطفال، أمام (صمت وتبرير ونذالة)، بعض العرب، حتى قال رفائيل إيتان (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي)، أحد المخططين والمنفّذين والمشرفين الكبار للمذبحة بأنَّ ضميره (مرتاحٌ تماماً بعد المذبحة!!). أحسست بالقهر لدى قراءتي تقرير (لجنة كاهان) الكاذب. أحسست بالقهر لدى قراءتي لمقتطفات من (تقرير أسعد جرمانوس) في جريدة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية. شعرت، بل وتأكدت أن (القتلة)، هم من كتب هذا التقرير للمدعي العام العسكري اللبناني، بل وشعرت بالقهر، لأنَّ (اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية)، أصدرت بياناً عادياً، بتاريخ (19/9/1982)، تعاتب فيه (الإدارة الأميركية) على إخلالها بتعهداتها، بحماية المدنيين الفلسطينيين، قبل خروج قوات المنظمة من بيروت، فلم تشكل المنظمة (لجنة تحقيق فلسطينية)، تصدر تقريراً رسمياً للرأي العام العالمي في مواجهة (التقرير الإسرائيلي) الكاذب، حيث لم يصدر أي تقرير رسمي فلسطيني حتى الآن، ويبدو أنه لن يصدر عن المنظمة إلى الأبد!!. رغم أنه لا يمكن قبول أيّ تبرير، أو عُذر، مثل: التذرُّع بالانشغال بأحداث ما بعد الخروج من بيروت!!، مهما كانت هذه الأحداث: لقد تُركَ أهلُ صبرا وشاتيلا بعد المذبحة، لمواجهة أقسى الظروف البشرية. - نعم (أربعة آلاف شهيد وشهيدة) من النساء والأطفال والشيوخ، هي خلاصة مذبحة صبرا وشاتيلا، (75%) منهم من الفلسطينيين. كلُّ واحد منهم يمتلك سرديته الخاصة، ولأنهم يمتلكون هذه (السرديات الخاصة)، تمَّ اغتيال الشهود على مأساة أكبر، حدثت عام 1948. أكّد هذا، العنفُ الهمجي للإسرائيليين، والمرتزقة اللبنانيين، الذي مورس أثناء ارتكاب أضخم جريمة في القرن العشرين ضدّ المدنيين، وليس في (معارك طاحنة!!)، كما كذبوا قبل انكشاف الحقيقة. كذلك يمتلك (الشهداء اللبنانيون) في المذبحة، (سردياتهم الخاصة)، عن جرائم إسرائيل في الجنوب اللبناني. كان معظم هؤلاء الشهداء الفلسطينيين، ينتمون إلى (الجليل الأعلى) بفلسطين الشمالية، وفيما يلي أسماء مدنهم، وقراهم الأصلية، التي احتلَّها الإسرائيليون عام 1948، وطردوا أهلها منها، واغتصبوا أراضيهم، بالتحالف مع بريطانيا العظمى (وعد بلفور، 1917)، وفرنسا العظمى (وعد نابليون بونابرت، 1799م)، الذي ارتكب مذبحةً في يافا، لكنه هُزم أمام أسوار عكّا، كان معظم (شهداء صبرا وشاتيلا)، إذاً من (الجليل الفلسطيني): (صفّوريَة، عكّا، حيفا، يافا، دير القاسي، ترشيحا، الخالصة، الكابري، الناعمة (صفد)، صفد، سحماتا، البقيعة، مجد الكروم، اللّد، سيرين، شفا عمرو، الياجور، كفرين، الياقوق، عرب السواعد، الحسينية (صفد)، سعسع، البروة، ديشوم، المنشية (عكا)، عبلين (قضاء حيفا)، البصَّة (قضاء عكا)، عمقا، الزوق (قضاء صفد)، حواسة (قضاء حيفا)، عرب السمنيَّة (قضاء عكا)، بلد الشيخ، لوبيا، الجاعونة، عرب الطوقية (قضاء عكا)، عرب الهيب (قضاء عكا)، عرب الرمل (حيفا)، نحف (قضاء عكا)، كويكات (قضاء عكا)، الكساير (قضاء حيفا)، شعب (قضاء عكا)، عموقة (قضاء صفد)، ...الخ)، بل، هناك عددٌ من الشهداء من (الخليل، نابلس، طولكرم)، لكنَّ 99% من الشهداء، ينتمون إلى الجليل الأعلى، بفلسطين الشمالية المغتصبة عام 1948. وكانوا في معظمهم قد تنقلوا أو هُجّروا أكثر من مرَّة بعد ترحيلهم إلى لبنان. بل وعانوا من قرارات الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام 1948، حيث عوقب اللاجئون الفلسطينيون، بتحويل مخيماتهم إلى ما يشبه معسكرات الاعتقال، منذ الخمسينات، وطيلة الستينات، حتى مجيء (الثورة الفلسطينية) في أوائل السبعينات. وقد اشتهر (المكتب الثاني)، أي المخابرات العسكرية اللبنانية، و(الفرقة 16)، بتعذيب أهالي المخيمات، كما لو كانوا في (غيتوهات) مغلقة: كان ممنوعاً عليهم التنقل في لبنان من مخيم إلى مخيم لرؤية أقاربهم، إلاّ بتصريح من المكتب الثاني. وكانوا يُمنعون من زيادة مدماك واحد فوق بيوتهم المغطاة بالزينكو. وكان ممنوعاً عليهم أن يستقبلوا ضيوفاً من خارج المخيم، ليناموا عندهم، إذْ لا بُدّ من الحصول على تصريح عسكري. وكان يمنع عليهم التجوّل حتى في بيروت. وكان ممنوعاً تعاطي السياسة أو قراءة الصحف، فإذا ضبطت جريدة داخلة إلى المخيم، تصادر ويعاقب حاملها. وحُظر تشكيل أحزاب، أو حتى جمعيات رياضية أو كشفية، بل، هناك صورة طبق الأصل لوثيقة صادرة عن الدرك (الشرطة اللبنانية)، تحمل الرقم المتسلسل (196)، بتاريخ (26/3/1969)، بأنه يُسمح لفلان (عدنان إبراهيم ظاهر) – (ببناء مرحاض) في بيته( ). كان اللاجئون الفلسطينيون، يدفعون الغرامات، والرشوات (إذا اقتضى الأمر)، لحماية أنفسهم من دخول السجون اللبنانية. ظلَّ الأمر هكذا طيلة الخمسينات والستينات، لهذا عندما شاهدتُ عام 1974، مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين، تنسف (مركزاً مهجوراً للشرطة) قريباً من بوابة (صبرا)، استهجنتُ كمثقف هذا الفعل وأدنته، لأنني كنت ضدّ ارتكاب أيّ خطأ ضدّ مؤسسات الدولة اللبنانية، ولكنني بعد ذلك، فهمتُ لماذا تمَّ تدمير مركز الشرطة المهجور!!. إنه يُذكّرهم بأيام (المكتب الثاني، والفرقة 16) السوداء. كان اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، يتعرضون لأبشع المضايقات العنصرية. ولم يكن الفلسطينيون، هم من (فجَّر الحرب الأهلية اللبنانية!!)، كما زعم بعض الباحثين اللبنانيين لاحقاً، بل كانوا (عاملاً واحداً) من عوامل أخرى أكثر جوهرية، بل كان العامل الفلسطيني في بداية الحرب في حالة دفاع، ولم يتحوّلوا إلى هجوم بالاشتراك مع الحركة الوطنية، إلاَّ بعد أن حوصر (مخيم تل الزعتر)، وسقط (مخيم جسر الباشا)، وبعد أن حاول الكتائبيون ونمور حزب الأحرار، قطع طريق (بيروت – الجنوب) عند بادة الامور، عدَّة مرّات. ومما يثبت ذلك، أنَّ الفلسطينيين، بعد مشاركتهم في حرب السنتين في بداية الحرب الأهلية، بعد (مذبحة عين الرّمانة) التي ارتكبتها قوات حزب الكتائب في (13 نيسان 1975)، وراح ضحيتها (31 فلسطينياً) في حادثة الحافلة – انكفأوا منذ مطلع عام 1977، وحتى خروجهم من بيروت، لمواجهة العدوان الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، وابتعدوا تقريباً عن اللعبة اللبنانية، إلاّ في حدود الدفاع عن أنفسهم. وقد جاء الدليل من شخصية لبنانية كبيرة، لم تكن متعاطفة مع الفلسطينيين، هي، (العميد ريمون إدَّة)، زعيم حزب الكتلة الوطنية اللبنانية، الذي قال حرفياً: (كان اللبنانيون يعيشون بسلام مع بعضهم بعضاً، قبل عام 1975، بوجود (18) طائفة مختلفة. حصلت الحرب الأهلية عندما أراد (حزب الكتائب)، وضع يده على السلطة، فدمَّر البلد، وتقهقر. لذلك لا أوافق على عبارة (حرب الآخرين)( ). - إذاً، لم يكن الفلسطينيون، هم من فجّر الحرب، لكنَّهم استشعروا الخطر بعد حادثة الحافلة (البوسطة) في عين الرّمانة، فهبّوا مع حلفائهم في الحركة الوطنية اللبنانية، للدفاع عن أنفسهم، وشاركوا في حرب السنتين، وارتكبوا بعض الأخطاء، لكنهم أبداً لم يفجّروا الحرب، بل فجَّرها: (حزب الكتائب)، و(حزب الأحرار)، بقيادة الجبهة اللبنانية المغرمة بأفكار (شارل مالك)، التي قادت إلى مذبحة صبرا وشاتيلا، بعد التعاون مع العدوّ الإسرائيلي، والمخابرات المركزية الأميركية.
بشير الجْميّل: الشعب الفلسطيني، (شعبٌ زائدٌ عن الحاجة)!! في (ملجأ)، حُفر حديثاً خلال حصار بيروت في الشارع الموازي لشارع عفيف الطيبي، قرب جامعة بيروت العربية، دخلتُ صُدفةً هذا الملجأ، لأجد أمامي عدداً من المناضلين، وياسر عرفات. وما إنْ جلستُ على كرسي قريب من (أبي عمّار)، حتى وقعتْ عيناي على (جريدة المعركة) أمامه، بل كان مقالي (الفائض عن الحاجة، هو من يخون وطنه!)( )، هو المقصود على ما يبدو. ظننتُ لأوّل وهلة أنَّ أحد الوشاة كالعادة، قد نبَّههُ على خطأ في المقال، ولكن عرفات فجأة، قال لي: (مقالك ممتاز يا عزّ، وقد كنت أقرأه مع الأخوة). فاطمأنَّ قلبي، ولم أعلّق بأية كلمة. كان مقالي، بمثابة رَدٍّ على تصريحات (بشير الجْميّل)، لمجلة (نوڤيل أوبسرڤاتور)، حيث قال فيه حرفياً: (هنا في الشرق الأوسط، أربعة بلدان هي: لبنان، الأردن، سوريا، إسرائيل، وهناك خمسة شعوب، فالشعب الفلسطيني، هو شعب فائض (زائد) عن الحاجة)!!( ). كانت الطائرات الإسرائيلية تحوم في سماء المنطقة على ارتفاع منخفض، وكان أزيزُها ينخر العظام، ويهزُّ المباني المحيطة بالملجأ. لم يكن هذا التصريح العنصري البغيض، هو أوَّل تصريح لبشير الجميل، ولم يكن هو أوَّل مقال تنشره وسائل الإعلام الكتائبية ينضح بالعنصرية. كنَّا طيلة السنوات الماضية، نتابع ما يُكتب في (جريدة العمل) الكتائبية التي كان يرأس تحريرها (جوزيف أبو خليل)، عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب، المقرّب من بيار الجميل (الأب)، وبشير الجميل (الابن). كانت مقالات جريدة العمل، ذات صبغة هتلرية تحريضية، تطالب بطرد (الغرباء الفلسطينيين) من لبنان، وتهاجم (الحركة الوطنية اللبنانية)، المرتبطة باليسار الدولي، حسب أوصاف بيار الجميل نفسه، الذي كان يتكلم بلغة الحرب الباردة الأميركية، ولكن لم تصل الوقاحة حتى ذلك الوقت، إلى الحدّ الذي بلغه تصريح بشير الجميل لمجلة نوڤيل أوبسر ڤاتور الفرنسية، لأنَّ التصريح يطالب علناً كما فهمه الجميع، بإبادة الشعب الفلسطيني (الزائد عن الحاجة)، حسب تعبيره، ولأنَّ التصريح، ينضح بالكذب على التاريخ، فالشعب الفلسطيني، هو أقدم وأكثر شعوب بلاد الشام عراقةً في التاريخ والجغرافيا. وهذا التصريح، هو تصريحٌ (إسرائيليٌّ) بامتياز، قيل على لسان هذا العميل الإسرائيلي الوقح. لقد شممنا منه (رائحة الإبادة). وفهمنا نحن المحاصرين في بيروت، أنَّ هذا (العقل الهتلري)، قد حسم أمره مع الإسرائيليين، بحيث يمكن أن يشاركهم في هذه الإبادة التدريجية، خلال الحرب وليس لاحقاً. خرج (أبو عمَّار) من الملجأ قبل أن أخرج، وحين غادرت الملجأ وفي نيّتي الذهاب إلى مقرّ (جريدة المعركة) في الروشة قرب البحر، فوجئت في الطريق أنَّ (أبا عمّار)، يقوم بزيارات سريعة للمتاريس والخنادق في منطقة (اليونسكو)، ويُشجع الفدائيين المسلحين على الصمود. رآني مرّةً أخرى عند أحد المتاريس، وسمعته يدلي بملاحظات عسكرية لحرّاس المتراس. وعندما ظهرت طائرة إسرائيلية (بدون طيّار)، ركب سيارته، وغادر فوراً، لأنَّ معنى ذلك أنَّ المكان سوف يُقصف بعد دقائق قليلة، وأوصى حرّاس المتراس بالحذر الشديد. - صرَّح (عرفات) في نهاية حصار بيروت، بأن الإسرائيليين، حاولوا اقتحام بيروت الغربية (17 مرَّة)، وفشلوا بالفعل. السبب بسيط، هو أنَّ (القوات الفلسطينية – اللبنانية المشتركة)، كانت خبيرة بحرب المدن أكثر بكثير من الجيش الإسرائيلي الذي لا يمتلك أية خبرة في هذا المجال. ولو دخل الإسرائيليون بيروت الغربية، لسُحق جيشهم ومُني بهزيمة أكيدة، وكانوا يدركون ذلك تماماً. كانوا يدركون أن خسائرهم ستكون عظيمة، بل ستكون فضيحة لأسطورة (الجيش الذي لا يُقهر)!!. وقد حاولوا ذلك عدّة مرّات دون جدوى، إذْ غلب عليهم طابع التردد. لهذا اعتمدوا كلياً في حصار بيروت على قصف المدينة، بوساطة الطائرات، والدبابات، والبوارج البحرية. ويتذكر الإسرائيليون محاولتهم (الكاريكاتورية)، الفاشلة، للتقدم باتجاه (المُتحف)، وهي المنطقة الفاصلة بين بيروت الشرقية، وبيروت الغربية. يومها، وبعد معارك طاحنة، أذاعت (الإذاعة الإسرائيلية)، بأن قوّات الجيش الإسرائيلي، استطاعت التقدّم، مسافة (عشرة أمتار)، باتجاه (المُتحف)!!. كنتُ يومها، أتمنطق بارودتي (الكلاشنكوف)، قرب المتحف، وشاركتُ في المعركة من وراء متراس من التراب وبقايا خردة سيّارات معطوبة. ولدى محاولة الدبابات الإسرائيلية التقدم، أمطرناها بوابل من الرصاص، فتوقفت قليلاً، ثمَّ عادت للهجوم، عندئذٍ كان بطل هذه المعركة، هو (سلاح الآر.بي.جي)، والقنابل. وكان رُماتُها الرائعون من لابسي (البيجامات)!!. - غادرتُ بيروت في آخر شاحنة للجيش اللبناني، وفي آخر دفعة من الفدائيين. غادرت بيروت يوم (1/9/1982) بعد ثلاثة شهور عشتها تحت الحصار. وكانت عائلتي (زوجتي وطفلي كرمل)، قد غادرا بيروت برّاً إلى دمشق، في (2/8/1982)، ثمَّ إلى عمَّان، بعد إعلان قرار الخروج من بيروت. وكنت ممنوعاً، آنذاك، من دخول الأردن. استأجرتُ غرفة في فندق من الدرجة العاشرة في (المرجة)، بدمشق، لأنني لم أكن أمتلك سوى القليل جدّاً من المال. وأتذكر أنه في يوم الجمعة (17/9/1982)، قد اتصل بي، (بلال الحسن): رئيس تحرير مجلة (شؤون فلسطينية)، التي كنت سكرتير تحريرها، وكانت تصدر عن مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، وأبلغني بأنه أخذ موعداً لزيارة عرفات، الذي كان في ذلك اليوم في مكتبه بدمشق. وهكذا ذهبت مع بلال عصراً إلى مكتب عرفات، لبحث مسألة مصير (المجلة). كان أمام مكتب عرفات، عددٌ من التلفزيونات الأجنبية، من بينها قناة أمريكية. أمر عرفات حارسه بإغلاق الباب. سلَّمنا عليه، وجلسنا. كُنّا قد عرفنا سابقاً أن الجيش الإسرائيلي، قد دخل بيروت الغربية صباح الأربعاء (15/9/1982)، وكان خبر اغتيال بشير الجميل (مساء الثلاثاء، 14/9/1982)، قد جعلنا نحن الفلسطينيين، نشعر بقلقٍ عميق. وشعرنا أنَّ انسحاب القوات متعددة الجنسيات: الأمريكية (10/9)، والإيطالية (11/9)، والفرنسية (13/9)، يثير الريبة والشكّ، لأنهم انسحبوا قبل موعدهم الرسمي بعشرة أيام. تكلمنا كثيراً أمام عرفات، أمّا هو، فكان قليل الكلام. كان مُصاباً بالذهول، ويميل إلى الصمت على غير عادته، أيّام زمان. طرحنا مسألة (شؤون فلسطينية)، فقال: (الحقوني إلى تونس)، ولم يُعلّق إطلاقاً على اقتراحاتنا. انتهى هدف زيارتنا، وبينما كنّا نرشف آخر رشفة فهوة، فتح حارسه الباب، وتهيّأنا للخروج، وإذا بالحارس يقول: هناك شخص من (منظمة العمل الشيوعي) اللبنانية، جاء قادماً من بيروت. دخل الشخص، وسلَّمنا عليه، وحاولنا الاستئذان بالخروج، لكن أبا عمّار أمرنا بالجلوس. كان (حكمت العيد)، عضو المكتب السياسي في منظمة العمل الشيوعي. سأله أبو عمَّار عن أحوال بيروت بعد دخول الجيش الإسرائيلي. شرح الرجل أوضاع بيروت البائسة، وتكلَّم عن المقاومة ضدّ جيش الاحتلال، ثمَّ أخرج ثلاث صور من جيبه، لأطفال مقتولين ومحروقين، تأملناها مع عرفات. لحظتها، والحقُّ يُقال، لم ندرك احتمالية الكلام عن (مذبحة)، فقد اعتقدنا أن هذه الصور، هي إحدى مظاهر همجية الجيش الإسرائيلي لدى دخوله بيروت الغربية. استأذنا بالخروج، لأننا قدَّرنا أن هناك كلاماً خاصاً بين الرجل، وعرفات، فتركناهما، لكنَّ عرفات خرج معنا، وطلب من الرجل البقاء حتى يقوم بالتحدث للتلفزيونات الأجنبية. وقفنا بعيداً عن الكاميرات، بينما صرَّح عرفات لهم: (أين هي وعود وضمانات الولايات المتحدة الأمريكية، أين هو اتفاق فيليب حبيب، حول ضمانة عدم دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، وضمانة حماية المدنيين الفلسطينيين، وعائلات الفدائيين الذين خرجوا من بيروت)، وطالب أبو عمّار بعودة القوات متعددة الجنسيات فوراً لحماية بيروت الغربية. أردكتُ تماماً أنَّ أبا عمّار، (لا يعرف شيئاً عن المجزرة)، ولا بلال، ولا أنا، بطبيعة الحال. ولم نفهم من كلام (حكمت العيد) عن وجود مذبحة، أو ما يشير إلى مذبحة. غادرنا المكان على أن نلحق بأبي عمّار إلى تونس. ولم نعرف ماذا دار بين حكمت العيد وبين عرفات في حديثهما الخاص. كان ذلك عصر يوم (الجمعة، 17/9/1982)، وهو أشدُّ أيام (مذبحة صبرا وشاتيلا) بشاعةً، كما عرفنا لاحقاً. مذبحة صبرا وشاتيلا: 45 ساعة من القتل المتواصل: دخل الجيش الإسرائيلي، بيروت الغربية، الساعة الخامسة من فجر يوم الأربعاء (15/9)، مخالفاً (اتفاق فيليب حبيب) وضمانات الولايات المتحدة الأميركية، بعدم دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، بعد رحيل قوات منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت آخر دفعة منها قد خرجت يوم (1/9/1982). وكان الجيش الإسرائيلي، الذي يحاصر بيروت، قد حاول الدخول (17 مرّة)، وفشل بسبب المقاومة الصلبة للقوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية. وكان الجيش الإسرائيلي، يعرف تماماً، أنه بوجود الفدائيين الفلسطينيين في بيروت، لا يستطيع الدخول إطلاقاً، لأسباب عديدة، أهمها أنه كان سيقع حتماً في فخّ (عُشّ الدبابير) المنتظرة، وكانوا يخافون أيضاً من حرب استنزاف طويلة الأمد، تقع فيها خسائر إسرائيلية كبيرة. وكانت ذريعة دخول بيروت الغربية (15/9)، هي اغتيال بشير الجميل في الساعة الرابعة وعشر دقائق بعد ظهر يوم الثلاثاء (14/9)، بمتفجرة زنتها خمسون كيلو غراماً في مقرّ حزب الكتائب في الأشرفية، وأنَّ إسرائيل، دخلت لحماية المدنيين الفلسطينيين من مذابح محتملة، (حاميها حراميها). ثمَّ عادت، وزعمت كذباً، أنَّ هناك ما يقرب من (ألفي شبح فدائي فلسطيني)، موجودين في المخيمات الفلسطينية في بيروت، زرعهم عرفات في بيروت قبل رحيل الفدائيين الفلسطينيين إلى المنافي الجديدة. وقد تبين لاحقاً، أنها كذبة كبرى من أكاذيبهم، لأنَّ الشهداء والشهيدات في مذبحة صبرا وشاتيلا، كانوا جميعاً من المدنيين، وكانوا جميعاً من الشيوخ والنساء والأطفال، ولم يُعثر على جثة واحدة لمسلّح فلسطيني واحد، حسب تأكيدات كلّ المصادر، بما فيها المصادر العسكرية الإسرائيلية نفسها، التي شاهدت الجثث في الطرقات وفي بقايا البيوت المهدَّمة. أمّا ذريعة حماية المدنيين الفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي، خوفاً من مذابح محتملة، فهي كذبة كبرى أيضاً لا يصدّقها عاقل، أو حتى مجنون في العالم، لأنَّ أخلاقيات الجيش الإسرائيلي المزعومة، رأيناها في حصار بيروت، حين كانت الطائرات الإسرائيلية، تدكُّ البيوت الآمنة، والمستشفيات، والمخيمات، بآلاف الأطنان من قنابلها العنقودية، والفراغية. ومن يتذكر يوم (12 آب، 1982)، وهو يوم لا ينساه الفلسطينيون واللبنانيون، يتأكد أن الإسرائيليين، كانوا يريدون إبادة البشر: صغاراً وكباراً، والحجر، وسقائف المخيمات، وكلّ ما يتحرك على الأرض في بيروت الغربية. يصف الصحافي (توني كليفتون)، مراسل مجلة نيوز ويك الأميركية، ذلك اليوم، بقوله: (لقد شاهدتُ العديد من الغارات خلال حياتي كمراسل صحفي في ڤيتنام، وكمبوديا، لكني لم أشاهد، ولا أعتقد بأني شاهدتُ غاراتٍ أكثر عنفاً، وأكثر همجيةً من الغارات الإسرائيلية في ذلك اليوم. إنها أكثر عُنفاً مما شهدتْهُ برلين، أو لندن في الحرب العالمية الثانية) ( ). ولم يكن هذا اليوم (12 آب)، هو اليوم الوحيد، في القصف الهمجي، بل لم يتوقف هذا القصف طيلة شهور الحصار، لكنَّ ذلك اليوم كان هو الأقسى. وأعتقد جازماً أن الهدف الأساسي من دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغريبة، هو تدمير المخيمات الفلسطينية: صبرا، وشاتيلا، وبرج البراجنة، تدميراً تاماً، وإبادة سكّانها، وترحيل ما يتبقى منهم بعد القتل، خارج لبنان، وبالتالي، تخاف بقية المخيمات المتناثرة في لبنان، وترحل شرقاً إلى سوريا. وأجزم أيضاً، أنَّ الخطّة الإسرائيلية، بشأن المخيمات، كانت قد اتُخذت سابقاً، أي قبل اغتيال بشير الجميل، بل ومنذ عام 1976، عندما بدأت العلاقات بين إسرائيل، والجبهة اللبنانية، تتوطَّد، وتتحول إلى أفكار عملية، لكنَّ تأجيلها تأخر لأسباب تخصُّ الخطة الإسرائيلية الشاملة. وكان حزب الكتائب، وجناحه المسلح، أي (القوّات اللبنانية) على اطّلاع تام على هدف تدمير المخيمات، تدميراً تدريجياً في الوقت المناسب لإسرائيل. وحدها التفاصيل، وساعة الصفر، لم يكن يعرفها حزب الكتائب. ومع هذا، فإنَّ المعلومات، كان تشير إلى اجتماع بين القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي، (شارون، إيتان، أمير دروري، عاموس يارون)، وبين قيادة (القوات اللبنانية)، قد تمَّ يوم (3/9/1982) في مقرّ حزب الكتائب بالأشرفية، حضره: فادي أفرام (قائد القوات اللبنانية)، وإيلي حبيقة (رئيس جهاز الاستخبارات في القوات)، ومارون مشعلاني (مسؤول الشرطة العسكرية)، وجوزيف إدّة (قائد المغاوير)، وميشال زوين، وميشال عيد، وديب أنستاس (من مساعدي حبيقة)، بحضور ومشاركة (بشير الجميل)، رئيس الجمهورية اللبنانية، وقائد القوات اللبنانية سابقاً. وفي هذا الاجتماع، وافق الإسرائيليون على دخول (القوات اللبنانية) إلى بيروت الغربية من حيث المبدأ في حال احتلال الجيش الإسرائيلي لها، حسب الخطة الإسرائيلية، بل وتطرَّق النقاش إلى موضوع (المخيّمات)، بحيث تدخلها القوّات اللبنانية مع الجيش الإسرائيلي، ولكن دون كلام عن تفاصيل. أما تفاصيل الخطة، فقد اطّلع عليها اثنان: بشير الجميل، وإيلي حبيقة فقط. وقد كان الاثنان، عميلين مزدوجين للمخابرات المركزية الأميركية، والموساد الإسرائيلي، حسب مصادر متعددة، إلاّ أنَّ بشير الجميل، كان منزعجاً من الإسرائيليين، حين التقاهم سراً في (بلدة نهاريا) بفلسطين المحتلة، يوم (1/9/1982)، فقد تمَّ استدعاؤه على عجل إلى اجتماع مع (بيغن، شارون، شامير)، حيث طلبوا منه بوضوح، (توقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل ولبنان)، باقصى سرعة ممكنة، وحين أبدى تذمّره من الضغط الزمني، بسبب الوضع الصعب في لبنان، وأبدى موافقته، لكنه طلب التأجيل، سمع بشير كلاماً قاسياً من الثلاثة. وقيل إنَّ شارون، علَّق بعد عودة الجميل إلى لبنان: (مَنْ هذه الحشرة، حتى يرفض طلب دولة إسرائيل)، حسب كلام ياسر عرفات لاحقاً في جلسة خاصة في تونس. عاد بشير إلى بيروت، غاضباً، ومحبطاً، وقيل إنه شكى همَّه إلى صائب سلام (رئيس وزراء لبنان الأسبق). كما أنَّ همَّه ازداد، وأصبح كئيباً محبطاً، حين سرَّب الإسرائيليون، خبر زيارته إلى (نهاريا) إلى الصحافة!، لكنّه عاد والتقى بشارون، وزير الدفاع الإسرائيلي في قريته (بكفيّا)، يوم الاثنين (13/9). وفي هذا الاجتماع، أعاد شارون مناقشة الخطة الإسرائيلية، لدخول بيروت الغربية، ودور حزب الكتائب، والقوات اللبنانية فيها، بما فيها دخول المخيمات. وتمَّ الاتفاق على تأكيد بعض التفاصيل، أي أنّ بشير كان على علمٍ بكل شيء، باستثناء ساعة الصفر الإسرائيلية. يبدو لي، أنَّ شارون قد خرج من هذا الاجتماع، مقتنعاً، أنَّ بشير، قد خدعه، أو كان متردداً في قبول الخطّة، رغم موافقته عليها. وكان شارون يتباهى بأنه هو من جاء ببشير الجميل، رئيساً للجمهورية، وأنَّ شارون كان مستعجلاً لتوقيع معاهدة سلام بين إسرائيل ولبنان، ليفاخر بها أمام الجمهور الإسرائيلي على أنها من منجزاته. ويبدو أنَّ شارون، بدأ يفكر بأن يكون أمين الجميل، بديلاً من أخيه، لأنه أضعف من بشير، فقرَّر الخلاص من بشير. ويؤكّد هذا أنَّ شارون يوم زار (بكفيّا) لتقديم العزاء لعائلة الجميل، حيث استقبلته العائلة ببرود، قال في جواب عن أحد الأسئلة، جملته الشهيرة: (لا يتحدَّدُ التاريخُ بهذا الشخص، أو ذاك). كان إيلي حبيقة، جاهزاً لقبول المهمة التي كلّفه بها شارون، مهمة قتل بشير الجميل. يؤكّد هذا ما قالته (بربارة نيومان) حرفياً (ضابطة الارتباط بين الموساد، والمخابرات الأميركية)، التي كان لها دور كبير في ملفّ علاقة بشير بالجهازين، قالت: (فهمت أخيراً، كيف، ولماذا مات بشير. أعتقد أنَّ إيلي حبيقة، بدافع من الحقد والحسد والطموح، هو الذي دبَّر مسألة قتل بشير) ( ) وبربارة نيومان، هي يهودية أمريكية، صديقة لبشير، كانت تتستر بمهنة الصحافة، نقلت كثيراً من الرسائل لبشير من الجهازين، كما تقول في كتابها. - إذاً، لا علاقة لمقتل بشير الجميل، بمسألة الخطَّة الإسرائيلية التي جُهّزت قبل مقتل بشير لاحتلال بيروت الغربية، والمخيمات الفلسطينية. والأرجح أن إسرائيل قد اغتالته من أجل تحقيق هذه الخطة المعدَّة سلفاً، فمقتله لم يكن إلاَّ ذريعة مجهّزة، تشبه قصة محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، التي استعملتها إسرائيل كذريعة لتفجير الحرب، ثمَّ تناست هذه الذريعة لاحقاً، بعد أن احتلّت الجنوب سابقاً، ووصلت إلى أطراف بيروت، وحاصرتها. لم يكن بالتأكيد أية علاقة للفلسطينيين بمقتل بشير، لسبب بسيط: لقد كانوا يعيشون مشتتين في المنافي، يعانون من صدمة الخروج، وكانوا منشغلين في ترتيب أوضاعهم البائسة. أمّا قصَّة الشاب المتهم (الشرتوني) بقتل بشير، الذي قيل إنه ينتمي للحزب القومي السوري، فهي محاولة من القوات اللبنانية، للتغطية على القاتل الحقيقي، (وهو منهم) بالتأكيد، سواءٌ أكان إيلي حبيقة، أم غيره، بدليل أن أمين الجميل، رئيس الجمهورية، استلم القاتل المزعوم، ولم يحاكمه، بل أخلى سبيله، ربّما لأنه لم يقتنع بأنه القاتل!!.
1. سرديَّة الصحافي الفرنسي الإسرائيلي (آمنون كابليوك) ( ) الثلاثاء، 14/9/1982: اغتيال بشير الجميل: عندما تمَّ الانفجار في بيت الكتائب في الأشرفية، تمَّ العثور على جثة بشير الجميل بين أنقاض البناية. وكان أحد الضبّاط الإسرائيليين، هو الذي تعرَّف على الجثة الممزّقة، كما يؤكد كابليوك. ثمَّ عثر المكلفون بعمليات الإنقاذ على أربع وعشرين جثة أخرى، منها: ثلاث جثث لمسؤولين كبار في حزب الكتائب، وبلغ عدد الجرحى، ستين جريحاً. وتهامس مسؤولون كتائبيون – كما يقول كابليوك – بأنَّ: (متواطئين كانوا يوجدون داخل الحزب)، وكان بشير، كما يؤكد كابليوك، (قد تعاون مع إسرائيل طيلة الحرب الأهلية في لبنان. وكان هذا التعاون واضحاً منذ الرابع من حزيران، 1982). وكان رئيس وزراء إسرائيل (مناحم بيغن)، قد ألقى خطاباً في (تل أبيب) يوم (17 تموز 1982)، قال فيه: (قبل نهاية هذا العام، سوف نوقع اتفاقية سلام مع لبنان). وبالفعل – يضيف كابليوك – فإنَّ انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية، (يُعتبر أول انتصار سياسي لشارون). لقد أدَّت نتائج حرب عام 1982، (18 ألف شهيد، و30 ألف جريح فلسطيني ولبناني)، إلى خسارة إسرائيلية أمام الرأي العام العالمي، وإلى انقسام الجاليات اليهودية، أمام القصف العنيف لبيروت الغربية، لكن بشير الجميل (مرشّح إسرائيل)، نجح في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، رغم أنَّ التقديرات كانت تقول، بأن حظّه في الوصول إلى الرئاسة، بدون الدبابات الإسرائيلية، كان معدوماً. وأرسل (بيغن) برقية تهنئة لبشير، قال فيها: (تهانيَّ من صميم القلب بمناسبة انتخابك، ليوفقك الله، أيها الصديق العزيز، في تحقيق مهمّتك التاريخية العظيمة من أجل حرية لبنان واستقلاله). وصرَّح (رفائيل إيتان)، (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي)، قائلاً: (إنَّ بشير الجميل، واحدٌ منّا). وكان انتخابه بمثابة تتويج للعلاقات الإسرائيلية مع حزب الكتائب، والقوات اللبنانية، حيث قُدّمت مساعدة عسكرية عام 1976، وتمَّ تدريب أفواج من الكتائب في معسكرات خاصة داخل إسرائيل، وتمَّ تنسيق عمليات أجهزة التجسس، وتمَّت لقاءات منظَّمة منذ أيار 1977. مع ذلك، لاحت علامة قلق في إسرائيل – والكلام للصحافي كابليوك – غداة انتخاب بشير، لم يكن يبدو على الرئيس الجديد أنه مستعجل البتة بخصوص موضوع توقيع سريع لمعاهدة سلام، لأن توقيعها حسب بشير (سيعزل لبنان عن العالم العربي)، وهو بحاجة لمساعدات مالية عربية لإعادة إعمار لبنان، وأنه بحاجة لتحقيق إجماع لبناني داخلي، هذا ما قاله بشير لبيغن في (نهاريا)، عندئذٍ فهم بيغن، حسب كابليوك، أنَّ (الرئيس الجديد، يتنكر لالتزاماته). واضطر بشير إلى الاعتراف علناً بزيارته إلى إسرائيل في صحيفة (لوريان لوجور) اللبنانية التي تصدر بالفرنسية. وهدَّد شارون في خطاب له في (كريات شمونا)، بأنه (إذا لم يوقع لبنان معاهدة سلام مع إسرائيل، فسوف يقيم شريطاً أمنياً في جنوب لبنان على امتداد (40-50كم). وانتهى الجدل بمتفجرة الأشرفية. وحسب كابليوك دائماً، فإنَّ ضُبّاطاً إسرائيليين كباراً، رووا أنّ (ترتيبات الهجوم على بيروت الغربية، قد تمَّ إعدادها طيلة الحصار الطويل لبيروت، ولم يكن ينقصها سوى الأوامر). ويؤكّد المراسل العسكري لجريدة (هارتس) الإسرائيلية، المقرّب من الأجهزة الأمنية العسكرية في الجيش الإسرائيلي، بأنَّ (الجيش الإسرائيلي كان قد تأهَّب حتى قبل اغتيال بشير للوصول إلى مقرّات القيادة الفلسطينية، ومصادرة الوثائق الفلسطينية التي تركت هناك، لكن الفلسطينيين احتاطوا للأمر، بتصوير أهم وثائقهم في أفلام صغيرة (ميكروفيلم)، حملها رجالهم معهم قبل الخروج). الأربعاء، 15/9/1982: منذ سنوات، ونحن ننتظر هذه اللحظة!! بدأت طائرات النقل من طراز (هيركوليز)، تهبط الواحدة تلو الأخرى في مطار بيروت الدولي، الذي يحتله الإسرائيليون، وأنزلت أطناناً من المعدّات، بالإضافة إلى (وحدات المظليين)، نُقلوا فوراً بالباصات إلى منافذ بيروت الغربية. وفي الساعة الثالثة والنصف فجر الأربعاء، عقد اجتماع في مقرّ قيادة القوات اللبنانية التابعة لحزب الكتائب، شارك فيه (أمير دروري)، و(رفائيل إيتان)، وتمثلت ميليشيا حزب الكتائب باثنين من قادتهم: فادي أفرام (القائد العام للقوات اللبنانية)، وإيلي حبيقة (مسؤول الاستخبارات)، ورتبوا معاً دور القوات اللبنانية في عملية الاستيلاء على بيروت الغربية، وأكد الإسرائيليون على أن دور الكتائب، هو (دخول المخيمات الفلسطينية). وقال قائد عسكري كتائبي في الاجتماع، (منذ سنوات، ونحن ننتظر هذه اللحظة)، وكشف الإسرائيليون في الاجتماع عن تفاصيل الدور الكتائبي في دخول المخيمات، وقال الجنرال دروري لاحقاً أنه ظلَّ طيلة النهار على اتصال مستمر مع القوات اللبنانية التي دخلت المخيمات. وقد رُسمتْ علامات تميزهم عند دخولهم فوق جدران البنايات، وهو رمز (M.p)، أي الشرطة العسكرية، بالإضافة إلى أسهم تشير إلى محور دخولهم، انطلاقاً من الشويفات، جنوب شرق بيروت، حتى السفارة الكويتية، باتجاه صبرا وشاتيلا. وقد بدأ الاقتحام الإسرائيلي لبيروت الغربية في الخامسة من فجر الأربعاء. ثمّ بدأت مع طلوع النهار، طائراتٌ مطاردة قاذفة تجوب سماء بيروت، وسماء المخيمات الفلسطينية، على عُلوٍّ منخفض. ولجأ سكّان (الفاكهاني) إلى المساجد. وسرعان ما انسحب (الجيش اللبناني الرسمي)، أمام التقدم الإسرائيلي، وتراجع إلى الوراء، خلف البنايات. تقدم الإسرائيليون في خمسة محاور، هي: 1. على طول الطريق الساحلي من (الإوزاعي) نحو الشمال، حتى (كورنيش المزرعة). 2. على الطريق الممتدة، غربيّ (مخيمي صبرا وشاتيلا) نحو المدينة الرياضية. 3. شرق صبرا وشاتيلا، باتجاه ميدان سباق الخيل. 4. من المرفأ نحو الغرب، حتى قلب منطقة الفنادق. 5. على طريق (المُتحف) من الشرق إلى الغرب. - وكانت خسائر الإسرائيليين في اليوم الأول، هي (8 قتلى، ومئة جريح)، بينما قالت الصحف اللبنانية، بأن الضحايا من السكان المدنيين، بلغ (مئة شهيد، و300 جريح). وكان شارون قد استقرّ في مركز القيادة على سطح عمارة كبيرة تقع في مفرق السفارة الكويتية، حيث يمكنه مراقبة مخيمي صبرا وشاتيلا بوضوح بالعين المجرّدة. وطيلة النهار، تمَّ نقل أفواج من اللواء (جولاني) بوساطة طائرات مروحية من إسرائيل إلى مطار بيروت الدولي. وقد تقدمت القوات الإسرائيلية في عمق بيروت الغربية، بحثاً عن مخازن الأسلحة، التي سلَّمتها منظمة التحرير قبل خروجها، لقوات الحركة الوطنية اللبنانية. كان (أبو الريش) بائع أشرطة كاسيت، يلبس لباس المتشردين، ويصفه السكّان بالأهبل والمجنون المُسالم، لكنَّهم فوجئوا به، وهو يقود الدبابات الإسرائيلية، نحو مخازن الأسلحة، التي يعرفها واحداً واحداً. وتبيَّن أن (أبا الريش) الذي يعرفونه جيداً، ما هو إلاَّ (ضابط في الموساد الإسرائيلي)، يعيش بينهم منذ سنوات، حسب كابليوك دائماً. وقال رفائيل إيتان بأن هدف الدخول هو (تطهير المخيمات من الإرهابيين) حسب زعمه، رغم أن (إيتان) نفسه، قال قبل ساعات من اغتيال بشير الجميل: (لم يبق في بيروت الغربية، سوى بعض الإرهابيين، ومكتب صغير لمنظمة التحرير الفلسطينية). وقال (نيقولا فيليوتس)، معاون وزير الخارجية الأمريكية، بأنَّ المعطيات التي قدّمتها إسرائيل للولايات المتحدة حول وجود (ألفي فدائي فلسطيني)، ظلّوا بعد انسحاب قوات المنظمة خارج بيروت، لم يكن إلاّ ذريعة من أجل احتلال بيروت الغربية). حاول الإسرائيليون الضغط على (الجيش اللبناني) من أجل دخول المخيمات، لكنَّ الجيش رفض ذلك، حيث أبلغ الكولونيل (ميشيل عون)، الجنرال دروري، بأنَّ رئيس الوزراء اللبناني شفيق الوزَّان، أمره بألاّ يتعاون بأية طريقة مع الجيش الإسرائيلي، وأنه تلقى الأوامر، بإطلاق الرصاص على القوات الإسرائيلية المتقدمة نحو بيروت الغربية. وأضاف (عون)، بأن الجيش اللبناني، لا يسمح لنفسه بالتواطؤ مع القوات الغازية. وقد أصبح مخيما صبرا وشاتيلا، محاصرين من قبل الجيش الإسرائيلي من كلّ الجهات، حيث وجهت الدبابات مدافعها نحو المخيّمين. وتمّ إنشاء نقاط تفتيش إسرائيلية، تسمح بمراقبة مداخل ومخارج المخيمين. وساد قلق كبير داخل المخيمين، إلاّ أن السكّان، التزموا بيوتهم. وكانوا قد بدأوا بإعادة ترميم منازلهم بعد الحصار الطويل. ومنذ رحيل الفدائيين الفلسطينيين عن بيروت، لم يبق في المخيمين، أي أثر لمسلحين. ومنذ الخامسة مساء، حسب شهادة الطبيب النرويجي شاغن، بدأ (مستشفى غزَّة)، يستقبل الجرحى، حيث استقبل (15 جريحاً)، وذهب جرحى آخرون إلى (مستشفى عكّا). وتقدَّم عامل كهرباء من صبرا مع مجموعة من السكّان، بشكوى لموقع إسرائيلي قريب منهم، من أنهم يخافون من أن تقوم مجموعات لبنانية مسلحة بمهاجمتهم، لكنَّ الجنود الإسرائيليين، أمروهم بالعودة إلى بيوتهم. فجأة انقطع التيار الكهربائي عن بيروت الغربية كلها، وغرقت المدينة في ظلام دامس. وروى جندي إسرائيلي، بأنَّ وحدته العسكرية، تلقت أمراً بإطلاق (صواريخ مضيئة) فوق صبرا وشاتيلا. وبدأت أصوات رشقات الرصاص، تسمع بوضوح داخل المخيمين. وكان هذا اليوم (الأربعاء، 15/9)، هو اليوم (الرابع بعد المئة)، منذ بداية الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية. الخميس، 16/9/1982: البداية في حيّ عرسال: التقى الجنرال (عاموس يارون)، بمسؤول الاستخبارات في القوات اللبنانية (إيلي حبيقة)، وفادي أفرام (قائد القوات اللبنانية) عند مدخل شاتيلا، وسلّمها الجنرال خريطة جوية مفصلة لشوارع وأزقة صبرا وشاتيلا، وأكّد لهما أن الجيش الإسرائيلي، سوف يزودهم بكل مساعدة ضرورية (من أجل تطهير المخيمين من الإرهابيين!!)، حسب قوله. اتصل الجنرال أمير دروري هاتفياً بشارون، وأبلغه: (أصدقاؤنا دخلوا المخيمين)، فأجابه: (تهانينا!). ودخل المخيم: إميل عيد، وميشيل زوين، وديب أنستاس، ومارون مشعلاني، وجوزيف إدّة (مسؤول رجال الكوماندوس)، كذلك ضابط الارتباط الكتائبي مع الإسرائيليين (جيسي سكّر). وكانت قد تحركت وحدة مكونة من (150 كتائبياً) تجمعت عند المطار، اجتازت حي الإوزاعي، حاذت ثكنة هنري شهاب، وصلت إلى مقر قيادة القوات اللبنانية في مفرق السفارة الكويتية، حيث أقام الإسرائيليون في المفرق نفسه، مركز مراقبة متقدم، وهو يقع على بعد (200 متراً) من أحد الأماكن التي حدثت فيها مذابح صبرا وشاتيلا. ومن سطح تلك البناية ذات الطوابق السبعة، يمكن الإشراف على المخيم كله تقريباً. بدأت المذابح الأولى في (حي عرسال) مقابل القيادة الإسرائيلية. وحسب شهادات السكّان في المخيمين الفلسطينيين لاحقاً، بأنَّ هوية القتلة معروفة، فهم: 1. قوَّات حزب الكتائب: (حزب بيار الجميل، وأولاده). 2. قوّات النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار (جماعة كميل شمعون). 3. قوّات جيش لبنان الحُرّ (جماعة سعد حداد) القادمة من الجنوب. 4. قوّات حُرَّاس الأرز (جماعة إتيان صقر). وقد استخدموا في القتل: البنادق، المسدسات، القنابل، البلطات والسكاكين والفؤوس. وقد عرفهم (الناجون من المذبحة) من بزّاتهم العسكرية ورموزهم المشهورة. استمرت المذبحة أكثر من أربعين ساعة. وكان في مشهد القتل أربعمئة رجل من الإسرائيليين، واللبنانيين، يتفرجون، وحسب تعبير ضابط إسرائيلي: (كان يمكن للمرء، وهو على سطح تلك العمارات، أن يرى، كما لو كان في الصفّ الأمامي من المسرح). وكانت المواقع الإسرائيلية المتقدمة للمظليين تبعد (200 متراً) عن المخيم. وكان الجميع مزودين بمناظير ليلية، وتلسكوبات في موقع القيادة الإسرائيلية في الطابق السابع من العمارة التي يحتلونها. وطيلة الساعات الأولى، قتلت الميليشيات الكتائبية، والقوّاتية، مئات الأشخاص، وأطلقوا النار على كل ما يتحرك في أزقة المخيم. أخلاقيات الجيش الإسرائيلي وتلامذته: كلُّ شيءٍ على ما يُرام!!! يضيف الصحافي آمنون كابليوك، وهو كما أشرنا (يهودي فرنسي، يحمل الجنسيتين: الإسرائيلية، والفرنسية)، حرفياً ما يلي: (حطَّموا أبواب البيوت. أطلقوا النار على عائلات بكاملها، وهي تتناول العشاء. قتل بعض السكان، وهم يلبسون بيجاماتهم في أسرّتهم. ووجد في عدّة منازل، أطفال تتراوح أعمارهم ما بين (3 و4 سنوات)، ملفوفين بأغطية، خضّبها الدم. ولم يكتف القتلة بالقتل، ففي حالات عديدة، كانوا يقطعون أطراف ضحاياهم قبل الإجهاز عليهم، ويهشمون رؤوس الأطفال، والرُضّع على الجدران. وثمَّة نساء، وصبايا، اغتصبن قبل قتلهن بوساطة البلطات. وتمَّ إخراج الشيوخ من البيوت في مجموعات، وقتلوهم جماعياً في الشارع، بالبلطة والسكّين. قتلوا الشيوخ والنساء والفتيان والرجال والأطفال دون تمييز. وكانوا أحياناً يتعمدون أن يتركوا فرداً على قيد الحياة، بينما يذبحون عائلته بكاملها أمام عينيه لكي يسرد ما رآه للآخرين. لم يميزوا في القتل بين مسلم ومسيحي، ولا بين لبناني وفلسطيني. كان على جميع سكان المخيمين، أن يواجهوا المصير نفسه. وروت (فتاة شيعية) بأن أهلها ارتموا عند أقدام جلاّديهم متوسلين إليهم أن يبقوا على حياتهم، وأقسموا أنهم لبنانيون. فما كان من القتلة إلاّ أن أجابوهم: (لقد عشتم مع الفلسطينيين القذرين، لذلك فمصيركم واحد). وبعد ذلك قتلوا كل أفراد الأسرة، تاركين تلك الشاهدة الوحيدة من العائلة. وفي منطقة (الحُرْش) في شاتيلا، قتلوا عائلة (المقداد) منذ بداية المجازر، ويبلغ عدد أفرادها (45 شخصاً). قتلوا جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً بدون استثناء. شنقوا بعضهم. بقروا بطون بعضهم الآخر. ومن بينهم، شابة تدعى زينب (29 سنة)، كانت حاملاً في شهرها الثامن، بقروا بطنها، ووضعوا الجنين فوق ذراع أمّه. وقتل كذلك أطفالها السبعة. كما قُتلت إحدى قريباتها، وتدعى وفاء حمّود (26 سنة)، حامل في شهرها السابع مع أطفالها الأربعة. وفي هذا الحي في شاتيلا، اغتُصبت عدة نساء أخريات قبل قتلهن، ثمَّ وضعت جثثهنّ على شكل صليب. وقد اغتصبت إحدى الفتيات من عائلة المقداد، عمرها (سبع سنوات). وروى (ميلاد فاروق)، وعمره أحد عشر عاماً، بعد أن جُرح في يده وقدمه وحمل إلى مستشفى غزة، بأنَّ أمَّه وأخاه الأصغر قتلا، وهما يشاهدان التلفزيون. دخل عليهم رجال الميليشيات الكتائبية، وأطلقوا النار عليهم، دون أن ينطقوا بكلمة واحدة، ثمَّ ذهبوا. ثانياً: صبيَّة فلسطينية، عمرها (13 عاماً)، وهي الناجية الوحيدة من عائلتها (قُتل أبوها وأمّها وجدّها وجميع إخوتها وأخواتها)، تروي بحضور ضابط لبناني: بقينا في ملجأ حتى ساعة متأخرة من ليل الخميس، ثمّ قررت الخروج مع زميلة لي. كان التنفُّس صعباً في الملجأ. فجأة رأينا القتلة مقبلين. ركضنا إلى الملجأ، وأخبرنا الآخرين، فخرج البعض رافعين مناديل بيضاء وتقدموا نحو القتلة صارخين: (نحن مع السلام)، فقتلوا على الفور. كانت النساء يولولن ويتوسلن، أما أنا فقد ركضت لأختبئ في مغطس (بانيو) دارنا. وقتل الآخرون جميعاً. ثمَّ شاهدتهم يأخذون رجالاً، ويطلقون عليهم النار. أردت النظر من النافذة، لكنَّ أحد القتلة رآني، فأطلق عليّ النار. عُدت إلى (البانيو). مكثت فيه خمس ساعات. عندما خرجت من جديد أمسكوا بي ورموني مع الآخرين. سألوني: إذا ما كنت فلسطينية، قلت: نعم. قالوا لي: إذاً تريدين احتلال لبنان. أجبت: لا. كان بجانبي، ابن أختي الرضيع، عمره تسعة أشهر. كان يصرخ بلا انقطاع. انزعج أحد القتلة الذي قال: أزعجني بصراخه. ثمّ أطلق عليه رصاصة في كتفه. بدأت أبكي، وقلت له: هذا الطفل هو الوحيد الذي بقي لي من عائلتي. انزعج الجندي أكثر. أمسك بالرضيع، فقام بتمزيقه، شطر جسد الطفل إلى نصفين. وفي هذه اللحظة وصل عمّي فيصل، وهو متخلف عقلياً. أرادوا أن يقتلوه هو أيضاً، لكنني توسَّلت لهم. بقينا كامل الليل في الشارع، تحت (الصواريخ المضيئة). أخذوا عمّي، كي يساعدهم في نقل الجثث. وعندما تعرَّف على جثة أمّه، انفجر بالبكاء. ثمَّ نقلونا إلى الملعب وأمرونا بالبقاء هناك. هربت مع زميلة لي. واليوم أعيش مع عمّتي. لم يبق لي أحد في مخيم شاتيلا. لم يعد بإمكاني مواصلة الدراسة في مدرستي. لا أعرف مصيري). ثالثاً: ذهب جندي إسرائيلي، بمبادرة شخصية منه إلى صحافيين، وأبلغهم ما يلي: منذ يوم الخميس، كان بإمكاننا إيقاف المجزرة. رأينا نساء فلسطينيات يأتين من مخيم شاتيلا، باتجاه موقعنا. وبصوت هستيري قلن لنا بأنَّ الكتائب يجوبون الشوارع ويقتلون الأطفال، ويجبرون الرجال على الصعود إلى سيّارات الشحن). قدَّمت تقريراً إلى ضُبّاطي، لكنهم أجابوني: (لا تخف، كل شيء على ما يُرام). وبعث قائد (القوات اللبنانية) التي دخلت المخيم بتقرير إلى الجنرال الإسرائيلي، قائد منطقة بيروت، قال فيه: (حتى الآن، قُتل أكثر من 300 مدني وإرهابي)، وسرعان ما أُبلغ التقرير إلى هيئة الأركان، وتمَّ توزيعه على أكثر من عشرين ضابطاً كبيراً في تل أبيب. أطلق الإسرائيليون صواريخ مضيئة فوق المخيمين من كل الجهات، بمعدّل صاروخين كل دقيقة طيلة ساعات طويلة، حيث قطعت الكهرباء عن بيروت الغربية طيلة الليل. والتجأ حوالي (2000 شخص) إلى المستشفيات في صبرا وشاتيلا، أي (مستشفى غزة، ومستشفى عكا). واجتمعت الحكومة الإسرائيلية طيلة أربع ساعات، ولأول مرّة استمع الوزراء إلى تقرير حول دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية. ووافق على شرعية العملية. وأشار إيتان بشكل سريع إلى أن بعض القوات الكتائبية، (دخلت المخيمين لتطهير أوكار الإرهابيين!!). وأضاف بأن الاتصال مع قيادة القوات اللبنانية، كان منسقاً ومنظماً. الجمعة، 17/91982: سمعوا نحيب اللاجئين الجرحى: في بداية الصباح، كان ثمّة جنود وضباط إسرائيليون يعاينون بالمناظير من مركز مراقبتهم، ما يحدث في مخيم شاتيلا، فلاحظوا عملية تكديس الجثث، ورأوا الأشخاص الذين أعدموا بسرعة. وقال جنود وحدة مدرّعة (كان يقودها الكولونيل إيلي جيفاع قبل استقالته)، بأنهم شاهدوا بوضوح تام، (عمليات قتل المدنيين من قبل القتلة في صباح الجمعة)، وأنهم (سمعوا نحيب اللاجئين الجرحى أثناء محاولتهم الهروب)، وكان الإسرائيليون على علم بالتفاصيل من تقارير القتلة أنفسهم، لكن الجيش الإسرائيلي، كان يجبر المدنيين على العودة إلى المخيم، قائلاً، (اطمئنوا، كل شيء على ما يُرام). الملازم أول آڤي غرابوفسكي، قائد مساعد لسرية دبابات، قال لاحقاً أمام (لجنة كاهان): (شاهدت مدنيين يُقتلون)، وقال لي أحد الكتائبيين: (النساء الفلسطينيات الحوامل، سوف يلدن إرهابيين!!). وتواصلت المجزرة، حسب كابليوك، حتى العاشرة، صباح السبت، حيث كتب مراسل (يديعوت أحرونوت): (ربّما تواصلت المذبحة، لأنَّ أحداً ما، كان يهمّه أن تتواصل). في الساعة الثالثة والنصف، هبط رفائيل إيتان رئيس هيئة الأركان في مطار بيروت، جمع ضبّاطه في المكان نفسه واستمع إلى تقاريرهم، وفي الرابعة والنصف، التقى (إيتان، وأمير دروري)، بضباط كتائبيين في مقرهم بحي الكارنتينا قرب المرفأ، وكان بعضهم عائداً للتوّ من المخيمين، ومنهم: فادي أفرام (قائد القوات اللبنانية)، وحسب الجنرال عاموس يارون، فإنَّ (الجنرال إيتان)، قد (هنَّأ الكتائب بعمليتهم)، وطلب الكتائبيون، من الإسرائيليين أن (يمنحوهم وقتاً إضافياً لتطهير مناطق المخيمين). ثمَّ وافق الجنرال عاموس يارون على (تبديل القوات اللبنانية التي في المخيم، بوحدات جديدة). وقد تمكن مصور التلفزيون الدنماركي من تصوير رجال المليشيات اللبنانية، وهم يقومون بوضع رجال ونساء وأطفال داخل سيارات شحن على أطراف شاتيلا. وحدث ذلك، على بعد (400 متر) من حاجز إسرائيلي. ويقول سكان قريتي (الشويفات، والحدث)، جنوب بيروت، بأن ثلاث سيارات شحن كبيرة، وسيارتين صغيرتين، كانت مملوءة بالمدنيين مرَّت من منطقتهم، ولم يظهر أي أثر لهؤلاء الناس بعد ذلك. كذلك، فقد جمعوا حوالي (مئة شخص) في الشارع الرئيس، وبدأوا بتعذيب الفلسطينيين منهم، بتمزيق وجوههم بالسكاكين أثناء استجوابهم. وظهر مسلحون داخل (مستشفى عكا)، جنوب شاتيلا، حيث قتلوا بعض المرضى، وأجهزوا على الجرحى في أسرّتهم، قبل أن يقتلوا عدة موظفين. وقد تمَّ اغتصاب ممرضة فلسطينية (19 سنة)، وتدعى انتصار إسماعيل، عشر مرات متوالية من قبل رجال سعد حدّاد، ثمّ قتلوها، وكان من الصعب، التعرف على جثتها التي تشوهت تشوهاً كاملاً، ولم تعرف إلاّ من خلال خاتمها. وأكدت (ممرضة لبنانية) كانت زميلة للضحية، صحَّة هذا الحدث. وقتلوا طبيبين فلسطينيين، هما: علي عثمان، وسامي الخطيب. أما طيلة النهار، فقد حفرت مجموعات القوات اللبنانية، (خنادق جماعية) لدفن مئات الجثث المبعثرة في الشوارع والبيوت. وطيلة الصباح، وحتى بداية الظهر، تجمعت (قوات كتائبية جديدة) قرب المطار من أجل التبديل مع (القتلة الذين في المخيمات) الذين تعبوا. ولاحظ المراسل العسكري للتلفزيون الإسرائيلي (رون بن ييشاي) الذي كان مع فريق عمله في بيروت الشرقية، بأن طابوراً كتائبياً يضم عشر سيارات (كوماندكار)، وسيارتي جيب، مزوَّدتين بمدفع غير مرتد، اخترق (حيّ الحازمية)، باتجاه المطار، وبعد قليل صادف في (حي سنّ الفيل)، طابوراً آخر، يضمُّ سيارات مصفَّحة، وأخرى مجنزرة. تبعهم المراسل العسكري حتى المطار، حيث وجد (قوَّة كتائبية جديدة)، تنوي التبديل مع الذين في المخيم، وأحصى المراسل في المكان: (13 دبابة من طراز شيرمان، ومدافع هاون عيار 120، وعربات حاملة لرشاشات ثقيلة)، ورأى أعندة الجنود الكتائبيين جاهزة، وهي أعتدة إسرائيلية، حتى أنَّ البدلات العسكرية، هي نفسها التي يلبسها الجيش الإسرائيلي، وكل ما هنالك، هو تغيير نقش (الجيش الإسرائيلي)، بنقش (القوات اللبنانية). وقال (أليكس فيشمان)، المراسل العسكري الإسرائيلي، بأنه سمع الجنود الكتائبيين يتحدثون عن (ضرورة التزود بكمّيات من الحشيش، والكحول)، قبل دخول المخيم. ثمَّ طلب الكتائبيون في المخيم بلدوزرات، وقد شوهدت ثلاثة بلدوزرات في المخيمين لدفن الموتى، ولتدمير البيوت. وكان (يعقوب ميريدور)، الوزير في الحكومة الإسرائيلية، قد قال في بداية دخول القوات الإسرائيلية: (ادفعوهم إلى الشرق، نحو سوريا، لا تسمحوا لهم بالعودة). وكانت القوات الإسرائيلية قد احتلت (مكتب منظمة التحرير) في كورنيش المزرعة، و(مكتب مجلة الهدف)، الناطقة بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كذلك احتلت (مقر الحزب التقدمي الاشتراكي)، ومقر (المرابطون). وأكد ضابطٌ بأنه (شاهد عمليات إعدام جماعي، مقابل أحد جدران المخيم). وتمت (عمليات إعدام جماعية في شاتيلا)، قرب مقرّ قيادة اللواء الإسرائيلي. وأوضح ضابط إسرائيلي، بأنهم، (تلقوا أوامر بعدم إزعاج ميليشيات الكتائب أثناء عملية تطهير المخيمين من الإرهابيين!!).
السبت، 18/9/1982: ولم يظهر لهم أثرٌ بعد ذلك: تواصلت المذبحة حتى منتصف صباح السبت، كما واصلت الجرّافات هدم البيوت، وحفر الخنادق الجماعية لدفن الجثث. وفي السادسة صباحاً، دعت مجموعة من (القوات اللبنانية)، بوساطة مكبرات الصوت، سكان صبرا، إلى مغادرة بيوتهم وملاجئهم، والتجمع خارجها، فخرج أكثر من (ألف شخص)، أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وتجمعوا مذعورين في الشارع الرئيس، وهم يرفعون أعلاماً بيضاء. نقلهم رجال الميليشيات نحو جنوب صبرا. وفي الطريق كان رجال الميليشيات، يأخذون مجموعات صغيرة من الناس عشوائياً، ويضعونها قبالة حائط، ثم يطلقون عليها الرصاص. وقرب مخرج المخيم، أمرهم فريق كتائبي بالجلوس، وكانت حولهم جثث مكدّسة، وصوت الجرّافات التي تهدم البيوت، يصمُّ الآذان. بعد قليل، اختاروا مجموعة أخرى من الفلسطينيين، وأمروهم بالصعود إلى الشاحنات أمام السفارة الكويتية، (ولم يظهر لهم أثر بعد ذلك). أما الباقون، فأمروهم بالانبطاح، وسُمع دويُّ رصاص الإعدام الجماعي. وبشكل عام، تمَّ إرسال الرجال والنساء والأطفال في شاحنات، أرسلت إلى جهات مجهولة، ولم يظهر لهم أثر بعد ذلك. وقد تناثرت الجثث خارج المخيمين في أمكنة مثل: المدينة الرياضية، الإوزاعي، خلدة، حارة الناعمة، كفر شيما، طريق المطار. - بعد العاشرة، هرع (الصحافيون) نحو صبرا وشاتيلا، وكتب مراسل (الواشنطون بوست)، قائلاً: (بيوت هُدّمت على رؤوس ساكنيها بوساطة البلدوزر. جثث مكوّمة، جدران اخترقها الرصاص، حيث مورس الإعدام الجماعي. أنقاضٌ ظهر منها رأس رضيع. وثمّة رضيع آخر في قماط، مقلوب على ظهره ورأسه مهشمة. وفي الجانب الآخر من الزقاق، وجدنا طفلتين: إحداهما (11 سنة)،والثانية، (عدّة أشهر): كانتا مضطجعتين على ظهريهما، ورجلاهما ممدودتان، وقد اخترق الرصاص رأسيهما. كلُّ زقاق يحكي سرديته: ثمة 16 جثة مكدّسة فوق بعضها البعض. امرأة، أطلق الرصاص على ثدييها. شيخ في السبعين يغطي الغبار، قتل عن قرب). اكتشف الصحافيون، مئات الجثث المبعثرة، والأعضاء المقطَّعة: (أمٌّ تضم رضيعها، وكلاهما مصاب برصاصة واحدة. نساء عاريات، رُبطت أيديهن وأرجلهنّ إلى ظهورهن. رضيع مهشم الرأس وسط بركة من الدم وإلى جانبه مصّاصة حليب. وعلى طاولة، قطّعوا أعضاء طفل رضيع، ووضعوها على شكل دائرة، وكان رأسه في الوسط). ويضيف كابليوك، بأنَّ (وحشية القتلة على ما يبدو، استهدفت الأطفال على وجه الخصوص). لاحقاً، قالت أمٌّ منهارة للصحافيين: (توسلت لهم أن لا يقتلوا ابني، وعمره خمس سنوات، لكنهم أجابوني: (عندما يكبر، سوف يصبح إرهابياً)، ثمَّ قتلوه)، وعُذّب الكثيرون قبل الإجهاز عليهم: - (جميلة، 35 سنة)، تقول: صباح الجمعة عدت إلى المخيم، لآتي بأمّي. اعتقلني أحد رجال الميلشيا. ثمّ اغتصبني أربعة جنود. لم يقتلوني لأنني لبنانية. عندما وصلتُ إلى بيتي، وجدتُ جثَّة أُمّي في الشارع. غطّيتها بلحاف. ثمّ وجدت جثة أبي المشلول، قد قُتل في فراشه. هُدم بيتي، ولم يبق لي شيء). ثمَّ نبَّهتها ابنتها صائحة: (لقد وجد رجال الإنقاذ، خالي). توقفت جميلة عن الكلام. تعرّفت على جثة أخيها. وانهارت أمام الصحافيين، وهي تنتحب من الألم). ويعلق كابليوك: (عملية سلام الجليل الإسرائيلية، انتهت إلى مذبحة، هي أكثر المذابح بشاعة وفظاعة، منذ الحرب العالمية الثانية). الأحد، 19/9/1982: سرقة وثائق مركز الأبحاث الفلسطيني: تابعت قوات الجيش الإسرائيلي، طوال يوم الأحد، عمليات التفتيش، واحتلَّت، (مركز الأبحاث الفلسطيني)، وهو مؤسسة ذات طابع علمي. فتَّش الجنود جميع الطوابق، وحملوا أرشيف ووثائق المركز في شاحنات. وعندما سأل صحافي، ضابطاً إسرائيلياً: لماذا هذه العملية ضدّ مركز للبحث العلمي، أجاب الضابط: (إنه مركز تجسس. لا وجود لمثقفين فلسطينيين. هناك جواسيس فقط. والدليل على ذلك، أننا وجدنا سير حياة عدّة ضباط إسرائيليين)(*). الاثنين، 20/9/1982: إلى أين أذهب!! انسحب الإسرائيليون، والقوات اللبنانية بعد العملية المشتركة في صبرا وشاتيلا. وأقامت وحدات من (الجيش اللبناني الرسمي)، حزاماً أمنياً حول المخيمين (1500 جندي، و40 آلية مصفّحة). وتواصل العثور على جثث جديدة. وفي مدخل شاتيلا، مُدّدت أكثر من مئة جثة على الأرض، قرب حفرتين جماعيتين، وتمّ إنزال الجثث في الحفرتين العميقتين، وتواصلت عملية الدفن، عدة أيام أخرى. وبتاريخ (29/9/1982)، انسحبت قوات الجيش الإسرائيلي، كلّياً من بيروت، بما في ذلك، المطار، لتحلّ محلها القوات متعددة الجنسيات. وكتب الإسرائيلي أفيشاي غروسمان، قائلاً في جريدة (عال همشمار): (إنَّ أكداس الجثث في مخيمي بيروت، أشعرتني لأول مرّة، بأن الانتماء إلى الجيش الإسرائيلي، هو وصمة عار!). ويختتم (آمنون كابليوك)، كتابه بالمشهد التالي: (كانت امرأة قرب مقبرة جماعية في مخيم شاتيلا، تذرع الأرض جيئة وذهاباً. قتلوا (13 فرداً من عائلتها)، بينهم رضيعها البالغ من العمر أربعة أشهر: تتوقف، تمشي، تجلس على الأرض، تذري التراب على رأسها، وتنتحب هامسةً لنفسها: (والآن، إلى أين أذهب!!، إلى أين أذهب!).
2. سردية زئيڤ شيڤ، وايهود يعاري: المذبحة، هي عار إسرائيل الأبديّ!( ) يعتبر كتاب (الحرب المضللة) من أكثر الكتب قدرة على كشف أسرار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حول حرب حصار بيروت عام 1982. ومؤلفاه، هما: (زئيڤ شيڤ)، المعلق العسكري لجريدة هارتس، وهو مقرّب جداً من الأجهزة الأمنية العسكرية والمدنية الإسرائيلية. أمّا، (إيهود يعاري)، فهو مساعد سابق لوزير الحرب الإسرائيلي، ومحلل سياسي في التلفزيون الإسرائيلي. وهما صحافيات موثوقان لدى المؤسسة العسكرية. وقد فوجئتُ، عام 1990، عندما قرأت كتابهما (انتفاضة)، فقد تحدثا عني كشاعر، وقالا بأنَّه رغم الرقابة الإسرائيلية، ومنع دواوين عز الدين المناصرة، من دخول (إسرائيل)، ومنع قراءتها، إلاّ أنهما قالا إنه رغم هذا المنع، فإن قصائدي، تداولها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية (سرّاً)!!( ). - يقول الصحافيان بأنه بتاريخ (12/8/1982)، قال (يهوشواع ساغي)، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، بحضور (شارون)، بأنَّ منظمة التحرير الفلسطينية قبل خروجها من بيروت، تركت (فدائيين فلسطينيين) في بيروت الغربية، يُقدّرون بالمئات، وأنَّ رجال الكتائب، سوف يحاولون دخول بيروت الغربية لتصفية الحساب مع الفلسطينيين، وزعماء الشيعة. وسوف تتحمل إسرائيل تبعة القتل، لهذا اقترح (ساغي)، أنّ ننسحب من بيروت، وأن نقف على أطرافها، موقف المتفرج). وتساءل المسؤولون الإسرائيليون: هل ستستند مهمة تطهير بيروت الغربية من الفدائيين الفلسطينيين، بعد خروج منظمة التحرير، وقوات الحركة الوطنية اللبنانية اليسارية والقومية المتحالفة مع الفلسطينيين، هل ستُسند لإسرائيل، أم لقوّات بشير الجميل!!. وقد أوصى (موشيه ليڤي)، نائب رئيس هيئة الأركان، بتاريخ (11/8/1982)، قبل التوصل إلى اتفاقية فيليب حبيب، بأن يدخل الجيش الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، مع الاستعانة بالقوات اللبنانية الكتائبية في البحث عن الفدائيين، وإلقاء القبض عليهم، ولكن بعد انسحاب القوات متعددة الجنسيات، اعتباراً من (10/9)، بدأ الجيش الإسرائيلي، بتحسين مواقعه في منطقة (سان سيمون) على البحر، غرب المخيمات الفلسطينية. وكان شارون يرغب في تقريب الجيش الإسرائيلي من أماكن التجمعات الفلسطينية، استعداداً للقيام بعمليات التطهير في المخيمات الفلسطينية، التي ستقوم بها وحدات لبنانية كتائبية بحماية الجيش الإسرائيلي، بناءً على الاتفاق المعقود بين شارون وبشير الجميل، بتاريخ (12/9/1982). وكان اتفاق فيليب حبيب في (البند الرابع)، قد نصّ على ما يلي: (إنَّ الفلسطينيين الذين يحترمون القانون، وغير المقاتلين في بيروت، بما في ذلك، عائلات الفدائيين، الذين انسحبوا، سيكونون خاضعين للقوانين اللبنانية، وستعمل الحكومتان اللبنانية والأميركية على تقديم الضمانات المناسبة لحماية أمن أولئك الفلسطينيين). ورغم أن الصحافيين، قالا إنَّ الفدائيين الذين ظلوا في بيروت الغربية بعد خروج المنظمة، أصبح (1500 فدائياً)، إلاّ أنهما عادا وقدَّرا عددهم بـِ (المئات). كان (مخيم برج البراجنة)، مطوّقاً من قبل الجيش الإسرائيلي من ثلاث جهات، وأمر بشير الجميل، بدخول كتيبة من (الجيش اللبناني الرسمي) بالاتفاق مع الإسرائيليين إلى (برج البراجنة)، وبدأ الجيش اللبناني بجملة اعتقالات جماعية، ومصادرة مستودعات أسلحة. وكان المسؤول عن عمليات التمشيط في الجيش اللبناني، (العقيد: ميشيل عون)، وهو من أصدقاء حزب الكتائب، حسب الصحافيين، حيث اعتقل حوالي (230 رجلاً) من سكان المخيم. وقال (جيسي سكّر)، ضابط الارتباط الكتائبي لدى فرقة المظليين الإسرائيليين لأحد الصحافيين: (تعال معي، لتتعلم كيف تستخدم السكاكين)، وعندما استنكر الصحافي قوله، قال (سكّر)، بصلف: (لبنان، ليس سويسرا، أو الدنمارك!!). أما جريدة (حرّاس الأرز)، فقد كتبت عناوين، مثل: (يجب أن لا يبقى فلسطينيٌّ واحد فوق أرض لبنان). وكانت لدى إسرائيل تقارير، تؤكد أن الكتائبيين اعتقلوا على نقاط التفتيش حوالي (500 فلسطيني)، اختفت آثارهم!!. وقد عمل المسؤول عن جهاز الاستخبارات في قوّات حزب الكتائب (إيلي حبيقة) خلال أسابيع على تنفيذ (عمليات تصفية جسدية صامتة)، باغتيال جميع الأشخاص الذين اشتبه بتعاونهم مع منظمة التحرير الفلسطينية، وسوريا في منطقة (صيدا، وضواحي صور)، وتركزت عمليات الاغتيال في التجمعات الفلسطينية الواقعة في القطاع الساحلي. وكان (حبيقة) مسؤولاً عن العمليات الخاصة في الكتائب. وكان قد أمضى شهر العسل في إسرائيل بعد زواجه مباشرة. وكان أثناء حصار بيروت على اتصال يومي بالضبّاط الإسرائيليين. وعمل عام 1977 في منطقة الشريط الحدودي مع سعد حدّاد. وشارك في التخطيط لاشتراك الكتائب مع الجيش الإسرائيلي في دخول بيروت الغربية. وكان حبيقة المسؤول عن جمع المعلومات عن الفدائيين فيها. وكان أيضاً، المسؤول الأول عن أمن وحماية بشير الجميل. مساء الثلاثاء (14/9)، قرر شارون بأن يدخل الكتائب إلى المخيمات الفلسطينية. في الساعة الثالثة والنصف من صباح الأربعاء (15/9)، توجه إيتان، ودروري إلى قيادة الكتائب في الكرنتينا. وفي تلك الجلسة عرض إيتان خطته التفصيلية، ووافقت قيادة القوات اللبنانية على دخول المخيمات، وتمَّ الاتفاق على أن يقيم (ضابط الموساد) في مقرّ الكتائب، للعمل كضابط اتصال، وعلى أن يتم التنسيق بين القوات اللبنانية، والعميد دروري، والعميد الثاني (عاموس يارون). ونقلت غرفة عمليات يارون إلى سطح بناية من ستة طوابق، تقع فوق مخيم شاتيلا. وحضر شارون، وكرر أوامره (بإدخال الكتائب إلى مخيمات اللاجئين، (تحت قيادة عسكرية إسرائيلية). وزار شارون، وساغي، ورئيس (الشين بيت)، مقرّ قيادة قوات حزب الكتائب، وحرّضهم على مقاومة خطر (الفدائيين الفلسطينيين) في المخيمات. وقد أقرَّ (بيار الجميل)، رئيس حزب الكتائب، نفسه، (عملية دخول القوات اللبنانية الكتائبية إلى المخيمات الفلسطينية: ص: 283). ومساء الخميس، جرى حوار بين (شارون)، وموريس درايبر(*): - درايبر: أنتم دخلتم للسيطرة على بيروت الغربية، على الرغم من تعهدكم بعدم الدخول. - شارون: لسنا هنا في محكمة، ولا تتصيَّدني للإيقاع بي. لقد التزم الأميركيون الصمت، عندما وقعت مذابح في الماضي. - شارون: لقد سخرتم منّا، عندما قلنا: إنَّ الرئيس اللبناني، سيجيء من صفوف حزب الكتائب. - درايبر: ديڤيد كيمحي، يشهد بأنني أيّدت مجيء بشير رئيساً للجمهورية. - شارون: لقد تحدثت مع بشير، وطلب منا أن ندخل إلى بيروت، للعمل ضد (الفدائيين الذين تبقوا هناك). - سام لويس: بودّي أن تعلم بأننا قدّمنا ضمانات للحكومة اللبنانية، على أساس وعد حصلنا عليه من حكومتكم، وقد انتهكتم هذا الوعد، بدون التشاور معنا(*). - أثناء هذا الحوار، كان رجال إيلي حبيقة قد دخلوا المخيمات، وكانوا بقيادة ميشيل زوين، ومارون مشعلاني، وضابط ثالث يدعى (بول). وكان يراقبهم من سطح غرفة العمليات، ضابط إسرائيلي برتبة مقدَّم. ولم يعلم الضابط الإسرائيلي آنذاك، أنَّ (أشخاصاً آخرين) من أتباع إيلي حبيقة، تسلّلوا بدون تنسيق مع الجيش الإسرائيلي إلى المخيمات، من اتجاهات مختلفة. وطلب ضابط الاتصال الكتائبي (جيسي سكّر) من الجيش الإسرائيلي، مساعدتهم في مجال (الإضاءة). وعلى الفور، بدأت مدافع الهاون، عيار 81م بإطلاق قنابل الإضاءة (التنوير)، ثمَّ قامت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، بإطلاق قنابل الإضاءة (التنوير). وحسب الصحافيين الإسرائيليين، أنه في (الساعة السابعة)، التقطت غرفة العمليات الإسرائيلية، أوَّل إشارة إلى وقوع أعمال قتل، داخل المخيم. وسأل أحد قادة القوات اللبنانية الكتائبية من داخل المخيمات: (ماذا نفعل بـِ خمسين امرأة وطفلاً، بحوزتنا)، فأجابه إيلي حبيقة: (هذه هي آخر مرَّة تسألني فيها، فأنت تعرف ماذا يجب أن تفعل). لقد وردت في الليلة، ما بين يومي الخميس والجمعة، أنباء حول أعمال قتل في المخيمات، ووصلت إلى أربع قيادات عسكرية إسرائيلية: قيادة فرقة عاموس يارون، القيادة الأمامية لقيادة المنطقة الشمالية في (عالية)، وقيادة فرقة عينان في (بحمدون)، وفرع الاستخبارات – الأبحاث في (تل أبيب)، لكن هذه الأنباء، عوملت بصفتها (إشاعات!!). وفي الساعة (8.30) من صباح الجمعة (17/9)، أذاعت محطة الإذاعة التابعة للمردة في (إهدن) في شمال لبنان، نبأً يذاع لأول مرّة حول الدخول إلى مخيمات اللاجئين، جاء فيه أنَّ (الجنود الإسرائيليين، احتلوا مخيم صبرا، وأمروا سكانه، بإخلاء المخيم تحت رعاية الجيش اللبناني). وفي الساعة التاسعة من صباح الجمعة، وصل (فؤاد أبو ناضر)، ضابط عمليات الكتائب، حفيد بيار الجميل، أي (ابن أخت بشير الجميل) إلى غرفة عمليات الفرقة الإسرائيلية، وأبلغ العميد الثاني (عاموس يارون)، بأنه جهَّز (قوة أخرى) للعمل داخل المخيمات، فقام يارون، بتزويد (فؤاد أبي ناضر)، بخارطة حديثة، وصور جوية للمخيمات. أما في مقر الكتائب في (الكرنتينا)، فقد تقرر بعد مشاورات داخلية (إرسال 17 جرّافة) ثقيلة (بلدوزر) إلى المخيمات لهدم المنازل، و(دفن الجثث)!!! أما (القوة الإضافية) لوحدات القوات اللبنانية، فقد جهزها وأشرف عليها، (فؤاد أبو ناضر)، ابن أخت أمين الجميل، و(جو إدّة)، قائد الكتائب في الجنوب، و(بوسي)، قائد منطقة بيروت. وفي الساعة العاشرة، من صباح الجمعة، اجتمع مندوب إسرائيلي رفيع المستوى مع كميل شمعون في منزله، بحي الأشرفية، وكان أمين الجميل حاضراً. وفي الساعة الواحدة من ظهر الجمعة، وصل مبعوث إسرائيلي كبير إلى (أمين الجميل)، حيث أبلغه بقرار إسرائيل، تأييد تعيينه رئيساً للجمهورية اللبنانية. وسمح العميد (عاموس يارون)، بدخول القوة الإضافية الكتائبية إلى مخيم شاتيلا (150 قاتلاً)، وهكذا تحول تبديل القوات الكتائبية داخل المخيمات، إلى (قوّة تعزيز) للقوات الموجودة أصلاً في المخيمات. واتصلت السفارة الأميركية بأمين الجميل، فأكّد لها: (أفراد الكتائب دخلوا المخيمات، لكنهم سيخرجون بأسرع وقت ممكن)، وكان هذا الاتصال في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الجمعة (17/9). وفي الساعة الرابعة والنصف بعد ظهر الجمعة أيضاً، عقد اجتماع في مقر الكتائب بالكرنتينا بين رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي (رفائيل إيتان)، ونائبه، وبعض قادة القوات اللبنانية. وتحدث (حبيقة) عن نشاطات قواته في المخيمات، وأدلى بتفاصيل كاملة عن المناطق التي استولت قواته عليها داخل المخيمات، ولكنه أشار إلى أمرين: 1. لم يبق سكانٌ مدنيون في مخيمي صبرا وشاتيلا. 2. أنَّ قواته (خاضت معارك طاحنة)!!. 3. لم يُشر من قريب أو بعيد إلى حدوث (مذبحة). - وفي الساعة 6.30 من مساء الجمعة، اتصل موريس درايبر مع أمين الجميل، وأبلغه بأن وعده لم يُنفَّذ، وأن أفراد الكتائب لم يغادروا المخيمات!!. وفي تلك اللحظات، كانت (الجرافات) تعمل على دفن الجثث داخل المخيمات. وفي السادسة من صباح السبت، (18/9)، شاهد العميد (عاموس يارون)، رجال الكتائب، وهم يقتادون (15 شخصاً)، وكانوا من الأطباء والممرضين الأجانب الذين يعملون في (مستشفى غزة). أمّا زملاؤهم الفلسطينيون، فقد أُمروا بالجلوس مع سكان مخيم صبرا في الشارع، قرب الجدران. وزعم المؤلفان (شيف، ويعاري)، أنَّ (المجزرة توقفت في الساعة الثامنة من صباح السبت، 18/9). وفي الساعة العاشرة من صباح السبت، اتصل (موريس درايبر)، بممثل وزارة الخارجية الإسرائيلية (كشدن) في مكتبه في (بعبدا)، وطلب منه تسليم رسالة عاجلة إلى شارون، هذا نصُّها: (يجب عليك أن توقف أعمال القتل المروَّعة. إن لدينا مندوباً في المخيم، يقوم بإحصاء الجثث. يجب أن تخجل. الوضع رهيبٌ حقاً. إنهم يقتلون الأطفال. إنَّ لكم سيطرة كاملة على المنطقة، ولهذا، فأنتم تتحملون كامل المسؤولية عن المنطقة)، فأرسل كشدن، الرسالة إلى (ديڤيد كيمحي) الذي أوصلها إلى شارون، وفي الساعة الواحدة ظهر السبت، جاء جواب شارون: (لقد خرجت القوات اللبنانية الكتائبية من المخيمات). أما (بيغن)، فقد زعم أنه سمع بنبأ المجزرة في الساعة الخامسة من بعد ظهر السبت، لأول مرّة من هيئة الإذاعة البريطانية!!!. ونفى (بيير يزبك)، الناطق بلسان (القوات اللبنانية الكتائبية، أن تكون القوات قد قامت بأية عملية عسكرية في المخيمات. وأنكر (شارون) علاقة إسرائيل بالمذبحة. ونفي (سعد حداد)، قائد جيش لبنان الحرّ التابع لإسرائيل، أن يكون لقواته علاقة بالمذبحة. صباح الأحد (19/9)، توجه رفائيل إيتان (رئيس هيئة الأركان) إلى مقرّ الكتائب، واجتمع بقادة القوات اللبنانية، في (الكرنتينا)، وطلب إيتان منهم (الاعتراف بالمجزرة علناً)، لكن قادة القوات قالوا له: (نحن لا نستطيع التهرُّب من المسؤولية المشتركة، لكننا لا نستطيع نشر الاعتراف، قبل إجراء التصويت في البرلمان اللبناني على انتخاب أمين الجميل رئيساً لجمهورية لبنان). وحضر اللقاء الشيخ بيار الجميل، الذي قال: (يجب على الكتائب، عدم الاعتراف بالمشاركة في المجزرة، لأنَّ مثل هذا الاعتراف، سيقضي على احتمالات انتخاب أمين الجميل، رئيساً). واقترح قادة الكتائب بأن (تُلقى مسؤولية المذبحة على إحدى وحدات الكتائب غير المنضبطة)، وأنْ نقول: (بأنَّ هذه الوحدة تورطت في معارك طاحنة مع الفدائيين الفلسطينيين)، لكنَّ (إيلي حبيقة) رفض هذا الاقتراح بشدّة. وقد أكَّد (الشيخ بيار الجميل) في حديث خاص مع شخصيات إسلامية بأنَّ: (بعض أفراد الكتائب، كانوا في المخيمات فعلاً، لكنّهم كانوا عملاء للإسرائيليين، الذين لم يرضخوا لتعليماته. لقد كان لشارون في صفوف الكتائب، بعض العملاء الذين يأتمرون بأمره)، وقد تمسّك بيار الجميل، بهذه (الادّعاءات)، طيلة الشهور التالية، وبعد عام فقط، اعترف (فادي أفرام) علناً، بأنَّ (إسرائيل، وعناصر لبنانية، ارتكبت المجزرة). ثم يعود الصحافيان الإسرائيليان للقول، بأن (أعمال القتل، استمرت طيلة (يومي السبت (18/9) والأحد (19/9)، ففي يوم السبت، خرجت النساء من مخيم صبرا، وقلن لمندوب الموساد الإسرائيلي: (إنه لا تزال هناك أعمال قتل). وفي يوم الأحد، صادف رجال المخابرات الإسرائيلية (نساءً وأطفالاً فرّوا من المخيمين إلى جهة مسجد عبد الناصر في كورنيش المزرعة، وأعلنوا بأن أعمال القتل في المخيم، ما تزال مستمرة). وقالت (فتاة فلسطينية) لمحقق إسرائيلي، بأنها شاهدت (صباح الأحد)، القتلة، وهم يفتكون بالنساء والأطفال في المخيمات. ويصل الصحافيان (شيڤ، وإيعاري) إلى استنتاج يقول: (من الصعب استبعاد إمكانية استمرار القتل، حتى في ذروة العاصفة التي أثارتها المذبحة، حتى عندما كانت المنطقة، تعج بالمصورين، والصحفيين). وهنا يقرّر الصحافيان، بأنَّ (الحقيقة، هي أنَّ محاولات عديدة قد جرت في زمن المجزرة، لطمس معالم الجريمة). 3. سردية الصحافي البريطاني، روبرت ڤيسك:( ) إنَّهُ أفظع عمل إرهابي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث! يقول روبرت فيسك إنه مع عدد من الصحفيين، زار مخيم شاتيلا الفلسطيني في (الساعة العاشرة، صباح السبت، 18/9/1982)، وتأكَّد بأنَّ مئات الجثث المتناثرة، كان أصحابها من (المدنيين العُزَّل الذين لا سلاح معهم)، وأنَّ ما حدث هو (قتل جماعي، أو مذبحة)، تجاوزت كلّ ما يصفه الإسرائيليون بأنه (إرهاب وحشي). لقد كان ما حدث من أبشع الفظائع: (شاهدنا جثث نساء في بيوتهن، مُزّقت ثيابهنّ حتى الخصر في حين انفرجت سيقانهنَّ، وأطفالاً ذُبحوا وقُطّعت رقابهم، وطوابير من الشبان، أطلقت النار عليهم من الخلف، وأطفالاً اسودَّت أجسادهم، لأنهم ذبحوا قبل أربع وعشرين ساعة، وألقيت ممزّقة مشوهة في أكوام القمامة بجانب علب الطعام، والزجاجات الفارغة، وبقايا المواد الطبيَّة الإسرائيلية). أين ذهب الناس، وما هذه الروائح، قال (جنكنز). كان المرء في الماضي إذا اجتاز مدخل شاتيلا، يرى صفّاً من البيوت الصغيرة التي يتألف كل منها من طابق واحد. أما هذه المرّة، فقد وجدنا البيوت قد نُسفت، وتناثرت كبسولات الرصاص في الطريق الرئيس. ورأيت بعض القنابل الضوئية الإسرائيلية، وهي لا تزال مشبوكة بمظلاتها الصغيرة. وكانت أفواج الذباب تُغير على الركام، وكأنها تشمُّ رائحة النصر!!. يضيف (روبرت فيسك)، بأن زميله (جنكنز) قال: (القتلة لا يزالون هنا). وبالفعل كانوا هناك. كان القتلة المجرمون لا يزالون في المخيم. وكانت مخاوفنا تكبر، فإذا كان القتلة لا يزالون في المخيم، فإنّ رغبتهم في التخلص من (الشهود)، ستفوق رغبتهم في الحصول على الصور. وكنا سمعنا هدير صوت عربة مجنزرة على الطريق، فاستولى علينا الخوف، ورأينا بوابة معدنية، شبه مفتوحة، ففتحناها وأغلقنا الباب وراءنا بسرعة. أخذ أحدنا ينظر إلى الآخر، ثمّ شعرنا أننا لسنا وحدنا، وتبين لنا أن بجانبنا، (فتاة جميلة مستلقية على ظهرها): كان الدم الذي نزف من ظهرها لا يزال رطباً. وكان القتلة قد غادروا المكان قبل دخولنا بقليل. وكانت هناك ثياب متناثرة على الأرض، كما لو كانت تنشر ثياب عائلتها عندما دخل القتلة. وشعرت بحزن شديد على هذه المرأة. ثم انطلقنا إلى الشارع. كانت جثث شبان وفتيات مُمدّدة على الأرض في صف واحد. كانوا قد أُعدموا رمياً بالرصاص عند الحائط. وهذا كان يذكرنا بتلك الصور الفوتوغرافية للإعدامات التي جرت في أوروبا، خلال الحرب الثانية. كنا متأكدين – يقول فيسك – أن الإسرائيليين يعرفون ما حدث، وأنهم شهدوا حدوثه، وأنَّ حلفاءهم من الكتائب، ومسلحي سعد حداد، أرسلوا إلى شاتيلا، فاقترفوا جريمة القتل الجماعية. إنه أفظع عمل إرهابي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ارتكبه مجرمون يعرفون تمام المعرفة أنهم يذبحون أناساً أبرياء. أشارت إحدى النساء إلى جثة رجل، وقالت: (هذا هو جاري السيّد نوري، الذي يبلغ التسعين من عمره). رأيناه ممدّداً فوق القمامة على الرصيف، بلحيته الرفيعة وقبّعته الصوفية التي كانت لا تزال على رأسه. وإلى الشمال في (مخيم صبرا)، جاءت النساء، اللواتي استولى عليهن الخوف باكيات يطلبن المساعدة: كان رجالهنَّ، وأبناؤهن وأزواجهنَّ، وآباؤهُنَّ، قد أُخرجوا من بيوتهم، ساعة المجزرة. بعضهم وُجدت جثثهم، وبعضهم لم يعثر لهم على أثر. وعند (المدينة الرياضية)، شاهدنا قوات الجيش الإسرائيلي، ورجال من الاستخبارات الإسرائيلية (الشين بيت)، وكان هناك مسلحون من رجال الميليشيات الكتائبية. ورأيت ثلاثة منهم، يسوقون رجلاً، استولى عليه الذعر. وقال الإسرائيليون لنا: إنها عملية بحث عن (الإرهابيين).. الإرهابيون مرَّة أخرى. شاهدت مئات السجناء، الذين وقفوا أو جلسوا بجانب الجدار. فذهبت إليهم، فصاح أحدهم، (ساعدونا)، وعندئذ ظهر أحد الجنود الإسرائيليين، فقلت: صحافة، فقال: (اخرج من هنا، هؤلاء إرهابيون)!!. لم يكونوا بالطبع (إرهابيين!). كانت أقرب الجثث تقع على بعد 500 ياردة. وكانت رائحتها قوية في المكان الذي يقف فيه الجنود الإسرائيليون، لكنهم استمروا في الحديث عن (إرهابيين!). تجاوز ما كان يجري، كل حدود البشاعة. ورأيت خلف جدار المخيم، صفّ الدبابات الإسرائيلية صفّان من المشاة الإسرائيليين. وحينما بلغوا مدخل شاتيلا، اندفعوا إليه بأقصى سرعة، وبنادقهم بأيديهم، وتمركزوا في الداخل، وكل منهم يحمي الآخر من شبح الإرهابيين!!. ووضع أحد الجنود يده على ذراعي، وقال: (في المخيم، إرهابيون، وسوف يقتلونك)، فقلت له: (هذا غير صحيح، لن تجدوا في المخيم، غير الأموات. ماتوا جميعاً. ألا تشم رائحة الجثث!). لقد حاولت أن أقول لهم: الإرهابيون الحقيقيون يرتدون زيّاً إسرائيلياً، أرسلهم الضباط الإسرائيليون إلى شاتيلا، وأنَّ ضحايا الإرهاب، لم يكونوا إسرائيليين، بل هم فلسطينيون ولبنانيون. لقد حاولت ذلك!! جندي إسرائيلي اسمه (بيني)، قال لي: كن حذراً. الإرهابيون في كل مكان. هذا مكان خطر. وفي اليوم التالي، (الأحد، 19/9)، كان اسم شاتيلا، قد أصبح عاراً في جبين المجرمين. كان عرفات في دمشق قد قال إن فيليب حبيب نفسه، قد وقَّع على تعهد كتابي بحماية الفلسطينيين الذين يبقون بعد رحيل المنظمة في بيروت الغربية. وفي خريف 1987، اعترف فيليب حبيب بأن عرفات كان محقّاً. قال: (إنَّ ما قاله عرفات هو الحقيقة بعينها، فقد وقَّعت الوثيقة التي تتضمن عدم إنزال الضرر بالفلسطينيين في بيروت الغربية. وحصلت على ضمانات محددة من بشير الجميل، ومن الإسرائيليين – أي من شارون). وبتاريخ (21/9)، توجهت إلى (مرجعيون) لمقابلة سعد حدّاد. قلت له: إنَّ أعداءه، يعلنون أنه وراء هذه المذابح). قال: هذا الاتهام طعنة لي. نعم كنت في المطار وذهبت إليه بطوّافة إسرائيلية. وصلت إلى بيروت حوالي الساعة التاسعة صباح الجمعة. كنت ذاهباً لتعزية عائلة الجميل). قلت: ولكن، ماذا عن الاتهامات التي وجّهها عشرات الناجين بأن رجاله كانوا في شاتيلا يقتلون النساء والأطفال!. فقال: (كلهم كذّابون، وأكثرهم يقبض المال من منظمة التحرير)، لكنه أضاف: (من الجائز أنهم رأوا بعض شاراتنا. إذْ من الجائز أيضاً، أنَّ بعض رجالنا كانوا يعملون مع قوّاتٍ أخرى في بيروت). وقال: (إن رجاله لا يقومون بأي عمل، إلاّ بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي). وقال (إن رجالي الذين كانوا في بيروت يوم الجمعة (17/9)، (ربّما كان عددهم عشرة يعملون مع الآخرين هناك...وربّما كانوا عشرين). ويتساءل (روبرت فيسك): ترى، من هم أولئك (العشرون) الذين يعملون مع آخرين في بيروت، يوم الجمعة. وهل كان حدّاد، يحاول الزج بعناصر من الكتائب في مسألة مقتل بشير الجميل!!، لأنّ حدّاد قال له: (لقد قتلوا بشير، وهم الآن، يحاولون إحراقي). قال لي (ملازم إسرائيلي)، بتاريخ (16/6/1982) في التلال المطلة على بيروت حرفياً ما يلي: (أحبُّ أن أراهم جميعاً أمواتاً..أحبّ أن أرى جميع الفلسطينيين أمواتاً، لأنهم (مَرَضٌ) أنَّى ذهبوا..وأنا شخصياً، لا أعتقد أن حكومتنا، ستتحمّل مسؤولية قتل الكثير من الفلسطينيين). وعرفت بعد ذلك أن (مقبرة جماعية) موجودة، حيث دفنت الجثث، تحت (ملعب الغولف) بين شاتيلا، والمطار. وعندما ذهبت إلى هناك، وجدت مساحات كبيرة محفورة حديثاً، وعليها آثار الجرّافات). وقال (ليبوڤتنز)، الأستاذ بالجامعة العبرية ما يلي: (نحن ارتكبنا المجزرة...والكتائبيون مرتزقتنا، كالمرتزقة الأوكرانيين، والكرواتيين، والسلوفاكيين، الذين نظَّمهم هتلر للقيام بما يريده. وحذونا حذو هتلر، فنظَّمنا القتلة في لبنان، لقتل الفلسطينيين).
4. سردية الصحافي البريطاني ديڤيد هيرست: ( ) أكثر من ثلاثة آلاف ضحيَّة في (48 ساعة) من القتل أبلغ الجنرال رفائيل إيتان (لجنة الشؤون الخارجية والدفاع)، أنَّ (كل ما بقية في بيروت، هو مجرد بضعة إرهابيين، ومكتب صغير لمنظمة التحرير الفلسطينية). هذا ما قاله إيتان بعد خروج المنظمة من بيروت. وأُجبر البرلمان اللبناني على تعيين بشير الجميّل، رئيساً للجهورية، يوم (23/8/1982)، ويقول هيرست: (كان بشير الجْميّل، قائد الميليشيا الكتائبية المدعومة من إسرائيل، التجسيد الكامل للنزعة العسكرية المسيحية المارونية، كما كان مكروهاً، بسبب العنف والوحشية اللذين لطَّخا وصوله إلى المركز الأول. ولم يحترم انتخابُه، (بما رافقه من رشوة وتهديد وتخويف)، حتى مجرد شكليات الديمقراطية البرلمانية)، لكنَّ (متفجرة 14/9/1982) في بيت الكتائب، قضت على الرجل الذي وعد بيغن، بأنه سيوقع (اتفاقية سلام) بين إسرائيل ولبنان. وفي الثالثة والنصف من صباح الأربعاء (15/9)، التقى إيتان وعمير دروري (قائد المنطقة الشمالية)، مع القادة الكتائبيين في بيروت الشرقية، في مقرّ ميلشيا القوات اللبنانية، التي كانت بشير قد بناها بمساعدة إسرائيلية. وقد تمَّ اللقاء، بمشاركة: فادي أفرام (قائد القوات)، وإيلي حبيقة (قائد استخبارات القوات)، ورسموا جميعاً، خطّة عملية لمشاركة الكتائب في احتلال بيروت الغربية، وتقرَّر أن يدخل الكتائبيون وحدهم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. ثمَّ دخل الجيش الإسرائيلي بيروت الغربية ابتداءً من الساعة الخامسة من صباح الأربعاء (15/9). وكانت مجموعة برلمانية إسرائيلية قد زارت سابقاً، الشريط الحدودي المحتل في جنوب لبنان، عندئذ سمعوا أحد رجالات سعد حدّاد يقول لهم: (لو مات فلسطيني واحد، فذلك تلوُّث، أمّا لو مات الفلسطينيون جميعاً، فذلك هو الحلّ). وكتبت جريدة (باماهان)، صحيفة الجيش الإسرائيلي، بتاريخ (1/9/1982) ما يلي: (سمع ضابطٌ إسرائيلي رفيع ما يلي من شفتي أحد الكتائبيين: السؤال الأساسي الذي نطرحه على أنفسنا، هو كيف نبدأ: بالاغتصاب، أم بالقتل. ليست لديكم أدنى فكرة عن المذبحة، التي سيتعرض لها الفلسطينيون: مدنيين، أو إرهابيين، الذين سيبقون في المدينة!). وقال الجنرال أهارون ياريف (قائد منطقة بيروت): (عرفنا أنهم يريدون تدمير المخيمات). - عند المغيب، دخلت الوحدة الأولى من القوات اللبنانية الكتائبية (150)، كتائبياً، مخيم شاتيلا، بعد أن عبرت عدداً من الحواجز الإسرائيلية المُقامة عند مدخل المخيم. وكان بعض الداخلين يحمل سكاكين وفؤوساً، إضافة للأسلحة النارية. وبدأت المذبحة على الفور، واستمرت من دون انقطاع (48 ساعة). ولم تهدأ خلال الليل، فقد أضاء الإسرائيليون المخيم بالقنابل الضوئية. وأطلق الكتائبيون النار، على كل ما كان يتحرك في الأزقة الضيّقة. كان الموقع المتقدم للإسرائيليين يقع على بعد (مئتي ياردة) من الساحة الرئيسة للمجزرة. وكانوا يستطيعون من على سطح هذا المبنى (7 طبقات) أن يراقبوا قلب المخيمات. ومع فجر الجمعة (17/9)، كان بمقدور الضباط الإسرائيليين وغيرهم المنتشرين على سطح المبنى، أن يروا أكداس الجثث. وشاهدوا لاحقاً الجرَّافات، وهي تعمل على دفن الجثث. وقال الملازم أڤي غرابوفسكي لاحقاً، أنَّ أحد الكتائبيين قال له: (إن النساء الفلسطينيات الحوامل، سوف ينجبن إرهابيين)، وأنه شاهد الكتائبيين يقتلون المدنيين. وسدّ الجنود الإسرائيليون مداخل المخيمات، وأجبروا مرّات عديدة اللاجئين الفارين على أن يعودوا إلى داخل المخيم. وفي الساعة الرابعة عصر الجمعة، اجتمع إيتان، ودروري بالقادة الكتائبيين، وكان بعضهم قد خرج للتوّ من المخيمات، (وقد هنَّأهم على عمليتهم). أمّا الكتائبيون، فقد طلبوا من الإسرائيليين، منحهم (مزيداً من الوقت لإنجاز المهمّة)، ورغم علم إيتان، ودروري، وعاموس يارون، وشارون نفسه بالمذبحة، إلاّ أنهم منحوا القوات اللبنانية مهلة إضافية حتى ظهر اليوم التالي (لإنجاز المهمة). وفيما كان إيتان يغادر مطار بيروت، دخلت (دفعة جديدة) من القوات اللبنانية الكتائبية إلى المخيمات، (200 قاتل كتائبي)، ففتكت أول دخولها بمجموعة من النساء والأطفال، وذبحت كل العائلة في أول منزل مرَّت به، ودمَّرته بوساطة جرَّافة. ودخل الصحافيون (صبرا وشاتيلا) يوم السبت (18/9)، حيث (عثروا على مئات الجثث، التي لم يجد الكتائبيون وقتاً لدفنها)، ورأوا أطراف الجثث التي دفنوها تبرز من القبور المحفورة على عجل، وجثث النساء العاريات المقيدة الأيدي والأرجل من الخلف، وضحايا السَحْل، وبينها رجلٌ، قُطع عضوه التناسلي، وأوصال طفل مرتبة في دائرة، ورأسه المقطوع في الوسط. وعثر الصحافيون على دلائل على حصول مقاومة، ومنها: (بندقية صيد) ملقاة إلى جانب جثة شاب صغير السنّ). حاول (الجيش اللبناني الرسمي)، وفرق الإغاثة المحلية والدولية، إحصاء الجثث، لكنَّ الإحصائيات، لم تشمل: الجثث الكثيرة التي لم تكتشف في مقابر جماعية، أو المدفونة تحت أنقاض المنازل، ولم تشمل المفقودين الذين أُخذوا في الشاحنات إلى جهة مجهولة. ولا بُدَّ أنَّ العدد، بلغ (أكثر من ثلاثة آلاف ضحيَّة). أنكرت الحكومة الإسرائيلية دورها في المذبحة، وقالت بأن القوات اللبنانية الكتائبية، كانت تقول لها: (جرت معارك طاحنة بيننا وبين الإرهابيين في المخيمات!!)، وأنَّ (تدخُّل الإسرائيليين وإن جاء متأخراً، فقد منع مأساة أكبر كانت ستقع!!). وقد شعر (ريغن)، رئيس الولايات المتحدة، أنَّ (شرف الولايات المتحدة، قد ديس)، لأنَّها كانت قد أعطت ضمانات فعلية لمنظمة التحرير، بحماية السكان المدنيين في المخيمات بعد خروج المنظمة. ثمَّ انهمرت التبريرات الإسرائيلية، وتفاخر شارون وإيتان، بأنَّ: (مخيمات اللاجئين في بيروت الغربية، أصبحت محاصرة ومعزولة تماماً من قبل الجيش الإسرائيلي). وبرز سؤال: هو كيف تسنّى لمئة وخمسين كتائبياً أن يهزموا (ألفي إرهابي فلسطيني)، اكتشفت إسرائيل أن منظمة التحرير، قد تركتهم وراءها!!، بل لم يجد المنقّبون عن الجثث، جثة واحدة لفلسطيني مسلّح!!. ولم يكن هذا الرقم كما أجمع الباحثون، إلاّ من اختراع خيال شارون وإيتان ودروري. وحاولت إسرائيل الردّ على الذين (شوّهوا سمعة الجيش الإسرائيلي في العالم) كما يقول بيغن، فدفعت مبلغ (45 ألف دولار) لنشر إعلان على صفحة كاملة في كل من (نيويورك تايمز)، و(واشنطن بوست)، قالت فيه: (الشعب الإسرائيلي، فخورٌ بأخلاقيات جيشه)، لكنَّ الإعلانات مدفوعة الأجر، لم تجد نفعاً، لأنَّ الصحف الإسرائيلية شبَّهت (مذبحة صبرا وشاتيلا)، بالهولوكوست اليهودي في أوروبا في الحرب العالمية الثانية. وفي سائر أنحاء العالم، شعر مؤيدو إسرائيل، بأنهم (تعرَّضوا لنوع من الخديعة والخيانة)، واستنتجت السفارة الإسرائيلية في أميركا أنَّ (مكانة إسرائيل في وسائل الإعلام، وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ تأسيسها عام 1948). ويقدّر (ديڤيد هيرست)، عدد الشهداء الفلسطينيين واللبنانية في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، بـِ (20 ألفاً). وهو يقول: استخدم الإسرائيليون، كلمة (إرهابي!!)، بطريقة جعلت التمييز بين المدنيين الفلسطينيين والفدائيين، يختفي في الواقع، فكل فلسطيني، هو (إرهابي) مسبقاً، سواءٌ أكان مدنياً، أم مدنياً في مؤسسات المنظمة، أم فدائياً!!!. وأنكر الإسرائيليون على الفلسطينيين الذين اعتقلوهم خلال الحرب، صفة (أسرى حرب!)، حيث أُمر الجيش بإعدام فوري لكل أسير فلسطيني!. وقد تشارك الكتائبيون مع الإسرائيليون في كرههم للفلسطينيين. ووصف البروفسور الإسرائيلي (يشهايو ليبوفيتز) ممارسات إسرائيل بأنها: (نازيَّة يهودية)، وشبَّه قادتها، بهتلر. وكتب الصحافي الإسرائيلي (يوئيل ماركوس) في هآرتس (19/11/1982) ما يلي: (في مسألة صبرا وشاتيلا، لا يكترث قسم كبير من المجتمع الإسرائيلي، وربّما أكثريته، بالمذبحة نفسها، فقتل العرب عموماً، والفلسطينيين بشكل خاص، يحظى بشعبية واسعة، أو (لا يزعج أحداً) على الأقل. لقد سمعت أناساً مستنيرين، ومثقفين يمثلون (ضمير تل أبيب)، يقولون: إنَّ المذبحة، بوصفها خطوةً نحو اجتثاث الفلسطينيين الباقين من لبنان، ليست رهيبة، لكنَّ الأمر السيئ أننا كنا بجوارها، قريباً منها). 5. سرديَّة الصحافي الفرنسي (آلان مينارغ): ( ) (من انقلاب بشير الجميّل إلى مذابح المخيمات الفلسطينية) رتَّب (الموساد الإسرائيلي)، لقاءً في (نهاريا) بفلسطين المحتلة، بين بشير الجميل (رئيس الجمهورية اللبنانية)، ومناحم بيغن (رئيس وزراء إسرائيل)، بمشاركة (جورج فريحة، وجوزيف سعادة)، وشارك في اللقاء مع بيغن: شارون، وشامير، وإسحق حوفي، ويهوشع ساغي. وتمَّ اللقاء بتاريخ (1/9/1982). وطلب بشير من الموساد بإلحاح، أن يحاط الاجتماع بالسّرية التامة، لأن تواجد رئيس الجمهورية اللبنانية في (نهاريا)، سوف يكون (مفاجأة) للعالم العربي، مما يساهم في عزل لبنان. وكان بانتظار (بشير) عند قاعة الاجتماعات: شارون وشامير وديڤيد كيمحي، وأبراهام تامير، وساغي، وإسحق حوفي، وناحوم عدموني، ومناحيم نافوت. وصل (بيغن) الساعة الحادية عشرة مساءً، مُقطّب الجبين. قال بيغن: (أرحب بك يا سيّدي الرئيس. يوم كنت تأتي إليَّ في الزمن الماضي، كنت أناديك: (ابني)، والآن صرت رئيس بلادك. لقد كان التعاون بين إسرائيل، والقوات اللبنانية، منذ حكومة سلفي اسحق رابين، كان نشيداً حقيقياً، وتواطؤاً سريّاً. لقد جلبت منظمة التحرير الفلسطينية، الكوارث في لبنان. لقد جئت الليلة لأقول لك: لن يُهددّكم أحد بعد الآن. لقد سحقنا منظمة التحرير الفلسطينية وطردناها خارج لبنان. وانهزم الجيش السوري: دمَّرنا لهم (405 دبّابة)، و(112 طائرة)، وقضينا على (21 بطارية لصواريخ سام 6، وسام 8)، كما محقنا وحدات سورية كبيرة. سوريا لن تحارب إسرائيل بعد الآن. وسوف ننسحب عندما يغادر الجيش السوري لبنان في الوقت نفسه. وقبل ذلك، يجب طرد كل (الإرهابيين) من الشمال والبقاع. وبالتالي، سيكون هناك (لبنان جديد). ونحن على استعداد، لمساعدتكم عسكرياً في بناء أجهزة الأمن، وتدريب الجيش اللبناني). ولهذا كله: (يجب أن نوقع معاً، معاهدة صلح باللغتين العبرية والعربية، توقع النسخة العبرية في القدس، والنسخة العربية في بيروت. لقد صرنا أصدقاء خلال الحرب. خسرنا (340 رجلاً)، وجرح عدة مئات من جنودنا). ثم وقف الرئيس اللبناني (بشير الجميل)، وقال: (لقد ساعدتمونا مرحلة بعد مرحلة، وقلتم إنكم لن تتخلوا عنّا، وحصلنا على عونكم. اليوم صار صديقكم، رئيساً للجمهورية. سنقوم (خطوةً، خطوة)، بإخراج (نصف المليون فلسطيني) من لبنان. لن يبقى إرهابيون على أرضنا. لقد خسرت ابنتي، وخمسة آلاف رجل. علينا أن نضطلع بعملية السلام. سنتفاوض معكم على ذلك. لقد انتصرنا في الحرب بفضل مساعدتكم. (لقد كنت سيّداً كبيراً). ختم بشير الجميل كلامه مخاطباً بيغن. انتقل بيغن ومعه شارون وشامير وساغي وحوفي مع بشير وجورج فريحة وجوزيف سعادة إلى (قاعة صغيرة). بادر بيغن مخاطباً بشير: (بصراحة: أرغب في توقيع معاهد صلح معكم). و(نحن نعمل معاً في الخفاء منذ سبع سنوات، وقد أصبحت رئيساً للجمهورية). وهنا سأل شارون: هل صحيح أن اللبنانيين المسلمين، يشترطون عدم عقد معاهدة صلح، كي يتعاونوا معك. أجاب بشير: هذا صحيح. قال بيغن: (إذاً، أنت تذعن لابتزازهم، وتهمل الصداقة). قال بشير: إذا عقدت معاهدة صلح، البلد (لبنان) سيتفكك. قال شارون: إذا لم نعقد معاهدة صلح، فإن وحدة لبنان، ستتعرض للخطر في الجنوب. قال بشير: نحن وأنتم، نسعى إلى هدف واحد. أقترح تأليف لجنة مشتركة منا ومنكم، تصوغ نصوص السلام، وتحدد الرزنامة. قال بيغن: لماذا لا تعبر عن رأيك حول ضرورة عقد معاهدة صلح بين إسرائيل ولبنان – علناً!!. لماذا لا تقول فقط إنّ الصلح يجب أن يحصل. لماذا تتهرّب من هذا الموضوع!. أريد معاهدة صلح. وهنا حاول شارون ترطيب الجوّ، فقال: لقد نفّذ بشير ما طلبناه منه في (سوق الغرب)، و(عاليه)، و(محور كلية العلوم)، وطلبت منه شخصياً، أن يقبل بدخول بيروت الغربية، فوافق. لقد نفَّذ بشير كل ما طلبناه منه). قال بيغن: يسعدني أن أسمع ذلك. قال بشير: تصريح الرئيس شمعون الذي قُدّم إليك لم يكن دقيقاً. قال بيغن: (سعد حدّاد) لبناني وطني مخلص. قال بشير: أوافقك تمام الموافقة، فقد فعل في الجنوب، ما كنا نفعله نحن في (جونْيه)، لكن عليه أن يمثل أمام (النائب العام) لإنهاء بعض الإجراءات، ثمَّ سيكون حُرّاً. قال بيغن: حدَّاد قاتل من أجل لبنان. أما أن يمثل أمام النائب العام، فأنا، لن أسمح بذلك. هذا عار. الرجل ليس خائناً، فهو صديقي، وهو وطني لبناني صالح. وعليك أنت بوصفك رئيساً للجمهورية أن تُرقّيه وتجعله يشارك في أول حكومة. لن أسمح بتوجيه أية تهمة له. قال شارون: (إذا لم يكن بيننا معاهدة صلح، فسنحتفظ في هذه الحال، بشريط عمقه خمسون كيلو متراً في لبنان. علاقتنا في منعطف حاسم). وانتهى اللقاء. بعد عودته إلى (بكفيا)، استدعى بشير: جوزيف سعادة، جان نادر (جينو)، جورج سعادة، جوزيف أبو خليل، سليم الجاهل، جورج فريحة، كريم بقرادوني، أنطوان نجم، إلفرد ماضي، زاهي البستاني، جوني عبده، فادي أفرام، أنطوان بريدي (توتو)، أسعد سْعيد، (هابي)، فؤاد أبو ناضر، بطرس خوند، إيلي وازن (عبّاس)، إيلي الزايك، سامي الشدياق، إيلي حبيقه (HK)، أسعد شفتري، (آسّو)، وليد حرب، وليد فارس (وودي)، وذلك لمناقشة برنامج المئة يوم الأولى للرئيس الذي أعده مختصون في هذا المجال، كذلك مناقشة مسألة مشاركة بشير في (قمة فاس): - قال جوني عبده: ليس لنا ثقة بمؤسسات الدولة. لن تستطيع (الأُمَّة المسيحية) أن تنهض إلا من خلال ثورة عسكرية، لا عن طريق البرلمان والقانون. - قال جوزيف أبو خليل: الدستور لا يشكّل أية ضمانة لنا. يمكن أن يُقتل الشيخ بشير، لهذا على المسيحيين أن يكون لهم وجود اقتصادي واجتماعي. - قال إيلي حبيقة: إذا سافرت إلى قمة فاس، فمن غير الممكن أن يحفظوا أمنكم. لقد أبلغني ذلك (جاك أوجينو)، ممثل المخابرات المركزية الأميركية في بيروت. - بشير الجميل: أكَّد لي فيليب حبيب، أن الأميركيين، سوف يحمونني. - زاهي البستاني: سوف يحرجونك بأسئلة عن علاقتك بإسرائيل. - كريم بقرادوني: نحن أيضاً محامون جيّدون. نحن في ذروة قوّتنا. لدينا أوراق كثيرة في مواجهة العرب. - سعادة: لم يُهنئك أي رئيس دولة عربية. - سليم الجاهل: هل نريد أن نبقى في الدائرة العربية. أنا كلنباني أتوق إلى الخروج من هذه الدوّامة. - وهنا اتصلت (علياء الصلح) هاتفياً ببشير، وأبلغته أن بعض العرب (منزعجون من تصريح أدلى به روبير عبده غانم لصالح إسرائيل). وهنا أيضاً طلب بشير من (إيلي حبيقة، وإلفرد ماضي)، الاتصال بالسفير الأميركي ديلون، لوضعه في الجو الخاص الذي تحدثوا عنه في اللقاء. وفي يوم (3/9)، أوردت (وكالة رويترز البريطانية)، خبراً عن لقاء نهاريا. وانفجر بشير غاضباً، لكنه استقبل يوم (7/9/1982) جوليوس، اسحق حوفي، مدير الموساد، أخبره أنه سيتقاعد، وسوف يخلفه في منصبه ناحوم عدموني (بيتر)، وأنَّ مناحيم نافوت (مندي)، سيكون نائباً لرئيس الموساد. ونصح حوفي، بشير أن يعزّر أمنه الشخصي. وأبلغه برغبة شارون في لقائه. ووافق بشير الجميل على إرسال عدد من حرسه الشخصي إلى إسرائيل، والولايات المتحدة، كي ينالوا تدريباً سريعاً. وتمَّ تكليف إيلي وازن (عباس)، بمهمة السهر على أمن الرئيس. ولم يحضر بشير الجميل قمة فاس (9/9)، واتخذ المؤتمر قراراً بربط انسحاب القوات السورية من لبنان، بانسحاب القوات الإسرائيلية. وفي ليلة (12/9)، استقبل بشير الجميل، رئيس الجمهورية اللبنانية في منزله (بكفيا)، شارون وحوفي، وكان جورج فريحة حاضراً. قال بشير مُعاتباً: (لقد خاطبني السيّد بيغن، كما لو كنت فلسطينياً، أو سوريّاً، وليس كصديق). قال شارون: لقد أجريت معك ومع جوني عبده وفيليب حبيب (54 اجتماعاً) في ثلاثة أشهر. وحلَّت بنا خسائر: 360 قتيلاً، و2200 جريحاً. كنا نتوقع أن تدلي بتصريحات لصالحنا. وهنا قال بشير: أدليت بحديث قبل قليل عن الدور الإسرائيلي، لمجلة (ماغازين)، ومجلة (تايم ماغازين)، وإذا أردتم المزيد، أخبرونا بذلك. قال شارون: بيغن يحبّك كثيراً، لكنَّ صمتك، وتصريح شمعون، سبَّبا له حرجاً عميقاً. لقد ترك عرفات وراءه (ألفي مقاتل فلسطيني في بيروت). قال بشير: معلوماتنا تقول، إنَّ عددهم، هو (1500 مقاتل). قال شارون: الفلسطينيون في بيروت الغربية، يريدون خلق المشاكل، وقد قررنا دخول بيروت الغربية. قال بشير: يجب أن ينسَّق الأمر بين هورس (فادي أفرام)، وميشيل عون (الجيش اللبناني)، وأمير دروري، وإيلي حبيقة. قال شارون: إذا حصلنا على معلومات حول وجود مراكز قيادية إرهابية، وقمنا بعملية مفاجئة ضدّها، فما موقفكم. قال بشير: إذا كنتم جاهزين، قوموا بهذه العملية. قال شارون: إذا تصرَّفنا ضدّ السوريين، هل سيكون في ذلك ما يسيء لكم. قال بشير: على العكس، سنغتبط لذلك، وسوف يساعدكم الجيش اللبناني في حدود إمكاناته. وأضاف بشير: المسؤولون عن أمن المطار، هما: زاهي البستاني، وإيلي حبيقه. قال شارون: نريد شخصاً في برج المراقبة، يتكلم العبرية. ثمَّ أضاف شارون: لماذا تعتقدون أنه يستحيل على لبنان أن يوقع على معاهدة صلح مع إسرائيل. قال بشير: نحن لم نقل أنه من المستحيل عقد معاهدة صلح. لقد آن الأوان للشروع في عملية السلام. هناك مشاكل يجب حلُّها قبل ذلك: أولاً: الوجود السوري. ثانياً: نحن بحاجة للأموال العربية، فهناك (300 ألف لبناني) يعيشون في البلدان العربية، ومعظمهم مسيحيون. فقطع علاقتنا مع العالم العربي، سوف يسبب لنا مشكلة اقتصادية. قال شارون: الاتفاقية التي سنوقّعها، ستؤمن ديمومة العلاقات بين بلدينا. لقدْ سمّى بيغن كلاًّ من: شامير، وأنا، والجنرال تامير من جهتنا كأعضاء في اللجنة التحضيرية للمعاهدة، وأضيف: دايڤيد كيمحي. قال بشير: من جهتنا سيعمل: زاهي البستاني، وجوزيف أبو خليل مع الجنرال أبراهام تامير. قال شارون: هل نعقد اجتماعاً مصغّراً سرّياً: أنت وشامير وأنا، مثلاً مساء الأربعاء (15/9). أجاب بشير: أوكّيه. قال شارون: يجب أن نضرب موقع السوريين في (جبل صِنيّن) خلال 48 ساعة. قال بشير: هل يمكنني إبلاغ (فادي أفرام) بشأن المطار، وجبل صنيّن. قال شارون: طبعاً. قال شارون: وهناك ألوف الأطنان من الذخائر، وهي متجانسة مع أسلحتكم، يمكننا أن نعطيكم إياها. قال بشير: سوف يهتم إيلي وازن (عباس)، بهذا الأمر. (وانتهى اللقاء). كان بشير الجميل، قد تعرَّض لمحاولة اغتيال في شباط 1980، حيث قُتلت ابنته (مايا)، قرب قصر (بسترس)، وتبيَّن أن من وضع السيارة الملغومة، هما: (جوزيف كازاريان، ونزيه شعيا)، وكان هذان الرجلان ينتميان إلى مجموعة الياس الشرتوني، الذي كان يرأس فريقاً، ينتمي إلى (جهاز استخبارات القوات اللبنانية) الذي يرأسه حبيقه. وبعد مقتل بشير، اتُّهم (حبيب طانيوس الشرتوني – 26 عاماً) باغتيال بشير، واحتجز في سجون القوات اللبنانية، ثمَّ سُلِّم بأمر من فادي أفرام إلى الجيش اللبناني لمحاكمته، حيث نُقل إلى (زنزانة الشعبة الثانية) بوزارة الدفاع في (اليرزة). غادر (حبيب الشرتوني) زنزانته عام 1983 إلى ثكنة مغاوير الجيش في روميه. وأطلق (أمين الجميل) سراحه يوم (13/10/1990). ونفى (الحزب القومي السوري)، أن يكون المذكور قد كان عضواً فيه. واغتيل (الياس الشرتوني)، عام 1983. * * * - (فجر يوم 15/9/1982) في الساعة الثالثة والنصف، وصل رفائيل إيتان (رئيس الأركان)، والجنرال أمير دروري، والجنرال موشيه ليڤي، وأوري ساغي، ومناحيم نافوت (مندي) إلى (مقر القوات اللبنانية الكتائبية) في (الكرنتينا) في بيروت. وحضر: فادي أفرام، وزاهي البستاني، وأنطوان بريدي، وجوزيف سعادة، وانضموا إلى الإسرائيليين. بسرعة وضع رفائيل إيتان (رَفُّول)، خارطة جوية للمخيمات الفلسطينية، وقال: سندخل بيروت الغربية في ثلاثة محاور: من الميناء إلى قطاع النورماندي، ومن السفارة الكويتية صوب الوسط، بمحاذاة المدينة الرياضية، وعلى طول الطريق الساحلية، صوب الرملة البيضاء. سنتحرك في الساعة الخامسة. المطلوب منكم تجهيز أنفسكم لدخول المخيمات، عندما يُطلب منكم ذلك. هدف العملية: البحث عن إرهابيين، وعن وثائق، وعن مستودعات أسلحة. لم يفاجأ (أفرام) بذلك، لأن بشير قبل مصرعه، أخبره بالتفاصيل. اتصل أفرام بالعقيد (ميشيل عون)، قائد اللواء الثامن في الجيش اللبناني، المنتشر على خطوط التماس، وطلب منه الحضور، فجاء إلى مقر القوات اللبنانية الكتائبية، والتقى أمير دروري. سأله دروري عن إمكانية دخول لوائه إلى المخيمات، فأجابه عون: (لن يكون هذا ممكناً دون أمر من حكومتي). دخلت القوات الإسرائيلية في الخامسة صباحاً إلى بيروت الغربية، بغطاء من طائرات قاذفة – مقاتلة، تحلق على ارتفاع منخفض. سُمعت أولى الطلقات النارية في منطقة المدينة الرياضية، تلاها انفجار. كانت (السواتر الترابية) قد أزيلت، وكانت الألغام قد نزعت من الشوارع والأزقة عندما دخل الجيش اللبناني إلى خطوط التماس، ممّا سهَّل دخول الإسرائيليين. غادرت موجة بشرية على عجل مخيمي صبرا وشاتيلا على عجل، ولجأت إلى قلب بيروت الغربية. وانتقل السياسيون اللبنانيون المقرّبون من منظمة التحرير الفلسطينية إلى (الحياة السرّية). وحدها مجموعة صغيرة تضم (15 شاباً فلسطينياً)، مسلحين برشاشات الكلاشنكوف، وبنادق الصيد، اعتصمت وسط الصراخ في مخيم صبرا في مكان يدعى (الدُقي)، كي تقاوم. بعد السابعة والنصف صباحاً، هبطت طائرة هيروكليز في مطار بيروت الدولي، خرج من بابها الخلفي: (شارون، دوداعي، يهوشع ساغي، موشيه ليڤي، (مساعد رئيس الأركان)، واختصاصيان في الضربات القاسية: أفراهام شالوم (رئيس شين بيت)، والجنرال أمنون ليبكنز. وكان (ليبكنز) قد جاء إلى بيروت ليلة (9-10 نيسان 1973)، لتنفيذ عملية اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة في ڤردان، ضمن كوماندو سايريت ماتكال الذي كان بإمرة الملازم (إيهود باراك)، وهو يتولى (حالياً) قيادة لواء مدرّع في الشوف(*). تحوَّل مطار بيروت صباح (15/9/1982) إلى جسر جوّي لتقل المظليين والقوات الأخرى، واستقبل (شارون)، كلاً من: مناحيم نافوت، (مندي)، رجل الموساد الذي اكتشف جثة بشير الجميّل، والعقيد أرنوف إلكانا (رئيس جهازات مخابرات الجنرال دروري)، ووليد فارس (وودي)، ضابط الارتباط بين القوات اللبنانية والإسرائيلية. طلب شارون الانتقال إلى المركز الأمامي للجيش الإسرائيلي، قرب مخيمي صبرا وشاتيلا، الذي يشرف عليه الجنرال (عاموس يارون)، حيث كان ينتظره رفائيل إيتان (رئيس الأركان)، وقدَّم إيتان لشارون تقريراً عن تقدم الوحدات دون مقاومة. وصل شارون في العاشرة إلى الكرنتينا، فاستقبله: إيلي حبيقه، وأسعد شفتري، وحنّا صفتلي، وفادي أفرام، وزاهي بستاني. وعندما زار شارون منزل آل الجميل في بكفيا لتقديم العزاء، رافقه وليد فارس. وقال أمين الجميل: (كان بشير يطلعني على كل ما يفعل وعلى علاقاته الوثيقة معكم..سأحمل الشعلة). وكان أمين قبل ذلك، قد صرخ في رجال يبكون: (اخرسوا، أنا هنا، وسأواصل ما فعل بشير). ثمَّ تحدث شارون مع الشيخ بيار الجميل، ورحل في الساعة الثانية من مطار بيروت إلى تل أبيب. بعد ذلك بقليل دخلت دبابات ميركاڤا إسرائيلية إلى (حي الفاكهاني). وفي (حي الغبيري)، تصدَّت لها عناصر من (حركة أمل)، و(عناصر فلسطينية)، ودمَّرت دبَّابة إسرائيلية. وأصبح مخيما صبرا وشاتيلا، مطوّقين. وفي الساعة الرابعة من يوم (الأربعاء، 15/9)، كانوا يدفنون بشير الجميل في (بكفيا)، حيث ودَّعته طائرتان من طراز (ف 16) إسرائيليتان قامتا بحركات بهلوانية في سماء بكفيا. وتكلم عند القبر، شقيقه أمين الجميل، باسم العائلة، حيث قال: (سيعود لبنان مجدداً، بلداً للبنانيين وحدهم)، ثمَّ أقسم على (رفع المشعل من جديد)، وانتقد الجمهور أسلوب أمين الجميل، في الكلام، باعتباره في (حفلة ترشيح نفسه للرئاسة)، وليس في حفل عزاء، حيث اعتبروا كلامه غير مناسب. - ثمَّ يكشف الصحافي الفرنسي (آلان مينارغ)، ربَّما لأوّل مرَّة، الترتيب الحقيقي للقتلة الذين دخلوا مخيمي صبرا وشاتيلا، على النحو التالي:
أولاً: وحدة المغاوير (الاستكشاف) الإسرائيلية: هي أول وحدة عسكرية إسرائيلية تدخل صبرا وشاتيلا، وهي بقيادة الجنرال (أمنون ليبكتر)، والجنرال أبراهام شالوم (مدير شين بيت)، وهي وحدة قتل، تعتمد أسلوب الاغتيالات السريَّة، والترويع السريع، وتعتمد على المعلومات المخابراتية. وكان خلال الحرب (حصار بيروت) في بيروت الغربية، (أحد عشر رجلاً من الموساد)، حسب آلان مينارغ. كان في حوزتهم غالباً، لوائح بأسماء وعناوين. وكانوا يتكلمون العربية جيداً، وقد اندمجوا مع السكّان، وعاشوا سنوات في بيروت الغربية، منتحلين صفات مختلفة، كبائعي بوظة، أو متسولين، أو تجّار). وفي منتصف ما قبل يوم الأربعاء (15/9)، دخلت (قوات إسرائيلية) إلى مخيمي صبرا وشاتيلا، بعد أن قصفت الدبابات المتمركزة في جنوب شاتيلا بالمدفعية كلا المخيمين، وراحت عدة مجموعات إسرائيلية، تضمُّ كل واحدة منها عشرة رجال، يرتدون ملابس القتال، ولا يحملون أية علامة مميزة ظاهرة، كانوا تابعين لوحدة المغاوير، المسمّاة وحدة الاستكشاف (سابيريت ميتكال)، تتغلغل سرّاً في متاهة الأزقة المقفرة. كان الرجال، يتحركون بسرعة، وصمت، حسب مسارات كان يبدو أنهم يعرفونها تماماً، متوجهين نحو مساكن محدّدة. وبدون تردد، خلعوا الأبواب، وأخذوا يذكرون أسماء أمام ساكنيها المذعورين بوساطة ترجمان يتكلم العربية، بلكنة غير لبنانية. وكلما كان شخص من المنادى عليهم، يفصح عن هويته، كان يطلب منه الخروج، ثمَّ يقتل ببرود، برصاصة في عنقه. وقد ظلت تُسمع طيلة النهار داخل المخيمين، طلقات الرصاص. وأكَّدت عائلتان، استطاعتا الهرب من مخيم شاتيلا أنَّ (الجنود كانوا إسرائيليين)، وتمكنوا من أن يتعرفوا عليهم من خلال (الكيبا)، التي كان بعضهم يعتمرونها. وفي يوم (15/9)، ومنذ وصوله إلى مطار بيروت الدولي في الساعة (الثالثة والنصف) عصراً، توجه فوراً الرقيب (بيني حاييم) إلى مكان ما في أزقة مخيم شاتيلا. وعند الخامسة والنصف عصراً، جرح بيني حاييم في ساقه وفي ساعده الأيسر. بادر أحد زملائه، وقصَّ حمّالة أمشاطه، خوفاً من أن تنفجر القنابل التي كانت في جيوبه، ورماها في مكان بعيد. وكان في إحداها (أوراق هويَّة الرقيب). عثر عليها أحد الناجين من المجزرة(*)، وسلَّمها لصحافية فرنسية من أصل فلسطيني، ليثبت له وجود الإسرائيليين في المخيم، وبالفعل كانوا جنوداً إسرائيليين من وحدة المغاوير، الذين قتلوا (63 مثقفاً فلسطينياً) في المخيمين من رجال ونساء، كانوا من الأطباء، والمحامين والمعلمين والممرضات. وكان واضحاً جداً، أنهم كانوا يحملون لائحة بأسمائهم. وانتهت المرحلة الأولى من تصفية المدنيين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا مع نهاية النهار. وغادرت وحدة الاستكشاف التابعة للمغاوير الإسرائيليين المخيمين، (سرّاً)، كما دخلتهما. كانت المذبحة قد ابتدأت، إذاً (نهار الأربعاء، 15/9/1982). وكان يجب أن تكمل المذبحة، مجموعتان أخريان.
ثانياً: جيش لبنان الجنوبي (جماعة سعد حدّاد): مساء ليلة (15/9/1982)، قُطع التيار الكهربائي عن بيروت الغربية، وأضيئت سماء مخيمي صبرا وشاتيلا بالقنابل المضيئة، وقطعت الصمت، صوت رشقات الرصاص، طيلة الليل. كانت دخلت مجموعة جديدة من القتلة، وهم ينتمون إلى (جيش لبنان الجنوبي)، المرتبط بالاحتلال الإسرائيلي، وهم ينتمون إلى (جيش لبنان الجنوبي)، المرتبط بالاحتلال الإسرائيلي، ويقوده سعد حدّاد، العميل الإسرائيلي الشهير، ومركز قيادته في (مرجعيون). وقد تمَّ نقل مجموعات سعد حداد إلى مطار بيروت، وهم بقيادة (النقيب كميل صلاح)، وقد التقى بهم (رفائيل إيتان) في مفرق (خلدة)، وأعطى توجيهاته إلى النقيب كميل صلاح على النحو التالي: (النتيجة التي يجب أن تحصلوا عليها، هي فرار السكان المدنيين من المخيمين)، كما أوضح رئيس الأركان الإسرائيلي. دخلت وحدة النقيب كميل صلاح (150 عنصراً)، وتمركزت بطلب من الإسرائيليين بين (الشويفات)، و(مفرق خلدة)، جنوب المطار الذي يبعد عن مخيمي صبرا وشاتيلا (4 كم). وكانت مزوَّدة بسيارات جيب، وثلاث ناقلات جند مطلية باللون الأخضر. وكان رجالها مسلحين بكلاشنكوف. انقسمت هذه الوحدة إلى مجموعات صغيرة، ودخلت إلى مخيم شاتيلا على مستوى الأرض الواقعة قبالة السفارة الكويتية وإلى مخيم صبرا من جهة المدينة الرياضية. وكانت هاتان النقطتان واقعتين عند أقدام المبنى، الذي كانت فيه القيادة الإسرائيلية المتقدمة، حيث الجنرال عاموس يارون. أطلق رجال سعد حداد النار على كل من كان يظهر أمامهم، وكان قنَّاصة اللواء جولاني المتمركزون حول المخيميْن، يمشطون بمناظير بنادقهم الخاصة كتغطية لرجال حداد، الأزقة الخالية التي تتشابك تحت أقدامهم. وهكذا سُحقت عائلات بكاملها، فوجئت وهي في الخارج، تحاول الفرار، وظلت الطلقات تُسمع طوال جزء من النهار على مقربة من مستشفى غزّة، حيث كان قد لجأ عددٌ كبير من الجرحى الذين نقل بعضهم إلى مستشفى المقاصد. وانسحب عناصر (جيش لبنان الجنوبي)، بعد ظهر يوم الخميس (16/9/1982)، وانضموا لبقية وحداتهم العاملة ضمن الجيش الإسرائيلي في بيروت الغربية، حيث احتلوا (مكتب مجلة الهدف) الناطقة بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في كورنيش المزرعة، ومقرّ (المرابطون)، ومقر (الحزب التقدمي الاشتراكي)، ثمَّ سلَّموها إلى الإسرائيليين. وعندما دخلوا المخيمين (صبرا وشاتيلا)، تاه ثلاثة منهم في أزقة المخيم، فحاولوا الخروج من نقطة خاطئة، حيث لم يعرفهم الجيش الإسرائيلي، وأطلق النار عليهم، فسقطوا برصاص المظليين الإسرائيليين (نيران صديقة) الذين ظنوا أنهم فلسطينيون يحاولون الفرار. مات أحدهم، وأصيب الاثنان بإصابات خطيرة، وكانوا ممن شاركوا في المذابح، ضمن وحدة النقيب كميل صلاح، التابعة لجيش لبنان الجنوبي.
ثالثاً: وحدات القوّات اللبنانية الكتائبية: التقى (فادي أفرام)، قائد القوّات اللبنانية، بالجنرال الإسرائيلي أمير دروري في مقر قيادته في منطقة (الجمهور) في الساعة (11) من يوم الخميس (16/9)، وطلب منه دروري أن يبدأ التنفيذ بدخول وحداته إلى المخيمات. وعندما عاد إلى مقر قيادته في الكرنتينا، طلب من (فؤاد أبو ناضر)، حفيد بيار الجميل، أن يجهّز وحداته للتمركز في المطار، وأن ينتظر أوامر أمير دروري. ثمَّ استدعى (إيلي حبيقة)، وطلب منه (تطهير المخيمات)، بصفته رئيس جهاز الاستخبارات في القوات اللبنانية الكتائبية. ثمَّ اجتمع (فادي أفرام) مع فريق بشير في مقرّ المجلس الحربي، وحضروا جميعاً، وهم: (جوزيف أبو خليل، كريم بقرادوني، سامي شدياق، ج. بسمرجي، د.عرب، أنطوان نجم. هاني صفَتلي، إلفرد ماضي، نزار نجاريان، أنطوان بريدي، أسعد سْعيّد، فؤاد أبو ناضر، سمير جعجع، إيلي وازن، فؤاد روكز، إيلي حبيقة، مسعود الأشقر (بوسي). وأطلعهم (فادي أفرام) على دور القوات الكتائبية في المخيمات الفلسطينية. كانت العملية الإسرائيلية ثانوية تماماً في نظر الجميع، وكان همّهم الوحيد هو خلافة الرئيس، واقترح بعضهم، ترشيح فادي أفرام لرئاسة الجمهورية، لكن الحاضرين توصلوا في النهاية بصعوبة إلى توافق يقضي بدعم ترشيح أمين الجميل، إذا تعهد بمواصلة السير على نفس سياسة شقيقه بشير. ودعا أمين الجميل (فادي أفرام، فؤاد أبو ناضر، إيلي الزايك، إيلي حبيقه)، لتناول العشاء في منزله مساء الخميس (16/9). دخل رجال جهاز الأمن (جماعة حبيقة) إلى مخيم شاتيلا من جنوبه، ووصل جورج سكّر (جيسي) إلى مقر قيادة الجنرال يارون من أجل تأمين الاتصال. كانوا موزعين على ثلاث مجموعات: 1. مجموعة (جورج ملكو): الذي كان مقر قيادته في (حيّ السريان)، قريباً من مستشفى (أوتيل ديو). 2. مجموعة (ميشال زوين): الذي كان مقر قيادته على مرتفع يشرف على محطة سكّة الحديد القديمة. 3. مجموعة (مارون مشعلاني): الذي كان مقر قيادته في مدرسة قديمة في الكرنتينا، قريباً من مقر قيادة القوات اللبنانية. - كان معظم هؤلاء، كما يقول مينارغ، من (رعاع الحرب)، شاركوا في (حرب السنتين)، 1975-1976. وكانوا ينتمون إلى فئات اجتماعية فقيرة، وهم محترفو قتل، وكانوا يمارسون عمليات السرقة والنهب، وتجارة المخدرات. ومارسوا دور (القتلة المستأجرين)، لمن يدفع لهم أكثر، ضمَّهم (بشير) إلى القوات اللبنانية، وتولّى أمرهم حبيقة. نزل هؤلاء من الشاحنات، دون أن يعلموا أنهم المجموعة الثالثة التي تدخل المخيمات الفلسطينية، أمام المداخل الجنوبية لمخيمي صبرا وشاتيلا، قبل الساعة السادسة من مساء يوم الخميس (16/9/1982)، وكان الضباط الإسرائيليون يستطيعون مراقبتهم بمناظيرهم الليلية من فوق سطح المبنى، حيث مقر قيادة الجنرال يارون. بعد أقل من ساعة، وصل إلى المبنى، إيلي حبيقة. وتحدث مع يارون بالإنجليزية. ثمَّ غادر بعد ساعة، حيث ذهب لتناول العشاء في منزل أمين الجميل. في تلك اللحظة اغتنم (82 جريحاً) بطلقات نارية أو بشظايا قنابل، حلول الظلام، وتسللوا إلى مستشفى غزة. وهنا طلب ضابط الارتباط الكتائبي جورج سكر (جيسي) من الإسرائيليين، إطلاق قذائف الإضاءة فوق المخيمات. فقامت طائرات على التوالي، بإلقاء قنابل مضيئة بالماغنيزيوم، فوق مخيمي صبرا وشاتيلا. وتواصلت المذبحة. أشرقت شمس يوم الجمعة (17/9/1982) في بيروت الغربية على شوارع شبه خالية، بسبب منع التجوّل الذي فرضه الإسرائيليون: السيارات الوحيدة التي تتجول هي سيارات الإسعاف، والإطفاء، والمركبات العسكرية، وسيارات الصحافيين. وبالرغم من منع التجول، ظهرت في شوارع ضيقة، قرب كورنيش المزرعة، مجموعة من النساء الفلسطينيات المنكوشات الشعر، والباكيات، وهن يصرخن: (الكتائب يذبحون النساء والأطفال والشيوخ والرجال) في صبرا وشاتيلا. وكان العسكريون الإسرائيليون، يطلبون من الرجال أن يخرجوا من بيوتهم، بمكبرات الصوت، حيث جرى تجميع أكثر من ألف شخص في الكورنيش لاستجوابهم. وقبل ظهر (17/9)، عملاً بأوامر فادي أفرام، وفؤاد أبو ناضر، انتقلت القوات الموجودة في الثكنات، وعلى رأسها مجموعة ثكنة أدونيس، بقيادة أنور، وتوجهت إلى المطار بعد أن مرَّت بالشويفات. كانوا حوالي (ألف رجل). وكانت هناك أيضاً (الشرطة العسكرية الكتائبية)، بقيادة (جلبير غوسطين). هبطت طائرة رفائيل إيتان (رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي)، ومعه: موشيه ليفي، وأوري ساغي، وأمنون ليبكتر، عند الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر الجمعة (17/9/1982)، فأبلغه أمير دروري، بأن القوات اللبنانية الكتائبية، تمارس أعمال تنكيل ضدّ المدنيين في المخيمات الفلسطينية، فلم يصدر عن رئيس الأركان، أي تعليق. ثم استقبله: فادي أفرام، أنطوان بريدي (توتو)، فؤاد أبو ناضر، وودي (وليد فارس). وبعد عرض سريع للمستجدات على الأرض، قال رفائيل إيتان: (يجب أن يكون وجودكم هناك كثيفاً. أهنئكم على العمل النظيف والفعّال الذي قمتم به حتى الآن). قال فؤاد أبو ناضر: (المخيمات فارغة لا يوجد فيها أية عناصر مسلحة)، لكنَّ إيتان، تجاهل ذلك، وقال: اطلبوا من عاموس يارون كلّ الدعم اللوجستي الذي تحتاجون إليه). قال فؤاد أبو ناضر: (كان الشيخ بشير يقول دائماً إنه يريد أن يسحق مخيمي صبرا وشاتيلا، ويقيم مكانهما، حديقة حيوانات. فهل يمكننا أن نستعين بجرّافاتكم لتحقيق رغبة الشيخ بشير). قال إيتان: سنعطيكم كل ما تريدون. قال (فادي أفرام): نحن نحتاج أن نبقى في المخيمات حتى صباح الغد، لهذا سنبقى في المخيمات). أمر إيلي حبيقة رجاله بالانسحاب من المخيمين عند الساعة الخامسة، عصر الجمعة، على أن يدخل مكانها (جلبير غوسطين، وشرطته العسكرية). ودخلت الشرطة العسكرية للقوات اللبنانية في الساعة السادسة عصراً، لكن رجال حبيقة لم يخرجوا. مساء السبت (18/9/1982)، كانت كل تيلفزيونات العالم، تبثّ خبر المذبحة. 6. (لجنة كاهان) الإسرائيلية تواصل المذبحة:( ) النصُّ السرّي الغائب، هو الحقيقة!! وافقت حكومة (بيغن، شارون، شامير)، بتاريخ 28/ 9/ 1982 على إنشاء (لجنة تحقيق) في المذبحة، مكونة من: إسحق كاهان، رئيس محكمة العدل العليا، رئيساً للجنة، أهرون براك، قاضي محكمة العدل العليا، عضواً في اللجنة، يونا افرات، ميجر جنرال احتياط، عضواً في اللجنة. عقدت اللجنة (60 جلسة)، واستمعت إلى أقوال (58 شاهداً)، واستجوبت 24 شخصاً، وأنجزت (12 ألف صفحة من الوثائق والشهادات). وقد حدّد مجلس الوزراء الإسرائيلي مسبقاً، هدف اللجنة، حيث كُلّفت بما يلي: (المسألة التي ستخضع للتحقيق في جمع الحقائق، والعوامل المرتبطة بالأعمال الوحشية التي ارتكبتها وحدة من (القوات اللبنانية) ضدّ السكان المدنيين في مخيمي شاتيلا وصبرا)، هذه الأعمال ارتكبت بين يوم الخميس 16/9/1982، ويوم السبت 18/9/1982، ويعني مصطلح (القوات اللبنانية)، قوة مسلحة تعرف باسم الكتائب (Phalangists)، والتحقيق (مسبقاً)، يقتصر على الأعمال الوحشية التي ارتكبتها (وحدة واحدة) من القوات اللبنانية. وقد صدر التقرير في شباط 1983، تحت عنوان: (الأحداث في مخيمات اللاجئين):
ملاحظات: أولاً: حدَّدت الحكومة الإسرائيلية نفسها تشكيل اللجنة، بمعنى أن هذه اللجنة حكومية تمّ تعيينها من الحكومة نفسها، ولم تكن (مستقلة). ثانياً: حددت الحكومة (مسبقاً) بأن الهدف هو التحقيق في الأعمال الوحشية التي ارتكبتها (وحدة في القوات اللبنانية)، أي باستبعاد الدور الإسرائيلي في المذبحة، ودور جيش لبنان الجنوبي (سعد حدّاد)، وحتى باستبعاد باقي الوحدات في الكتائب اللبنانية، وحصر الجرائم في (وحدة) منها!!. ثالثاً: يُلاحظ أن لجنة كاهان، والحكومة الإسرائيلية قامت بتصغير (المذبحة) حين سمَّتها: (أعمال)، و(أحداث). رابعاً: شُطبتْ في عنوان التقرير، الصفة الملازمة لمخيمي صبرا، وشاتيلا، بأنهما مخيمان (فلسطينيان). خامساً: عندما ننتهي من قراءة التقرير، على الرغم من كل فضائحه، نجد أنَّ (النصَّ الغائب)، ربّما يكون هو الحقيقة، وقد تمَّ التحايل على ذلك، بكثرة (الجلسات السريَّة)، التي اشتملت على شهادات (سرّية)، و(ملاحق سريَّة)، تحت شعار (حماية أمن الدولة الإسرائيلية)، ومعنى ذلك، أننا نقرأ عملياً في التقرير (المعلومات الشائعة)، و(خلاصات الأفكار التي نشرتها الصحف الإسرائيلية)، المعروفة حتى لدى صحافة العالم كلها، أي أن (مبدأ السريَّة)، استطاع أن يقدم لنا هيكلاً عظمياً للجريمة، لا نرى منه سوى سطح الجريمة. فالتفاصيل السريَّة هي التي تمتلك حقيقة الجريمة التي ارتكبت، حيث تمَّ إخفاء هذه التفاصيل، ولم نجد لها أثراً في التقرير. سادساً: نجد أنَّ جميع القتلة الذين خططوا للمذبحة، أو شاركوا فيها مباشرة، مثل: مناحيم بيغن، أريك شارون، اسحق شامير، رفائيل إيتان، أمير دروري، عاموس يارون، موشيه ليفي، يهوشع ساغي، إيبي دوداي، ديفيد كيمحي، أبراهام شالوم، أمنون ليبكتر، اسحق حوفي، وغيرهم)، أو قاموا بالتغطية الدبلوماسية والإعلامية على حقيقة الجرائم، كلهم يكذبون، والمضحك المبكي أنهم يتغابون، وينظرون إلى العالم على أنه مجموعة من (السُّذج)، الذين يمكن أن تنطلي عليهم الأكاذيب الإسرائيلية. كلُّ هؤلاء المجرمين: (سمعوا بالمذبحة، مساء السبت، 18/9/1982، فقط)، ورغم أن التقرير نفسه يكذّبهم واحداً، واحداً، فإنَّ أكبر الأكاذيب هي التي فبركها: شارون وبيغن وإيتان ودروري وعاموس يارون، النكتة السوداء، هي أن رئيس وزراء إسرائيل (بيغن)، لم يسمع بالمذبحة سوى مساء السبت من (الإذاعة البريطانية)!!. التقرير نفسه في حدود ما سمحت به الحكومة الإسرائيلية، يفضح هؤلاء، لكن التقرير أخفى ما هو أعظم مما نشره، حرصاً على (أمن الدولة الإسرائيلية). سابعاً: بكل طرق التزوير، واللفّ والدوران، وقلب الحقائق، وتوجيه الشهود، حاول التقرير تبرئة دولة إسرائيل من (المسؤولية المباشرة) عن المذابح، وحرّف الحقائق إلى (المسؤولية غير المباشرة) لدولة الدبلوماسية والإعلامية المزوّرة التي مارستها إسرائيل في الحقيقة. فقد تمَّ حذف (مشاركة وحدة الاستطلاع التابعة للمغاوير) الإسرائيلية، في المذبحة، بشكل مباشر في يوم الأربعاء (15/9/1982)، لأنها مسألة سرّية، تتعلق بأمن الدولة. ثامناً: كان هدف التحقيق منذ البداية، تلبيس الجريمة لوحدة واحدة من وحدات القوات اللبنانية، أي (وحدة إيلي حبيقة)، ونسبتها إلى (عناصر غير منضبطة) في القوات اللبنانية كما صرَّح بيار الجميل نفسه، حين قال: (هناك عملاء لإسرائيل في القوات اللبنانية الكتائبية)، كذلك، حين فرح (فادي أفرام) بسماع الإذاعات، تشير إلى مشاركة (قوات لبنان الجنوبي)، فقام هو بنفسه، بتضخيم دور سعد حداد، لإخفاء دور القوات اللبنانية الحقيقي في المذبحة. وحين طلب (عمير دروري، قائد المنطقة الشمالية) من قيادة حزب الكتائب والقوات اللبنانية، أن تعلن أن من ارتكب المذابح، هي (عناصر غير منضبطة في القوات اللبنانية الكتائبية)، بحضور رفائيل إيتان، كان ردّ قيادة حزب الكتائب: (لا نستطيع وحدنا تحمّل نتائج المذبحة في ظلّ ترشيح أمين الجميل لرئاسة الجمهورية)، والخلاصة هي: إسرائيل تنفي مشاركتها في المذبحة، حزب الكتائب والقوات اللبنانية ينفيان مشاركتهما في المذبحة، قوات جيش لبناني الجنوبي (سعد حدّاد)، تنفي مشاركتها في المذبحة، قوات نمور حزب الوطنيين الأحرار (كميل شمعون)، تنفي مشاركتها في المذبحة، حتى (حراس الأرز)، ينفون مشاركتهم في المذبحة، وباختصار: (إسرائيل، وقوّات الجبهة اللبنانية، ينفيان مشاركتهما في المذبحة!!)، وبالتالي، فإنَّ (الأشباح!)، هي التي اغتالت (ما يقرب من أربعة آلاف فلسطينيِ) من المدنيين: النساء والأطفال والشيوخ في مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في بيروت. والحقيقة هي عكس ذلك تماماً. كل هؤلاء شاركوا في المذبحة. وكل (قيادات) هؤلاء شاركت في التخطيط والمراقبة للتنفيذ، وأبرز هؤلاء: (شارون، بيغن، شامير، رفائيل إيتان، يهوشع ساغي، أمير دروري، عاموس يارون، أبراهام شالوم، أمنون ليبكنز، بيار الجميل، كميل شمعون، أمين الجميل، فادي أفرام، فؤاد أبو ناضر، إيلي حبيقة، جورج سكّر، بيار يزبك، وليد فارس، الفرد ماضي، جوزيف أبو خليل، كريم بقرادوني، زاهي البستاني، إيلي وازن، سليم الجاهل)، وغيرهم. كلُّهم كانوا يعلمون بأمر المذبحة. وبعضهم شارك في القتل. وبعضهم شارك في التخطيط. وبعضهم شارك في مراقبة التنفيذ!!!، وليس صحيحاً أن هناك قوات نظامية في القوات اللبنانية، وقوات غير نظامية. تاسعاً: حاول التقرير أن يركّز على مسألة وهمية، وهي تلك المعلومات الكاذبة حول وجود (ألفي فدائي فلسطيني) في بيروت الغربية، ظلّوا بعد رحيل الفدائيين الفلسطينيين بأمر من ياسر عرفات، وأنَّ الهدف من احتلال بيروت الغربية، هو اعتقال هؤلاء، والبحث عن (مخازن الأسلحة)، التي تركتها منظمة التحرير قبل خروجها!!: 1. أتذكّرُ أنَّ المجلس العسكري الأعلى لقوات الثورة الفلسطينية، عندما تقرر الخروج، استدعاني، بصفتي مندوباً عن مركز الأبحاث الفلسطيني، وجرى حديث بحضور: العميد سعد صايل (أبو الوليد)، والعقيد (أبو موسى)، والعقيد (محمد جهاد)، حول مصير الفدائيين، ومصير الأسلحة، ومصير المدنيين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وقيل حول مصير الفدائيين ما يلي: سوف يخرج من بيروت (14928 فلسطينياً)، وقيل: بل: (11 ألف فدائي فلسطيني)، وذُكرت أرقام أخرى، وكان ذلك في بداية التحضير للخروج. وعندما سألت عن مصير الفدائيين، والميليشيا، الذين ينتمون للمخيمات الفلسطينية في لبنان، والذين يمتلكون وثائق لبنانية فلسطينية، قيل لي: عددٌ كبير منهم سوف يخرج، وسوف يبقى من هم قادرون على حمل السلاح من الميلشيا غير المنظمة، وطُلب منهم أن يمارسوا حياتهم المدنية، وأن ينضمّوا إلى قوات الحركة الوطنية اللبنانية في حالة حدوث مفاجآت عسكرية إسرائيلية، لكن عدد هؤلاء لم يكن معروفاً بدقَّة. ربما كانوا لا يتجاوزون الـ (100 مقاتل غير محترف، وغير منظّم)، وقد اندمجوا في الحياة المدنية، لتدبُر أمور معيشتهم اليومية بعد خروج قوات المنظمة الرئيسة، لكنَّ الإسرائيليين ضخَّموا هذا الرقم، تحت ضغط المعلومات الكاذبة التي سلَّمهم إياها حزب الكتائب عن وجود (1500 مقاتل فلسطيني محترف). أما بالنسبة لمصير الأسلحة، فقد قال العميد سعد صايل: سوف نُسلّم مخازن الأسلحة جميعها للحركة الوطنية اللبنانية، وسوف تُسلّمون أسلحتكم الفردية (كلاشنكوف) لقوات الجيش اللبناني في الميناء، عند صعودكم إلى ظهر السفينة. وهذا ما حدث بالفعل. لقد سلَّمتُ (كلاشنكوفي) للجيش اللبناني أمام السفينة (شمس المتوسط)، وهي يونانية، المنتظرة في الميناء، بتاريخ (1/9/1982). 2. من بين الأربعة آلاف شهيد في مذبحة صبرا وشاتيلا، لم يجد الصحافيون واللجان المحلية والدولية للإغاثة، بل والجيش اللبناني الذي دخل بعد حدوث المذبحة، سوى فتى واحد إلى جانبه بارودة صيد. أمّا الشهداء والشهيدات، فكلهم، (وليس معظمهم) من (الشيوخ والنساء والأطفال)، العُزّل. وقد صبَّ القتلة جام غضبهم على الأطفال على وجه التحديد، لأنَّ هؤلاء حسب الإسرائيليين، (سوف يصبحون إرهابيين مخرّبين!!). وقد طنَّشت لجنة التحقيق عن كل ذلك، ووجَّهت الشهود، باتجاه الـ (2000 إرهابي) المزعومين في بيروت الغربية!!. نعم: كانوا خمسة عشر فتاةً وفتىً فلسطينياً، حملوا السلاح، وقاتلوا حتى الشهادة، خارج منطقة المخيمين، وبالضبط عند حدودها الشرقية، قبل حدوث المذبحة، أي في بداية دخول الجيش الإسرائيلي إلى محيط صبرا وشاتيلا. عاشراً: للتغطية على (القتلة)، زعمت إسرائيل أنَّ (القوات اللبنانية) داخل صبرا وشاتيلا، (خاضت معارك طاحنة!!)، حسب ما قال لها: إيلي حبيقة، وفادي أفرام، وفؤاد أبو ناضر، وجورج سكّر، وغيرهم، والحقيقة التي تكشفت أنَّ الجيش الإسرائيلي كان يراقب (سير المعارك الطاحنة!!)، حيث لم ير ضبّاطه وجنوده، سوى (قتلة) يذبحون النساء والأطفال والشيوخ، إذْ لم يكن في المخيمين، أي فدائي فلسطيني مسلح، وبالتالي، وببساطة، تمرجل مئات القتلة المحترفين من القوات اللبنانية، وقوات المغاوير الإسرائيلية، وقوات جيش لبنان الجنوبي، والنمور، وحرّاس الأرز، فخاضوا (معارك طاحنة وهمية!) مع النساء والأطفال والشيوخ، والأطباء، والممرضات، والمعلمين الشهداء في صبرا وشاتيلا. أحد عشر: كان الهدف من المذبحة، هو الترويع والتخويف والقتل لأكبر عدد ممكن من المدنيين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، من أجل دفع ما يتبقى منهم بعد القتل إلى الفرار خارج لبنان: (ادفعوهم شرقاً)، قال الوزير الإسرائيلي، يعقوب ميريدور. وذلك لكي يكون المخيمان، نموذجاً لباقي المخيمات الفلسطينية في لبنان في إطار خطة الإبادة التدريجية، أو كما وصفها بشير الجميل قبل مصرعه بيومين أمام شارون في منزله في بكفيا: (نريد القضاء مثلكم على نصف مليون فلسطيني، وفق سياسة الخطوة، خطوة، فهدفنا نحن والإسرائيليين واحد). وهذا ما يتوافق تماماً مع الخطة الإسرائيلية التي صاغها شارون ورفائيل إيتان، أي الإبادة التدريجية للمخيمات بالقوة، وإلاّ ما معنى تجهيز الجرَّافات الإسرائيلية (17 جرّافة)، لدفن الشهداء والشهيدات، ولتدمير بيوت المخيمين، كما صرَّح إسرائيليون، والقتلة الآخرون!!. لقد تمَّ تدمير (مخيم النبطية الفلسطيني) في عام 1974، بوساطة الطائرات الإسرائيلية، حتى لم يعد له وجود، وتمَّ تدمير (مخيم تل الزعتر) الفلسطيني عام 1976، تدميراً كاملاً، ولم يعد له وجود، حيث دمّرته القوات الكتائبية – الشمعونية. وساهمت إسرائيل في تدميره، بمشاركتها السريَّة، حيث عملت (مستشارةً عسكرية) لهذه القوات، كما صرَّح شارون لاحقاً. ويتذكر الفلسطينيون، تصريح بشير الجميل: (سأجعل من مخيمي صبرا وشاتيلا، حديقةً للحيوانات، أو ملعباً للغولف!). اثنا عشر: قال (شارون) أمام لجنة التحقيق ما يلي: 1. حين سُئل عن كيفية معاملة القوات اللبنانية (للأسرى الفلسطينيين) الذين يقعون في الأسر. أجاب: (أطلب الإجابة عن هذا السؤال في التحقيق المغلق!!)، فماذا قال شارون في التحقيق السرّي. لا أحد يعرف!!. 2. كذب شارون، حين ضخَّم الوجود العسكري للفلسطينيين في بيروت الغربية، إلى (ألفي فدائي فلسطيني)، وهو من اخترع هذه الكذبة، بعد رحيل القوات الفلسطينية عن لبنان. وتجاهل شارون، منع الجيش الإسرائيلي، (المدنيين) من الخروج من المخيم. 3. قال بأن (أمين الجميل) شخصياً، خلال جنازة شقيقه، أعلن له عن (رغبته في الثأر)، وأنه لم يسمع ولو مرّةً واحدة كلمات صريحة، حول (ثأر جماعة معينة من جماعة أخرى!). 4. ضخّم الوضع المدني لمخيمي صبرا وشاتيلا: هناك (2300 منزل) في شاتيلا وحده، وعلينا أن نتذكر أن هذه الضواحي، تتكون من بيوت تقع تحتها (أنفاق)، وهناك (عدّة طوابق تحت الأرض!!!)، كما قال. والصحيح، أنَّ معظم البيوت تتكون من طابق واحد، أشبه بالسقائف، وهناك بيوت محدودة تتكون من طابقين في شاتيلا. أمّا حكاية (الأنفاق، وعدة طوابق تحت الأرض!!)، فهي من صنع مخيلة شارون، إذ توجد بعض الملاجئ المحدودة، التي تلجأ إليها بعض العائلات أثناء القصف. لقد حاول شارون أن يجعل من (صبرا وشاتيلا) ثكنتين عسكريتين!! 5. كذب شارون، حين ادّعى بأنه علم (بوقوع أحداث غير عادية!)، في الساعة الثامنة والنصف أو التاسعة، يوم الجمعة (17/9)، وقال بأنَّ رفائيل إيتان (رئيس الأركان) أبلغه أنَّ (الكتائب) اعتدت على (مدنيين، بصورة مبالغ فيها)!!. لقد كان شارون هو المخطط الفعلي للمذبحة، بل ومراقبة تنفيذ المذبحة، وشاهدها من على سطح بناية القيادة الإسرائيلية بالعين المجرّدة، وليس بوساطة المناظير العسكرية فقط، منذ الأربعاء (15/9). 6. عندما كانت لجنة التحقيق تسأله أسئلة محددة محرجة، كان يتعلل بضعف الذاكرة، أو يجيب: سأقول ذلك في التحقيق السرّي، لأن الأجوبة تتعلق بأمن الدولة الإسرائيلية. وسوف نقرأ ونسمع أنَّ كل المجرمين، كانوا يتهربون من الإجابة، تحت ذريعة (ضعف الذاكرة)!!. - أما (أمير دروري)، فحين سُئل من قبل لجنة التحقيق: هل تحادثت مع إيتان، في الساعة الثانية والربع من صباح الأربعاء، فجراً، حول المخيمات، قال: (تطرقنا فقط إلى إمكانية اشتراك القوات اللبنانية الكتائبية في عملية دخول بيروت الغربية. وبالنسبة لموضوع المخيمات فقد كان مخططاً له). وحين سئل: (ماذا نصَّت المخططات)، أجاب: أوكلنا الأمر للقوات اللبنانية الكتائبية) وبعد ذلك (قمت، والجنرال إيتان بالاجتماع مع قادة الكتائب في مقر قيادتهم، وقدّمنا لهم صورة حول ما ننوي عمله)، و(اتفقنا معهم على أن تقوم الكتائب بتنفيذ المهمة المخصصة لهم، وهي دخول المخيمات)، كما (اتفقنا على أن يتواجد ضابط اتصال منهم في قيادة قواتنا الأمامية)، تحت إمرة عاموس يارون. وأضاف أمير دروري (قائد المنطقة الشمالية) بأنه تحادث مع عاموس يارون، الموجود في الموقع المتقدم الإسرائيلي (على بعد 200م من مخيم شاتيلا)، فأخبره بأن (أفراد الكتائب يطلقون النار فوراً)، ولكن: لم تكن لدينا معلومات صحيحة. وسألنا القوات الإسرائيلية القريبة جداً من المخيمات، فقالوا: (كل شيء على ما يُرام). وتابع الجنرال دروري قائلاً: في الساعة الرابعة والنصف من يوم الجمعة، وصلت مع إيتان إلى موقع قيادة الكتائب. وجدنا جميع ضباطهم، بمن فيهم الضابط المسؤول عن (القوات اللبنانية) التي دخلت المخيمات. وأعلمنا هذا الضابط (إيلي حبيقه)، بأنهم (خاضوا معركة صعبة!!)، ولم يشر إلى حدوث مجزرة. وقد كانت المنطقة (تشهد معارك طاحنة!!). عندما سألك الضابط الكتائبي أنهم يريدون (بلدوزرات)، سأله المحقق، هل تحدث الكتائب عن هدم بيوت. أجاب دروري: (أطلب الإجابة في الجلسة السرّية)!! - أمّا الضابط (آبي غروبسكي)، فقد قال أمام لجنة كاهان بأنه (شاهد أعمال القتل التي نفّذها قوات الكتائب اللبنانية، وأنه رفع تقريراً إلى قائده): 1. رأيتهم في إحدى الحالات، وهم يُخرجون اثنين من شباب المخيم، وقد انهالوا عليهما باللكمات، ثمّ أعادوهما إلى المخيم، وسمعنا بعد عدة دقائق، أصوات عيارات نارية. ثم خرج اثنان من رجال الكتائب. 2. صعدت على ظهر إحدى الدبابات، وشاهدت رجال الكتائب، وهم يأخذون خمسة من سكان المخيم من بينهم نساء وأطفال، وأطلقوا عليهم النار، وكان ذلك على بعد (500 متر) فقط. توجهت إلى طاقم الدبابة، وأخبروني أنهم شاهدوا أعمال قتل، فطلبت جهاز الإرسال، كي أبلغ عمّا حدث، لكنهم قالوا لي إنه سبق لهم أن أبلغوا قائد الكتيبة، فقال لهم: (نعلم، لكنَّ الأوامر تقضي بعدم التدخل!). 3. شاهدت الكتائب، يَجرُّون رجلاً، حاول المقاومة، فأطلقوا عليه النار. 4. خلال الحديث مع رجال الكتائب، مرَّ رجل آخر منهم يقود (جرَّافة)، باتجاه المخيم، وقال إنه ذاهب لدفن الجثث. - وقال رئيس وزراء إسرائيل، (بيغن) أمام لجنة التحقيق، بأنه (علم بدخول قوات حزب الكتائب إلى المخيمات، بعد ظهر السبت فقط. لم يتوقع أحد أبداً، حدوث مذابح لدى دخول القوات اللبنانية الكتائبية إلى المخيمات، ذلك أنهم دخلوا فقط (للقضاء على أفراد المنظمات). وحين سئل بيغن من قبل لجنة التحقيق: متى علمت للمرة الأولى بالأحداث في المخيمات، قال بيغن: (سمعت ذلك مساء السبت (18/9) من محطة الإذاعة البريطانية)!!. طبعاً، كان يكذب. وأضاف: (ذهبت إلى الكنيس ما بين الثامنة والربع، والثامنة والنصف، وقبل ذلك لم أُجر أية اتصالات، ورجعت من الكنيس الساعة الواحدة والربع، أو الواحدة والنصف، وعندها سمعت عن (مستشفى غزة)، وظننت أنهم يتحدثون عن مستشفى في قطاع غزة!!!، لا في بيروت. كنا نعلم بوجود (ألفي فدائي فلسطيني)، فكان يجب القضاء عليهم، فأوكلنا ذلك إلى القوات اللبنانية الكتائبية. وحين سئل من قبل لجنة التحقيق: ماذا قال رئيس الأركان لك بالتحديد، هل أعلمك بحدوث جرائم!!. أجاب بيغن: قال: (هناك مدنيون أصيبوا في حوادث)!!. - أمّا الضابط (عاموس يارون)، فقد سُئل: متى علمت لأول مرة عن دخول الكتائب ومهمتهم. قال: (تردد ذلك خلال أحاديث متفرقة يوم الأربعاء (15/9)، وصباح الأربعاء، قمت بعرض خطة احتلال بيروت الغربية على رئيس الأركان، فصادق عليها، وتم الاتفاق على أن أنتظر التنسيق مع القوات اللبنانية. وحين سئل: متى سمعت للمرة الأولى عن دخول القوات اللبنانية إلى المخيمات، أجاب: بين الساعة التاسعة والعاشرة من صباح الخميس (16/9). وعندما حضرت قوات الكتائب، تمَّ الاتفاق معهم على إدخال سرية مكونة من (100-150) رجلاً. وقد أمرت بوضع نقاط مراقبة قريبة جداً من المخيمين، فوق سطح مبنى القيادة، وبعض المباني الأخرى: (كان بإمكاننا أن نسمع) ما يجري في المخيمات. أما الأسلحة التي حملوها، فهي: البنادق، مخازن الذخيرة، والقنابل. وقد ساعدناهم بإلقاء (القنابل المضيئة) بوساطة طائرات سلاح الجو الإسرائيلي. وحين سألته لجنة التحقيق: لكنك تلقيت معلومات عن تعرّضهم للأسرى والسكان المدنيين، أجاب عاموس يارون: (نعم تلقيت بعض التقارير، كان أحدها عن رجل من الكتائب اتصل بقائده من داخل المخيم، (كان معه نساء ورجال وأطفال اعتقلهم) فأجابه جورج سكّر، ضابط الاتصال: (افعل ما يأمرك به الله). وبعد ذلك تلقيت تقارير عن قتلى (120، 300، 450) من (المسلحين!!)، و(المدنيين). طبعاً لجنة التحقيق تكذب، وعاموس يارون يكذب، حين خلطت لجنة التحقيق (الأسرى بالمدنيين)، وحين استعمل يارون مصطلح (المسلحين، والمدنيين). وهذا شكل من أشكال التوجيه القسري الذي استخدمته اللجنة مع المتهمين، والشهود، للإيحاء بوجود (أسطورة الألفي فدائي فلسطيني) الموجودين في المخيمات!!: لم يكن هناك في صبرا وشاتيلا، فدائيون، ولم يعتقل في شاتيلا (أسرى محاربون). لم يكن في المخيمين، غير النساء والشيوخ والأطفال، والرجال المدنيين!!. - وأكد (عاموس يارون)، أنه سمح للقوات اللبنانية بإدخال ذخائر، كما مكنهم من استبدال بعض أفراد القوة، وإدخال بعض الأفراد بدلاً من أولئك الذين (أصيبوا بجراح!!). وهنا نلاحظ أنَّ يارون، يستمر في الكذب، فلم تتم (عملية تبديل)، وإنما حدثت (عملية تعزيز). وهناك إيحاء من خلال جملة (أصيبوا بجراح!)، بأن هناك (معارك طاحنة!)، والصحيح هو أن التبديل والتعزيز، تمَّ بسبب الإرهاق والتعب لدى القتلة من كثرة ما قتلوا، فأرادوا الراحة. وكان (فؤاد أبو ناضر)، جاهزاً للدخول بوحداته. وعندما ذهبت إلى مقر القوات اللبنانية، مع رئيس الأركان، سألنا قيادتهم: إذا ما كانوا قد نفّذوا (عمليات غير عادية!)، فأجابوا: (كل شيء يسير على ما يُرام!). وقالوا بأنهم يحتاجون إلى (جرَّافات) من أجل (هدم المباني غير القانونية)! في المخيمات. سألته لجنة التحقيق: هل أصدر رئيس الأركان أمراً بوقف العمليات، أجاب العميد عاموس يارون: (أصدر أوامره ببقائهم في المخيمات حتى صباح اليوم التالي (السبت)، وقال لي: (لا توجد أية مشاكل). وقال يارون إنه شاهد القوات اللبنانية، يقتادون الأطباء والممرضات الأجانب من مستشفى غزة، وحين سألتهم عن ذلك، قالوا: (إنهم إرهابيون من جماعة بادر – ماينهوف الألمانية)، وعندما علم أنهم أطباء أجانب، أطلق سراحهم. - وقال (مردخاي تيسبوري)، وزير المواصلات الإسرائيلي، بأن (زئيف شيف) المعلق العسكري لجريدة (هآرتس)، حضر إلى مكتبه في الساعة الحادية عشرة قبل ظهر يوم الجمعة (17/9)، وقال له: لدي معلومات تفيد أن الكتائب ينفذون المذابح في المخيمات، وأنه، أي تسيبوري اتصل بعد ربع ساعة بشامير، وزير الخارجية آنذاك، وأبلغه حرفياً عن (مذابح). - أمّا (شامير)، فقد أنكر بشدّة أن يكون (تيسبوري) قد أبلغه عن وجود (مذابح)، وأنَّ تسيبوري أبلغه عن (فوضى كتائبية!)، وأنه لم يسمع كلمة (مذبحة)، أو (مجزرة) إطلاقاً. ثلاثة عشر: حاولت (لجنة كاهان) بكل الوسائل، (تبرئة!!) جيش لبنان الجنوبي (جماعة سعد حداد)، بالاعتماد على شهادة سعد حدّاد نفسه، الذي ادّعى أن زيارته يوم المجزرة لبيروت، كانت فقط (لتعزية آل – الجميل)!. وطبعاً كانت قواته في ذلك اليوم تمارس الذبح في مخيمي صبرا وشاتيلا (بدون علمه!!): فقط، (قد يكونون عشرين شاركوا مع آخرين في المذبحة!!)، حسب كلامه. طبعاً دافعت (لجنة التحقيق) عن جماعة سعد حداد الذين شاركوا في المجزرة، لأنَّ (بيغن) أمرهم بذلك، فجيش لبنان الجنوبي، كان تابعاً تبعية كاملة للجيش الإسرائيلي، وبالتالي، فإن أي اتهام له، كان يعني اتهام إسرائيل مباشرة. أمّا شهادات الناجين من المذبحة، فقد أكّدت بشدّة أنهم شاهدوا وسمعوا داخل المخيمين جنود سعد حداد، وشهد على ذلك وجود القتيل، والجريحين من قواته في قلب المخيم، اللذين قتلتهما القوات الإسرائيلية، وليس (الألفي فدائي فلسطيني) الوهميين، وفي كل الأحوال اعترفت إسرائيل، بصحة هذه الحادثة. رابع عشر: طبعاً في السنوات اللاحقة للمذبحة، اعترف كتائبيون، وشمعونيون، وحرّاس أرز، وجماعة سعد حدّاد، أمام التلفزيونات أنهم شاركوا في الجريمة. وحدهم (الإسرائيليون)، ما زالوا يغلقون أرشيفهم الحديدي على (الشهادات السريَّة)، التي أدلى بها وزراؤهم، وضبّاطهم، أمام (لجنة التحقيق) المفبركة. وقد نشروا ملخص التقرير عن المذبحة، وبتقديري أنَّ (الحقيقة)، تكمن في الأرشيف السري الحديدي، حيث توجد كل النصوص الغائبة عن التقرير. وبهذا أراحوا (المجتمع الإسرائيلي)، (المعذّب)، بخلاصتهم الكاذبة: (لسنا نحن من ارتكب المذبحة!). ولم يعلّق أحد منهم على التقرير الكاذب للجنة كاهان: (أغيارٌ قتلوا أغياراً، ويُتهم اليهود).
7. شهادة رفائيل إيتان (رئيس هيئة الأركان):( ) ضميري مرتاحٌ تماماً... بعد المذبحة!! (دخلنا معركة حصار بيروت عام 1982 من أجلنا نحن الإسرائيليين، ولم ندخلها من أجل عيون المسيحيين في لبنان. كما أننا لم نقم بأية عملية، ولم نَخُصْ أية معركة، كانت نتائجها لصالحهم، أو من أجلهم). هذا ما قاله رفائيل إيتان، رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، عام 1986، وله مقولة شهيرة، سبق أن صرّح بها، تنضح بالعنصرية والغطرسة: (العرب، صراصير في زجاجة): انتمى لعصابة (البلماخ) الصهيونية، عام 1946، وكان ما زال شاباً. ساهم في تدمير قرية (قيسارية) الفلسطينية. وساهم في احتلال (حي القطمون) في القدس، وساهم في احتلال قرية (بيت نتّيف)، قرب الخليل، وشارك في احتلال (بئر السبع)، و(طبريا). وحصل على رتبة رائد، عام 1956. وقام بعمليات انتقامية في (غرندل، وحوسان، وقلقيلية). وشارك في العدوان الثلاثي ضدّ مصر عام 1956. وهو يتفاخر: (عام 1964، تسلمت لواء المظليين. قمت بعمليات انتقامية ضدّ (المخرّبين)، أي الفدائيين الفلسطينيين، من ضمنها، الهجوم على مطحنة القمح في جنين، ومركز الشرطة فيها، ونسفت أحد عشر بئراً في ضواحي قلقيلية. وكانت منطقة جنوب الخليل، أكثر المناطق التي تثير القلق، حيث كانت تلك المنطقة، تستخدم مسرحاً لنشاطات الفدائيين الذين أزعجوا إسرائيل. كُلّفنا بمهمة مهاجمة قرية (رفات، جنوب جبل الخليل)، دمّرنا عشرة منازل فيها. أُمرنا بتنفيذ عملية انتقامية ضد قرية السموع، قرب الخليل، حيث دمّرنا بيوتها. قتلت راهباً مسيحياً فلسطينياً، قرب أريحا، لأنه كان يتعاون مع الفدائيين). وشارك إيتان في الغارة على مطار بيروت الدولي عام 1969، حيث دمّرت (17 طائرة مدنية لشركة الشرق الأوسط)، وتدمير المفاعل النووي العراقي. وفي عام 1981، التقى إيتان مع (بشير الجميل، وداني شمعون) لأول مرَّة في (جونْيه) شمال بيروت، وهو يقول (بعد اليوم الأول من حرب 1982، استدعيت بشير الجميل ليلاً، وتحدثت له عن أهداف الحرب. في تلك المحادثة، كشفتُ له أننا ننوي الوصول إلى طريق بيروت – دمشق، حيث سيتم اللقاء بكم). يسرد رفائيل إيتان قصة مذابح مخيمي صبرا وشاتيلا، طبعاً بعد أربع سنوات من المذبحة، وكان أمام لجنة التحقيق (لجنة كاهان)، قبل ذلك، قد أدلى بشهادة سريَّة عن المذبحة، ظلّت سريّة في الخزائن الحديدية المغلقة حتى الآن، لكنه في عام 1986، نشر مذكراته، وجاء فيها ما يلي: أولاً: يقول: في (17/9/1982) في الساعة السابعة مساءً، عقدت الحكومة، جلسة للاستماع إلى تقرير حول قرار الدخول إلى بيروت الغربية. وفي تلك الجلسة، تحدثت عن السكاكين الطويلة بأيدي رجال حزب الكتائب اللبنانية، ونوايا القتل، التي أشاهدها في عيونهم. لقد فُسّرت أقوالي آنذاك، بأنها تحذير من المذبحة التي كان (المسيحيون!!) يعتزمون القيام بها، ضدّ (المخرّبين!!) في مخيمي صبرا وشاتيلا، لكنه كان تفسيراً خاطئاً!!). - (المخرّبون) في العالم، هو مصطلح إسرائيلي مئة بالمئة كان وما يزال، يُطلق على (المقاومة الفلسطينية)، كما أنَّ مصطلح (الإرهابيين) في العالم، كان يعني إسرائيلياً، الفدائيين والمقاومين الفلسطينيين. هنا يتجاهل إيتان أنه (روسي الأصل)، وأنَّه مارس الإرهاب، باسم (دولة الإرهاب الإسرائيلية)، بل الأكثر إرهاباً في العالم الحديث كله. وينطلق الإسرائيليون في هذه المصطلحات من محاولة (شيطنة الآخر) الفلسطيني، وتجاهل أصل الداء، أي صفة (الدولة المحتلة). كما أنَّ إيتان، وغيره، يحذفون صفة (فلسطيني) عن الفلسطيني، ويحذفون صفة (الفلسطينية) عن مخيمي صبرا وشاتيلا، وأكثر ما يزعجهم صفة (الفدائي الفلسطيني)، المناضل حتى الاستشهاد من أجل استرداد وطنه، ونلاحظ أن إسرائيل، قد أطلقت على أبناء الشعب الفلسطيني في منطقة – 1948 – مصطلح: (عرب إسرائيل!!)، لكي تتهرب من الاسم الحقيقي لهؤلاء البشر الفلسطينيين. ويزعم إيتان، بعد أن يدسّ كلمة (المخربين) في صبرا وشاتيلا، حيث لم يكن بالفعل هناك فدائيون فلسطينيون، يزعم أنه لم يكن يقصد الفدائيين الفلسطينيين، وإنما يقصد (مذابح للمدنيين الفلسطينيين)، وأنَّ مجلس الوزراء الإسرائيلي، فهمه خطأ. والصحيح، أنه لم ينبس ببنت شفة في ذلك الاجتماع حول هذا المعنى، بل ساهم في التضليل مع شارون، بأنه الهدف، هو قتل واعتقال (ألفي شبح فدائي فلسطيني) في مخيمي صبرا وشاتيلا، فهو يعود إلى الكذب من جديد. ثانياً: عندما قال ياسر عرفات، بعد الخروج من بيروت، بأنَّ الجيش الإسرائيلي حاول خلال حصار بيروت الغربية، اقتحامها (17 مرّة)، وفشل في ذلك، فقد كان صادقاً تماماً، لأسباب موضوعية، أهمها الخبرة القتالية العالية للقوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة في مجال حرب الشوارع في المدن. يقول إيتان: (القتال في المناطق المبنية، يتطلب تقديم أعداد كبيرة من الضحايا، تزيد كثيراً عن القتال في مناطق أخرى)، لكنه بعد رحيل المنظمة يقول: (كانت خُطَّتنا تشمل تطهير مخيمات: برج البراجنة، صبرا وشاتيلا، والفاكهاني). ثالثاً: يقول إيتان بأنه في يوم الجمعة (17/9/1982)، تلقى مكالمة هاتفية من أمير دروري (قائد المنطقة الشمالية)، أبلغه فيها أنه (أوقف عمل الكتائبيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، لأنه يبدو أنهم (بالغوا). وحسب إيتان، فإنه سأل دروري: ماذا يعني بكلمة (بالغوا)، فأوضح دروري: (إنهم يطهّرون المنازل، بدون إخلائها من سكانها، كما يطلقون النار على الأشخاص، هنا، وهناك). بعد ذلك التقى إيتان مع دروري في قيادة القوات اللبنانية الكتائبية، وكانت الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر الجمعة، وكان جميع قادتهم بانتظاري. قالوا لي: (كلُّ شيء على ما يُرام. انتهينا من احتلال صبرا وشاتيلا). يضيف إيتان: طلبوا منّا (جرَّافات)، لهدم الخنادق والأنفاق في المخيمات. سألتهم: كيف كانت المعارك في المخيمين. قالوا: كلُّ شيء كان مئة بالمئة). أعطيت الكتائب (جرَّافة واحدة)، حتى لا نُتَّهم بأننا ندمّر المخيمات). - نلاحظ في أقوال إيتان أنه فهم جملة (لقد بالغوا)، بأنها لا تعني مذبحة، رغم أن دروري شرح له قائلاً: (يطهّرون المنازل، بدون إخلائها من سكّانها). ماذا يعني ذلك، يعني ذلك أنهم يدمرون المنازل على رؤوس ساكنيها، وليس هناك معنى آخر. أما كلمة (يطهّرون)، فهي أيضاً مصطلح إسرائيلي بامتياز، لا يعني سوى (الإبادة). وعندما يقول له الكتائبيون: (انتهينا من احتلال صبرا وشاتيلا)، فأين إذاً، هم (الألفي فدائي فلسطيني)، الذين تركهم عرفات في مخيمي صبرا وشاتيلا. صمت إيتان، ولم يسأل، لأنه يعرف. لم يسألهم إيتان عن (المعارك الطاحنة) الوهمية في المخيمين. لقد اكتفى بالإجابة: (كل شيء مئة بالمئة)، ومعنى هذا أنَّ ألفي فدائي فلسطيني، تمَّت إبادتهم!!. لم يسألهم كما نلاحظ عن المدنيين، لأنه كان يعرف. واكتفى بإجابتهم عن هدف طلب الجرافات، بكذبة (تدمير الأنفاق) الوهمية!!. رابعاً: زعم إيتان أنه (فوجئ!!)، يوم السبت بـِ (الأخبار التي تتوارد حول وقوع أحداث شاذةٍ في مخيمي صبرا وشاتيلا!!). وطلب منه (شارون)، أن يعقد مؤتمراً صحافياً (ينكر فيه علاقة إسرائيل بالأحداث التي وقعت في مخيمات اللاجئين)، فقد (بدأت إشاعات!!، تقول بأن الجيش الإسرائيلي، شريك في الجريمة إلى جانب القوات اللبنانية الكتائبية)، كما يقول. عقد مؤتمراً صحافياً يوم الأحد (19/9) قال فيه: (دخل الكتائبيون من جهة الشرق، وأن جنود الجيش الإسرائيلي، لم يستطيعوا مشاهدتهم!!). وظهر السبت (18/9)، ذهب (قائد لواء إسرائيلي) إلى داخل المخيمين، ومعه جندي لاسلكي، وقال: هناك (فوضى) في المخيمات، وعندما سأل القوات اللبنانية الكتائبية، عمّا يجري، أجابه (حسب إيتان) جنود القوات اللبنانية، (إننا نُنهي تطهير المخيمات). لذا، يضيف إيتان: (لا صحَّة للشائعات بشأن أعمال شاذّة!). كان هدفي (يقول إيتان)، (تنقية) سمعة الجيش الإسرائيلي من كل تهمة!!، حتى أن أحد الصحافيين كما يقول إيتان، قال له: (حتى رئيس الأركان لا يعلم)!. - عجيبٌ فعلاً، كما قال الصحافي: (حتى رئيس الأركان لا يعلم)!. طبعاً هو أمرٌ لا يصدقه عقل، لأنَّ وزيره شارون، أمره أن (يكذب ما استطاع إلى ذلك سبيلا) من أجل (تنقية سمعة الجيش الإسرائيلي)!. ومرّة أخرى، يلجأ إيتان إلى مصطلحات إسرائيلية مثل: (أحداث شاذَّة)، (شائعات!)، (فوضى)، و(تطهير)، لتبرير ما طلبه منه مُعلّمُه شارون. هكذا اعترف إيتان بأنه كذب في المؤتمر الصحافي. خامساً: يقول إيتان: بعد المؤتمر الصحافي، ذهبت إلى (قيادة حزب الكتائب)، والتقيت بقادتهم في مقرّهم. كانت لهجتي معهم شديدة. قلت لهم: (لقد حدث شيء ما في المخيمات. رجالكم ارتكبوا هناك أعمالاً شاذة. على الأقل، يجب أن تكونوا رجالاً، وتعلنوا جهاراً بأنكم أنتم الذين فعلتم هذا). وحسب رفائيل إيتان، قال قادة حزب الكتائب: (حسناً، حسناً، سنعلن مسؤوليتنا عن ذلك)، يضيف إيتان: لكنهم لم يعلنوا عن شيء. لم تكن لديهم الجرأة على فعل هذا). - نلاحظ أنَّ إيتان ما زال يتحدث عن (أحداث شاذّة) يوم الأحد (19/9)، أي في الوقت الذي كانت فيه تلفزيونات العالم، تتحدث عن (مذبحة كبرى في صبرا وشاتيلا). ونلاحظ أن (إسرائيل)، بدأت تحاول إنقاذ سمعتها الرديئة في العالم، بمحاولة التنصُّل من الشراكة مع القوات اللبنانية، وجيش لبنان الجنوبي في المذبحة، بلصقها في القوات اللبنانية الكتائبية وحدها، مع الصمت عن دور جيش لبنان الجنوبي، لأنه جزء من الجيش الإسرائيلي. أمّا قادة حزب الكتائب، فهم (لم يكونوا رجالاً)، بالفعل، حسب تعبير إيتان، ليس لأنهم خافوا من إعلان مسؤوليتهم، فحسب، بل لأنهم (تمرجلوا) على الأطفال، والنساء والشيوخ، والرجال المدنيين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، الذين رحل حُماتهم (أبطال بيروت الحقيقيون). هنا تذكرت نساءً متشحاتٍ بالسواد من مخيمي صبرا وشاتيلا، جلسن على أرصفة شارع عفيف الطيبي، قرب الجامعة العربية، قبل يوم واحد من بداية الخروج (21/8/1982)، وسمعتهن ينشدن أناشيد حزينة عن (رحيل الفدائيين)، وندبت امرأة فلسطينية، وقالت: (لمن تتركوننا..تتركوننا للذئب والغول!). وما تزال هذه الجملة الحزينة، ترنُّ في أعماق قلبي: (تتركوننا لوحوشٍ لا يرحمون). ولم أعرف بطبيعة الحال، إنْ كُنَّ على قيد الحياة، أم أكلتهُنَّ الوحوش في صبرا وشاتيلا، ودُفنَّ في مكان مجهول. إنّها (مذبحة قتل الشهود)، فمعظمهُنَّ من منطقة قرى وبلدات ومدن شمال فلسطين. سادساً: يقول إيتان حرفياً: (كنت أعلم بوقوع مذبحة في صبرا وشاتيلا. وكنت أعلم بأن القوات اللبنانية الكتائبية، هم من قام بها. وكنت واثقاً – أمام لجنة كاهان، بأن الجيش الإسرائيلي بريء من كل تهمة). ثمَّ يعود لتبرئة نفسه: لقد طلب مني شارون أن أذكر بالضبط ما قلته له مساء يوم الجمعة (17/9). لقد طلب مني أن أقول أمام لجنة كاهان بأنني أبلغته مساء يوم الجمعة، بأنهم: (يقتلون أناساً كثيرين، وأنَّ هناك مذبحة تُنفّذ في المخيمات)!!، لكنني لم أستطع تلبية مطلبه هذا، لقد قلت أمام اللجنة، بأنني أبلغت شارون بأن الكتائب (يبالغون)، تماماً كما أبلغني أمير دروري. وهكذا أثبت إيتان أنَّ رئيسه وزير الدفاع (يكذب)، لكي يُبرّأ نفسه، من تهمة العلم بالمذابح، مع أنه كان يعلم بالمذبحة وتفاصيلها تمام العلم. يقول إيتان: (لقد اتهموني، لكنَّ ضميري سيظل مرتاحاً تماماً)!!. لقد كان إيتان يكذب، لأنه كان على علم بدخول وحدة المغاوير الإسرائيلية، وقتلها (63 مثقفاً فلسطينياً)!! في المخيمين، وهو مُخطط المذبحة مع أمير دروري، وشارون، وعاموس يارون!!. يقول إيتان: (لقد كانت الحكومة الإسرائيلية بكامل أعضائها، مسؤولة عن كل خطوة، قام بها الجيش في حرب لبنان). وحول الإجماع الإسرائيلي، بأن (لجنة كاهان)، كان هدفها تجميل صورة إسرائيل بعد المذبحة، نفى إيتان ذلك وقال بأنَّ اللجنة، (خفّفت الصورة السيئة لإسرائيل في العالم). وقال بأنَّه معجبٌ (بديمقراطية الجيش الإسرائيلي)، قبل المذبحة، وأثناءها وبعد المذبحة!!، لكنَّ الخزائن الحديدية للأرشيف السرّي لمذبحة صبرا وشاتيلا، إذا ما فُتحت يوماً ما، قد تقول عكس كلّ ما قاله إيتان في مذكراته. 8. وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس:( ) كان الجرحى يصيحون: (إسرائيل، الكتائب، سعد حدَّاد!!) قرأت كتاب العماد أول مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري في زمن المذبحة، ووجدته، كتاباً منهجياً، غنياً بالمعلومات والتحليل، وقد صدرت طبعته الأولى عام 1984، وطبعته الثانية عام 2002. وهو كتاب يميل إلى التركيز. الإشكالية التي وجدتني أمامها، هي أنَّ المؤلف، وزير دفاع سوريا، الدولة الأقرب إلى الملفّ اللبناني، والفلسطيني في لبنان، حيث أعرف كما يعرف الكثيرون أنَّ الأجهزة الأمنية السورية، تعرف تمام المعرفة (إيلي حبيقة مثلاً)، وغيره من قادة القوات اللبنانية الكتائبية، وبما أنَّ إيلي حبيقة قد احتوته أجهزة الدولة السورية، فقد توقَّعتُ أن يُدلي العماد أول مصطفى طلاس، بمعلومات خاصة عن (مذبحة صبرا وشاتيلا)، خصوصاً أن كتاب طلاس يشير بوضوح إلى (دور إيلي حبيقة في المذبحة)، لكنني لم أجد هذه (المعلومات الخاصة) المفترض أن وزير دفاع سوريا ربَّما يعرفها!!، حتى لو كان هناك (أشخاص سوريون آخرون)، هم المسؤولون عن الملف اللبناني بشكل مباشر في ذلك الوقت، أي زمن المذبحة!!. - يقول (مصطفى طلاس)، بأنه في الساعات الممتدة من صباح الأربعاء (15/9/1982)، تدارس فيه إيتان، ودروري مع قادة الكتائب: فادي أفرام، وإيلي حبيقة، مسألة (عملية المخيمات)، وحتى ما بعد ظهر يوم السادس عشر من أيلول، كان القتلة يعدون قواتهم، ويجهزون أنفسهم للدخول إلى المخيمات. ونقلت مجلة (دير شبيغل الألمانية (14/2/1983))، حديثاً لأحد هؤلاء القتلة (قالت المجلة إن اسمه معروف لدى مكتب التحرير)، جاء فيه: (حدث التجمُّع يوم 15/9/1982 في (وادي شحرور)، حيث حضرت عناصر من (حزب الكتائب، وحزب الأحرار) من بيروت الشرقية، ومن عكّار، ومن جنوب لبنان. كما حضر إلى هذا التجمع (12 إسرائيلياً)، بزيّهم العسكري، ولكن بدون رتب، ويتكلمون العربية بطلاقة. ثمَّ تكرّر هذا التجمع يوم (16/9/1982) في نفس المكان). وقال بأنَّهم: نُقلوا في سيّارات عسكرية إسرائيلية إلى مطار بيروت، حيث انضمَّ إليهم، عددٌ من الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يلبسون الزيّ العسكري الكتائبي، وقد أبلغهم الضابط الكتائبي المسؤول بأنَّ (هؤلاء الأصدقاء الإسرائيليين، المرافقين لكم، هم متطوعون لم يخبروا مسؤوليهم بأنهم سيشاركون، لكنهم سوف يسهّلون عليكم مهمتكم). وفي فجر ذلك اليوم السادس عشر من أيلول..كان هدير الطائرات الإسرائيلية المحلقة على ارتفاع منخفض فوق المخيمين، يثير الرعب في نفوس السكان. وفي الساعة الثامنة من صباح يوم (16/9)، كان رفائيل إيتان، رئيس أركان الجيش الصهيوني، يتصل بشارون وزير الحرب، والجنرال أمير دروري، قائد المنطقة الشمالية، حيث طلب إليه أن يتحقق بنفسه من أن الكتائبيين، جاهزون. وبعد ذلك قام إيتان، بعقد اجتماع في مقر القيادة العامة الإسرائيلية اشترك فيه: رئيس الاستخبارات العسكرية، ورئيس (شين بيت): قسم الأمن الداخلي، وأحد كبار موظفي (الموساد)، حيث شرح لهم (عملية المخيمات). وكانت جريدة (هيرالد تربيون، 21/9/1982)، قد ذكرت أن الاتفاق بين الطرفين (الإسرائيلي، والكتائبي)، على القيام بالمذبحة، قد تمَّ بتاريخ (3/9/1982)، أي قبل اغتيال بشير الجميل. ويقول (طلاس) أيضاً، بأنَّ (كل الدلائل تشير إلى معرفة الكتائبيين، بهوية المجرم الحقيقي، الذي اغتال بشير الجميل، إلاّ أنهم لم يستطيعوا الإشارة إليه، نظراً لشبكة العلاقة التي تربطهم بالإسرائيليين والأمريكيين. لذا، فقد آثروا اصطناع مسرحية (حبيب الشرتوني)، ومن ثمَّ تناسوها. وحسب (التايمز)، فإنَّ موريس درايبر كان يعرف بقرار احتلال بيروت الغربية). - تحرك القتلة من المطار، اجتازوا (حيّ الإوزاعي)، وساروا بمحاذاة ثكنة هنري شهاب...وشاهدهم الناس في منطقة (بئر حسن)، وأقام الكتائبيون لهم مقرّ قيادة في مقر الأمم المتحدة، قرب مفرق السفارة الكويتية، وإلى الجنوب من المبنى الذي جعله الإسرائيليون مقراً لقيادتهم، والذي لا يبعد سوى (200 متر) عن (مسرح المذبحة)، ويتألف من سبع طوابق، يستطيع من يقف على سطحه، مشاهدة المخيمين بشكل كامل. كان على رأس قوات الكتائب المشاركة: إيلي حبيقة، وميشيل زوين، وديب أنستاس، ومارون مشعلاني، وميشيل عيد، وجوزيف إدّة، و(جيسي) ضابط الارتباط مع الإسرائيليين، الذي عرف عنه قوله: (ليس هناك حلّ، إلاّ بقتل سكان المخيمات الفلسطينيين). وقد وصفت (مجلة تايم، 14/10/1982)، إيلي حبيقة، بأنه شارك في مذبحة تل الزعتر، وهو المسؤول عن حراسة بشير الجميل). أما الإسرائيليون فيقولون عنه: (له علاقة بالمخابرات الأميركية: C.I.A، وبجهاز الموساد الإسرائيلي، وأنه تلقى عدة دورات تدريبية في إسرائيل). - يضيف (طلاس)، بأنه بين الساعة الخامسة، والسادسة من مساء الخميس، 16/9/1982، (ابتدأت المجزرة)، وأنَّ الكتائبي الذي تحدث إلى مجلة دير شبيغل (14/2/1983) قال: قادنا شخص مُقنَّع إلى منزل قرب السفارة الكويتية...حيث اقتحمنا بابا وكسرناه. كان هناك رجل مُسنّ وزوجته وطفلاه... حاول أحدهما المقاومة، فطعناه في قلبه، وحملنا الآخرين في الشاحنات. وفي المنازل المجاورة، كان رفاقنا يقتلون الناس: شيوخاً، ونساءً وأطفالاً بالسكاكين وبالبلطات، حتى امتلأت الشوارع بالجثث...وفي الساعة الرابعة صباحاً، رجعنا في سيارة نقل إلى منطقة (الحَدَثْ)، حيث بقينا بعض الوقت. ثمَّ عدنا في صبيحة اليوم التالي)، وأضاف القاتل: (كان رفاقنا يقتلون ويطعنون كل ما تبقى من سكان المخيم...ويطلبون إحضار المزيد من الفلسطينيين ليتم قتلهم). كانت أول أعمال المجازر قد بدأت بالفعل في (حي عرسال)، جنوب مخيم شاتيلا مع حلول الظلام، وفي المنطقة المواجهة لقيادة القوات الإسرائيلية، حيث يمكن رؤية ما يحدث بالعين المجرّدة. أما جنود المظلات الإسرائيليون، ودبابات (مركفا)، فقد كانت موجودة على مداخل المخيمات. كما أنَّ الكتيبة (501) من الجيش اللبناني الرسمي، فقد كانت ترابط على مفرق السفارة الكويتية. ومع حلول الظلام، كانت طلائع الجرحى والناجين، تصل إلى مستشفى عكا، ومستشفى غزة، وكانوا يصيحون: (إسرائيل، الكتائب، سعد حدّاد)!!. أحد الكتائبيين قال عند الحاجز الإسرائيلي: (لقد قتلنا 250 إرهابياً)! حتى الآن. علّق جنديٌّ إسرائيلي: الكتائب يبالغون، كيف تمكنوا من ذلك دون أن نسمع صوت المعارك. وابتسمنا ساخرين. ثم انتبهنا إلى أن هناك (مذبحة)، وليس (معركة)!!. كان القتل يتم دون ضجة كبيرة...تقتحم البيوت، ويقتل الناس، بالبلطات والسكاكين، أو يخنقون بالحبال...وقسم آخر، كان يُجمع وينقل بالشاحنات إلى جهة مجهولة. وفي أغلب الأحيان، كان القتل يأخذ شكلاً بالغ الوحشية والقسوة...إذْ تُقطَّع الأعضاء قبل الإجهاز على الضحية، ويقتل الأطفال أمام ناظري والديهم، حيث يُحمل (الرُضَّع)، والأطفال الصغار، وتُضرب رؤوسهم على الحيطان والأحجار، حتى تخرج نخاعاتهم...تغتصب الفتيات الصغيرات، أمام ناظري أهلهم المقيدين بالحبال. وأحياناً يفلخ الأطفال الصغار بعد شدّهم من الساقين لينقسموا نصفين. تربط النساء وتغتصب، ثمَّ تُقطع أثداؤهن قبل قتلهن، أو تطلق النار في الثديين مباشرة. أمّا (قادة القتلة)، فيهدفون إلى خلق حالة من الفزع الهائل، تدفع الفلسطينيين إلى الهرب من لبنان، وتدفع (سكان الضاحية الجنوبية) من اللبنانيين إلى مغادرة بيروت، كي يتمكن أصحاب المشروع الإسرائيلي من خلق لبنان تابع لإسرائيل. (طفلة لبنانية) من الشيعة قالت: إنَّ والديها، ركعا أمام القتلة، يستعطفانهم، ويستحلفانهم ألا يقتلوهما، قائلين: (نحن لبنانيون)، وكان الجواب: (إذن، لماذا عشتم مع هؤلاء الأوغاد. سيكون مصيركم مثل مصيرهم). ثمَّ قتلوا كل أفراد العائلة، تاركين الطفلة، لتذهب وتخبر. - الهجوم على مستشفى عكا، كان أول ما تسرَّب من أخبار المجازر إلى الصحف اللبنانية، لكن المعلومات كانت ضئيلة: كتبت جريدة (النهار، 18/9/1982)، أي يوم السبت خبراً مصغراً في صفحة داخلية يقول: وحدة من القوات اللبنانية، توقفت قرب مستشفى عكا، وجمعت السكان هناك، وفصلت النساء عن الرجال، ثمّ أطلقت النار على الرجال، وأسفر الحادث عن مقتل خمسة، وسقوط عدد من الجرحى). أما جريدة (السفير، 18/9/1982)، فقد جاءت بمعلومات غامضة، استقتها من تقارير قوى الأمن الداخلي، حيث نشرت في صفحتها السادسة: (إن رجال سعد حدّاد، دخلوا مخيمي صبرا وشاتيلا، واعتدوا على الفلسطينيين). - المخابرات المركزية الأميركية، علمت بالمذبحة في (العاشرة) من مساء الخميس (16/9)، كما قالت (الصندي تايمز اللندنية، 30/1/1983). وفي صباح (السبت، 18/9/1982)، كان القتلة يجوبون الشوارع في مخيم صبرا، ويطلبون من الناس التسليم. يجمعون ألف شخص من الشيوخ والنساء والأطفال، الذين خرجوا حاملين أعلاماً بيضاء، حيث اقتادهم المسلحون باتجاه الجنوب عبر شارع أبو حسن سلامة، باتجاه السفارة الكويتية. خلال ذلك، لم تتوقف البلدوزرات عن العمل، واستمر القتل باختيار مجموعات من الناس، وصفّهم عند جدار أحد الزواريب. ثم يسمع الناسُ، أصواتَ زخَّات الرصاص. (الطبيب بول موريس)، قال إنه (شاهد عشر جرّافات). - ثمَّ يُحلّل (مصطفى طلاس)، مدى المسؤولية الإسرائيلية عن المذبحة، فيقول: 1. الولايات المتحدة حمَّلت إسرائيل، جزءاً من المسؤولية عن وقوع المجازر. 2. تقرير (كاهان)، حمَّل (تسعة) من القادة الإسرائيليين، (مسؤولية غير مباشرة)، تتمثل في الإهمال والتقصير، وعدم الحَذَر. 3. تقرير أسعد جرمانوس اللبناني، حمَّل إسرائيل (مسؤولية قانونية)، استند فيها إلى اتفاقية جنيف لعام 1949، الخاصة بمعاملة المدنيين أثناء الحرب. 4. لجنة دولية مستقلة ترأسها (شون ماكبرايد)، السكرتير العام المساعد للأمم المتحدة، دانت جرائم إسرائيل في لبنان، وقالت: (إنَّ إسرائيل، كان لها ضلع في تخطيط وارتكاب المذابح، وأنَّها لعبت دوراً سهَّل أعمال القتل). ويضيف (طلاس)، بأن خطة احتلال بيروت الغربية، لا علاقة لها بالذرائع الأخرى المزعومة، فالخطة وضعت بتاريخ (11/6/1982) في (جونْيه) بين شارون وبشير الجميل، حسب معلومات زئيف شيف، وايهود يعاري. أما قرار وخطة المذبحة بتفاصيلها، فوضعت في أوائل أيلول 1982، قبل اغتيال بشير الجميل، الذي كان مجرد ذريعة. وقد كتبت صحيفة (الكنار ريشيه) الفرنسية، مقالاً، قالت فيه: (إن الإسرائيليين قتلوا بشير الجميل، لأنه أظهر عدم الطاعة، وأن مصدر هذه المعلومات هي التقارير، التي بعثت بها الاستخبارات الفرنسية. ثمَّ قام الإسرائيليون بتنفيذ المجازر، بناءً على تلك الخطة، مستعملين بعض الوحدات من القوى الفاشية، بإشرافهم ومشاركتهم المباشرة)، فإلى جانب قيام القوّات الإسرائيلية بتطويق المخيمات وقصفها، وإدخال القتلة إليها، وإنارة الليل لهم، لتسهيل عمليات القتل، وتزويدهم بالمأكل والماء والذخيرة، وتزويدهم بالجرّافات الضخمة لهدم البيوت، وحفر المقابر الجماعية لإخفاء الجثث. وإضافة إلى التعتيم شبه التام على أخبار المجزرة، ومنع الأطفال والنساء والشيوخ من الهرب، ومنع الصحفيين من الدخول، أثناء المجزرة، ومنع تسرُّب أي خبر عنها، والعمل المخطط لإخفاء البرقيات عنها، وإعاقة وصولها إلى حيث يجب أن تصل، والتكتم عليها من قبل: يارون، دروري، إيتان، بل وسماحهم بإدخال قوات إضافية، وتمديد بقاء القتلة، مدة تزيد عن خمس عشرة ساعة إضافية بعد معرفتهم بما يجري...إضافة إلى هذا كله، تشير الكثير من الشهادات إلى اشتراك الإسرائيليين كعناصر مشرفة على تنفيذ المذبحة، وإلى اشتراكهم في القتل...هذه الشهادات تتمثل في: 1. شهادة المسلح الكتائبي لمجلة شبيغل الألمانية (14/2/1983)، والتي قال فيها إنَّ القتلة، تجمّعوا في (وادي شحرور)، وانضمَّ إليهم (12 إسرائيلياً)، يتكلمون العربية بطلاقة، وكانوا يلبسون الزيّ العسكري للقوات اللبنانية الكتائبية. 2. شهادة ضباط الجيش اللبناني، ومراقبي الأمم المتحدة، الذين قالوا: إنَّ طائرتي (هيركليز) إسرائيليتين عسكريتين، نقلتا (قوات) إلى مطار بيروت، مساء الخميس (16/9/1982)، حيث انضموا إلى باقي القتلة. 3. شهادة ثلاث نساء من الناجيات من المجزرة، التي نشرتها جريدة (شيكاغو تربيون، 22/12/1982)، وقد قالت الشهادات: (اكتفاء شلالة)، 44 عاماً، قالت: لقد رأيت إسرائيلياً يقف عند باب الملجأ مع الكتائب، وكان يتحدث باللاسلكي، باللغة العبرية (قالت: إنها تعرف العبرية). وقالت إنه كان يتحدث مع الكتائبيين (بعربية ثقيلة). وقالت: إنهم أوقفوا ست رجال إلى الحائط، وأطلقوا عليهم النار، فقتلوهم. أمّا (جميلة شلالة)، 16 سنة، ابنتها، فقالت إنها شاهدت عشرة إسرائيليين يدخلون الحارة، ويتحدثون العبرية. أما الثالثة، فهي (أمينة)، التي قتل المسلحون زوجها وولديها، فقالت إنها (رأت ثلاثة إسرائيليين يلبسون ملابس عسكرية، وقد شمَّروا أكمامهم. وجمع الإسرائيليون، والكتائب، الناس في ساحة شاتيلا، وأطلقوا النار عليهم... رأيتهم بعينيَّ. أراد الكتائبي قتلنا، فقال الإسرائيلي: لقد قتلنا رجالهن، ونريد أن نحقق معهن). 4. شهادة المدرّس الفلسطيني أمام لجنة التحقيق، التي يرأسها أسعد جرمانوس. 5. شهادات الطاقم الطبي لمستشفى غزة: البريطاني بول موريس، السنغافورية (سوى شاي انغ)، والممرضة الأميركية (اليهودية)، إيلين سيغال. 6. عمليات القتل التي تمت في (المدينة الرياضية)، حيث يتواجد الإسرائيليون، وحيث وجدت (28 جثّة) من جثث الأسرى، مقيدة الأيدي، وأربع جثث وجدت في المسبح. 7. العثور على هوية الجندي الإسرائيلي (بيني حاييم) في مخيم صبرا. - أما من ناحية مسؤولية (القوى اللبنانية العميلة لإسرائيل)، فيحددهم طلاس، بأنهم: 1. جيش لبنان الجنوبي (سعد حداد). 2. القوّات اللبنانية الكتائبية. 3. نمور حزب الأحرار (كميل شمعون). 4. حُرّاس الأرز. ويضيف طلاس، بأنَّ الذين شاركوا من (القوات اللبنانية الكتائبية)، هم: الشرطة العسكرية، بقيادة ديب أنستاس، ومغاوير الكتائب بقيادة جوزيف إدَّة، ورجال الاستخبارات العسكرية، بقيادة إيلي حبيقة، و(وحدة الدامور). وقد أعلن إتيان صقر (أبو أرز) أنَّ، (مذابح صبرا وشاتيلا، ردُّ فعل لبناني طبيعي!!)، هؤلاء جميعاً شاركوا في المذبحة.
9. بيان نويهض الحوت: ( ) يتكلّم الموتُ أولاً، ثمّ يتكلم القتيلُ، ثم يتكلَّمُ القاتل أعتقد أن كتاب بيان نويهض الحوت (صبرا وشاتيلا، أيلول 1982)، الصادر متأخراً عام 2003، هو الكتاب الأفضل حتى الآن عن مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث جمعت شهادات ميدانية ضخمة، وقامت بتوضيح أفضل لجغرافيا، مخيمي صبرا وشاتيلا، ويتكون الكتاب من (802 صفحة من القطع الكبير)، إضافة لتلخيصها كلّ (ردود الفعل) اللبنانية والإسرائيلية والعربية والدولية، التي سبق ذكر الكثير منها في الكتب السابقة، وقد اعتمدت منهجية التحليل الإحصائي، وآليات القراءة للشهادات الشفوية. يضاف لذلك أنَّ بيان نويهض، (لبنانية)، هي أيضاً زوجة السيِّد شفيق الحوت، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت (السابق)، في زمن المجزرة، حيث اضطرا للاختفاء في بيوت سريَّة خلال المذبحة، وأنا شخصياً أعتبرهما (صديقين)، فقد تعرّفتُ إليهما خلال مشاركتي في الثورة الفلسطينية في لبنان. وبما أنَّ (اللجنة التنفيذية)، لمنظمة التحرير الفلسطينية، آنذاك، لم تشكل أية (لجنة تحقيق) في المذبحة للأسف، ولم تصدر أي تقرير رسمي فلسطيني في الموضوع، فيمكنني أن أعتبر كتاب بيان نويهض الحوت، بمثابة (التقرير الفلسطيني الرسمي)، عن المذبحة. وبطبيعة الحال، سوف أقتطف منه بعض المعلومات، الضرورية، دون أن يعني ذلك أنني أقدّم قراءة مفصلة للكتاب، رغم أنني قرأته كلمة، كلمة. - تبدأ المؤلفة كتابها بالقول: (على امتداد ثلاث وأربعين ساعة متواصلة، ما بين غروب يوم خميس، وظهر يوم سبت، ما بين السادس عشر والثامن عشر من أيلول 1982، كانت مجزرة صبرا وشاتيلا، إحدى أبشع المجازر الهمجية في القرن العشرين). و(يعتبر مخيم شاتيلا من أول المخيمات الفلسطينية في بيروت، وسكانه في معظمهم جاءوا من ساحل فلسطين، ومن الجليل الأعلى، أي أنهم من الذين اضطروا إلى اللجوء إلى لبنان بحراً بوساطة بواخر حملتهم إلى أقرب المرافئ، أو برّاً عبر الحدود البريَّة المشتركة ما بين فلسطين ولبنان في أعقاب حرب عام 1948)، التي أدَّت إلى النكبة الفلسطينية. وقد حدّدت المؤلفة لكتابها خمسة أهداف. وفي سنة 1982، سنة الاجتياح الإسرائيلي، كان هناك، (اثنا عشر مخيّماً فلسطينياً) على الأراضي اللبنانية، هي: (الرشيدية، البصّ، البرج الشمالي، في منطقة صور، وعين الحلوة، المية ومية، في منطقة صيدا، ومخيم ويڤل في بعلبك، وشاتيلا، مار الياس، برج البراجنة، وضبية في منطقة بيروت، ونهر البارد، والبدَّاوي في منطقة طرابلس). ويعتبر مخيما: عين الحلوة، ونهر البارد من أكبر المخيمات الفلسطينية، أمّا (شاتيلا)، فهو من أصغرها. بالإضافة إلى هذه المخيمات، كان هناك (مخيم النبطية) الذي دُمّر تدميراً كاملاً بفعل القصف الإسرائيلي في (16/4/1974). أما مخيمات صور، فقد دُمّرت تدميراً جزئياً عدة مرات، وفي عام 1976، تمَّ تدمير مخيمي: تل الزعتر، وجسر الباشا، تدميراً كلياً من قبل (قوات الجبهة اللبنانية). وكم من عائلةٍ هاجرت من النبطية إلى تل الزعتر، ثم إلى شاتيلا، أو من تل الزعتر إلى بلدة الدامور، ثمّ إلى شاتيلا)، تضيف المؤلفة. ثمّ تحدد المؤلفة موقع المجزرة وحدودها على النحو التالي: - تقول المؤلفة بأن هناك خمسة أخطاء في التعبير المتداول: (مخيما صبرا وشاتيلا)، وهي تُصحّح، على النحو التالي: أولاً: هناك مخيم فلسطيني واحد، هو مخيم شاتيلا. أما القول: مخيم صبرا، فهذا ليس صحيحاً، إذْ لا يوجد إطلاقاً مخيم، اسمه (صبرا)، فالمنطقة السكنية المعروفة بـ (صبرا)، هي منطقة لبنانية فلسطينية شعبية، يخترقها شارع تجاري طويل، وهي المنطقة التي تمتد من الطريق الجديدة، شمالاً إلى شاتيلا جنوباً. ويسكن حي (صبرا)، لبنانيون، وفلسطينيون، لكنها قطعاً ليست مخيماً فلسطينياً. ثانياً: يحتل (مخيم شاتيلا)، مساحة تبلغ (خمسة عشر ألف متر مربع) فقط، حيث يشكل المخيم (عُشر المنطقة الكبيرة المحيطة به). وتشمل المنطقة المجاورة لمخيم شاتيلا أحياء شعبية متعددة أخذت تحيط به مع مرور الزمن، وهي: (حي فرحات، حي المقداد، حرش ثابت) جنوباً، وشارع شاتيلا الرئيس مع المنطقة الواقعة خلف المدينة الرياضية، غرباً، وحي عرسال، والحي الغربي في الجنوب الغربي. فالمجزرة استهدفت مخيم شاتيلا، وطالت الأحياء المجاورة له جميعاً، بما فيها، الجزء المحاذي (من صبرا شمالاً حتى مستشفى غزّة). ثالثاً: يقدّر سكان منطقة (شاتيلا الكبرى)، ومنطقة (صبرا)، مناصفةً بين الفلسطينيين، واللبنانيين، إضافة إلى سوريين ومصريين وسواهم. رابعاً: وصلت المجزرة في منطقة شاتيلا إلى شارع شاتيلا الرئيس خارج حدود المخيم، وإلى الأحياء المحيطة بالمخيم (شاتيلا الكبرى): أحياء الحُرش، وفرحات، والمقداد، وعرسال، (بينما لم تصل قَطّ إلى قلب مخيم شاتيلا)، حسب المؤلفة طبعاً. أمَّا بالنسبة لمنطقة صبرا، فالمجزرة وصلت صباح اليوم الثالث عند (مستشفى غزة) في صبرا، والساحة الرئيسة لصبرا، وشارع (مأوى العجزة)، أي الجزء الجنوبي من منطقة صبرا، (بينما بقي شارع صبرا الرئيس من الساحة، فشمالاً، بمنأى عن المجزرة). خامساً: هناك تجاهل واضح لمنطقة سكنية، كانت من المناطق الأولى، التي تعرَّضت للمجزرة، وهي (منطقة بئر حسن)، التي تقع فيها السفارة الكويتية، ومستشفى عكا، وهذه المنطقة، تواجه منطقة شاتيلا من جهة الجنوب، ويفصل بينهما، شارع رئيس، هو الشارع الواصل بين مستديرة المطار شرقاً، ومستديرة السفارة الكويتية غرباً. - ثم تلخص المؤلفة رأيها: (شملت المجزرة منطقة شاتيلا الكبرى بكل أحيائها، (ولكن مع استثناء مخيم شاتيلا)، وشملت القسم الجنوبي من منطقة صبرا، المحاذي لمنطقة شاتيلا، كما شملت جزءاً من منطقة بئر حسن)، مع ذلك يبقى اسم (صبرا وشاتيلا)، عنواناً للمجزرة هو السائد، كونه الاسم الشائع. - زحفت القوات الإسرائيلية فجر الأربعاء (15/9/1982)، وقامت بتطويق (منطقة صبرا وشاتيلا)، وقد تصدّى لهذه القوات، عددٌ محدود من الشباب، (لا يتجاوز العشرة، أو العشرين شاباً وفتاة)، هنا، وهناك بسلاحهم الفردي. وبناءً على شهادات المقاومين والسكان، لم يتجاوز عدد المقاومين (ستين شاباً، وخمس فتيات)، ليس معظمهم من المحترفين، قتالياً. وهكذا احتلَّ الإسرائيليون، (ثاني عاصمة عربية بعد القدس)، وبدأت المذبحة. وقد شملت عمليات التصدي لمواجهة القوات الإسرائيلية، الأماكن التالية: (حي الحرش، حي فرحات، حي الفاكهاني، حي الدوخي). ومهّدت القوات الإسرائيلية للمذبحة، بعناصر تلخصها الباحثة، ونحن نلخص التلخيص بما يلي: 1. محاصرة مخيم شاتيلا، ومنطقة صبرا وشاتيلا كلها، بحيث يصبح الخروج والدخول مرهوناً بالإرادة الإسرائيلية، حيث منعت حتى النساء والأطفال من الخروج. 2. إشاعة جو من (طمأنينة كاذبة) وخادعة بين سكان منطقة صبرا وشاتيلا من فلسطينيين ولبنانيين، فأمر الجنود الإسرائيليون، السكان بالعودة إلى منازلهم، كما لو كانوا يرسلونهم للموت. 3. الإيحاء بأنَّ المطلوب هو تسليم السلاح فقط. هذا ما أذيع بمكبرات الصوت، وتوزيع المناشير. 4. القصف المركز من أجل حمل السكان على الهروب إلى (الملاجئ)، التي تعتبر الأمكنة المثالية لارتكاب المجزرة. 5. التنسيق بين الجيش الإسرائيلي، وميلشيات القوات اللبنانية قبل المجزرة. 6. انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأماكن القريبة جداً من منطقة صبرا وشاتيلا في محيط (مستشفى عكا)، وهو انسحاب مبرمج من أجل فسح المجال للميليشيات المهاجمة كي تدخل من تلك الجهة. 7. توقف القصف والقنص الإسرائيلي، قُبيل دخول القتلة، والبدء بتنوير المنطقة بالقذائف المضيئة. 8. السماح لبضع مئات من القتلة بدخول المخيم، والمنطقة، بحثاً عن (2500 مقاتل فلسطيني مزعوم!). - وجاء في تقرير لإذاعة الجيش الإسرائيلي، يوم الخميس، بأنَّ (هناك خمسة عشر شاباً في (حرش ثابت)، يحملون الكلاشنكوف، مساء الخميس، معظمهم، ليسوا محترفين قتالياً). وهكذا، تقول الباحثة: (لا يوجد مقاتلون منظمون بالآلاف، ولا بالمئات، ولا بالعشرات، داخل صبرا وشاتيلا). - الخميس، 16/9/1982: - وفقاً لعشرات الشهادات، تقرّر الباحثة بأنَّ بدء ساعة المجزرة، قد تمَّ ما بين الساعة الخامسة، والساعة السادسة والدقيقة الثلاثين، من مساء الخميس في (16/9/1982)(*). وقد استعملت مداخل متعددة في اليوم الأول، تقع كلها من الجهتين الجنوبية، والغربية. فمن الجهة الجنوبية، المداخل الواقعة في شارع السفارة الكويتية، الممتد بين مستديرة المطار، ومستديرة السفارة الكويتية، والفاصل ما بين منطقة بئر حسن، والمنطقة الجنوبية من (شاتيلا الكبرى). أما من (الجهة الغربية)، فهي المداخل الواقعة في الشارع الخلفي للمدينة الرياضية، والفاصل بينها وبين المنطقة الغربية من شاتيلا الكبرى. كل المداخل من هاتين الجهتين شوارع ضيقة وزواريب، باستثناء شارع شاتيلا الرئيس المتقاطع عمودياً مع منتصف شارع السفارة الكويتية، والممتدّ شمالاً حتى صبرا. - استمر القصف المدفعي الإسرائيلي، طوال نهار الخميس بشكل تصاعدي، واستمر القنص لكل ما يتحرك في الشوارع، حتى غدت الشوارع فارغة. وقد لجأ السكان إلى الملاجئ، أو إلى بيوتهم، ولم يكن هذا القصف سوى التمهيد، لما هو أعظم. كان السكان يتوهمون أن هذا القصف هو البداية، والنهاية!. وهكذا بينما كانت القوات المهاجمة تواصل هجوم الفعلي، كانت عائلات لا تحصى تتناول وجبتي الغداء والعشاء معاً. أخيراً: هدأ القصف. وبدأت الإنارة غير المتوقعة وغير المعقولة، تملأ سماء صبرا وشاتيلا، وكانت بيروت الغربية تعيش تحت الظلام، إذ قطع التيار الكهربائي عن المدينة بكاملها. كان قد لجأ بعض السكان إلى المستشفيات الثلاثة: (غزة، عكا، مأوى العجزة، وبعضهم لجأ إلى السفارة الكويتية)، التي كان يسيطر عليها خمسة من عناصر الجيش اللبناني. وصل عدد الهاربين من القصف إلى السفارة الكويتية (مئة وخمسين من النساء والأولاد). كما لجأ آخرون إلى (ثكنة هنري شهاب). كان العدد التقريبي للقتلة الذين دخلوا شاتيلا مع غروب شمس نهار الخميس، هو (ستمئة عنصر). أمَّا سكان (بئر حسن)، فقد قالوا: إنهم شاهدوا في الساعة الرابعة من بعد ظهر الخميس (خمساً وعشرين جيب عسكري)، مليئة بالمسلحين المتجهين صوب السفارة الكويتية، حيث مركز تجمع قيادة القوات اللبنانية الكتائبية، التي قرب مقر القيادة الإسرائيلية، والذي هو أقرب نقطة يمكن منها مراقبة ما يجري في منطقة المخيم، وهو مكون من (ست طبقات). وما كاد الظلام يحلّ، حتى بدأت المجزرة مع هطول القنابل المضيئة في سماء صبرا وشاتيلا. وكانت القوات اللبنانية، قد دخلت من مداخل وزواريب متعددة: 1. جهة الغرب من المدينة الرياضية، حيث نزل القتلة عن التلَّة التي تقع خلف المدينة، المقابلة للمخيم، فهبطوا حي عرسال، والحي الغربي. 2. جهة الجنوب الغربي، أي جهة السفارة الكويتية، حيث دخلوا بالقرب من مدرسة الإنعاش، ومن التلة أيضاً، وهبطوا على حي عرسال. 3. جهة الجنوب، أي جهة منطقة بئر حسن، حيث توقفت مجموعات منهم في بئر حسن، بينما راحت مجموعات منهم تجتاز شارع السفارة الكويتية، حيث دخلت (حُرش ثابت)، و(حي المقداد). - لم يميز القتلة بين لبنانيين وفلسطينين، لم يميزوا بين الجنسيات، كما أنهم لم يميزوا بين الرجال والنساء، ولا بين الشيوخ والأطفال. الكل كان هدفاً للقتل. أمَّا حين تبرّع بعض الناس للإيضاح أنهم (لبنانيون)، كان عقابهم (الموت)، لأنهم ارتضوا العيش مع الفلسطينيين. أما الذين لجأوا إلى (الملاجئ)، فقد كان مصيرهم (الإعدام الجماعي). مارسوا اغتصاب النساء والسرقة، وتعذيب الضحايا قبل قتلهم. تحوَّلتْ (أحياء: المقداد، وفرحات، وعرسال، والحي الغربي) إلى ساحات للذبح في الساعات الأولى. مع فجر يوم الجمعة، كانت جثث الضحايا، موزَّعة في منطقة شاتيلا الكبرى، (باستثناء: مخيم شاتيلا!): عائلات أُبيدت، بكاملها. (الجمعة، 17/ /1982): الطرقات والزواريب ملآنة بالجثث. ويرد في أكثر من شهادة أن الإسرائيليين شاهدوا عمليات القتل الجماعي في الحفر، وعرفوا عن الأساليب الوحشية من السكان. ولم يدخل القتلة (مخيم شاتيلا الصغير) في يوم الجمعة، وحتى لو دخلوه، فلن يجدوا سكانه الذين غادروه خلال الليل. وكان اقتحام مستشفى عكا، هو الحدث الأبرز صباح يوم الجمعة. يوم (الجمعة) هو أطول الأيام الثلاثة بالساعات، فقد امتدّ العذاب طوال (أربع وعشرين ساعة) كاملة، بينما امتدَّ في اليوم الأول (الخميس) من الغروب حتى نهاية اليوم، أي عند منتصف الليل، نحو (ست ساعات). وامتد اليوم الثالث (السبت) حتى ظهر ذلك اليوم، أي من منتصف الليل حتى الواحدة بعد الظهر (13 ساعة). ومعنى هذا أنَّ المجزرة كانت متواصلة (طيلة: 43 ساعة من الذبح). وقد استمرت الجرَّافات تعمل بشكل مكثف في هدم البيوت على ما فيها من جثث، وطمر ما أمكن من الجثث في حفر أعدت لذلك. لم تتم عمليات القتل الجماعي فقط في طوابير في الأزقة أو الملاجئ كما حدث مساء الخميس، وإنما تميزت بعمليات قتل في الحفر، التي أحدثها الطيران الإسرائيلي خلال الاجتياح، أو في الحفر التي أعدت لذلك. وكان هناك عدة أماكن لمثل هذا النوع من القتل: إمّا رمياً بالرصاص، وإما بدفن الضحايا بالرمل أحياء. وتواصلت يوم الجمعة، عمليات الاغتصاب، وكانت عمليات تنتهي عادة بالقتل، وخصوصاً: الفلسطينيات. وحفل يوم الجمعة بتجاهل تام من قبل الضباط الإسرائيليين والجنود، لشكاوى السكّان. وتميز يوم الجمعة، بأنه كان (يوم المستشفيات)، وتميز اقتحام مستشفى عكا، بتفاوت مذهل بين التعامل مع الأجانب، والتعامل مع اللبنانيين، والتعامل مع الفلسطينيين، حيث قتل عددٌ من الأطباء والممرضات والمرضى الفلسطينيين بشراسة. (السبت، 18/9/1982): أعلن المسؤولون الإٍسرائيليون، أنهم أصدروا أوامرهم بخروج المهاجمين في صباح السبت من المخيمات، لكنَّ الانسحاب لم يتم من داخل صبرا وشاتيلا، إلاّ بعد الظهر. وقد شهد اليوم الثالث جميع الممارسات العدوانية التي مورست في يومي الخميس والجمعة، لا بل تفوَّق يوم السبت في (عمليات الخطف، وفي عمليات القتل الجماعي)، نوعيةً وهمجيةً، كما تفوَّق في إذلال السكّان وإهانتهم، حيث قاد المسلحون، السكان، كالأغنام. ابتدأ تجميع السكان منذ فجر السبت من زواريب (صبرا)، وشوارعها الفرعية، ومن شوارع شاتيلا الفرعية أيضاً، (باستثناء المخيم نفسه)، وزواريبه، التي لم يدخلها أحد من المهاجمين. أمّا أهم مراكز التجميع فكان: (ساحة صبرا)، وأمام مقر الهلال الأحمر الفلسطيني، وفي السابعة صباحاً ابتدأ (المارش الأخير) نحو (المدينة الرياضية). وهنا كان دور الإسرائيليين كبيراً في عمليات التحقيق مع السكان. كان الحدث الأبرز، اقتحام مستشفى غزة، حيث لم يجدوا فيه، سوى (الطاقم الطبي الأجنبي)، تم التحقيق معهم من قبل (القوات اللبنانية)، ثمَّ من قبل الإسرائيليين. وكان قد تمّ إنشاء (مستشفى غزة) في صبرا، عام 1975، وهو مكون من مبنيين: أحدهما يتكون من (عشر طبقات). أما المبنى الآخر، فقد افتتح في يناير عام 1982، وللمستشفى ملاجئ ضخمة، وكان هذا المستشفى هو المركزي في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني. وقد احتمى بهذا المستشفى منذ يوم الأربعاء، أي بمجرد حصار القوات الإسرائيلية لصبرا وشاتيلا ما يقرب من (250 شخصاً). كما لجأ إليه عدد من الشباب، وكثير من العائلات يوم الخميس، ويوم الجمعة، بلغ عددهم حسب ممرضة نرويجية (ما بين ألف وخمسمئة، وألفين)، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وكانوا خائفين من الموت. أما الممرضة الأميركية، (ألين سيغال)، فقدَّرتهم بأربعة آلاف: نصفهم داخل المستشفى، والآخرون حوله. واعتباراً من ظهر الخميس، وصل ما يقرب من مئة جريح، حسب الطبيب بول موريس. ويستنتج أن عمليات قتل جماعي في حفر الموت، حدثت ظهر يوم السبت، حيث استمر المهاجمون في عمليات التعذيب والقتل والخطف، وكانت الأولوية يوم السبت لعمليات الخطف، حيث يوضع المخطوفون في شاحنات، وسيارات جيب عسكرية، ويتم ترحيلهم إلى مصير مجهول، وما يزال المصير مجهولاً. - وتقول المؤلفة (بيان نويهض الحوت) في الخلاصة، بأنَّ عمليات البحث عن الضحايا، لم تبدأ، إلاَّ بعد دخول الجيش اللبناني، وسيطرته على المنطقة. وكان ذلك، يوم الأحد (19/9). وقال عددٌ من الشهود أنهم رأوا (جرّافات) تغادر (صبرا وشاتيلا)، محمَّلةً بالجثث قبل خروج الميلشيات المهاجمة من صبرا وشاتيلا. وشهد كثير من (المسعفين)، والصحافيين أن بيوتاً بكاملها، هدمت على من فيها. وأثناء البحث، اتضح وجود (عدد من المقابر الجماعية)، بعضها كان (حُفراً) أوجدها قصف الطيران الإسرائيلي خلال الاجتياح، وبعضها حفرته الميلشيات بوساطة الجرّافات. وكان الهدف، إخفاء هذا الكمّ الهائل من الجثث. ابتدأت الحفريات للمقابر الجماعية على يمين الداخل إلى شاتيلا من الجهة الجنوبية بعد الساعة الرابعة عصر يوم الاثنين (20/9/1982)، واستمرت عمليات الصلاة والدفن عدّة أيام. دفن في المقبرة الجماعية وحدها ما بين (700-800). ومن خلال الشهادات كلها، تبيَّن أن المسلحين المهاجمين، هم من: (الكتائب اللبنانية، والقوات اللبنانية، وقوات سعد حدّاد) وحسب (بيان نويهض الحوت)، فإنَّ (عدد الضحايا، حسب الحدّ المعقول، هو: (3500)، وحسب عشرة مصادر، فإنَّ أسماء بعض (القتلة)، هي: (إيلي حبيقة، فادي أفرام، ديب أنستاز، جيسي سكَّر، فؤاد أبو ناضر، جوزيف إدَّة، مارون مشعلاني، ميشيل زوين، إميل عيد، زاهي البستاني، جوزيف أبو خليل)، فمن هؤلاء من اتخذ القرار، ومنهم من اجتمع عدة مرات بالعسكريين الإسرائيليين، ومنهم من أشرف على التنفيذ). وأوّل من اعترف من القوات اللبنانية الكتائبية، بالمشاركة في المذبحة، هو (ميشيل حرّوق) في التلفزيون الإسرائيلي: (قتلت بيدي خمسة عشر فلسطينياً). واعترف (بيار يزبك)، ممثل القوات اللبنانية في باريس، بمسؤولية القوات اللبنانية عن المجزرة في حديث للتلفزيون الإسرائيلي. أما إيلي حبيقة، فظل ينكر حتى اغتياله (عام 2002)، وكان يقول: (لو تكلمت، فسوف أتكلّم عن كثيرين، ولديَّ من المعلومات والوثائق ما يُدين الإسرائيليين وحدهم)(*).
شهادات (الناجين من المذبحة): يقول إيتان هابر، المراسل العسكري لجريدة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية: (تعرف السلطات العليا في الجيش الإسرائيلي منذ زمن طول، بأنَّ المقاتلين الكتائبيين (إذا أقررنا تسميتهم بمقاتلين)، ليسوا سوى عصابة/ نفاية من الشبان والفتيان، الذين يعتبر مستواهم القتالي ضعيفاً، فضلاً عن الشك في أخلاقهم وسلوكهم، فهم مرتشون، وفي نهاية المطاف، هم أوباش منظَّمون، يرتدون لباساً عسكرياً، ولهم آليات ومعسكرات تدريب، وقد قاموا بفظائع شنيعة، وسرقات، واغتصاب) – انظر: أمنون كابليوك: ص: 27. - لم يشهد التاريخ الحديث، (مذبحةً)، بهذا القدر من النذالة والقذارة، التي مارسها القتلة، حين تمرجلوا على النساء والأطفال والمُسنّين، العُزَّل من أيّ سلاح، وحين كذبوا على أسيادهم خلال المذبحة وبعدها، بأنهم: (خاضوا معارك طاحنة!!)، رغم أن كلَّ الباحثين اتفقوا على أنه عند (بدء المذبحة)، لم يكن في دائرة شاتيلا الكبرى، أو حي صبرا، مسلّحٌ واحد، لأسباب موضوعية معروفة، وأنَّ أسطورة (الألفي فدائي فلسطيني) في صبرا وشاتيلا، هي من اختراع شارون. وهنا أُسجّل مجموعة من الشهادات عن المذبحة، معتمداً على المراجع المتاحة، وهي عينة صغيرة جدّاً للتأكيد، أنَّ كلّ هذه (القوات اللبنانية – الإسرائيلية)، لم تدخل في مخيمي صبرا وشاتيلا، أية معركة (لا طاحنة ولا غير طاحنة!)، بل نفَّدت مذبحة همجية ضدَّ المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين من الأطفال الرُضّع، والنساء، والشيوخ في أنذل هجوم عسكري في التاريخ الحديث. 1. عندما يكبر سيصير (مخرباً!): شاهد الدبلوماسيون، ومنهم، السفير (بول ماك هنري، سفير فرنسا)...مشاهد لا تخطر على بال أحد: نساء عاريات قُيّدت أيديهنَّ وأرجلهنّ خلف ظهورهنّ...رضيع مهشّم الرأس في بركة دماء...أمٌّ تضم طفلها، وقد اخترقت رأس كل منهما رصاصة...قالت (أُمٌّ) للصحافيين، وهي تكاد تنهار: ترجيتهم أن يعفوا عن ابني الذي عمره خمس سنوات، فأجابوني: عندما يكبر، سيصير (مخرباً)...وقتلوه. 2. كلُّهم ماتوا، وجيراننا ماتوا: بنتٌ عمرها (11 سنة)، وأمُّها تتجولان...بنظرات زائغة. هما الناجيتان الوحيدتان من عائلة مكونة من (8 أشخاص)، وتقول البنت: كلهم ماتوا، وجيراننا كلهم ماتوا. 3. ابنتي شُلَّت لم أستطع مساعدتها: قالت أم محمود من مخيم شاتيلا: دخل علينا المسلحون في صباح الجمعة في الساعة الخامسة والنصف. طلبوا إلينا الخروج دون الإتيان بأية حركة...اختبأ ابناي في الحمام. أحد المسلحين سأل: من أين أنتم، فأجاب زوجي: نحن فلسطينيون. ماذا تعمل: (عامل في جهاز فنّي مدني)، ثم طلب المسلح أن نرفع أيدينا إلى أعلى، ونقف أمام الحائط، ثم أطلقوا النار علينا. مات زوجي وأربعة من أبنائي. أنا وابنتاي على قيد الحياة...إحدى ابنتيَّ شُلَّت، ولم أستطع مساعدتها...تركتها وهربت، حتى أحضرها آخرون لي بعد ذلك. 4. قتلوا أختي بالبلطة: الخميس ليلاً دخل المسلحون، وتمركزوا في بيت جارنا (ع.د)، وكانوا قد قتلوه أثناء محاولته الهرب، لأن رجله مقطوعة، فتعثّر ووقع بين أيديهم... أطلقوا النار على التلفزيون والغسّالة والبرّاد والفيديو... وقلبوا البيت رأساً على عقب. خرجت أختي من البيت لإحضار أغراض... شاهدوها، جرّوها تحت البيت الذي تمركزوا فيه... قطَّعوها بالبلطة. كنت قد هربت إلى بيت جيراننا... دخلوا بيتنا، وقتلوا أهلي. عندما عدت يوم السبت، وجدت جثثهم أمام البيت. 5. سرقوا أُمّي القتيلة وانسحبوا: خرجت أنا وأمي لنرى جارنا الذي شاهدناه يقع على الأرض، عرفنا أنهم قتلوه. فجأة شاهدنا مسلحون. أخذوا يطلقون علينا النار. أُصبت في يدي اليسرى، فاختبأت في أحد الزواريب، ثمّ لُذت بالفرار. كانوا قد أصابوا أمي في معدتها، فقتلت. شوّهوها وقطَّعوا أصابعها بالبلطة، ثمَّ قطَّعوا يدها ورجلها. عندما عدت، كانوا قد سرقوا ما مع أمّي من مال، وانسحبوا. 6. وجدتني ابنتي الصغيرة أفرفط بدمي، فأخذت تبكي: يوم الخميس، الساعة السابعة مساء، كنت في المنزل مع أفراد عائلتي نشرب الشاي...فجأة دخل المسلحون وهم يرتدون بدلات كتب عليها: (جيش لبنان – الكتائب – القوّات اللبنانية). قلنا لهم: نحن لبنانيون. أخذونا إلى الشارع العام. صفّونا منبطحين على الأرض. أخذوا يدوسون على رؤوسنا، ويطلقون النار. بقيت على قيد الحياة، لكنني تظاهرت بالموت، رآني أحدهم. قال لي: (هل ما تزال حياً، يا أخو...)، وأطلق علي الرصاص، فأُصبت في يدي ورجلي وحوالي خمس رصاصات أخرى في بقية أنحاء جسمي. بعد ذلك حضرت ابنتي الصغيرة. أخذت تبكي، لأنها لم تستطع أن تفعل لي شيئاً. نظرت حولي. وجدت ابني مقتولاً، بالقرب مني. حاولت أن أقترب منه، فلم أستطع. حضرت زوجة ابني. رأتني مرمياً على الأرض. ساعدتني، وأخذتني إلى المستشفى. 7. أربعة من إخوتي قتلوهم بالرصاص: جاء المسلّحون ودقوا باب بيتنا. كلّمهم أبي من نافذة غرفة الضيوف: (تفضلوا اشربوا القهوة). فقال أحدهم: (بعدك هون يا أخو الكلب). أخرجونا من البيت. ثمّ عادوا وأمرونا أن ندخل البيت. صفّونا إلى الجدار: أبي وأختي، وأربعة من إخوتي، وأنا..أطلقوا النار علينا. مات إخوتي الأربعة. اثنان منهم (طلع مُخّهم). أختي أصيبت في كتفها، وأبي أصيب في ظهره وكتفه، وأنا في رأسي وظهري وكتفي. حضرت جارتنا يوم السبت. نقلتني إلى مركز الصليب الأحمر. المسلحون يلبسون شارة (القوات اللبنانية). 8. قالوا لامرأة: كُلي بُرازك، فأكلته: رجعنا إلى البيت صباح الجمعة. دخلنا الملجأ. وجدت الكثير من القتلى من أهل الحرش ممن أعرفهم..بائعي كاز منهم (جمال، والسيد)، كانوا مقتولين بالبلطة. رأيت ستة مذبوحين ومربوطين...عندما كنا في (الحرش). سمعناهم يقولون لامرأة: إذا لم تأكلي (خـ...)، سنقتل أولادك. فقامت المرأة، وأكلت الوسخ(*). 9. لا تنهضي، سوف يقتلونك، إنهم يكذبون: منير أحمد موسى (13 سنة، فلسطيني)، هاجر أهله عام 1948 إلى لبنان (مخيم تل الزعتر). ثمّ إلى (مخيم الرشيدية قرب صور)، ثم هاجرت العائلة إلى مخيم شاتيلا... والده وشقيقه قتلا في حصار مخيم تل الزعتر. يقول: كنا في المنزل، أنا وأمي وشقيقي، وشقيقاتي الثلاث. فجأة صاح شخص في الشارع: (إنهم قادمون ويقتلون الجميع). اختبأت بين النساء والأطفال. كانوا يرفعون كل شاب إلى الحائط، ثمّ يضربونه بآلة حادة على مؤخرة رأسه، ثم يطلقون عليه الرصاص. أخذونا إلى محطة بنزين. أطلقوا علينا الرصاص. وجدت نفسي مع عشرات الجثث وسط بركة من الدماء، ولكنني لم أمت. وكانت أمي وأختي ما تزالان تتنفّسان. وفجأة سمعت صوتاً يقول: (من لم يمت، ينهض، لكي نعالجه في المستشفى). وهنا همست في أذن أمّي: (لا تنهضي، سوف يقتلونك.. إنهم يكذبون)، ولكنهما وقفتا: أمي، وأختي، فقتلوا جميع من وقف. ثمَّ تقدّم أحدهم، وانتزع الحليّ من أذني أختي، وأطلق عليها الرصاص مرّةً أخرى. حبست أنفاسي. فرحلوا. قضيت الليل، بجوار أهلي الموتى. صباح الجمعة عادوا، لكي يضعوا علينا الأغطية، لاحظوا أنني أرتعش. أطلقوا النار علي، فأصابت خدّي الأيمن، وعندئذ غطوني. سرت في شارع مجاور، وأردت تغيير ملابسي الملوثة بالدم في منزل مهجور دخلته. دخل اثنان من القتلة إلى المنزل، وقالا لي: (هل ما زلت حياً. أعطنا مما وجدته من الذهب والنقود)، فقلت متوسلاً: لم أسرق شيئاً. أتوسل إليكم، اتركوني. لقد قتلتم كل أفراد عائلتي). سأله أحدهم: هل أنت لبناني أم فلسطيني؟. أجبتهم: لبناني، فقال: حسناً، إذاً، اذهب لتنام في الغرفة. لو كنت فلسطينياً لقتلتك. وقال الآخر: (دعه يموت... إنه ينزف). تركوني، فزحفت نحو مستشفى غزة. وهكذا كتبت لي النجاة. 10. وجلست أبكي قرب جثتها: قال مواطن لبناني: غادرت وزوجتي مخيم شاتيلا. وجاء المسلحون.. فانهمر الرصاص ونحن نركض. فوجئنا بحاجز إسرائيلي. أبرزت هويتي اللبنانية، لكنهم انهالوا عليَّ ضرباً بالهراوات. حاولت زوجتي أن تصرخ، فلم تستطع. كان الدم ينزف من صدرها. بصقوا عليها، وراحوا يتحدثوا بلغة لم أفهمها. انشغلوا بملاحقة عائلة أخرى هاربة، فانتهزت الفرصة.. تحاملت على نفسي. وساعدت زوجتي على النهوض. كانت كلما سارت خطوتين، تقع على الأرض. تمكنا من الوصول إلى طريق آخر، لكن زوجتي سقطت صريعة. جلست قرب جثتها أبكي، إلى أن شدّني رجل، وأخذني إلى بيته القريب. 11. والدتي مريم قالت: إنَّهم موتى، لقد قطَّعوهم بالبلطات: مواطن فلسطيني من شاتيلا، قال: اعتقلونا يوم الجمعة مساءً. كنا ثلاثين. أمرونا أن نصطف عند جدار أحد المنازل. بدأوا يطلقون النار من بنادقهم. ولم نستطع أن نراهم بسبب الظلام. بعد رحيلهم، سمعت شخصاً إلى جانبي (يئنُّ). كان جريحاً سقط فوق أحد الضحايا. ساعدته في النهوض، وزحفنا إلى منزل مهجور، وربطنا جراحنا. ثمّ جاء أهل المخيم، ونقلونا إلى المستشفى. في صدري رصاصة عجز الأطباء عن إخراجها، وفي ذراعي وساقي، شظايا الرصاص متفجر. زوجتي وأطفالي الثلاثة مفقودون، لكن والدتي مريم عادت وأخبرتني: إنهم موتى، قطّعوهم بالبلطات. 12. وتناثر دمهم فوق (القرآن الكريم): شيخ عجوز فلسطيني فوق الستين يتكئ على عصاه... وكتف حفيدته. يسير بين أنقاض المخيم، قال: بحثت عن عائلتي داخل البيت بين الأنقاض، فلم أجد أثراً لهم. قال لي رجال الإسعاف أن أبحث عن عائلتي في مسجد المخيم، أو في المدينة الرياضية. في المسجد، وجدت إحدى بناتي مربوطة اليدين والقدمين، مذبوحة إلى جانبها طفلها الرضيع، طعنوه بالسكّين. وعلى بعد قدمين، وجدت زوجتي المسكينة، مذبوحة أيضاً، وتمسك بذراع إحدى بناتي القتيلات. وبالقرب منهما، وجدت ابنتي الصغرى مُضرَّجةً بدمائها. تناثرت حولها أوراق ممزّقة من القرآن الكريم وقد تبللت بالدم( ). 13. شهادة (سعاد سرور المرعي)، التي قُدّمت إلى المحكمة البلجيكية، ضدّ شارون: عصر يوم السادس عشر من أيلول 1982، كان عمري (14 سنة)، وكان أخي (ماهر) في الثانية عشرة من عمره. كنا ذاهبين إلى أحد الملاجئ، حيث كان يختبئ فيها أصدقائي، من القصف والقنص، لأطلب منهم المجيء معي إلى منزلنا. في الطريق، شاهدنا جثثاً ممدّدة في الطريق، والدماء تسيل منها. فجأةً سمعت صوتاً يناديني، وعرفت من الصوت أنه صوت جارنا (أبو رضا)، الذي طلب مني مساعدته. قال لنا: لقد ذبحونا، وقتلونا، واغتصبوا البنات، وأخذوا جميع من تتراوح أعمارهم بين (12-16 سنة). وقال لي: اهربوا من بيوتكم، لأنهم سيعودون ويقتلون جميع من في (المخيم). وبينما كنت أسأله عمّا جرى، فاجأني صوتٌ يقول: أنتم يا كلاب، هل ما زلتم على قيد الحياة، ألم تموتوا بعد!!. هربنا راكضين نحو المنزل، لنخبر أهلنا عمّا رأيناه من جثث ودماء. أخبرنا (أبي)، فقال: لن يحصل لنا شيء، إلاّ بما شاء الله لنا، فهو الذي خلقنا، ويفعل بنا ما يشاء. بقينا في منزلنا حتى فجر اليوم التالي، أي يوم الجمعة (17/9/1982). عند الساعة الرابعة والنصف صباحاً، ذهبت (جارتنا) التي بقيت معنا تلك الليلة مع أخي الصغير (11 سنة) إلى سطح المنزل، ليشاهدوا ما يحصل، ونقرر بعدها، إذا ما كنا سنبقى في المنزل أم نغادره. ولدى صعودهم إلى السطح، شاهدهم (المسلحون)، الذين يتمركزون على تلَّةٍ قريبة. أصيبا بالذعر. وعادا مسرعين، ليخبرونا عمّا شاهدوه... وما هي إلاَّ لحظات، حتى سمعنا أحدهم يقرع الباب. سأل والدي: مَن الطارق. أجاب الصوت: نحن جيش الدفاع الإسرائيلي، نريد تفتيش البيت. وما إنْ فُتح الباب، حتى دخل (13 مسلحاً). دخلوا إلى البيت وطوَّقونا، وبقي بعضهم في الخارج، وصعد البعض الآخر إلى سطح البيت. وقفت أنا، وأختي الصغيرة إلى جانب والدي، ووقف بقية إخوتي إلى جانب أُمّي، وجارتنا. رحَّب والدي بهم، ودعاهم للجلوس. فقال أحدهم: نريد أن نأخذ كل شيء في البيت. فقلت له: لماذا تريدون أخذ كل شيء، بعد أن أخذتم أغلى ما عندنا (أرضنا) في فلسطين... ماذا تريدون بعد. فأجاب: سوف ترين الآن، ماذا نريد أن نأخذ. أريد أن آخذك، أنت وأختك. فتوسَّل والدي إليه، وقال: خذ كل شيء، إلاَّ الأولاد. فضربه الجنديّ على وجهه، حتى نزف منه الدم. لم أستطع أن أتمالك نفسي، فصرخت في وجوههم: كيف تضربون رجلاً كبير السّنْ. فضربوني، ودفعوا بي إلى الأرض. أخذوا كل ما لدينا من المال، والخواتم، وأمرنا أحدهم بالدخول إلى إحدى الغرف، وأن ننظر إلى الحائط، وطلب منا عدم الالتفات إلى الخلف. رفعت أختي الصغيرة يديها، عمرها كان (عاماً ونصف العام) طلبت من أمّي، أن تحملها، لأنها شعرت بالخوف. بدأوا إطلاق النار علينا. أُصيبت أختي الصغيرة برصاصة قاتلة في رأسها، وأصيب والدي في صدره. أمّا أخي شادي (3 سنوات) و(فريد: 6 سنوات)، وبسَّام (11 عاماً)، وأختي شادية (سنة ونصف)، فقد ماتوا جميعاً على الفور. ومن بقي سالماً، كان أخي ماهر (15 سنة)، وأخي إسماعيل (9 سنوات)، لأنهما اختبآ في الحمَّام. أما أختي (نهاد: 15 سنة)، وأمّي، فقد أصيبتا إصابات غير قاتلة. أما أنا فقد أُصبت حالاً بالشلل، ولم أستطع أن أتحرك. اعتقد المسلحون أننا جميعاً فارقنا الحياة، فغادروا. نادينا على بعضنا البعض لنعرف من بقي منا على قيد الحياة. وطلبنا من أمّي، وشقيقتي أن يخرجا من البيت، وأن يحضرا من يخلصنا. بقيت أنا مع أبي المصاب، محاطين بجثث أفراد العائلة. لقد كان وقتاً رهيباً، لن أنساه مدى الحياة. وعند الساعة العاشرة صباحاً، عاد ثلاثة مسلحين لأخذ الأموال التي نسوها في المنزل. فارق والدي الحياة. وفي المساء، عادوا، وشاهدوني أشرب الماء، فجُنَّ جنونهم لبقائي حيَّة، فأطلقوا عليَّ النار، وأصابوني في رأسي، ففقدت الوعي.. ولم أستفق، إلاَّ في ساعة متأخرة من الليل. سمعت مُواء القطط، وهي تدور حول الجثث الهامدة. حاولت بيدي السليمة أن أغطي الجثث بالشراشف ولم أنجح في ذلك. وفي صباح يوم السبت (18/9/1982)، عاد المسلحون، ولكنني تظاهرت بأنني ميتة. وفي صباح يوم الأحد (19/9)، أنقذني جنديٌّ من (الجيش اللبناني). خلع الجندي سترته، وغطّى بها جسدي العاري، وأخذني معه. ولدى خروجي من المخيم، رأيت الجثث المذبوحة، والمنتفخة في الطريق، وسمعت أصوات الصراخ والنحيب طوال الطريق. سلَّمني الجندي إلى الصليب الأحمر، فوضعوا لي على الفور، جهاز التنفس الاصطناعي. أخذوني إلى أحد المستشفيات، فرفضوا استقبالي، لأنني كما قالوا: فلسطينية. ثمَّ أخذوني إلى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت. كان هناك العديد من الصحافيين، لكنني لم أستطع الكلام، حيث فقدتُ قُدرتي على النطق تماماً. أخذوني إلى قسم الطوارئ، فاستخرجوا الرصاصات من جسدي. كنت أُصاب بانهيارات عصبية كلما تذكرت المشهد. أشرت إلى الطبيب أن يحضر لي قلماً وورقة. كتبت له ما حدث لعائلتي، فوعد هو، وبعض المراسلين الصحافيين أن يجدوا لي عائلتي. بعد بضعة أيام، جاء الطبيب ليقول لي بأنه عثر على والدتي. لم أستطع التعرّف عليها، إلاّ أنها بدأت تذكرني بأشياء حميمة، أثبتت لي أنها أمي بالفعل. بدأت بالصراخ، وأُصبت بانهيار عصبي. وبعد أن عالجوني في مستشفى الجامعة الأمريكية، قال لي الطبيب إنه عليَّ أن أكمل علاجي في الخارج، وأخذوني إلى مستشفى تابع للهلال الأحمر الفلسطيني. وعلى باب المستشفى، شاهدت جنوداً لبنانيين من الجيش، فبدأت بالصراخ. أعطوني مهدّئاً، فلم أكن أستطيع رؤية أي رجل مُسلَّح. توهمت أن الجميع يريدون قتلي. بقيت أصاب بنوبات هستيرية حادّة. طلب الأطباء أن يتم نقلي إلى طرابلس، لكي يتم نقلي إلى الخارج لمتابعة العلاج. أحضرت لي أمي أغراضي، ونقلني سائق لبناني، وكان برفقتي حارس لبناني أيضاً. كنت ممدّدة على مقعد السيارة الخلفي. قاد بنا سائق السيارة على الطريق الساحلي، ولدى وصولنا إلى (حاجز البربارة: حاجز الموت)، طلب مني السائق أن لا أتحرك، وعندما كان السائق يشرح لهم حالتي الصحيَّة. قالوا له: نعم، نحن نعرف. نظرت إليهم، وعلى الفور، عرفت أنني أمام اثنين من المسلحين، الذين كانوا في منزلنا، ليلة القتل. نقلونا نحن الثلاثة: السائق، والمرافق، وأنا إلى سيارة عسكرية. وقالوا: (الآن ستموتين). أمروا الحارس أن يخلع ملابسه، وأن يجلس فوق زجاجة، ثمَّ ضربوه، حتى توفي فوراً أمام عيني. ومن ثمَّ نزعوا مني كيس البول، وجميع الأجهزة الطبية.. ونزعوا عني حتى الغطاء. تركوني على صخرة قرب البحر حتى أموت. قال أحدهم: ستموت من تلقاء نفسها. بقيت طيلة الليل في ذلك الوضع. كان السائق ينظر إليَّ برأفةٍ أبوية. وفي اليوم التالي، طلب مسلحو حاجز البربارة من السائق، أن يُعيدني من حيث أتيت. ثمَّ أعادني السائق إلى المستشفى في حالةٍ يرثى لها. ولم أكن قادرة على التكلم على الإطلاق. ورفضت رؤية أحد، وازدادت النوبات الهستيرية التي كانت تأتيني. بقيت غير قادرة على التكلم، لمدّة عامين، أجلس على كرسي متحرك، أعيش مع كل المعاناة في داخلي(*). 14. ميلانة بطرس ألها: قتلوا زوجي علي البرجي، وابني: قاسم: لبنانية من مواليد (مزيارة ـ قضاء زغرتا) عام 1939، قتل المسلحون زوجها علي إبراهيم البرجي، وابنها قاسم البرجي. تقول: منزلنا تهدَّم بالاجتياح، دمّره الطيران الإسرائيلي قبل المذبحة. وكان الجيش اللبناني يزيل الحواجز والمتاريس في شوارع المخيمات، وعند مداخلها. لم يكن في (صبرا وشاتيلا)، أيُّ (فدائيين فلسطينيين)، لقد رحلوا إلى تونس والجزائر وسوريا، واليمن والسودان، وغيرها. أحد عناصر الجيش اللبناني، له صلة قرابة بي. كنت أضع الشاي، وأردت الذهاب عنده ليشرب الشاي مع زملائه، لكنني لم أجد أثراً لهم. لقد رحلوا فجأة عن المنطقة. ولا أعرف إلى أين. جاء الإسرائيليون. يوم الخميس، كانت (بنت صغيرة، عمرها أربعة عشر عاماً)، تشرب الماء عند تمثال (أبو حسن سلامة) في أوّل مفرق (صبرا). قتلها إسرائيليون، بإطلاق الرصاص على رأسها، وهي تشرب الماء. وفي مساء الخميس، بدأنا نسمع صوت رصاص، فهربنا إلى ملجأ (أبو ياسر). وفي الساعة السادسة من مساء الخميس، وقف المسلحون عند باب الملجأ، وبدأوا يشتموننا. صاحوا: ليخرج أبو مرهف، وهو جارنا، خرج فقتلوه على الفور. كان الإسرائيليون في كلّ مكان. القتلة، حسب معرفتي، هم: (قوّات لبنانية، قوات سعد حدّاد، قوات نمور الدامور الشمعونيين). في البداية، عندما جاءوا، اعتقدت أنهم من الجيش اللبناني، فقلت لهم: (الله يحميكم!)، لكنهم بدأوا يطلقون الشتائم البذيئة. أخذونا إلى التلة مقابل السفارة التركية، وهي بجانب مقر الأمم المتحدة الآن، وغرب السفارة الكويتية: شاهدت أمام البناية: (حبيقة، وشارون)، ومسلّحين كثر. كنت أعرف شارون من التلفزيون والأخبار. قلت للمسلحين: (أنا لبنانية مسيحية مارونية). بدأوا يشتمونني، وقال أحدهم: (الآن، تذكرتِ أنك مارونية!!). ثمَّ أخذونا إلى (بكفيّا)، في الشاحنة، التي وقفت أمام بيت بشير الجميل. وهناك، خرجت إلى الشرفة امرأة لا أعرفها، لكن الناس معي، قالوا: إنها (صولانج)، زوجة بشير. قالت هذه المرأة، وهي واقفة في الشرفة (البرندا)، للمسلحين: (لا أريد نساءً وأطفالاً، أريد أن تأتوني بالرجال). كان معنا ولد فلسطيني، اسمه (جمال الزيون)، عمره 16 سنة، كان قد اندسّ بين النساء والأطفال. أخذوه في (بكفيا)، ولا أحد يعرف أثراً له منذ يوم الخميس (16/9/1982 ـ الساعة 11 ليلاً). ثمَّ أعادونا إلى الإوزاعي، وتركونا يوم الجمعة. حاولنا يوم الجمعة، أن ندخل المخيم، لكن الإسرائيليين، والقوات اللبنانية، منعونا من الدخول. بقينا في الشوارع المحيطة بالمخيم، أمام البنايات، حتى صباح الأحد (19/9)، حيث دخلنا المخيم. شاهدت ما لم أره طوال حياتي. شاهدت عشرات الجثث الممدة على جانبي الشارع. وجدت (زوجي، وابني قاسم)، مقتولين بالبلطات والسكاكين. وجدت بلطة مليئة بالدم. أخذتها، لكن أحداً ما، أخذها مني بعد ذلك، لا أتذكر من هو!. دفنتُ (زوجي، وابني، وابن سلفي) (في روضة الشهيدين)، ودفعت تكاليف النقل والدفن). وقد أكّدت صحّة مقتل الطفلة على يد الإسرائيليين عندما كانت تشرب الماء، السيدة (سنيّة محمد قاسم رمضان)، عمّتها، واسم الطفلة، هو (رجاء علي رمضان)، والدها أحد شهداء الثورة الفلسطينية. قالت عمّتها: (بينما كانت تشرب الماء، مرّ جيب إسرائيلي مسرعاً، وأطلق عليها النار، فماتت على الفور)(*). 15. إنَّه لبناني، لكنّه مسلم، فقتلوه!: (م. و.)؛ فلسطيني؛ 53 سنة؛ بقال؛ يقيم في مخيم شاتيلا: يوم الخميس، كنت في الملجأ، أقفلت الدكان من الظهر ونمت في الملجأ. الساعة الخامسة خرجت من الملجأ، وكان مليئاً بالناس. جئت واختبأت في بيت وراء دكانتي؛ فبدأ إطلاق النار. خرجت ورأيت الكتائب على بعد خمسة أمتار مني وهم يتقدمون صارخين: (ضهار وليه)، وكانوا يطلقون النار. ظننا في البداية أنهم إسرائيليون، لأن إذاعة الكتائب كانت قد أعلنت أن الجيش الإسرائيلي قد دخل المخيمات. وكانت النتيجة أن الذين دخلوا كتائب. وعندما رأيتهم قلت لصاحبي (هؤلاء كتائب.. أهرب)، ودخلت إلى الدكان لآخذ ملابسي وأهرب، فوجدتهم يتمركزون في إحدى الزوايا، لكنهم لم يروني، وسمعت أحدهم ينادي لرفيقه: (تعا يا طوني)، فتأكدت مئة بالمئة أنهم كتائب، فأقفلت (الدكان) بهدوء وبقيت داخلها ثلاثة أيام بلياليها، وأنا أراقبهم من خلال ثقب في الباب. كانوا موجودين خمسة من اليسار وخمسة من اليمين، وكانت أسماؤهم (الحاج نقولا) و(الحاج توما) و(بطرس) و(طانيوس) و(جريس) و(الياس) و(ميشال)؛ وكانت لهجتهم مثل المناطق الشرقية أي الأشرفية. كانوا يقتلون كل من يرونه في طريقهم، لا فرق عندهم بين ابن أربعة أشهر وابن تسعين سنة. وصادف أنه مر رجل مسن مع زوجته، فقال أحدهم (دعوهم يمرون لأنهم مسنون)، وبعد أن مروا من قربهم، قال مسلح آخر: (اقتلوهم). ومر شاب لبناني قال: (الريس (مسؤولهم) سمح لي بأن أمرّ لأنني لبناني)، فقال له (واحد لبناني ولكن مسلم) وقتله. وبقيت على هذا الحال من يوم الخميس حتى يوم السبت، فوجدت الناس تمر جماعات، فخرجت من الدكان ومشيت مع الناس، فشاهدني أحدهم وقال لي (كنت في الدكان)، فقلت له (نعم)، فقال لي (امشِ مع الناس). وكانوا ينتقون من بين الناس واحداً واحداً ويأخذوهم في (اللاندات). أما نحن فقد أخذونا عند موقع إسرائيلي قرب السفارة الكويتية، وبدأت القوات الإسرائيلية تحقق معنا.. (من يعرف مقاتلاً ومن لا يعرف؟). كان مكتوباً على ملابس المسلحين: (القوات اللبنانية). وكان معهم ثلاث سيارات: مرسيدس، بيجو، ولاند عكسري. 16. ثمَّ جاء الصليب الأحمر: (ع. خ.)؛ المديرة الإدارية لمستشفى غزة؛ 36 سنة: بعد انتهاء الحرب، ووقف إطلاق النار، عاد الدوام الطبيعي إلى مستشفى غزة. وبعد مقتل (بشير الجميل) علمنا بدخول الإسرائيليين إلى بيروت الغربية، ووصولهم إلى منطقة الفاكهاني، فوق المستشفى. سمعنا من الناس أن القوات الإسرائيلية جاءت لتحمي الناس من الكتائب. نهار الخميس صباحاً، جاءت رئيسة الجمعية من (الحمراء) وزارت المستشفى، ثم ذهبت إلى مستشفى عكا. الإسرائيليون تواجدوا بالقرب من (عكا) منذ نهار الخميس صباحاً. الخميس بعد الظهر، ابتدأ إطلاق النار بشكل كثيف. كانت القذائف تتساقط من كل الجهات. خاف الناس، وجاءت أعداد وفيرة منهم إلى (مستشفى) غزة (قدرنا عددهم بحوالي 1500 لاجئ من أطفال ونساء ومسنين) وامتلأت مداخل المستشفى وطبقاتها، وبدأ الجرحى ـ ومعظمهم جرحى قنص ـ يتوافدون إلى المستشفى، وبعد ساعات جاءت جماعات أخرى وأخبرتنا بأن المسلحين يدخلون البيوت ويرشون ساكنيها دون تمييز. سألت عن لهجتهم؟ فأجابوني أنها بعلبكية، فأخبرت الأطباء الأجانب بأن هناك جماعات مسلحة دخلت المخيمات لإلقاء الذعر في صفوف المواطنين، أو بهدف السرقة، هكذا تصورنا. ولم نكن نتصور أن مجازر ستقع. حاولنا الذهاب إلى الإسرائيليين المتواجدين بالقرب من (عكا)، فأخبرونا بأن الطريق غير آمن. اتصلنا ببعثة فرنسية وطلبنا منها الاتصال (بمستشفى) عكا والإسرائيليين؛ ردت البعثة بأنها لا تستطيع، لأن لديها جثثاً كثيرة يجب دفنها، وجرحى يجب معالجتهم. سهرنا طول ليل الخميس. صباح الجمعة حاولنا عن طريق مسؤول الإسعاف والطوارئ الذي استشهد، فيما بعد، ويدعى (زياد معروف)، الاتصال بعكا أو تأمين حماية لنا من قبل الصليب الأحمر، ولكننا تلقينا معلومات بأن (مستشفى عكا) في خطر. غادرت مستشفى غزة وذهبت إلى مستشفى المقاصد، حيث نصحني مديرها الاتصال بالرئيس صائب سلام والصليب الأحمر. اتصلت بالصليب الأحمر مع السيد كونغ وأخبرته بالوضع، وطلبت منه أن يتصل بالجيش الإسرائيلي. ذهب طاقم من الصليب الأحمر إلى عكا، ولكنه لم يصلها بسبب القنص والقصف. رجعت إلى غزة، وأخبروني بأن الأخ زياد معروف واثنين معه استشهدوا في سيارة تابعة للصليب الأحمر ـ وليس للهلال الأحمر ـ وكانت السيارة هدية من البعثة الفرنسية. الساعة الثانية، وصلت ممرضة نرويجية من (عكا) وأخبرتنا بأن مسلحين تابعين للكتائب راحوا يقتلون المرضى ويعتقلون المدنيين وحتى الأطباء. اجتمعت بطاقم المستشفى العربي وأخبرتهم بأن عليهم أن ينتشروا، لأن المعلومات التي وصلتنا خطرة. ثم اجتمعت بالطاقم الطبي الأجنبي، وهو من مجلس الكنائس العالمي ووضعتهم في الصورة، فأبوا أن يغادروا المستشفى وقالوا أنهم يتحملون مسؤولية تواجدهم في المستشفى ومسؤولية الجرحى. فطلبنا من المدنيين إخلاء المستشفى حرصاً على حياتهم بعد أن وصلتنا أخبار مذابح في مستشفى عكا. اتصلنا بالصليب الأحمر وأخبرناه أن وضعنا غير طبيعي. اجتمعت كذلك بالكادر اللبناني وأطلعتهم على كل شيء، فأيدوا استعدادهم للبقاء وتحمل المسؤولية، ونصحوني بمغادرة المستشفى حرصاً على حياتي. في الساعة السادسة من مساء الجمعة حضر الصليب الأحمر، واستطعنا إخلاء سبعة أطفال من غرفة العناية الفائقة، وتركت المستشفى في تمام الساعة السادسة. 17. ذبحوا: والدتي، وأختي وزوجها، وأخي وزوجته، وأولادهما: (هـ. م.)؛ لبنانية؛ 21 سنة؛ من محيط مخيم شاتيلا: نهار الخميس سمعنا بدخول الإسرائيليين، وعند الساعة الرابعة تقدموا باتجاه الحرش. خفت وقلت لزوجي (يجب أن أذهب إلى الغبيري)، وما هي إلا لحظات حتى جاء أخي (س) البالغ من العمر 19 سنة، والذي يملك سيارة. وكان معه ثلاث جثث لرجال لا يعرفهم، وجدها بالقرب من تمثال أبو حسن سلامة. ثم أرسلها إلى مستشفى عكا. ذهب إلى السوق ليشتري طعاماً لعائلته، وكانت أمي وأختي وامرأته (ص) وأولادهم موجودين في بيت أختي (أ). وأنا بقيت في البيت مع أولادي، بينما توجه زوجي ورجل آخر إلى مستشفى عكا مع أولاده من امرأته الأولى. وفي المساء دخل المسلحون إلى بيت أخي، وكانوا يقطعون بطيخة ليأكلونها؛ ذبحوا والدتي وأختي (أ) وزوجها وأخي (س) وامرأته (ص) وأولادهما. أما زوجي، فحتى الآن لم أعرف عنه شيئاً.. والرجل الذي رافقه وجدت جثته. 18. قلت له: (عيب أنا مثل أمّك)، فقال لي: (ع. ح.)؛ لبنانية؛ 55 سنة من بئر حسن: في أول أيام المجزرة كنا قرابة خمسين إلى ستين امرأة، جمعنا المسلحون قرب تمثال أبو حسن سلامة، حيث راحوا يشتموننا: (عكاريت.. (شـ...))، قلت لأحدهم (عيب أنا مثل أمك)؛ فأجابني (هيك فيك وبأمي). وقال مسلح آخر: (أطلق عليهم الرصاص؛ أطلق عليها الرصاص.. رشها). أخذونا إلى المدينة الرياضية، أطلقوا سراح بعضنا، واحتفظوا بالبعض الآخر: أنا أطلقوني، وعدت إلى بيتي. سمعت بأخبار المذبحة، وكان ابن أختي معي، فذهبت إلى مستشفى عكا، ورأيتهم (أي المسلحين) يذبحون الناس.. (انهبلت) (انسطلت).. كانوا ينكلون بالناس. وجدت أربع جثث على الطريق المؤدية إلى (رياض)؛ وقفت، فقال لي (لماذا تقفين هنا؟) قلت له (لا أعرف) فأمرني بالرحيل، فرجعت إلى بيتي في بئر حسن، فوجدته مدمراً ومجروفاً بالجرافة. أحد المسلحين، كان يخاطبني بلهجة لبنانية، كان يقول لي (ولي)، ويرتدي لباس الجيش. 19. وبعد لحظات، سمعنا أصوات الرصاص: (ب. أ. ر)؛ فلسطينية؛ 17 سنة؛ حامل في شهرها الخامس؛ تقيم في مخيم صبرا: مساء الخميس، الساعة السادسة مساءً، كنا في منزلنا والقذائف في الخارج تتساقط علينا. اقترح زوجي أن نذهب إلى بيت خالته؛ فذهبنا. جاءت بعد لحظات أخت زوجي (ع) وأخبرتنا أن (إسرائيل) دخلت المخيم. هنا قال زوجي (نحن لم نقاتل وسوف نستسلم). طلب زوجي من أخته أن تذهب إلى بيتنا وتجلب معها البطاقات الشخصية. ذهبت، وبعد لحظات سمعنا صوتها، صرخت: (آخ يا أمي). اقترحتُ على عمي (م. أ. ر) ـ وهو متقدم في السن ـ أن يذهب ويرى ماذا حصل؟. قلنا له: (أنت شيخ ولا أحد يجرؤ على قتلك) فذهب، وبعد لحظات سمعنا طلقة رصاص. انتظرنا طويلاً ولم يأت أحد. أصبنا بحالة ذهول، ولم نكن ندري بما يدور في الخارج. كانت أصواتهم تأتينا ممزوجة بصراخ وأنين.. (إلياس، جورج، تقدموا إلى البيت الثاني). صباح الجمعة، حاولوا الدخول إلى البيت الذي كنا نقيم فيه، وهو مؤلف من طبقتين. لم يدخلوا من البوابة الرئيسية؛ وضعوا سلماً وكسروا حائط المبنى العلوي ودخلوا البيت. راحوا يكسرون التلفزيون والمسجل وأواني البيت. كنا نسمع صوت الحطام ولكننا لم نعرف ماذا كان يدور. هنا اقترح ابن عمي أن نصرخ ونقول (معنا أطفال صغار) وأن نظهر رؤوسنا من النافذة، لعلهم يمتنعون عن إطلاق الرصاص إذا ما شاهدوا النساء. مددنا رؤوسنا أنا و(ع) من إحدى النوافذ، وعندما رأونا، أمطروا النافذة بالرصاص وراحوا يصرخون: (اطلعوا.. سلموا يا (عر...)، ارفعوا أيديكم). وبعد لحظات دخلت مجموعة من الجنود إلى المكان الذي كنا نقيم فيه، كان عددهم حوالي العشرين، يرتدون لباساً داكن اللون، أخضر، وعلى ذراعهم استطعت أن أقرأ (جيش لبنان الحر ـ قوات الرائد سعد حداد). أما على القبعات، فقد كتبت عبارة (جيش لبنان الحر). قسمونا إلى قسمين، الرجال إلى جهة والنساء إلى جهة أخرى. هنا شعر زوجي بأنه سيقتل، فحاول أن يعطيني النقود التي بحوزته، ولكن أحدهم منعه. هنا ركعت عند رجليه، وقلت له (ادفع لك ما تريد، المال، الذهب، ولكن لا تقتل زوجي والآخرين)، فرد قائلاً (اصمتي قبل أن أُكوّم جسدك). ثم أُمرنا نحن النساء بالخروج من المنزل، فخرجنا مع أولادنا، وما إنْ وصلت إلى زاروب بيتنا، حتى رأيت جثة عمي ملقاة على الأرض، فصرخت. (يا مشحرة هذا أبوك يا (ش))، واستطعت أن أرى أمام مطبخ منزلنا جثة رجل آخر، وأمام بركة الماء جثة أخرى لرجل يرتدي بنطلون (الجينز) وشعره أجعد وغارق في الدماء. كانت الجثث مترامية على الطريق، وأثاث بيتنا كله في الخارج، والمسلحون يشربون البيبسي والبيرة وأشياء أخرى، أخذوها من حانوتنا. لا أستطيع تقدير عددهم لأنهم كانوا كثيرين. صرخ أحدهم (خذهم إلى المدينة الرياضية)؛ مشينا أمامهم. وفي الطريق استطعت أن أتعرف إلى جثة (ع.) أخت زوجي، كانت مغطاة، عرفتها من تنورتها وشعرها، وصرخت: (هذه (ع)... مقتولة يا (ش.))، ورأيت كثيراً من الجثث ولم أعرفها، ولكني تعرفت على جثة جارنا (أبو نايف). كان مضروباً على رأسه بفأس، ونخاعه أمامه على حجر. بعد كل الذي رأيت، لم أصدق أننا سنبقى على قيد الحياة. اقتادونا إلى المدينة الرياضية، ووضعونا في غرفة مع نساء عديدات، وفي الخارج، كان الجنود يشتموننا ويطلقون الرصاص في الجو. أحدهم جلس على كرسي وأخرج (خنجراً) وراح يلعب به، تارة يضعه على صدره وطوراً على رقبته. خفت كثيراً وقلت في نفسي: سوف يقتلوننا بهذا الخنجر. طفل ابنة عمي أخت زوجي، وعمره شهران، راح يبكي، فصرخ أحدهم في وجهها (أسكتيه وإلا قتلته). في هذه الأثناء، حضرت سيارة صغيرة كحلية، كان بداخلها شخص يرتدي لباساً عسكرياً، حينما ترجل من السيارة وقف جميع الجنود. إحدى النساء قالت (ربما يكون سعد حداد). بعد ذلك أمرونا أن نخلي المدينة الرياضية ونتوجه إلى محيط السفارة الكويتية، كنت جائعة ومنهوكة القوى، وكذلك أولادي، رحت أبكي، فشتمني أحدهم قائلاً (لماذا تبكين أيتها الكلبة؟). وعندما كنا نسير على الطريق المؤدية إلى محيط السفارة الكويتية، كانوا يأمروننا بأن نسرع، ومن كانت منا لا تركض، كانوا يرشقونها بالرصاص بين رجليها. لم أستطع أن أركض بين الألغام، لأنني حامل في شهري الخامس ومعي ولدان. وأخيراً وصلنا إلى محيط السفارة الكويتية ورأينا جنوداً ودبابات إسرائيلية. رجعت السيارة الكحلية. نزل رجل لا أعرفه، وصرخ قائلاً (أيها الكلب إلى أين تأخذهم؟ أعدهم إلى المدينة دون طعام؛ هؤلاء لا يستحقون شيئاً) فأعادونا إلى المدينة الرياضية. وجدنا في المدينة مسلحين اثنين؛ قال أحدهما: (اذهبوا إلى شارع الفاكهاني ربما تجدون شيئاً تأكلونه). ذهبنا إلى بناية في شارع الفاكهاني ودخلناها، فوجدنا عائلتين كرديتين، وعندما عرفوا أننا فلسطينيون خافوا من العاقبة وطردونا، وطلبوا منا أن ننام خارجاً، ولم يعطونا شيئاً نأكله، ولكن أحد الرجال أعطانا (بطانيات) كي ننام. لم نتمكن من النوم من شدة الجوع والتعب، ولم ندرِ كيف طلع الصباح. صباح السبت، قلت في نفسي: الله لا يقطع، يجب أن نأكل شيئاً، خصوصاً الأطفال الذين راحوا يلحون عليّ بطلب الماء والحليب والطعام. كنت حزينة وتعبة، ولم أكن أدري ماذا حصل لزوجي ولابن عمه، وهل ما زالا أحياء أم أن المسلحين قتلوهما؛ ذهبنا إلى منطقة (عائشة بكّار)، وفي مدرسة المهجّرين، اشترينا خبزاً وجبناً. وأكلنا للمرة الأولى منذ ثلاثة أيام. (ع)، امرأة ابن عم زوجي، قالت: سوف أرجع إلى المخيم، يجب أن أعرف ماذا حلّ بزوجي). ذهبت بمفردها، ولم نجرؤ، (ش، وأنا) على الذهاب معها. رجَعَتْ بعد ساعتين، وهي تولول، وأخبرتنا، بأن زوجي، وزوجها، وزوج (ش)، وجدوا مقتولين مع اثنين لا نعرفهما، وقد وضع القتلة فوق جثثهم درّاجة نارية. وقالت إن هناك مئات الجثث في المخيم، والمسلحون يقولون: (مَنْ له جثَّة، فليسرع ويدفنها). بكيت كثيراً ولطمت وجهي. وبعد ساعة جاء (سِلْفي)، شقيق زوجي، وأخذنا إلى بيته( ). 20. كان يحمل قناني الحليب لبناته، قاموا، رَشّوه: (أمّ محمد)، فلسطينية من (شفا عمرو ـ قضاء حيفا)، وزوجها من (لوبيا ـ قضاء طبريا)، كان يسكنون (حي فرحات)، تقول: (يوم الخميس، الساعة السادسة، كان ابني (سعيد) على عتبة البيت، صرخ به أحد المسلحين: (إطلع يا عَرْص). قال له سعيد (أنا بأمرك). ابني سعيد (بيغلب عشرة قدّو)، لكنَّه ظن أنه إسرائيلي، يريد التحقيق معه، ولم يخطر بباله أنه غدّار. قام المسلّح برشّه بالبندقية، فوقع سعيد تحت عربية الخُضْرة، فوجدناه ميتاً. منذ أن خرج الفدائيون من لبنان، اشترى سعيد العرباية، وصار يبيع الخضرة. شاهدت (زوجته) مشهد القتل لزوجها، فاختبأت هي وأولادها. ابني (موسى) كان بالملجأ. نادوا عليهم: (سلّموا). خرج، وهو يريد الهرب من الزاروبة التي أمام البيت، ولكنهم رأوه، فحاصروه. كان موسى يحمل ابنته (سنة وشهر). قاموا رشّوه. كان يحمل قناني الحليب لبناته التوأم. أخذوا (مصرياته)، وذبحوه، ودمّروا الشرفة (البراندا). عديل ابني، رشَّوه بثلاثين رصاصة. قتلوا زوج ابنتي (قاسم أبو حرب (أبو محمود): كان يبيع (بسكليتات)، وكان وضعه المادي جيداً. شلَّحوا بنتي كل الذهب والنقود. قالت لهم: (دخيلكم، خذوا كلَّ شيء واتركوا زوجي)، لكنهم قتلوه. زوجي، وأبنائي الآخرين، جاءوا يوم الجمعة. نادوهم بأسمائهم. أخذوهم في السادسة والنصف). وراحت (أم محمد)، تعدد ضحاياها في يومي الخميس، والجمعة: أربعة من أبنائها، وزوجها، وزوج ابنتها، وحفيدها، وصهرين من أنسبائها، فقدتهم جميعاً)(*). 21. (أمُّ غازي)، فقدت أحد عشر شخصاً من عائلتها: أما أم غازي التي فقدت أحد عشر شخصاً من أفراد عائلتها، فقد قالت: عشرون عاماً مضت على المجزرة كأنها البارحة، فعندما جاء المجرمون إلى بيتي كنا نقيم ذكرى أربعين ابنتي كانت قد توفيت في المبنى الذي قصفه (الإسرائيليون) في منطقة الصنائع، وكان مقراً للرئيس عرفات. جاء أفراد عائلتنا من (صور) للمشاركة في ذكرى أربعين ابنتي، وكانوا جميعاً هنا، لم نكن نسكن في هذا البيت بل في الحي الغربي المتاخم لشارع المخيم الرئيسي ـ كان يوم جمعة، قتل يومها أخوتي وأولادي وزوجي وصهري. عندما دخلوا علينا كانوا اثني عشر مسلحاً يحملون البنادق والبلطات والسكاكين لم نكن نعرف بالمجزرة، كان الباب مفتوحاً، والبيت مزدحماً بالنساء والأطفال والرجال فصلوا الرجال عن النساء والأطفال. كانوا سيأخذون ابني محمود وكان يومها في الثامنة من عمره قلت لهم (هذه بنت) فتركوه. اقتاد أربعة منهم النساء والأطفال باتجاه المدينة الرياضية، وبقي الرجال في البيت تحت رحمة الآخرين. أخرجونا من المنزل حفاة، مشينا على الزجاج المحطم والشظايا. في الطريق تعثر ابني بالجثث المذبوحة والمرمية هنا وهناك، وكان يحمل أخته الصغيرة، صرختُ قائلة (اسم الله عليك)، فانتبه المسلح وقلت له وهو ينتزعه من بين يدي: (دخيلك، لم يبق لي غيره). طلبت منه أن يقتلني بدلاً منه. أتوسل وأتوسل ـ لكنه يصر على قتله. قال إنه يريدني أن أعيش بالحسرة والحزن طيلة عمري. وبينما أنا أتوسله وأرتمي على بندقيته، وأديرها عن ابني، وضع يده خطأ على صدري. كنت أخبّئ في (عبي) اثنتي عشر ألف ليرة فانتبه، قلت (إذا أعطيتك المال، تعطيني ابني، فقال نعم. طلبت منه أن يقسم بشرفه، ففعل!. أعطيته المال وأخذت ابني الذي كان يرتجف من الخوف. منذ ذلك اليوم (وكان في الثامنة من عمره)، ظهرت خصلة بيضاء في شعره. وصلنا إلى المدينة الرياضية فوجدنا الإسرائيليين هناك. أخبرناهم بما يحدث وطلبنا منهم أن يساعدونا ويذهبوا لإنقاذ أولادنا ورجالنا، قالوا: لا دخل لنا. هؤلاء لبنانيون منكم وفيكم. وحبسونا في المدينة الرياضية طيلة النهار. كانوا يتكلمون العربية. عند المغرب، أخرجونا قائلين: إياكم أن تعودوا إلى المخيم. اذهبوا إلى مكان آخر. ذهبنا إلى الجامعة العربية سيراً على الأقدام. وجدنا اثنين سوريين، ظننا في البداية أنهما إسرائيليان فقد كان شعرهما أشقر وعيناهما زرقاوان. أخبرناهما بما حصل لنا، وقلنا لهما أننا نبحث عن مكان نبيت فيه. فتحوا لنا الجامعة، وأعطانا أحدهما بعضاً من ثيابه، مزقناها ولففنا الصغار بها، إذ لم يكونوا يلبسون ثياباً كافية عندما خرجنا، لم يكن لدينا قرش واحد. لا ندري إلى أين نذهب، ولا نعرف شيئاً عن رجالنا وأولادنا، في أربعين ابنتي فقدت زوجي وأربعة أولاد وستة من أفراد عائلتي. 22. أخرجوا الجنين من بطنها، ووضعوه على يدها: - شقيقة (شهيرة أبو ردينة) قالت: (كنا في الغرفة نختبئ من القصف لأنها أكثر أماناً وبعيدة عن الشارع ـ يقع بيتها في الشارع الرئيسي حيث جرت المجزرة الأساسية ـ كنا كثيرين في المنزل وبقينا فيه حتى الصباح. كنا نسمع أثناء الليل صراخاً وإطلاق رصاص. عرفنا حينها أنهم يقتلون الناس. كانوا يتراكضون في الأزقة القريبة من بيتنا، فلم نجرؤ على الخروج. عند الفجر، خرجت أختي لتتفقد الحي وترى ماذا يجري. ما إن أصبحت في الخارج حتى صرخت (بابا) بصوت مرعب ثم سمعنا إطلاق الرصاص. خرج والدي وراءها فقتل أيضاً. وقد وجدت جثة أختي (شهيرة) وعمرها 17 عاماً فيما بعد مربوطة إلى النافذة وكانت منتفخة جداً. وأخي، كان في الرابعة والعشرين من عمره. وزوجي في الثالثة والعشرين وابن عمي في الأربعين، أما والدي فكان في الستين، جميعهم قتلوا. جاءوا صباحاً وأخرجونا من البيت، وضعوا الرجال أمام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات. وانهمر عليهم الرصاص كالمطر ثم اقتادونا إلى الشارع الرئيسي وكنا نساء وأطفالاً فقط. وضعونا أمام الحائط، وما إن هموا بقتلنا، حتى سمعنا إسرائيلياً يصرخ بالعبرية. لم نفهم ما يقول لكنهم فهموا وتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية. عندها أخذونا إلى المدينة الرياضية وحبسونا عند الإسرائيليين في غرفة صغيرة، وكانوا طيلة الوقت جالسين معنا يشحذون البلطات والسكاكين، أخبرنا الإسرائيليين ماذا يفعلون بنا في المخيم فلم يهتموا. (محمد أبو ردينة) ابن عم شهيرة كان في الخامسة من عمره عندما حدثت المجزرة قتل يومها والده وأخته وصهره. قال (كانت أختي حاملاً عندما قتلوها. بقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين وأخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها. والدي قتل أمام بيت شهيرة ابنة عمه. كنا نختبئ تلك الليلة في بيت عمي. أنا وأمي وأختي، اقتادونا مع الباقين من نساء والعائلة وأطفالها إلى المدينة الرياضية، وحاولوا ذبحنا على الطريق. كنت صغيراً ولم أع ما يحدث لنا)( ). 23. (أم شوقي)، فقدت سبعة عشر شخصاً من عائلتها: (أم شوقي) البالغة من العمر 52 عاماً، فقدت سبعة عشر شخصاً من عائلتها، بينهم زوجها وابن لها في الثانية عشرة. كانت تقطن في حي بئر حسن بالقرب من سفارة الكويت. أقامت بعد المجزرة مع أولادها المتبقين في الشارع الرئيسي لمخيم شاتيلا. وتسكن في الطابق الرابع من مبنى لا علاقة لخ بأصول الهندسة المعمارية. بيتها من الداخل نظيف حيث باقات من الزهور الاصطناعية تتناسب مع ألوان الكنبات، ولوحات منسوخة ملصقة أو معلقة على الجدران، (تمثل القدس والجامع الأقصى وراية حركة (حماس))، مع أنها لا تنتمي إليها: (أنا لا أنتمي إلى أي تنظيم. ولن ألتزم إلا عندما تكون النتائج مضمونة). وعن أولادها تقول: (لا أريدهم أن يستشهدوا مجانياً، لكن يوم أتأكد من أنني سأروي تعطشي إلى الثأر، سأشجعهم وسأكون إلى جانبهم... في كل يوم وكل ليلة تتراءى لها صور الجثث، والناس المشوهين، صورة ابنها وزوجها الذي لم تره بعد ذاك اليوم ولا تعرف عنه شيئاً. الألوان التي في الصالون لا تكسر من حدة سواد ثوبها وشعرها وعينيها. (أم شوقي) لا تبتسم وهي تتحرق من دون أن ترفع صوتها، عندما تستعيد المأساة الثانية التي عاشتها عائلتها (الأولى كانت يوم تهجيرهم في العام 1948 من ترشيحا، وهي بلدة بالقرب من حيفا). - تروي: (سمعنا طرقاً على الباب، وصوتاً يقول: نحن لبنانيون، جئنا نقوم بعملية تفتيش عن السلاح... فتح زوجي الباب من دون أن يكون خائفاً على الإطلاق، لأنه لم يكن ينتمي إلى أي من التنظيمات المقاتلة. كان يعمل في نادي الغولف بالقرب من المطار). ثم تحدثت أم شوقي عن الجنود الإسرائيليين الثلاثة، وعن عنصر من (القوات اللبنانية)، الميليشيا المسيحية اليمينية، الذين دخلوا المنزل، وأخذوا أساور ابنتها وانتزعوا الحلق من أذنيها ثم ضربوها. هي متأكدة من أن هؤلاء الجنود قدموا من إسرائيل. - كان لباسهم العسكري مختلفاً عن لباس (القوات اللبنانية) ولم يتكلموا العربية. لا أعرف إن كانت اللغة التي تكلموا بها هي العبرية، لكني متأكدة من أنهم إسرائيليون. وليس هذا أمراً مستبعداً، لأن منطقة بئر حسن، خارج محيط المخيم، كانت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي. وكغيرها من العائلات الفلسطينية، نقلت عائلة أم شوقي إلى داخل المخيمين. أصعدونا في شاحنة صغيرة سارت بنا نحو مدخل مخيم شاتيلا. قام هؤلاء العسكريون بفصل الرجال عن النساء وعن الأطفال. أحد اللبنانيين أخذ أوراق ثلاثة من أقاربنا قبل أن يقتلهم أمامنا، أما زوجي وابني وآخرون من أقربائي، فقد أخذهم الإسرائيليون. نقلوا النساء والأولاد سيراً على الأقدام إلى المدينة الرياضية. وعلى حافة الطريق، كانت بعض النسوة يصرخن ويبكين، مؤكدات أن جميع الرجال قد قتلوا... وفي المساء تمكنت أم شوقي، في جو البلبلة هذا، من أن تهرب مع أولادها إلى شارع ثكنة الحلو، وعند انبلاج الفجر تركت أولادها في إحدى المدارس، وذهبت سيراً في اتجاه المدينة الرياضية، كي تستعلم عن مصير زوجها وابنها. فلم تستطع التحدث إلى أحد الضباط الإسرائيليين الموجودين هناك، لكنها سمعت أوامر بالعربية إلى الرجال بأن يختموا بطاقات هوياتهم، ورأت (شاحنة إسرائيلية) تغص بالرجال البالغين والشباب. وقد أرشدتها امرأة غارقة في البكاء كانت فقدت عائلتها بأكملها إلى المكان الذي رميت فيه الجثث. فاتجهت عند ذاك المرأتان إلى (حي عرسال) حيث سارتا فوق جثث قتلى لبنانيين وسوريين وفلسطينيين. وتقول (أم شوقي)، إنها رأت المئات منها، وفي الحقيقة تبين أن أكثر الضحايا سقطوا في حي عرسال. لم يكن في الإمكان التعرف عليهم: وجوه مشوهة، منتفخة... رأيت 28 جثة من عائلة لبنانية واحدة، بينها جثتان لامرأتين مبقورتي البطن... حاولت أن أتعرف إلى ابني وزوجي من خلال ثيابهما. فتشت طيلة النهار، وعدت في اليوم التالي... فلم أتعرف إلى أي جثة من أهل بئر حسن. رأت (أم شوقي) جنوداً لبنانيين يفتحون حفراً ويدفعون الجثث إليها... ولم تجد زوجها وأولادها من بعد. الموضوع الذي يصعب على أم شوقي الحديث عنه هو موضوع ابنتها التي اغتصبت... - أفكر في هذا كله ليلاً ونهاراً. لقد ربيت أولادي بمفردي... وقد اضطررت إلى الاستعطاء، ولن أنسى أبداً، وسأنتقم لكل ذلك. قلبي أسود مثل ثوبي هذا، وسأخبر أولادي، وأولاد أولادي، بما رأيت... 24. سهام بلقيس: شاهدتُ سعد حدّاد أمام مبنى السفارة الكويتية: وبعدما تجولت في متاهة رهيبة في مختلف الأزقة حيث تتدلى الأسلاك الكهربائية في كل مكان، وتسيل في الأرض مياه المجارير، وصلت أخيراً إلى مركز مؤلف من ثلاثة أو أربعة مكاتب. في أحدها، في العمق، تجلس (السيدة سهام بلقيس)، رئيسة رابطة العودة، مستقيمة وراء مكتبها. وفي محيط الغرفة مسؤول فلسطيني، واثنان من الناجين. والسيدة بلقيس، الأربعينية، هي مناضلة ملتزمة وصلبة. عائلتها أتت من قابا في منطقة عكا. شرعت في الحديث فوراً: بدأت المجزرة مساء يوم الخميس في حوالي الخامسة والنصف. لم نصدق في بداية الأمر... بقينا داخل منزلنا حتى صباح السبت، ولم نعرف كثيراً عما يجري، إلا أن مجموعة صغيرة من الفلسطينيين واللبنانيين، حاولت يومي الخميس والجمعة، أن تدافع عن نفسها، لكن أفرادها كانوا قليلي العدد، وليس معهم ما يكفي من الذخيرة. وليلاً رأينا قنابل مضيئة وسمعنا إطلاق نار. اعتقدنا أن الإسرائيليين يريدون فقط اعتقال المقاتلين والعثور على الأسلحة... وعندما عاد الهدوء تماماً صباح يوم السبت، خرجنا إلى الشرفة، ورأينا مجموعة من (القوات اللبنانية) بصحبة ضابط إسرائيلي. صرخ فينا الكتائبيون طالبين إلينا الخروج، فخرجنا وسط الشتائم. كان (الإسرائيلي) يحمل جهاز توكي ووكي، فأخذه منه أحد الكتائبين، وتكلم فيه قائلاً: (لقد وصلنا إلى آخر المنطقة المستهدفة). وهي (متأكدة من أنه كان إسرائيلياً) لأنه بحسب ما تقول كان ثمة على ثيابه شارة بالعبرية ولم يكن وجهه وجه عربي، وكان يتكلم مع اللبنانيين بالفرنسية. اقتيدت السيدة سهام مع آخرين نحو مستشفى غزة، قام مرافقوهم بتجميع الأطباء الأجانب ومن التجأ عندهم في المستشفى ومحيطه. قتلوا حوالي عشرة من الشباب، واكتشفوا شاباً فلسطينياً آخر، يرتدي قميصاً أبيض بين الأطباء والممرضين فقتلوه. وعندما اكتمل تجميع الناس، أخذونا بالمئات في اتجاه السفارة الكويتية. كانت الشوارع مليئة بالجثث، فتيات مقيدات من معاصمهن، ومنازل مدمرة، ودبابات هي على الأرجح إسرائيلية، وعلى حديد إحداها التصقت بقايا طفل. وقبل وصولنا إلى المدينة الرياضية، فُصل عنا الرجال، وراح بعض العسكريين يطلبون إلى الشباب أن يزحفوا، فمن زحف جيداً اعتبر مقاتلاً وقتل على أيدي (القوات اللبنانية)، أما الآخرون فكانوا يرفسون بالأرجل... - رأيت سعد حداد مع اثنين آخرين، أمام مبنى السفارة الكويتية. ثم لدى وصولنا إلى المدينة الرياضية شاهدت عدداً كبيراً من الجنود الإسرائيليين. قال كولونيل إسرائيلي أن في إمكان النساء والأولاد، أن يعودوا إلى منازلهم، وفي ما بعد رأيت أخي يصعد إلى سيارة جيب فيما صعد الآخرون إلى الشاحنات، ركضت نحوه، لكن عبثاً، سمعت ضابطاً يقول لهم بالعربية: (سنسلمكم إلى (القوات اللبنانية)، فهم يعرفون أكثر منا كيف يجعلونكم تتكلمون). وفي الإجمال، فإن الشهود جميعاً يرون الأخبار نفسها، والرعب نفسه. وقد التقيت أيضاً (السيدة كاملة مهنا)، وهي لبنانية من حي عرسال: كل الذين بقوا في حينا قتلوا، وهم في غالبيتهم من اللبنانيين. وعندما عدت إلى المكان، كانت هناك كومة من الجثث المتكدسة. بالقرب من منزلي كان هناك فلسطيني يتدلّى على تعليقة الجزار، وقد شطر نصفين مثل الذبيحة. ورأيت كيف وُضعت في الحفرة الكبيرة، طبقة أولى من الجثث، وتم تغطيتها بالرمل لتوضع فوقها طبقة أخرى من الجثث. وهكذا دواليك... وقد رأيت أيضاً لبنانياً آخر من حي عرسال، حمد شمص، وهو أحد الناجين القلائل من المجزرة في هذا الحي. لقد اختبأ في الملجأ لدى وصول ضابطين إسرائيليين في سيارة جيب مع 7 أو 8 جنود. أنا متأكدة من أن هؤلاء الجنود هم إسرائيليون، لأنهم كانوا يلبسون بدلات عسكرية إسرائيلية، ولا يتكلمون العربية بطلاقة. طلب إلينا الجنود الخروج من الملجأ وهم يشتموننا، وطلبوا إليّ أن أنزل (الطفل) الذي كنت أحمله على ذراعيّ، وأن أقف في الصف مع الآخرين. وقام أحدهم، وهو يتكلم العربية جيداً بتفتيش الجميع وأخذ الأموال من الرجال، ثم راحوا يطلقون النار علينا. وجدت نفسي مصابة بجروح فقط في رأسي ومؤخرتي تحت كومة من الجثث. سقط 23 قتيلاً... اختبأت في أحد الملاجئ طول الليل. وعند الفجر عبقت رائحة الجثث في كل مكان( ). مذبحة الأرقام: أربعة آلاف شهيد وشهيدة قالت (لجنة كاهان) الإسرائيلية الحكومية أنَّ عدد (الشهداء والشهيدات) في مخيمي صبرا وشاتيلا في المذبحة، هو (460 فرداً)، من بينهم: (328 فلسطينياً)، و(109 لبنانياً)، إضافة إلى جنسيات أخرى، اعتماداً على مصادر لبنانية، وحسب تقدير استخبارات الجيش الإسرائيلي، فإنَّ عدد الضحايا، هو (700-800 فرداً). أمّا الصحافي الفرنسي الإسرائيلي، (كابليوك)، فهو يناقش مسألة الأرقام، ويصل إلى خلاصة، هي أنَّ (عدد الضحايا، هو من ثلاثة آلاف إلى (3500 ضحية)، وهو يقول: لقد تمَّ العثور على (ألفي جثة)، تمَّ دفنها، أو حرقها، يضاف إلى ذلك، ثلاثة أصناف أخرى من الضحايا: 1. الضحايا، الذين دفنهم المهاجمون في (مقابر جماعية)، أثناء المذبحة. 2. الضحايا، الذين لم يتم انتشالهم من تحت أنقاض حوالي (200 منزلاً)، فقد تمَّ انتشال (171 جثة)، وتوقف البحث بسبب تحلّل الجثث. 3. (المفقودون)، الذين اقتيدوا بالشاحنات إلى جهات مجهولة، وقدّرت عددهم، وكالة فرانس برس (23/9)، بأكثر من (ألفين). وقالت (هاعولام هازيه) الإسرائيلية: (لقد خسرت إسرائيل المعركة السياسية قبل وقوع مذابح صبرا وشاتيلا. ومنيت بهزيمة أخلاقية، بسبب مقتل (آلاف الأبرياء) في صبرا وشاتيلا). ويقول الصحافيان زئيڤ شيف، وايهود يعاري، وهما (مقرّبان جداً) من الأجهزة الأمنية العسكرية الإسرائيلية، بأنه تقرر في مقرّ القوات اللبنانية الكتائبية، إرسال (17 جرّافة) ضخمة لدفن الموتى، وهدم البيوت، وأنَّ (فادي أفرام)، هو الذي زوّد (لجنة كاهان) بتقرير (أسعد جرمانوس)، المدعي العام العسكري اللبناني، الذي عيَّنه أمين الجميل للتحقيق في القضية. ومعنى هذا أنَّ أرقام لجنة كاهان الإسرائيلية، اعتمدت كلياً على تقرير أسعد جرمانوس، الصادر في نوفمبر، 1982، وقد قال فيه بأن (460 شخصاً، قتلوا في المخيمات، منهم: (328 فلسطينياً)، و(109 لبنانياً)، أما الباقون فمن (جنسيات أخرى)). ويقدم الصحافيان الإسرائيليان، رقم (1200 ضحية). والصحيح أن أرقام أسعد جرمانوس، هي التي وافق عليها أمين الجميل، وفادي أفرام، وإيلي حبيقة، وفؤاد أبو ناضر، والإسرائيليون، علماً أنَّ تقرير جرمانوس لم ينشر حتى الآن (2009)، وإنما قام الإسرائيليون بتسريب هذه الأرقام باسم أسعد جرمانوس، وقيل: إنَّ التقرير، لا أثر له في خزائن الدولة اللبنانية، وأن أرقام جرمانوس، هي أرقام جهة واحدة، أحصت بعض الجثث، هي: الصليب الأحمر اللبناني. وهنا يجب الانتباه، لما أذاعته (إذاعة الجيش الإسرائيلي)، بتاريخ (23/9/1982)، حيث قالت إن عدد الضحايا في مذبحة صبرا وشاتيلا، يفوق (أربعة آلاف ضحية)، وقد يصل إلى (سبعة آلاف ضحية)، وأنه تمَّ دفن (2400 ضحية)، وأنَّ هناك (مئات الجثث) تحت الأنقاض، كما أن مئات تمَّ دفنها في مقابر جماعية (خارج المخيمات)، لإخفاء عدد الضحايا الحقيقي). وقال ياسر عرفات، إنَّ عدد الشهداء، هو بين (5000 و6000)، وكتب (رالف شونمان)، بأن العدد هو (4000-5000). وقال تقرير اللجنة الدولية، إنَّ الرقم، هو (2750). وتقول الباحثة بيان نويهض: (أوردت الإحصاءات غير المعلنة رسمياً من قبل الحكومة اللبنانية، نحو (2000 ضحية)، ومن قبل الصليب الأحمر الدولي (2750 ضحية)، ومن قبل الصليب الأحمر اللبناني (3000 ضحية)، غير أنَّ هذه الإحصاءات لم تعلن رسمياً، بل كانت تقال سرّاً للمحققين والصحافيين الأجانب). وتضيف السيدة الحوت بأن (شرطياً لبنانياً)، شاهد المذبحة، قال لها بأن عدد الضحايا الفعلي، هو (ستة آلاف ضحية): ص556-557. وقالت الإذاعة العبرية (الإسرائيلية)، بتاريخ (21/9/1982)، إنَّ عدد الضحايا، بلغ (سبعة آلاف ضحية). وقال الصحافي الكندي (أبي وايسفيلد)، أنَّ العدد (قد يصل إلى أكثر من (1800)( ). وقالت الباحثة بيان نويهض بأن (الحدّ الأدنى المعقول هو: 3500 ضحية)، وقالت الباحثة المصرية (صفاء زيتون)، أنَّ عدد الضحايا، هو (أربعة آلاف)( ). - ولو قمنا بإعادة حصر الأرقام، لحصلنا على الجدول التالي: الاسم: الرقم: ملاحظات 1. لجنة كاهان الإسرائيلية. 800 اعتمدت على تقدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية. 2. تقرير جرمانوس اللبناني. 470 اعتمد على تقديرات أولية للصليب الأحمر اللبناني. 3. أمنون كابليوك. 3500 اعتمد على تحليل منطق الأرقام. 4. زئيڤ شيف، وايهود يعاري. 1200 تأثرا بتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية. 5. إذاعة الجيش الإسرائيلي. 7000 ضخَّمت الرقم من أجل الترويع، (نمط دير ياسين). 6. إذاعة إسرائيل بالعبرية. 7000 ضخَّمت الرقم من أجل الترويع، (نمط دير ياسين). 7. ياسر عرفات. 6000 تأثر بوسائل الإعلام، والحركة الوطنية اللبنانية. 8. رالف شونمان. 4500 مصادر أميركية. 9. تقرير ماكبرايد. 2750 مساعد الأمين العام للأمم المتحدة. 10. مصادر حكومية لبنانية. 2000 الرقم التقديري. 11. الصليب الأحمر الدولي. 2750 اعتمد عليه ماكبرايد. 12. الصليب الأحمر اللبناني. 3000 رقم (سرّي) تمَّ تسريبه. 13. دركي لبناني. 6000 شارك في عمليات دفن الجثث. 14. أبي وايسفيلد. 1800 صحافي كندي، نقل عن صحف تتعاطف مع إسرائيل. 15. بيان نويهض. 3500 اعتمدت الحدّ الأدنى. 16. صفاء زيتون. 4000 متأثرة بمصادر فلسطينية ودولية. 17. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة). 3247 إحصاء واقعي، لكنه غير كامل. - نستنتج من ال (17 رقماً)، ما يلي: أولاً: المعدّل العام لهذه الأرقام جميعها، هو (3500 ضحيَّة)، وهو نفس الرقم الذي توصل إليه: الصحافي الفرنسي الإسرائيلي (آمنون كابليوك)، عام 1982، ونفس الرقم الذي توصَّلت إليه الباحثة اللبنانية (المولودة في القدس)، بيان نويهض الحوت، عام 2003. ثانياً: الرقم (3500)، هو رقم الحدّ الأدنى، أما رقم (4000 آلاف)، فهو الرقم المعقول بالنسبة لي، إذا ما أخذنا بعوامل أخرى، ذكرها (كابليوك). ثالثاً: نلاحظ أنَّ (إسرائيل)، روَّجت لرقمين، هما: (460 و800)، في مقابل (7000) ـ وهذا يعني أنها ربّما روّجت للرقمين الأولين لتخفيف ضغوطات الرأي العام العالمي، ولخلق راحة تطهُّرية لسيكولوجية المجتمع الإسرائيلي، ولمواصلة الكذب والتفاخر ب (أخلاقيات الجيش الإسرائيلي)!!. أمّا الرقم الأقصى، (7000)، فقد كان يهدف بتقديري إلى تخويف وترويع أبناء الشعب الفلسطيني، وفق نموذج (مذبحة دير ياسين)، التي ارتكبتها إسرائيل عام 1948، بما تحمله من مخزون مأساوي، لتدمير سيكولوجية، ومعنويات الشعب الفلسطيني، بمعنى أن (الإبادة التدريجية)، سوف تظل مستمرة، إذا واصل الشعب الفلسطيني (المقاومة). رابعاً: إنَّ تحويل أرواح الشهداء والشهيدات المدنيين: الفلسطينيين، واللبنانيين، وسواهم من الشيوخ والأطفال والنساء إلى مجرد أرقام، هو مقياسٌ على انحطاط العالم في القرن العشرين، ودليلٌ على فساد أخلاقيات الضمير العالمي، عندما يتعلق الأمر بالفساد والكذب الإسرائيلي، فالذين خططوا، وراقبوا ونفَّذوا، وصمتوا على جريمة القرن العشرين في صبرا وشاتيلا من الإسرائيليين، وشريحة من اللبنانيين، هم كما عبَّر بروفسور يهودي في الجامعة العبرية بفلسطين المحتلة: (يُشبهون هتلر، المنظّم للمذابح في أوروبا، ومرتزقته الذين نفّذوها)، رغم أن المذبحة لم تكن مكوَّنة من (منظّم، ومنفّذ)، حسب تشبيه البروفسور الإسرائيلي، وإنما كانت (شراكة كاملة) بينهما. هؤلاء الضحايا، ليسوا مجرد أرقام في مذبحة الأرقام، وإنما هم بشرٌ، لكل واحد منهم سردية تراجيدية، بدأتها إسرائيل عام 1948، وضعت تفاصيلها في صبرا وشاتيلا، وهي المسؤولة، (مسؤولية مباشرة) عن هذه المذبحة التاريخية. فالدولة، التي يصفها الأميركيون، وبعض الأوروبيين، بأنها (الواحة الديمقراطية!! في الشرق الأوسط)، هي آخر معقل من معاقل الاستعمار في القرن العشرين، وهي من ارتكب هذه المذبحة الهمجية، بمرتزقتها وبدونهم. وفي كلّ الأحوال، أجمع العالم كله في حينه، على أنها (وصمة عار لا تمحّي في جبين الإنسانية)، ولكن، كان على العالم، أن يتذكر ذلك، بعد ذلك، عندما حدثت (مذبحة مسجد الخليل)، و(مذبحة مخيّم جنين)، و(مذبحة غزَّة)، وبقية المذابح الأخرى في (قانا اللبنانية)، فالفاعل واحد، والمفعول به واحد. خامساً: بعد المذبحة بقليل، سقطت كل الأكاذيب: اختفى رقم (الألفي شبح فدائي فلسطيني)، الذين تركتهم منظمة التحرير الفلسطينية قبل خروجها، حسب شارون وإيتان، ودروري، وعاموس يارون، وساغي وغيرهم. وأصبحت خرافة (المعارك الطاحنة!) الوهمية في عداد المسخرة الكاريكاتورية السوداء. وتلاشى الفاصل بين (هتلر)، ومرتزقته. وبدأ (القتلة) بتبادل الاتهامات، لكنَّ المضحك المبكي الذي لا يصدقه طفلٌ ساذج، أنَّ (هتلر، والمرتزقة)، ما زالوا ينكرون ويكذبون، فالكل ينكر، وكأنَّ (الأشباح)، هي التي اغتالت (أربعة آلاف مدني فلسطيني)، ولبناني، وغيرهم في مذبحة (صبرا وشاتيلا)، التي لن ينساها ضمير العالم، مهما حاولوا مراكمة غبار النسيان عليها. سادساً: من المؤسف أنه لم تتشكل (لجنة تحقيق دولية) في هذه الجريمة البشعة، حتى الآن، وكان تقرير (ماكبرايد) سخيفاً على أبعد الحدود، قياساً على مذبحة القرن العشرين!!. كما أنه من المؤسف أنَّ (اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية)، أصدرت بياناً عادياً تافهاً ولا قيمة له، ولم تتابع الأمر عربياً وعالمياً، حتى الآن. ونحن نطالب حتى الآن، (2009)، بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، للتحقيق في المذبحة، حتى تستطيع محو العار عن الضمير العالمي للمجتمع الدولي!!.
#عزالدين_المناصرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأصليون (الفلسطينيون) يقاومون الإحتلال: (الأشكي – نازي)، و(
...
-
كتاب الإنطاء الشريف، (العام التاسع للهجرة): أول إقطاع في الإ
...
-
الدروز الفلسطينيون: من سياسة فرق تسد البريطانية إلى سياسة حل
...
-
الآثار تتكلم: القدس الكنعانيَّة الفلسطينيَّة: 3200 ق.م.
-
عيسى بن مريم (المسيح): كنعانيٌّ فلسطينيٌّ، جنوبي تلحميٌّ، ول
...
-
إشكالية قصيدة النثر
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|