عدي ابراهيم محمود المناوي
الحوار المتمدن-العدد: 5756 - 2018 / 1 / 13 - 02:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أولا : العنف والعنف السياسي
1. تعريف العنف
العنف لغة ً: الشدة , وهو ضد الرفق واللين , وفي لسان العرب (( الخـُـرق بالأمر وقلــّة الرفق به, وهو ضدَّ الرفق )).
يشير مفهوم العنف الى استخدام القوة المادية لإلحاق الأذى والضرر بالأشخاص وإتلاف الممتلكات , باعتباره (( استخدام وسائل القوة والقهر أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالأشخاص والممتلكات , وذلك من أجل تحقيق أهداف غير قانونية أو مرفوضة اجتماعيا ً )).
إن إحدى مظاهر العنف , هو العنف الزوجي , وهي ظاهرة قديمة , وتترافق مع موقع المرأة والتعامل مع حقوقها من مجتمع الى آخر . وقد عمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الى إصدار إعلان في كانون الأول عام 1993 يدعو الى القضاء على العنف تجاه النساء ويطالب الدول بعدم التذرع بالعادات أو بالدين أو بالتقاليد وذلك من أجل محاربة هذه المسألة .
ويقول جوليان فروند " نطلق كلمة عنف على انفجار القوة التي تعتدي , بطريقة مباشرة على الشخص وأمتعة الآخرين ( أفرادا ً كانوا أو جماعات ) من أجل السيطرة عن طريق القتل , أو التحطيم , أو الإخضاع , أو الهزيمة "
2. العنف السياسي :
وما يهمنا في هذه الدراسة , هو العنف السياسي والعلاقته مع الديمقراطية, أي المرتبط بالحصول على السلطة أو الاحتفاظ بها , وإن العلاقة بين العنف والسياسة قديمة قدم المجتمع الإنساني.
والعنف السياسي باعتباره وسيلة للتعبير عن الرأي السياسي والحصول على الشرعية أو كونه وسيلة للانتصار السياسي على الخصم . هو الذي يقوم به فاعله ابتداءً لتحقيق هدف سياسي أو للتعبير عن موقف سياسي , أو يقوم به فاعله ردا ً على موقف أو حالة أو عنف سياسي مسلح.
وثمة شبة اتفاق بين اغلب الدارسين لظاهرة العنف السياسي على عن العنف يصبح سياسيا عندما تكون أهدافه أو دوافعه سياسية رغم الاختلاف بينهم في تحديد طبيعة هذه الأهداف ونوعيتها وطبيعة القوى المرتبطة بها , ومن هنا , عُرفَ العنف السياسي بأنه " استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين لتحقيق أهداف سياسية( ).
ومن هنا , قد تمارس السلطة السياسية العنف لغاية إخضاع خصومها , وضرب القوى التي تمثل تحديا ً لها . وقد تلجأ القوى المعارضة الى العنف السياسي وذلك لتحقيق غاياتها في الوصول الى السلطة .وهناك أمثلة تاريخية على دور العنف كثيرة.
3. العنف السياسي والمفاهيم الاخرى:
أ- العنف السياسي والصراع السياسي: التساؤل هنا عن كيفية التمييز بين العنف السياسي والصراع السياسي، ويمكن القول إن مفهوم الصراع قائم على المنازلة لطرف آخر, واستخدام الفنون التي تحقق الانتصار في جولاته, بما فيها العناصر المادية والمعنوية وما يتفرع عنهما .وهو يهدف الى تحقيق التفوق على الآخرين وإخضاعهم للسيطرة والتحكم والتوجيه , وإملاء الإرادة عليهم , وجعلهم طوع هذه الإرادة , وعدم خروجهم عن هذه السيطرة. والصراع هنا مجرد وسيلة من الوسائل لتحقيق أهداف, وهو إحكام السيطرة وتوجيه الآخرين , والحصول على الثروة وتحقيق المكانة التأثيرية في الحياة , والاستحواذ على القوة بكل عناصرها , وإملاء الإرادة على الجميع .
أما أسباب الصراع فهي ترجع الى نوعين أساسيين هما :أسباب صراع حقيقية خفية لا يتم إعلانها , أو التعامل معها جهارا ً نهارا ً , وإنما يعرفها فقط مشعل الصراع , والأخرى أسباب علنية يتذرع بها لنشوب الصراع ويتم استخدام الأسباب العلنية لتخفى بها والتستر خلفها .وإن الصراع السياسي ينجم عن جوهر السياسة نفسها التي هي صراع بحد ذاتها، وتتحدد مستوياته بحجم القوى التي تحشدها كل من الأطراف المتصارعة. والنظام السياسي المتوازن هو ذلك القادر على ضبط التنافس والتصارع بين شتى القوى وتكييف بنيته وسلوكه بما يتلاءم وتطور هذه القوى الفاعلة حتى يتمكن دائما ً من لعب دور الحكم بينها. وبذلك , يكمن الفارق الجوهري بين مفهومي الصراع والعنف , إذ إن مفهوم الصراع أوسع من مفهوم العنف, حيث تتعدد صور الصراع وآلياته . ويعدّ اعنف إحدى هذه الآليات في إدارة الصراع .
ب- العنف السياسي والإرهاب: هناك صلة وثيقة بين الإرهاب والعنف السياسي، وبالرغم من عدم وجود تعريف للارهاب متفق عليه دوليا، يمكن تعريفه بأنه " استخدام متعمد للعنف أو التهديد باستخدام العنف من قبل بعض الدول أو من قبل جماعات تشجعها وتساندها دول معينة لتحقيق أهداف إستراتيجية وسياسية وذلك من خلال أفعال خارجة عن القانون, تستهدف خلق حالة من الذعر الشامل في المجتمع غير مقتصرة على ضحايا مدنيين أو عسكريين ممن يتم مهاجمتهم أو تهديدهم. وتقول الموسوعة البريطانية إن الإرهاب هو الاستخدام المنظم للخوف أو العنف غير المتوقع ضد الحكومات أو الناس أو الأفراد بهدف تحقيق أهداف سياسية. ويعرف قاموس اوكسفورد الإرهاب بأنه " استخدام العنف والترهيب لحقيق أهدف سياسية ". وهناك ممارسات عديدة نشهدها حول الارهاب.
ويلاحظ إن الإرهاب هو من صور العنف, ومظهر له, إذ تعرف لجنة الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة الإرهاب بأنه " عمل من أعمال العنف الخطيرة , يصدر عن فرد أو جماعة, بقصد تهديد الأشخاص, أو التسبب في إصابتهم وموتهم, سواء كان يعمل بمفرده, أو بالاشتراك مع أفراد آخرين, ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو المواقع السكنية, أو بهدف إفساد علاقات الود والصداقة ببين الدول, أو بين مواطني الدول , أو ابتزاز تنازلات معينة من الدول في أي صورة كانت "( ).
ومن هنا يصبح بالإمكان الاستنتاج من خلال تعريف الإرهاب, مدى الارتباط الوثيق بينه وبين العنف السياسي .
4. أشكال العنف السياسي:
وللعنف أنواع عدة , ونماذج كثيرة , وأساليب مختلفة , وضع بعض الباحثين أشكال العنف السياسي في ثلاثة مؤشرات أساسية هـــــــــــــي :
أ- العنف المرتبط بحالة الاضطراب والغليان, ويشمل الأحداث غير المنظمة, كالمظاهرات المعادية للحكومة وأحداث الشغب والإضرابات .
ب- العنف الثوري, ويتضمن الأعمال العنيفة المنظمة , التي تشارك فيها قطاعات أوسع من المواطنين , كالثورات وحملات التطهير.
ت- أعمال التآمر والتخريب, وتتضمن أعمال العنف المنظمة التي تتسم بدرجة من السرية, كحروب العصابات والاغتيالات والانقلابات.
ولابد من التأكيد على ضرورة التفريق بين العنف الاجتماعي والعنف السياسي؛ لأن محاولات إيذاء أو قتل الآخرين لا ترجع الى ذات المسببات ولا تفسر بذات العوامل السيكولوجية على الرغم من إن الغرض واحد وهو الاعتداء على الآخرين, ورغم إن نتائجها متشابهة في كثير من الأحيان حيث تؤدي الى إيذاء أو إلحاق ضرر جسدي بالضحية .
ولعـلَّ أهم أشكال العنف السياسي هي الحروب والتي تكون صفة مرافقة لنشاط الإنسان منذ بدء الخليقة ومحرك أساسي للإنسان في التحكم بمصادر الحياة المادية وفرض سيطرته على الآخرين عن طرق الهيمنة على مقدرات الآخرين أو سفك الدماء وفرض الموت القسري على الخصوم.
ثانياً: العلاقة بين الديمقراطية والعنف
لتبيان العلاقة بين الديمقراطية والعنف يمكن الاستدلال اليها من خلال المقارنة بين النظم السياسية الديمقراطية وغير الديمقراطية (التسلطية)، وكذلك من خلال قراءة للعنف بين الشرعية والمشروعية.
في النظم السياسية الديمقراطية هناك ضوابط وقيود قانونية للعنف الرسمي, بالإضافة الى وجود مؤسسات, تـُمكن مختلف القوى من إيصال مطالبها والتعبير عــن رغباتها دونما حاجـة الـى العنف. بينما في النظم التسلطية, فإنه غالبا ً ما يتم تعطيل القوانين العادية بقوانين الطوارئ التي تطلق يد النظم الحاكمة في ممارسة العنف الرسمي .
وفي ظل الأنظمة التسلطية فإن زيادة العنف الرسمي تؤدي الى نقص العنف غير الرسمي (اي العنف الذي تقوم به الجماعات غير المنتمية للدولة), وربما القضاء عليه نهائيا ًإذ يستطيع النظام أن يضرب القوى المناوئة ويقلص من نشاطاتها, ولكن ذلك يولد عدم استقرار بسبب استخدام المزيد من وحدات القهر.
هناك اتجاه يحدد شرعية العنف السياسي ومشروعيته استنادا ً الى طبيعة النظم السياسية, ففي دول التعددية السياسية يعدّ العنف الذي يمارسه المواطنون أو فئات معينة منهم, استخداما ً غير مشروع للقوة, لأنه يمثل خرقا ً للقانون وتخطيا ً للمؤسسات الوسيطة التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم, بينما العنف المشروع فقد هو الذي تمارسه الدولة, ويجب أن يكون في إطار القانون, أما في النظم التسلطية والقهرية, فإن ممارسة العنف من قبل مواطنين يعد عملا مشروعا ً لعدم وجود قنوات شرعية فعالة للمشاركة في السلطة أو لتغييرها .
وقد اعتبر بعضهم إن العنف الذي يمارسه النظام ضد فئات معينة في المجتمع يكون مشروعا ً طالما استند الى نص قانوني يبررهُ ويحددهُ, ويكون هذا العنف الرسمي شرعيا ً عندما تقره الجماعة أو غالبية أفرادها, إذ يعتبرونه ضروريا ً لحماية النظام الاجتماعي.
أي إن العنف الذي تمارسه الدولة قد يكون مشروعا ً, أي يستند الى نص قانوني, غير شرعي, أي ترفضه الجماعة وتستهجنه في الوقت نفسه لأنها فيه تعديا ًعلى حقوقها وحرياتها.
ثالثاً: الديمقراطية والعنف في الدول العربية
وبالنسبة للعنف في الدول العربية ينتظم حسب رأي احد المفكرين في معين من خمسة أضلاع, هي:
(1) الثأر والشرف القبلي؛
(2) علاقات توزيعية طبقية مشدودة حتى آخرها بمطالب متناقضة نحو العدالة؛
(3) نظم تعليم تغذي الشعور بالبَلادة وتطفئ الوهج الإنساني بأكثر مما تغذي الطموح لحساسية إنسانية أعلى أو شعور أرقى بالمواطنية؛
(4) بيروقراطيات أمنية وعسكرية تدافع عن امتيازاتها غير المعقولة بوحشية سافرة؛
(5) الشرعيات الإيديولوجية التي تتحيز للعنف, وخاصة تلك المنتسبة للدين.
وفي اسباب العنف وعلاقتها بالديمقراطية في الدول العربية نجد نظريتان:
الأولى تقوم على الاعتقاد بأن الديمقراطية إذ تضعِف الدولة إنما تطلق عوامل التشرذم الكامنة في المجتمعات العربية أكثر من غيرها بما تحفل به من عرقيات وطوائف وتحيزات جهوية وثقافية, فضلاً عن التشظي الطبقي. التفكك الشامل هو أهم المخاوف التي تزود عنف الدولة بمشروعية ظاهراتية، ويبقى هنا عنف الدولة كحاجز وحيد ضد الفوضى.ىوتتجاهل هذه النظرية حقيقة أن الديمقراطية ليست السبب وراء العنف, وإنما تكمن خلف العنف تلك العوامل الخمسة ذاتها مجتمعة.
والثانية: نظرية حيز السلام الديمقراطي، أن الديمقراطية في الوقت الذي هي ليست ضمانة ضد العنف كما يؤكد أصحاب نظرية "حيز السلام الديمقراطي", ولكنها تتيح معادلات أكثر مواتاة للسلام الأهلي.
يقودنا هذا الى الاعتقاد إن الديمقراطية تضمن تلقائياً السلام الأهلي لأنها تحل مشكلة المشروعية التي وقعت فيها مختلف النظم العربية التي ضربت الشرعية التقليدية ولم تنجح في أن تؤسس لنفسها شرعية حديثة أو حقيقية، ولاشك أن هذا صحيح تماماً، ولكن الديمقراطية لا تحل المنابع الأخرى للعنف, في الحالة العربية.
وأن الديمقراطية أكثر جدارة من غيرها بإنتاج ظروف تعالج اسباب العنف؛ فأولاً يمكن للديمقراطية وحدها إنتاج مفهوم للمشروعية يحدث قطيعة مع مصادر العنف الأخرى, ومن ناحية ثانية, فهي وحدها تقوم على اقتسام السلطة، فإذا كان من غير الممكن تحت أي ادعاء احتكار السلطة فإن أكثر القوى الاجتماعية والسياسية قد تضطر للقبول بالمشاركة فيها. وإن كان ذلك يحتاج لخبرة التعلم, وربما ضريبته( )، الطريق إلى التغيير السياسي وحتى الطريق إلى الديمقراطية في العالم العربي محفوف بمخاطر العنف.
المصادر:
1. حسنين توفيق إبراهيم , ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية, مركز دراسات الوحدة العربية , بيروت , 1999 .
2. ماجد الغرباوي , تحديات العنف , معهد الأبحاث والتنمية الحضارية , بغداد , 2009.
3. محمد السيد السعيد ، إشكالية الديمقراطية والعنف.
#عدي_ابراهيم_محمود_المناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟