|
الاحزاب العربية على كف عفريت
اساف اديب
الحوار المتمدن-العدد: 1477 - 2006 / 3 / 2 - 10:19
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
فشل مفاوضات الوحدة بين القوائم العربية، وتحديدا بين الجبهة والتجمع، ضرب مصداقية هذه الاحزاب. الفجوة بينها وبين الجمهور العربي في اتساع، خاصة بسبب افتقارها للبرنامج الملموس لحل القضايا الحياتية. شعار "صوتوا للاحزاب العربية" لا يمكن ان يحل محل الاستراتيجية الغائبة، وهو ليس الا محاولة للاحتفاظ بالمقاعد.
اساف اديب
شهدت الساحة السياسية العربية مفاوضات مكثفة، عشية تقديم القوائم الانتخابية للجنة الكنيست. ولكن جاءت النتيجة سلبية. فقد ترشحت في نهاية المطاف اربع قوائم عربية، ثلاثة منها ممثلة في الكنيست، هي الجبهة والتجمع والقائمة العربية، واضيفت لها قائمة برئاسة محمد حسن كنعان.
فشل المفاوضات وخاصة تلك التي جرت بين الجبهة والتجمع، ابرز غياب القيادة في كلا الطرفين. رفع نسبة الحسم الى 2% وضع مسألة تمثيل الجماهير العربية في الكنيست، امام خطر حقيقي. فقد تعدى الحد الادنى من الاصوات المطلوب لدخول الكنيست، ال80 الف صوت، وهو عدد غير مضمون بسهولة لاي من هذه القوائم.
التفاوض بين التجمع والجبهة كان اشارة الى عدم وجود فوارق مبدئية. وكان بالامكان عقد التحالف، لو ان الخلاف على توزيع الكراسي لم يكن اهم عندهما من المصلحة العامة. تمحور الخلاف حول المقعد الخامس. ففي حين اصرت الجبهة على رئاسة القائمة بالاضافة للمكان الثالث والخامس، طالب التجمع بان تتنازل الجبهة عن المكان الخامس اذا ارادت الرئاسة.
وقد حاولت الجبهة ان تحمّل الخلاف حول المكان الخامس معاني مبدئية، بحجة انه محفوظ لمرشحها اليهودي دوف حنين. غير ان فشل الطرفين في التوصل لاتفاق أثار الانطباع بان مصالح ضيقة لكلا الطرفين، كانت السبب الرئيسي للخلاف.
الصحافي وديع عواودة كتب في "كل العرب" (10/2) ان الاحزاب العربية توشك على الهاوية: "ان كل من عيناه برأسه لا بد ان يستشعر بالخراب المنتشر ويتنبه الى ان البوابة لا تزال مفتوحة الى انزلاق القافلة المشتتة للاحزاب العربية حتى الهاوية. هذه ستكون نتيجة شبه حتمية اذا لم تسارع الفعاليات العربية الى تنظيف الساحة ومحاولة انقاذ اوراقها، بعد ان اهملت طيلة سنوات، والعمل من اجل استعادة قطاعات واسعة من المجتمع العربي".
الجبهة: هدنة مؤقتة
انقلاب جناح محمد بركة على جناح عصام مخول في الجبهة، ادى لتحول في طبيعة قائمتها. الحزب الشيوعي الذي كان القيادة والقوة الاساسية في الجبهة، اصبح اليوم في الاقلية. في موقع الاغلبية يتفرد التيار الانتهازي القومي برئاسة بركة، الذي يدعو الى حل الحزب الشيوعي ونبذ العقيدة الماركسية وتحويل الجبهة الى حزب وطني عام، ويقترح بذلك عمليا الغاء الفرق بين الجبهة والتجمع.
الهدنة التي توصّل اليها جناحا بركة ومخول، تؤجل الازمة ولا تحلها. القائمة التي قدمتها الجبهة للجنة الكنيست كانت عبارة عن حل وسط تحقق فيه للحزب ترشيح العضو اليهودي دوف حنين في المكان الثالث. اما التيار البرجوازي الانتهازي، الممثل ببركة في رئاسة القائمة وحنا سويد في المكان الثاني، فضمن الهيمنة على الكتلة المستقبلية في الكنيست.
ابتعاد جناح بركة عن الخط الشيوعي المبدئي، جاء بضغط الشرائح الوسطى العربية التي تميل اليوم للمواقف القومية والانعزالية التي يعبر عنها "التجمع". ولكن كتلة مخول التي تعتمد على الكوادر اليهودية في الحزب، تخضع هي الاخرى لضغط الشرائح الليبرالية الاسرائيلية المقربة من حزب ميرتس (انظر مقالات في موقع الحزب وموقع "هغادا هسماليت"). وهو امر بلا شك يضعف الكوادر العربية المنتمية الى تيار عصام مخول. الامر الوحيد الذي يتفق عليه كلا التيارين، الحزبي والانتهازي، هو البعد عن هموم الجماهير العربية.
كلما تعمقت الفجوة بين المجتمعين اليهودي والعربي، تزداد صعوبة بناء حزب اممي لابناء الطبقة العاملة. انها مهمة تحتاج الى خط سياسي مستقل وبرنامج مبدئي واستعداد نضالي، وهي صفات معدومة لدى جناح مخول. بغياب الاتحاد السوفييتي اختفى المغناطيس الذي وحّد عناصر الحزب الشيوعي حول قيادته، وما تبقى هو عناصر معلقة في الهواء، فاقدة للمصداقية، عاجزة عن ضبط ومواجهة العناصر الانتهازية التي تعمد بحجج انتخابية لملاءمة نفسها وبرامجها لمزاج الجمهور او للموضة في الشارع الاسرائيلي.
انغلاق التجمع
الشعور العام بالفشل والاستياء الشعبي من التصرف الاناني للاحزاب العربية، دفعا حزب التجمع للانطلاق بحملة اعلامية فريدة من نوعها. ابتداء من الاسبوع الثاني لشباط امتلأت شوارع الوسط العربي بلافتات ضخمة ينادي فيها التجمع للتصويت للاحزاب العربية، تحت الشعار: "اذا كان صوتك صهيونيا فماذا تكون؟ صوّتوا للقوائم العربية".
اول ما يُشتمّ من هذا الشعار هو قلق حقيقي من انتقال اصوات العرب للاحزاب الصهيونية. والسؤال اية مصداقية للتجمع عندما ينادي بشعار عدم التصويت للصهيونية، وهو الذي نادى في انتخابات 1996 و1999 للتصويت لمرشحي حزب العمل لرئاسة الحكومة، شمعون بيرس وايهود براك. الم يكن رئيس التجمع، عزمي بشارة، هو الذي خرج قبل ايام من موعد انتخابات 1999، باعلان التوصل لاتفاق مع حزب العمل، لم يتحقق منه شيء، كسبب لسحب ترشيحه لرئاسة الحكومة؟ هل صهيونية عام 1999، كانت ارحم من صهيونية اليوم؟ ام ان مصلحة التجمع الضيقة وضمان المقاعد هي التي تحدد مواقفه منها؟
القضية الثانية وهي الاهم، ان شعار التجمع لا يعبّر عن اي مطلب او برنامج او مضمون عيني. انه يدعو الناخب العربي للتصويت للاحزاب العربية لمجرد كونها عربية، دون ذكر للبرامج.
مطلب التصويت للعرب فقط لانهم عرب، هو محاولة لخلق "جدار فاصل" يعزل الجمهور العربي عن المجتمع الاسرائيلي. حسبه، العرب يصوتون للعرب (وهكذا تضمن الاحزاب العربية تمثيلها في الكنيست)، وليصوّت اليهود لليهود. ولا يرى التجمع حاجة ان يوفر للمجتمع الذي يدعوه للعزلة، اية مقومات لممارسة اقتصاده وحياته بمعزل عن النظام الاسرائيلي. كم بعيد هو التجمع عن الواقع! ان اكثر من نصف المجتمع العربي يعاني اليوم من الفقر والبطالة، ويشعر انه اصلا معزول، فهل نشجعه ونقول استمر! اذا لم يطرح التجمع حلولا ولو جزئية لهذه الشريحة الواسعة، فلن يستطيع اقناعها بجدوى الاعتماد عليه فقط لانه "عربي".
ان وجود كتلة عربية موحدة في الكنيست، مكونة من 10 او 12 مقعدا، لا يمكن ان يضمن تحقيق انجازات ملموسة للجماهير، اذا بقي النواب العرب معزولين عن الرأي العام الاسرائيلي على اساس قومي. ان تحقيق التغيير يحتاج الى بلورة استراتيجية نضالية وبرنامج حقيقي للعمل في الميدان.
اذا لم يكن التجمع مقتنعا بامكانيته التأثير على الساحة السياسية الاسرائيلية، ولذلك يدعو العرب لدعم العرب، فلماذا يخوض اصلا المعركة الانتخابية؟ والواقع ان هناك عددا لا بأس به من المثقفين والكتاب العرب الذين كانوا في مرحلة سابقة مع التجمع، وتوصلوا اليوم للاستنتاج بانه لا فائدة من التصويت للكنيست، ويدعون اليوم لمقاطعة الانتخابات (انظروا على سبيل المثال تصريحات د. اسعد غانم وامير مخول، رئيس اتحاد الجمعيات العربية).
الخروج من العزلة
الطبقة العاملة العربية في البلاد لا تستطيع ان تقبل طروحات مثل عزلها عن الساحة الاسرائيلية، موقع عملها ومصدر عيشها. حالة الاحباط التي ألمّت بالجمهور العربي بسبب تدهور احواله المعيشية، نابعة اصلا من فشل قياداتها في مواجهة السياسة الاقتصادية. في وضع الازمة الاقتصادية الخطيرة التي تعيشها الجماهير العربية، لا مكان لشعارات مثل الحكم الذاتي القومي الثقافي او المجتمع العصامي والاكتفاء الذاتي. اسألوا عمال فلسطين اين يحصلون على قوت يومهم!
ان الجماهير العمالية اذا كانت واعية لمصالحها وهويتها، لا يمكنها باي حال التصويت للاحزاب الصهيونية. ولكن هذا لا يغنيها عن مهمة بناء استراتيجية سياسية وصياغة برنامج يفتح المجال امام العمال والفقراء لضمان الحد الادنى من اسباب العيش، من عمل وتعليم وخدمات.
الفراغ الكبير الذي خلقته القيادات العربية، يجعل هذه المهمة اكثر الحاحا. امام الكوادر العمالية الحريصة على مصير الطبقة العاملة العربية والجيل الشاب تحديدا، مهمة بلورة قيادة جديدة قادرة على كسر الطوق للخروج من العزلة، وشق الطريق امام العمال نحو انجاز الحد الادنى اولا والتحرر الاجتماعي والقومي ثانيا.
الشعب والاحزاب، من ترك الآخر؟
في محاولة لتشخيص الازمة الحالية بين الاحزاب العربية وجماهيرها، ارتأى الكاتب زهير اندراوس، محرر صحيفة "كل العرب" (10/2)، توجيه اصبع الاتهام لجيل الشباب الذي يتهافت على الثقافة الغربية.
حسب اندراوس نحن امام "ظاهرة الاسرلة، وحتى الامركة، التي تسيطر على افكار هذا الجيل، وتدفع بالعديدين منهم الى القول الفصل انه من المفضل ان نصوّت للاحزاب الصهيونية، لانها ستقدم لنا المساعدة في حل المشاكل المستعصية. اما النواب العرب في الكنيست الاسرائيلي فانهم برأي هذه الشريحة المهمة من ابناء شعبنا، حاضرون غائبون.
"واكثر من ذلك هناك. من يقول ويصوّت عاليا ان النواب العرب منشغلون بالقضية الفلسطينية، ولا يعيرون اهتماما للمشاكل الحياتية اليومية للمواطن العربي. ان الحديث عن قضية شعب اقتُلع من ارضه وهُجّر وشُرّد، بات تهمة يعاقب عليها؟".
اندراوس يشوّه الواقع ويوجّه الاتهام للشعب الذي وقع ضحية تراجع وافلاس قيادته. الميل العام لدى الشباب العرب ليس للتصويت للاحزاب الصهيونية، بل الى عدم التصويت بسبب اليأس والاحباط واللامبالاة. القيادات العربية الحالية التي تطالب الشباب بالالتزام بالمبادئ يوم الانتخابات، هي نفس القيادات التي لا تلتزم بالمبادئ، ولذلك تبقى دعوتها عديمة المصداقية. ليس الشعب والشباب هم الذين تركوا الاحزاب والقيادات، بل القيادات هي التي تركت الشعب.
#اساف_اديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسجل الجمعيات يسعى للسيطرة على جمعية معًا
-
خطة اولمرت - لمحاربة الفقر ام محاربة نتانياهو؟
-
خطة ويسكونسين: غموض مقصود للتيئيس
-
النقابات الامريكية تسعى لاسترجاع نفوذها
-
مشروع ويسكونسين كذبة كبيرة
-
التنكيل بجمعية معًا ملاحقة سياسية
-
ائتلاف شارون على كف عفريت
-
الاضراب لم ينقذ السلطات المحلية
-
بعد ترحيل العمال الاجانب، محاولات لاستعباد العمال المحليين
-
حزب العمل يستعيد الهستدروت
-
عمال غزة رهائن النزاع المسلح
-
تبعية الاقتصاد الفلسطيني تمنع الاستقلال السياسي
-
عمال الكنيست - اين الحبة واين القبة
-
تبعية الاقتصاد الفلسطيني تمنع الاستقلال السياسي
-
مقابلة مع د. يوسي دهان - كيف تقضي الهستدروت على نفسها
-
قضايا عمالية - لماذا الغي الاضراب في اسرائيل؟
-
ميزانية نتانياهو تدعم رأس المال وتهمش العمال
-
خطة نتانياهو تعجل الانهيار الاقتصادي
-
النقابة – الاساس للعمل الثوري
-
الساحة الاسرائيلية تتجه نحو اليمين
المزيد.....
-
جدّة إيطالية تكشف سرّ تحضير أفضل -باستا بوتانيسكا-
-
أحلام تبارك لقطر باليوم الوطني وتهنئ أولادها بهذه المناسبة
-
الكرملين يعلق على اغتيال الجنرال كيريلوف رئيس الحماية البيول
...
-
مصر.. تسجيلات صوتية تكشف جريمة مروعة
-
علييف يضع شرطين لأرمينيا لتوقيع اتفاقية السلام بين البلدين
-
حالات مرضية غامضة أثناء عرض في دار أوبرا بألمانيا
-
خاص RT: اجتماع بين ضباط الأمن العام اللبناني المسؤولين عن ال
...
-
منظمات بيئية تدق ناقوس الخطر وتحذر من مخاطر الفيضانات في بري
...
-
اكتشاف نجم -مصاب بالفواق- قد يساعد في فك رموز تطور الكون
-
3 فناجين من القهوة قد تحمي من داء السكري والجلطة الدماغية
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|