ضياء البوسالمي
الحوار المتمدن-العدد: 5752 - 2018 / 1 / 9 - 22:33
المحور:
الادب والفن
معلّمونا القدماء لم يكونوا فقط رجالا يتبعون فرنسا القديمة. في الأصل، كانوا يدرّسوننا الأخلاق وروح فرنسا القديمة. سأدهشهم بما سأقوله: كانوا يدرسوننا نفس ما كنّا ندرسه عند رجال الدين. وهؤلاء كانوا يدرّسوننا نفس ما يلقّنه لنا معلّمونا. لم تكن تناقضاتهم الميتافيزيقيّة تمثّل شيئا مقارنة بذلك التجّمع البشريّ العميق الذي كان ينمتي الى نفس العرق والى فرنسا واحدة ونظام واحد. إلى اختصاص واحد. إلى عالم واحد.
ما يقوله رجال الدين، في الأصل كان كلام المعلّمين أيضا. وما كان يقوله المعلّمون في الأصل، هو كلام رجال الدين أيضا. لأنّهم مجتمعين، كانوا يتكلّمون.
الوالدان، قبل رجال الدين والمعلّمين، كانوا يلقّنوننا هذه الأخلاق التافهة، التي صنعت فرنسا والتي تعجز اليوم عن التخلّص منها. هذه الأخلاق التافهة التي آمنا بها. والتي بحماقتنا وضعف تفكيرنا العلمي، ورغم تكذيب الوقائع، مازلنا متشبّثين بها بيأس يحتلّ أسرار قلوينا. هذا التفكير الجامد في وحدتنا. لقد ورثناه عنهم. ثلاثتهم (رجال الدين، المدرّسون والوالدان) درّسونا الأخلاق. أخبرونا أنّ الرّجل الذي يعمل بجدّ واخلاص لن يفتقر الى شيء أبدا. الأدهى أنّهم كانوا يصدّقون هذا الكلام ويؤمنون به. والأدهى كذلك أنّه صحيح.
البعض بدافع الأبوّة والأمومة، الاخرون فكريا، علمانيا، وثمّة منهم بدافع الخشوع والورع، الكلّ بدافع الاكتساب، الكلّ بدافع الأبوّة، الكلّ بجوارحه بجوارحهم وقلوبهم يدرّسون، يؤمنون، يستنتجون هذه الأخلاق التافهة (طريقة احتجاجنا الوحيدة: نبضنا السريّ): الرّجل الذي يعمل بكدّ، ولا يعاني من الرّذائل، الذي لا يقام، لا يسكر، هو حتما رجل لن يفتقر الى أيّ شيء. وكما تقول أمّي، سيحصّل دائما لقمة لأيام الشيخوخة.
كانوا جميعا يؤمنون بهذا الكلام، اعتقادا راسخا ومتجذّرا لا يتزعزع.
الرجل العقلانيّ المستقيم، الذي يعمل بجدّ من المؤكّد أنّه لن يموت جوعا. ومن الثابت أيضا أنّه سيقدر دوما على اطعام عائلته. سيجد دائما عملا وسيربح المال دائما.
كلّ هذا العالم القديم كان أساسا عالم قائما على العمل.
#ضياء_البوسالمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟