|
ما بعد الحداثة/ ما بعد الانسان..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5752 - 2018 / 1 / 9 - 20:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وديع العبيدي ما بعد الحداثة/ ما بعد الانسان..
[ان انسانا بدون عواطف أو رغبات، يكف عن أن يكون انسانا]- فون هولباخ [اننا محتاجون الى خلق الظروف التي من شأنها، ان تجعل الانسان، الهدف الأعظم لكل الترتيبات الاجتماعية. الحرية الأصلية والاستقلال، والقضاء على كل أشكال السيطرة والاستغلال، هي الظروف الكفيلة بتحفيز دوافع الحب والحياة. ان الخلاص، بأي معنى، لا يمكن أن يتأتى، الا من خلال تغييرات حاسمة، في نظامنا الاجتماعي والسياسي، بحيث يستعيد الإنسان دوره الايجابي الجميل في الوجود والمجتمع.]- اريك فروم
[1] علم اجتماع ما بعد الانسان؟!.. علم الاجتماع هو المجال العلمي الذي يدرس الانسان ويبحث في آثاره وما يؤثر فيه، وينعكس ثمة على صيرورته ومحيطه الكائن فيه. الواقع انه تعريف في غاية السهولة والاستسهال. وفي المثل الشعبي: يفسر الماء بالماء. فلكي نفهم علم الاجتماع، يقتضي ان نفهم/ نعرف (الانسان). ان الخطأ الاصلي/ الخطيئة الأصلية، تتمثل في النظرة البدائية للانسان أولا، وفي ان المتحدث يعتبر نفسه (انسانا) ، ويجعل من نفسه (المعيار) المعتمد لقياس - معدل عام-، يتحدد بموجبه: الانسان الأدنى، والانسان الأعلى. لماذا يختلف الانسان بحكم البيئة؟.. وهل هناك مثال عام لانسان، بغض النظر عن عوامل بيئته؟.. أي (انسان) من دون (حضارة)؟.. نحن امام اشكالية!.. لأن العالم يعيش حالة اضطراب.. والانسان المعاصر لا يشعر بالاستقرار.. انه ليس راضيا عن نفسه أو عن ظرفه ومحيطه.. بالتالي، ان الانسان اليوم لا يشعر – انه انسان-!.. لا يشعر بالانسجام مع الطبيعة والبيئة المحيطة به.. لن أسألك متى رأيت القمر آخر مرة!.. ولكنك بالتاكيد لم تشعر به كما ينبغي!.. وأنا لا أدعو هذا تطورا، ولا أدعوه اغترابا، أيضا.. بعض المترفين والمقتدرين ماليا، ينتجعون خارج المدينة في نهاية الاسبوع، أو يسافرون في عطلة خلال العام.. فهل يتمتع هؤلاء بحس أفضل بالطبيعة.. غرام الأوربيين بالبحر والسباحة، ليس سوى كذبة أو تقليد جامد.. وكثير منهم يستجم في حمام الفندق، ولا يكاد يتفاعل مع الطبيعة البحرية.. بلادة المشاعر لها انعكاس أكثر خطورة وحساسية، في العلاقة بين الجنسين. الحياة المعاصرة تتيح فرصا أوسع لالتقاء المرأة في كل مكان. ولكن شعور المرء بالجنس الاخر يكاد يغيب او يتبلد، والكلمة الأنسب هنا (عادي)! المرأة اليوم (شيء) عادي في حياة الرجل، والرجل (عادي) جدا في حياة المرأة أو نظرها.. في المدرسة يتعلم الذكور والاناث عن أنفسهم وعن الجنس الآخر.. ثمة أحدا عاش واختبر كل شيء بدلا من الجميع، تماما مثل فكرة (المسيح)، الشخص الذي مات عن الجميع، وحمل خطاياهم، ما تقدم منها وما تأحر، ولذا.. انعدم شعور المجتمع الغربي بالخطية، فالثمن مدفوع، وبوليصة التأمين تم توقيعها مقدما. فكرة التنميط هاته، كارثة وجودية وأخلاقية، تحول بموجبها الجميع الى روبوتز. اذا ابتسمت أو ضحكت أو ندّت عنك حركة ما، فأنك تعني كذا، ولا مجال لاحتمال آخر، رغما عنك. ما يسمى بلغة الجسد، تم تقنينها في المدنية الغربية، بحيث صار الانسان أسيرا لها، وضحية لها. ان الانسان لا يشعر هنا، وانما يملى عليه، وتفرض عليه اتهامات، عليه أن يقبلها ليكون انسانا عاديا. ولذلك تتخذ كلمة [نورمل/ عادي] قياسا اعتباريا في تعريف الانسان، وتحديد حقوق الانسان. ويخالفها في المعنى، [منتالي]، بمعنى مختلف عن العادي. واقع الحال، ان كل شخص يختلف عن الآخر. وفي داخل العائلة يختلف الأخوان والأزواج، بقدر ما يتفقان ويتشابهان. ولعل أفضل ردّ على المعيار الغربي البليد، هو ما يعانونه من اضطراب على كل المستويات. ولو كان الناس مجرد نسخ متشابهة مكررة (رواية أورويل)، لكانوا مثل مجتمع الدجاج أو البقر، يمارسون حياة عادية، ويكررونها كل يوم. واقع الحال ان العيادات النفسية والاجتماعية، أكثر في الغرب، من أي بقعة اخرى في العالم.. وأن المسجلين تحت عنوان (منتالي) نسبة لا يستهان بها من المجتمع. فكيف يجوز على الغربيين هذا الشطط؟.. هذا يعود للمعيار أو الأساس الذي يستند اليه الغربي في التقييم، وهو أحد اثنين: أولهما: الامن العام ومدى تاثير الفرد عليه، والثاني، عنصر العمل!.. أي: مدى قدرة المرء على ممارسة العمل وعدم الاتكال على الانفاق العام. وهذه هي معيارية النظام/ المجتمع الرأسمالي، والتي لا مكان فيها لما لا يخدمها وينسجم معها. هذا يجعل من النمطية الرأسمالية رديفا لمفردة (تسليع) البشر. فكما تخضع السلعة/ لشروط محددة لتدخل تحت عنوانها، كذلك ينبغي على الانسان ان يخضع لشروط معينة، مرسومة مسبقا، وفق لائحة المشرع الرأسمالي، ليكون – انسانا- أو لا يكون. لذلك اختلفت وظيفة الخبير الاجتماعي، النفسي، في النظام الرأسمالي، من صالونات التحليل النفسي الفرويدي، الى عيادات العلاج والتصحيح والتعديل وتأهيل الفرد لمستوى النمطية العادية، وبطرق آلية وميكانيكية جامدة، وفق برنامج بافلوف. فالنظام الرأسمالي الراهن يعمل ما لم يعمله (الله)!.. والانسان الرأسمالي لم يولد ليعيش حرا، ويفكر ويشعر وينفعل ويتفاعل، بمحض إرادته، وانما هو عبد (الآلة) وقنّ (المنظمة/ المنظومة) الاقتصادية السياسية الحاكمة. وفي منطوق آخر: عبودية النظام الرأسمالي أولى، من حرية الانسان وحقه في الوجود الحرّ!. ان الذي يملك الأرض هو الرأسمالي، والذي يتحكم في الماء والكهرباء والغاز والنت والدواء والغذاء هو الرأسمالي، والرأسمالي (شايلوك المرابي) لا يقدم بضاعته بدون مقابل، المقابل المادي، والمقابل الاخلاقي في الخضوع واحترام المنظومة. الخضوع والانحناء والتنازل والنفاق هو مفتاح كل باب وثغرة وقطاع في المجتمع الرأسمالي، الذي تمثل العولمة، أبشع وجوهه توحشا. القاء التحية والابتسام، تفرض عليك المعاملة بالمثل، بغض النظر عن مشاعرك والمشكلة المحيطة بك، وباستجابتك المثلية يشعر الرأسمالي بالغرور المناسب لاذلالك وخضوعك له. الحب الحقيقي، والشعور الحقيقي، الاحترام الحقيقي، أشياء لا وجود لها، في مجتمع العولمة. الحقيقي هو اشباع الغرور، السيطرة، فرض الاملاءات. ورقة التصويت او الاستفتاء لا صلة لها بالصدق والايمان والقناعة.. انها مجرد كلمة –لفظا أو كتابة- وذلك هو معنى صناديق الاقتراع. مجتمع تمثيلي منافق، يخضع فيه كل شيء للمناورة والانتهازية التي صارت تدعى براغماتية، والواقعية هي الوضعية. وبالنتيجة، لا وجود لانسان حقيقي اليوم في مجتمع العولمة، له صورة انسان، ولكن من غير جوهر. وبانعدام الانسان، تنعدم الارضية والضرورة لاستمرار ما عرفناه تحت عنوان: (علم الاجتماع) الذي لا يكاد يذكر اليوم، الا بمعنى العيادات النفسية/ الاغتراب، أو جمعيات البحث الاجتماعية الاكادمية، لاستقاء اليات وشروط جديد، في خدمة التفوق والاستغلال الرأسمالي، أو طرق معاملة الأجانب، ومنع تأثير المسلمين على محيطهم. ـــــــــــــــ * سيجموند فرويد عالم النفس النمساوي نسب كل سلوك الانسان الى دافعين غريزيين رئيسين هما: [الطعام (و) الجنس]، ثم عاد لاحقا وأعاد صياغتهما في غريزتين هما: [الحياة (و) الموت]. * سلوك الانسان، انفعالاته وتصرفاته كانت محور اشتغال وبحث علماء النفس والاجتماع وفلاسفة التنوير. وفيما بعد نظرية دارون/ (1872م) انصب الاهتمام على اعتبار (الغريزة) المحرك والباعث على أنماط سلوك الانسان. ويجدر التنويه ان بواعث علم النفس السلوكي في الغرب، لم تصدر في مجتمع مستقر أو ظرف اجتماعي عادي، وانما ارتبطت بمغامرات الحروب داخل أورربا، وما رافقها من مآسي وخسائر بشرية، وردود فعل احتجاجية من قبل المثقفين، فظهرت تيارات ونظريات وأحزاب، تنظم المجتمع وتعيد هيكلة النظام السياسي. وقد حمل التيار الرئيس في علم النفس طبيعة الإنسان وغرائزه مسؤولية (العنف والعدوان والساديّة). وقد خدم هذا التخريج قراصنة الحرب والرؤية الرأسمالية للمجتمع، من خلال الفصل بين الحروب ودوافعها الاقتصادية والسياسية. وقد شبّه عالم النفس النمساوي كونراد زكرياس لورنتس [1903- 1989م] الطاقة الغريزة مثل حجرة الغاز المتدفق باستمرار، تحتاج لفعل يخفف التوتر داخلها لتجنب انفجارها التدميري. بينما تفصل النظرية السلوكية لسكينر، بين تسلكات الفرد وبين القوى الذاتية والمشاعر الدافعة لها، ونسبها للبيئة الاجتماعية المشكلة للسلوك، ورغبة الشخص ان يسلك بطريقة معينة. علم النفس السائد اليوم في الغرب، يركز على (السلوك) دون (الفرد السالك)، بإلغاء تام لعالم الانفعالات والمشاعر والعواطف، مما يجعل من علم النفس: [علم هندسة السلوك الحيواني والبشري]= سلوك مقنن. وتمثل نظرية سكينر: المدرسة السايكولوجية الأكثر شيوعا في الجامعات الاميركية. ولكن حتى في مجال النظرية الغريزية، لا يقطع العلماء دور البيئة في تهذيب الغريزة أو تحفيزها.
[2] (بين مزدوجين!).. (1) التفاوت هو أساس كلّ شيء. الطبيعة والفكر والجماعة. تفاوت الأساسات هو ضرورة لازمة لطبيعة الحاجات. والحاجات في أصلها تعددية تنوعية. فالانسان حين يشعر بالتعب، يحتاج أن يجلس ويرتاح، وعندما يرتاح يحتاج ان يشرب، وعندما يشرب، يودّ أن يأكل قليلا، وعندما يأكل ويشرب، يشعر بخدر وامتلاء، فيحتاج لبذل جهد، لتصريف طاقته أو حفظ معدلها في الجسم، وهكذا دواليك/ (consequences). المادة/ (التفاوت)، مرتبطة بالحاجة/ (التعدد والتنوع)، والحاجة مرتبطة بالفعل/ (الانعكاسية ومتوالية ردود الأفعال)، والأخيرة يترتب عليها مشاكل وأزمات/ (انعكاسية وردود أفعال)، تفضي بعد سلسلة متواليات واجتهادات مجددة الى انتاج واقع جديد/ (حالة استقرار نسبي)، تتمخض بدورها عن حاجات وتفاعلات عملياتية جديدة. نستنتج منه.. أنه عندما تكون المادة/ (واقع مادي) في حالة استقرار/ (سكون/ جمود)، لا تكون ثمة (حاجة)/ (لزوم للتغيير أو الاضافة أو التعديل). وعلى قدر استمرارية واقع ما على ديمومة ثابتة، يمكن قياس معدل الاستقرار/ (الثبات). وبالتالي، تحاشي التغيرات، التي تحتاج قوة مقتدرة على تلبيتها، وإشباعها بدون تعريض الوضع العام إلى مجازفة، قد تدمر الحسنات. (2) ثمة (قوة) في الطبيعة، وثمة (اقتدار): أصله في الطبيعة أيضا. القوة مادية الطبيعة، وأصلها في الكون المادي وما يترتب عليه من ميكانيكا. الاقتدار ليس مادي الطبيعة، وأصله ليس في الكون المادي وما يترتب عليه؛ وانما (الاقتدار) هو ذات الكون غير المادي وغير المتجسد، والمستدل عليه لفظا بـ(الروح/ العقل)، التي تبدع وتخطط وتصمم وتشرف وتوجه، وتضع لمستها الدائمة على رونق الشيء، وهو ما تعارفت عليه الفلسفة بـ(الجمال). (الاقتدار) هو قدرة غير مادية، وانما هي نابعة من الروح، وفي اللغة هي (الحكمة). والحكمة: هي أساس كل شيء ومعناه ومغزاه. وكلما عظمت الحكمة عظم الشيء، وكلما سفهت الحكمة سفه الشيء. والفارق بين حكمة انسان وحكمة انسان، هي بقدر امتلاء الروح أو فراغها. كل انسان يدّعي الحكمة، ولكن ليس كل انسان ممتلئا بها. ثالوث [مادة- حاجة - فعل] ينتج منطقا ماديا صرفا، هو عالم ميكانيكي، حياة ميكانيكية، فكر ميكانيكي. والميكانيك في تعريفه هو مبدأ مادي يتكون من ازدواج الفعل بنفس الاتجاه او عكسه. والمادة جوفاء فارغة، لا عقل لها ولا غاية. (3) ازدياد المادة ينتج تراكما، ولكنه لا ينتج حكمة. مجموع المال ينتج مليارات ومليارديرات، ولكن بلا حكمة. وكلما زاد المال والمادة، تعلق الانسان بهما، وماتت الحكمة، وغابت الروح. وغياب الحكمة هو الشرّ السائد في كل شيء، وغياب الروح هو موت المشاعر وانعدام المحبة والقيم الاخلاقية. فلا غرو.. من ترافق المادة والحكمة لانتاج نظام متوازن، حالة انسانية، واقع انساني، عالم انساني، مجتمع انساني. وعلى مدى التاريخ، لم تنفصل الروح عن عالم المادة، ولم تغب الحكمة عن منظومة النشاط البشري. وحتى في أصعب الظروف وأشقاها، مما بالغ المؤرخون في وصف مظاهرها، -لأغراض عنصرية او أيديولوجية مقصودة-، لم تغب الحكمة عن عالم الأرض. ان نتيجة الحكمة ليست عمارات الزجاج، ولا الشوارع المعلقة فوق المدن، ولا المركبات الفضائية، وانما هي أجواء [المحبة والرحمة والعدل والشفقة]، التي هي ضرورة للنفس الانسانية والوجود الحي، أكثر من أي شيء آخر. التفاوت هو سمة الشرق، تفاوت الطبيعة.. التضاريس.. المناخ.. النباتات.. الحيوانات.. البشر.. الأفعال ونتائج الأفعال. البدواة والاستقرار.. التوحش والتمدن.. القسوة والعطف.. هناك.. في الشرق تشكلت خلايا البشرية الأولى.. ونويات الاجتماع العائلي.. مبادئ اللغة والاتصال والحرفة والدين والقانون.. اجتماع هبات الطبيعة وتنوع الموارد ساعد في انتاج الحضارة والمدنية والتطور، هذا هو رأي العلماء والمؤرخين الغربيين. هذا يعني، ان سبب عدم نشأة الحضارة والمدنية والتطور في الغرب القديم هو افتقادها لهبات الطبيعة والموارد، أو افتقادها للتفاوت والتنوع في حدّ داتها. (4) الصحراء دالة تشابه.. [رمال + رمال = رمال].. والرمل/ الرمال متشابهة.. ليس جامدا ولا سائلا ولا يتخلله شيء آخر.. الديدان والأعاسيب متكونة من رمال.. الهضاب والكثبان هي رمال أيضا.. وكما يقول باولو كويلهو في الصحراء لا يوجد اختلاف غير حركة الكثبان من مكان لآخر.. فالصحراء لا تفاوت ولا اختلاف.. لا تتضمن حكمة.. ولا تنتج حاجة أو فكر.. الحاجة والفكر والتأمل والحكمة تتولد وترتبط بالتفاوت في الطبيعة.. والتشابه صورة الموات.. ثمة ترادف وتعالق بين الطبيعة المادية المتفاوتة، وبين حضور الحكمة.. التشابه والتكرار وانعدام التفاوت الطبيعي في أوربا، لا يختلف عن جوّ الصحراء في الشرق المحكومة بالتشابه.. فلم تظهر فيهم الحكمة.. والروح وفكرة الدين والنبوّة.. وانما ظهرت في المناطق الزراعية والطبيعة المتنوعة.. وحيث تغيب الحكمة والروح والدين، تنعدم المشاعر الانسانية وعرى التعاطفوالرحمة والشفقة.. الوحشية وغلظة الطباع والمغالاة لفظا وفعلا وقطع الرؤوس، سمة لانعدام التفاوت والتنوع/ ثقافة التكرار والخوف.. من مظاهر الجفاف والخوف تعطل ظواهر الاجتماع البشري.. والتشرذم في شلل صغيرة العدد تنظر لغيرها بعين والكراهة والخوف والطمع.. (5) في الشرق توجد صحارى متصلة أو منقطعة على حدود حواضر.. أما في الغرب فتوجد (جزر) منقطعة او متصلة، تقابل الظاهرة الصحراوية، وتماثلها في الخصائص والمظاهر الاجتماعية.. ان سكان الجزر أدنى في صفاتهم وأطباعهم للوحشية من مجرد القسوة.. ويذكر ان بعض سكان الشواطئ كانوا يفترسون البحارة النازلين في شواطئهم.. أو يعاملونهم بصور وحشية.. فكان بعض البحارة يحملون معهم الهدايا الملونة والأطعمة المغرية والحلي لنسائهم وأطفالهم.. هنا يظهر فارق الحضارة عن الوحشية.. فن العقل عن عبودية الخوف والجسد.. وعندما أدرك سكان الجزر، تطور البحارة عن نمط حياتهم الجامد.. تغيرت النظرة للبحارة القادمين من وراء المجهول.. وصارت النساء والأطفال والشواطئ تتنافس وتتسابق لاستقبال الوافدين.. وربما خطر –لاحقا- لبعض طواقم البحارة الاستيطان في تلك الشواطئ والتأقلم مع سكانها، بما ينوفر قاعدة التواصل والاتجار بينهما.. من المعروف ان فكرة (الصيرفة) ومكاتب (المبادلة الربوية) ظهرت لآول مرة في الموانئ حيث ينزل البحارة ومرافقوهم من التجار.. ولكن الظاهرة الأخرى المقترنة بمرافئ الشظآن، كانت [المباغي والخمارات] وفي وقت لاحق الفنادق.. لتلبية حاجات رواد السفن.. والتواصل مع أهل الجزر.. (6) الاجتماع الغربي يختلف في أصوله وظروفه عن الاجتماع الشرقي.. فالاجتماع الغربي ارتبط بظروف الجزر والشواطئ ونقاط التواصل بين البحارة الغرباء وسكان الجزر.. وفي وقت لاحق يتحول سكان الجزر لركوب البحر، وتكرار ما امكتسبوه مع سواهم.. وفي الاجتماع الانجليزي ترد الاشارة لجماعات (الفايكنغ) الشمالية، الذين كانوا يزورون الجزر البرتانية من وقت لآخر، ويعيثون فيها فسادا ونهبا وإذلالا، قبل أن يقرر بعضهم الاستقرار فيها.. ولذلك ساءت صورتهم في نظر الانجليز.. ولم يميلوا لمخالطتهم.. يمكن تمييز الفايكنغ بطول القامة والنحافة والشقرة، وتعود أصولهم لجزر النروج.. وبعضهم استوطن الجزر الشمالية والغرين لاند.. وهم أقدم من استكشف الجزر البرتانية وفرضوا عليها سيطرتهم واستلام الجزية، قبل أن يخلفهم ملوك البلاد في القرون الوسطى.. ويخلفهم القراصنة الانجليز في ريادة البحر والقرصنة في الشواطئ البعيدة مثل أفريقيا وجنوبي أسيا.. البعيدة عن خريطة أوربا ونفوذ الحواضر الأوربية.. ونعرف في تاريخ الخليج ان الانجليز هم آخر مرتاديها وليس الأوائل.. فقد سبق اليها البرتغاليون والدانمارك والهولنديون والبلجك.. وفي البرّ كان الدانمارك والالمان هم الرواد الأسبق، والاكثر اتصالا مع الحكام والولاة العثمانيين.. والنقطة الفاصلة.. ان الأوربيين الغرابوة تطوروا عن حياتهم الأولى، واندمجوا في العلاقات السياسية والتجارية العادية في اطار التعامل والتعاون الدولي، أما الانجليز الذين بالكاد تخلصوا من أذلال الفايكنغ والتبعية السياسية والاقتصادية لفرنسا وألمانيا، وأحذث عهدا في القرصنة الدولية، فقد استمروا في لعب دور الهيمنة وابتزاز بلاد الشرق، والوصاية على حكوماتهم ومجتمعاتها الضعيفة – بالحيلة او بالقوة- حتى اليوم.. (7) المشكلة –مشكلة الغرابوه- انه لا يمكنهم تغيير الطبيعة.. يمكن تغيير أشياء كثيرة، ولا يمكن تغيير الطبيعة وتوزيعها الطبيعي. لا يمكن نقل طبيعة الشرق وموارده غربا، ولا يمكن تزحيف الغرب وجدبه الطبيعي والمناخي شرقا. الاغريق والرومان الذين كان جلّ مستعمراتهم في الشرق والجنوب من البحر المتوسط، لم يتحولوا الى شرقيين، ولا جعلوا الشرق امتدادا طبيعيا لهم.. وبقي لغز (البحر العظيم) فاصلا طبيعيا وحضاريا، أكثر منه أداة اتصال، رغم كثرة جزره وموانئه والبواخر المتنقلة فيه. الاسكندر جعل عاصمته الجديدة في (بابل) ولكنه بقي مقدونيا.. لم يصبح ملكا على بابل مثل داريوش، ولا ملكا فرعونيا في الاسكندرية كما اراد له المصريون. ويبدو أن لعنة الأرقام أصابته، فمات في العام الثامن لغزوه العراق. قسطنطين ابن هيلانه نقل عاصمته من ساحل ايطاليا الى ساحل البسفور، وأنشأ امبراطورية بيزنطه، جاعلا قبائل الشرق نواة قوته العسكرية وحرس قصره، ومدنية الاغريق الارثوذكسية ثقافة امبراطوريته وعقيدته الدينية، ولكنه لم يلحم الشرق بالغرب ولا الغرب بالشرق، وبقي الصراع بين روما والقسطنطينية على أوجه، حتى قضى عليهما معا. امبراطورية العرب والمسلمين اتجهت شرقا وشمالا، وحاولت ضمّ البحر العظيم في نفوذها، لكن موسى بن نصير قعقع في اشبيلية ولم يتجاوز حدود فرنسا، ليبدأ العدّ التنازلي. ولا شك أن أبناء أوربا اليوم أو غدا، سوف يلومون الظروف التي منعت المسلمين من مدّ نفوذهم شمال المتوسط. فلو حصل ذاك، في أوربا القاحلة والمتخلفة يومذاك، لكانت بلاد المسلمين امتدادا طبيعيا سياسيا لبلاد أوربا اليوم، عقب نهاية امبراطورية العرب والمسلمين، ولكل شيء نهاية. وفي ضوء نظريات التكامل الاقتصادي والطبيعي، لكفت موارد الشرق نقائص الغرب اليوم. لو أكمل طارق بن زياد رحلته حول اسبانيا- روما- اثينا- أدنة- حلب، لما لزم الأوربيين التشاور والتخابث حول مشروع سايكس بيكو وخطط الانتداب واحتلال العراق والشام، ودفع المال بالاقتراض لشراء حقوق الملاحة في قناة السويس. (8) فالعرب والغرب واحد متحد، والنقطة يمكن إزالتها بالتصحيف. واسم أوربا مشتق من أسم الاميرة الجميلة بنت ملك صور التي عشقها زيوس اله الرومان، واحتال لخطفها بتحوله الى هيئة (ثور) وباجتماعهما تكونت أوربا السياسية والقومية، ونست/ تناست أصلها الحقيقي، وأمعنت طعنا وانتقاما في شرق المتوسط الذي هو أصلها. والميثولوجيا القديمة أصدق من كل غرور الثقافات المعاصرة. في أيام اللجوء قال لي صديق عراقي كلداني: هل ترى هؤلاء الأوربيين المغرورين.. سيأتي يوم.. يضرب الجفاف بلدانهم وينتقلون الى بلداننا التي نحن نهجرها اليوم.. وسيطلبون اللجوء في بلداننا.. عندما تكون بلداننا أفضل ألف مرة، من نعيم الأوربيين الفارغ هذا!.. نعم!.. سيكون.. ومع كل يوم يتقدم، يتأكد الجفاف واللامعنى واليأس الذي يتمرغ فيه الغرب.. فلا دمقراطية الاغريق هي صورة الدكتاتورية الرأسمالية المخابراتية المتعجرفة اليوم.. ولا عمران الرومان الذي نشروه في صورة مدن وطرق مواصلات، هو مشاريع التخريب والدمار الشامل الذي تنشره سياسات الغرب اليوم في بلاد اسيا التي يدينون لها بكل ذرة وقطرة في وجودهم. الغرب الذي يرسل جواسيسه وجيوشه الى الشرق، ويغتصب سيادة البلدان والشعوب، للتحكم في الموارد المادية والبشرية، ويفرغ بلداننا من قواها العاملة والمثقفة، ويكتب عليها الخراب والارهاب والفساد، لن يشبع ولن يمتلئ ولن يجد حدا لغروره ووحشيته، حتى لا مناص.. كولن ولسن اعلن سقوط الحضارة، والأحرى ان يقول: سقوط أوربا، ووجودية سارتر جاءت ردّا على السقوط والتحلل الاخلاقي للدولة والمجتمع الأوربي.. وجاء الياباني المتأمرك فوكوياما ليقول بنهاية التاريخ، والصحيح القول، بنهاية الولايات المتحدة، مسخ انجلتره البليد.. أو (The Beast) في رؤيا يوحنا الانجيلي.. (9) الوحش الذي يبتلع العالم داخل شبكته العنكبوتية الالكترونية، فيفسدها ويتجسس على دخائلها، ويجبر الجميع على رفع الصلوات للوحش.. ذلك هو نفسه الوحش/ الشيطان المهزوم من هرمجدون السماوية، الذي نزل في اميركا الشمالية وكشّر عن أنيابه عام (1914م) في صورة القوة العظمى [مؤسسا لعصبة الأمم/ (1918م) ومنظمة الامم المتحدة/(1945م)] رسما لنفسه صورة وسيط السلام ومخلص الأمم، قبل افتضاح صورته عقب غياب الاتحاد السوفيتي، وسقوط أقنعة الوحش.. الذي يتمرد هو الجوعان، والذي يكفر هو الشبعان!.. والغرب الرأسمالي، جامع الصفتين، هو الجامئع بطبعه، ولا يجد حاجته بغير استغلال وسرقة خيرات الآخرين، وهو الطمّاع الذي أعماه طمعه عن ادراك الحدود فأولغ وتمادى، وكفر بكلّ شيء.. بدء بالقيم وليس آخرها الانسان، الذي هو سلعة تجارته وساديته!.. المقصود بالغرب هو الولايات المتحدة الأميركية، والولايات المتحدة الأميركية، هي مسخ انجلتره او ما يدعى بالمملكة المتحدة. البلاد التي وصفها نيتشه بأنجس الشعوب الأوربية، ووصفها الأفغاني بالخبث والاحتيال، ووصفها امبرتو ايكو بالثعلب المراوغ. خلاف الأمم والبلاد الأوربية، تكونت شخصية انجلتره على أساس الهروب، من مجالها الأوربي والشمال أوربي نحو الشرق.. انجلتره التي جعلت أستراليا سجنا لمجرميها المحكومين بالموت، تولت أول وأكبر مشروع تطهير عرقي في التاريخ، بقتلها ما يقدر عددهم بثلاثين مليونا من سكان استراليا الأصليين، واستبدالهم بالسجناء والمجرمين الذين هم أجداد وأسلاف انجليز استراليا الحاليين.. مستخدمة في ذلك الاساليب اليدوية الوحشية بواسطة سجنائها ومكأفأة من ينجو منهم ويطهر أكبر مساحة من غاباتها الداخلية.. وتجربة المواد والعقاقير الكيمياوية التي كانت تتفنن في تصنيعها وترويجها.. فضلا عن قتل وتصفية ما يقدر بستة عشر من سكان نيوزيلنده التي لا تحميها المسميات الكنسية من رحمة الزلازل والكوارث الطبيعية.. ودورها في عمليات التطهير العرقي في أميركا الشمالية ضد الهنود الحمر.. سكان أميركا الشمالية الأصليين، والذين لابد لأحفادهم القليلين، أن ينهضوا من جديد ويطهّروا أراضيهم من رجس الشيطان.. (10) مبدأ ادم سمث أحلّ لحكومة بلده التحكم بموارد الكرة الأرضية، بغير اعتبار للبلدان وسكانها.. والمفكر الانجليزي الأخر هو كينز صاحب مبدأ (دعه يمرّ.. دعه يعمل)، الذي يكمل ويؤكد فتوى سمث الكولونيالية العنصرية.. ولا بدّ لنا نحن ضحايا الهيمنة والعنجهية الانجليزية المريضة، من تجريم المنظرين والمفكرين الرأسماليين الذين خدموا النظام العدواني المجرم بحق الانسانية، بنفس طرقهم في تجريم وإدانة مناوئيهم، هؤلاء الذي يفتخر بهم [Thomas Kielinger] ينبغي اسقاطهم ثقافيا وفكريا، خارج ثقافتنا وحياتنا.. ان ما يعتبره الانجليز ميزة لأنفسهم في الاقتصاد السياسي العنصري، انما هو دليل ضدّهم، ليس لجدبهم الفلسفي نسبة لألمانيا مثلا، وانما لجدب التيارات الانسانية فيهم، نسبة للثقافة الفرنسية.. وهذا ما يجعل لهاثهم وراء تطوير الات النسيج وما يدعى بالثورة الصناعية.. دالة على جفاف منابع الانسانية لديهم.. ويذكر ان المفكرين الاخلاقيين أو الانسانيين في انجلتره، مصيرهم الصدود والتجاهل في تاريخهم ومناهجهم المدرسية.. وليس أشد غرابة بين بلاد العالم، ان يكون البلاط وتملقه، معيارا لتقييم شخصيات عالمية فكرية وثقافية، امثال ماركس ورسل و أودن وكولن ولسن، وكثيرين غيرهم.. ولعل رأس مأساة العرب والعراق.. أن يكون اتصالنا بالتنوير والحداثة والغربنة من منظور الانجليز وعرابيهم، حيث تتحدد المعايير والأفكار والأخلاق، بمنظور التاج وطاعته واشباع أطماعه.. وهذا يقتضي منا اليوم.. مراجعة ثقافتنا واعادة النظر في حداثتنا، لتطهيرها من خصائص الانجليزية الضيقة، والانفتاح على ثقافات ألمانية وفرنسية المنابع.. (11) بدون [المحبة والرحمة والعدل والشفقة]*، يفقد العالم الحي انسانيته، مهما بلغ من حدود الاشباع المادي في الطعام والثياب، وكل المظاهر المادية المعقدة التي تنتجها ميكانيكا المادة. الانسان الفرد بغيرها يتحول الى روبوت فارغ بليد، يتحرك بلا رغبة ولا أمل ولا معنى. واللامعنى سوف يقتله، ويجعله ينقض على نفسه أخيرا. انتحار العالم الفارغ من المعنى، هو الانتحار الجماعي للعالم الرأسمالي التكنولوجي، هو نهاية الزمان والمسيرة المنحرفة لعالم غير انساني، باع نفسه للمادة وآمن بها بالمطلق، فحقّ عليه مصيرها. ومصير المادة هو الفساد والنتانة، وهي مصير مجتمع الامبريالية التكنولوجية والرأسمالية الوحشية. الحياة تقوم على الروح وليس الجسد. الجسد بيت الروح ووسيلته وليس العكس. الحياة نفسها، بغير الروح تتحول الى عملية تنفس ميكانيكي [شهيق- زفير] ولكن من غير روح. وبعض الذين تربط لهم اجهزة تنفس لتحريك عضلات القلب، يبقون في الحياة، ولكنهم بلا روح، ولذلك لا يشعرون بمعنى من بقائهم في العالم، وفي لحظة ما، يفضلون الموت. نحن أبناء الروح. بالروح ولدنا ومنها وبها كنا ونكون. والروح لا تموت ولا تفسد ولا تنتن. من عاش بها سما، ومن عاش بغيرها انتن وسفه. وأبناء الرّخاء الرأسمالي لديهم كل وسائل الماديات والطمع والابتذال، ولكنهم يفتقدون [البساطة – البراءة- المشاعر الحقيقية].. فالمادة المسرفة في حياتهم، أفرغتهم من هبات الروح، فسقطوا وفسدوا. حفيدة (أوناسيس) بقيت وحيدة بلا صداقة أو زواج أو عائلة، لأنها تشك في أن كل من يدنو منها يطمع في أموالها، فهو لا يحبها، ولكن يحب المادة، ويتبع طمعه فيها. اساس الاجتماع الرأسمالي هو (المصالح المادية) وليس (المحبة). أي شخصين، يرغبان في العيش سوية، اليوم، يقولان لنجلس ونتفق: هذا لي وهذا لك، هاته حدودي وتلك حدودك. يعمل احدهما الشاي لنفسه فقط، ويشتري طعاما يتناوله بمفرده، دون مشاركة الآخر. وعندما يمرض أحدهما أو يعاني من مشكلة، يعيشها لوحده، ولا يحق له طلب مساعدة من زميله. (12) قبل سنوات كتبت موضوعا عن معنى العائلة والزواج في حياة الملكة اليومية. هل يطلب منها ان تجد له جوربا او تكوي له القميص. هل تعد له الفطور، أم يعد زوجها الفطور لها. هل ينامان سوية أم منفردين؟.. هل يشتركان في الحجرة ام يتجاوران؟.. وهل يبقى الخدم معهما طيلة الليل؟.. والنتيجة هي.. تبا لحياتها!!.. الفراغ بكل دلالاته.. مدرسة ثانوية متزوجة قالت انها تعيش لوحدها، وزوجها المدرس يعيش في شقة مستقلة لوحده. انهما يحترمان بعضهما، ويحتاجان ان يكونا سوية من وقت لآخر. يتفقان بالتلفون ويجلسان في مقهى او مطعم، قد تذهب معه لشقته قليلا او تدعوه لشقته لغرض الفراش. لكنها لا تخدمه في شيء. لا تقدم له القهوة، لا تنظف بيته. هو يخدم نفسه بنفسه. (نحن هكذا سعيدان). مدرسة أخرى، تعيش منذ ستة عشر عاما مع صديقها، ولهما أربعة أطفال، يسافران ويعملان ويعيشان حياة جميلة.. يحترمان بعضهما ويتساعدان في كل شيء. ولكنها لا تفكر في الزواج منه. هل يمنحنا الزواج أكثر مما نحن فيه. ما هو الزواج، مستند صداق وأرث!. معيار حياتهم هي الماديات: علاقات مادية، مصالح مادية، حاجات مادية، زواج مادي، حب مادي، جنس مادي، والمادة تدخل في كل شيء، معيارا وأساسا وغاية. والمادة تعمل ضدّ الروح، والروح مصدر الحكمة والمشاعر والمحبة والالاشتياق الانساني. (13) هل ثمة حب بلا اشتياق/ شوق/ توق/ حنين / ذوبان/ تضحية/ اتحاد. بعض الناس يحنون الى أمهاتهم ولا يعرفون لماذا. أنهم لا يشتاقون اليها شخصيا، ولكن لما يتصورونه او يتوسمونه فيها من (محبة). الحياة الفارغة من [المشاعر البريئة والمحبة النظيفة] وراء حنين البعض للماضي، ولرموز غير حقيقية في ذاتها. البعض يشتاق لصور ورموز أدبية أو ميثولوجية أو حتى دينية، لملء الفراغ المادي الذي مسح فيهم نسمة الحياة. في ترانيم الكنائس المزدحمة بالنساء أكثر من الرجال، تنفعل النساء بكلمات الترانيم التي تأخذ طابعا شخصيا وتستجيب لمشاعر وحاجات نفسية في داخل الشخص. وفي المجتمع المسلم، تسمع اعدادا متزايدة من النساء، يتمنين ان يكن زوجات/ إماء للنبي، لو عشن في زمانه، لو جاء اليوم، أو في العالم الآخر. الدين الرأسمالي المعاصر لا علاقة له بالدين. ومنذ اتجاه المعالجين النفسانيين اتخاذه وسيلة في عياداتهم، تحول الفكر الديني وسيما الفكر التعويضي والسكاتولوجي، ومبادئ العدل الالهي والتجارب التي تشدد الايمان وتقرب العبد من ربه، الصعوبة التي تنتج الخير، الله الذي يحبنا ويسدد حاجاتنا، ويغفر ويعفو ويعوض، الى (مخدر نفسي) لأغراض العلاج ليس الا. ومثل العقاقير التي تنتج معامل الدوية الرأسمالية بشكل تجاري رخيص، تجد زبائن الأدوية والعيادات الدينية، يواظبون على تناول تلك العقاقير وحضور اجتماعات الذكر والتخدير النفسي، لنسيان تعاسة الواقع والهروب مناسئلة العقل وانعدام الارادة الانسانية. (14) مشاريع المستقبل، مثل الخطط العسكرية، تستند الى طبيعة الأرض وخريطة الحاجات والظروف الطبيعية والاجتماعية. وطبيعتنا الجغرافية والاجتماعية والثقافية في الشرق، تختلف عن الغرب.. ولا يجوز لنا تكرار ما يقرره الغرب لنفسه، كما لا يجوز له أن يقرر لنا ما نأكل ونلبس وكيف نفكر ونشعر. إذا كانت الحداثة في الغرب قد وصلت الى طريق مسدود، بحسب أهلها، فنحن لسنا أتباع بافلوفين، لا للحداثة الغربية ولا لما بعدها. ومن السخرية بمكان، أن تستمر بلادنا ومجتمعاتنا، في امداد أطماع الغرب بحاجاته ومصادر تفوقه، وهيمنته على مقدرات العالم، بعنجهية ووحشية، وهي تعادي العرب والاسلام، وتضعهم في نهاية جدول الأم والأعراق. [دولة- اقتصاد- دين] ثالوث الامبراطورية الوحشية السائدة اليوم، مدينة لمقدرات الشرق والعرب والحضارة الاسلامية.. وبدون شرق المتوسط ما كان للعنجهية والاستغلال الغربي أن يكونا ويدوما. ولابد لنا، ان نعوض ما فاتنا في القرن العشرين، ونؤكد استقلاليتنا التامة من أي وصاية، ونعتمد على أنفسنا ومواردنا في صياغة نهضتنا وثقافتنا.. علينا الخروج من بيت الطاعة.. ليس كافراد.. وانما كمجتمعات ومكونات أمة قادرة على امتلاك زمامها.. بقدر وحدتها وانتمائها لنفسها وثقافتها وتراثها.. بدل نظرة الازدراء التي أشاعتها، برامج الحداثة والثقافة الكولونيالية وثقافة الغوغل، عن تراثنا وثقافتنا التي لا قيامة للغرب بغيرها، حضارة وحاضرا.. لا وجود لثقافة بلا انتماء قومي تاريخي، وامتداد تراثي روحي.. العالم الغربي والانجلوميركي سادر في طريق الضلال واستعداء الانسان.. وليس علينا اتباعه [عميان يقودون عميانا].. وسيكون من المخجل، ان يكون منا من يخدم وكالة الشرّ والدمار.. ولا نتعلم من عرّابي تخريب العراق الذين كانوا من زبانية البنتاغون ووكالة المخابرات الأميركية.. فلا يكون لهم أبناء وأحفاد، يتاجرون بكرامة البلدان والشعوب، من أجل لقمة السحت، بل الذل الذي كان مصير الجلبي وأعوانه.. من يعتز.. عليه أن يعتز ببلده وتاريخه وثقافته.. ومن أراد أن يكون، يكون ببلده ومجتمعه وأصله القومي.. وأخيرا وليس آخرا.. [الْ يريد يعيش.. يزرع ورده بيده والْ يريد يموت.. يحفر قبره بيده]!.. ـــــــــــــــــــــــــ • فون هولباخ: العواطف ضرورة إنسانية، بغيرها يكف المرء عن أن يكون انسانا، بمعنى انها تسبغ (معنى) وجوده، وترسم قيمة له في المحيط الاجتماعي. • يرى الكاتب: ان الكائن الحي نتاج بيئته، وتفاعلاتها الطبيعية الثابتة والطارئة، ويقسم المجتمعات بحسب أصولها التاريخية إلى: مجتمعات (غريزية) ومجتمعات (أخلاقية). والغالب ارتباط المجتمعات الغريزية ببيئات الشحة والجفاف، وارتباط الثانية ببيئات الوفرة والاعتدال في المناخ والموارد. وفيما تطورت النظم الاخلاقية لانتاج أفكار اجتماعية: (المشاعية والتكافلية) وتشكيل فكرة (الدين) كنظام أخلاقي، ينتظم العلاقات الاجتماعية والعامة، مالت مجتمعات الشحة والتطرف البيئي لنتاج أفكار مادية طبقية وتقنين (العنف والقسوة). المجتمعات الأخلاقية تطورت الى تيارين: [النظام الديني (و) النظام الاشتراكي]. والمجتمعات الغريزية تطورت الى تيارين: [النظام العسكري الرأسمالي (و) النظام البرجوازي الوطني]. ومرحلة العولمة الراهنة، انتصار للامبريالية العدوانية، المطلقة للغرائز المتوحشة في كل اتجاه، لإشباع حاجاتها الأنانية والسّادية، من خلال تدمير كل النظم الاجتماعية والأخلاقية، المخالفة لها مبدأ. ويلحظ مباشرة، ان [الدين والاشتراكية] أكبر أعداء العولمة، وكلاهما يقومان على التنظيم الاجتماعي والقيم الأخلاقية الانسانية.
[3] ما بعد ما بعد الحداثة.. حداثتنا ليست حداثتنا.. انها حداثة جيراننا.. ولكننا نكاية في البؤس، نفرح بما عند جيراننا، أكثر من جيراننا أنفسهم. لأن أسلافنا علمونا: الجار قبل الدار!.. جيراننا الذين اخترعوا حداثتهم، وبعثوا لنا نصيب (الجيرة) منها.. لم يقولوا أنها حداثتهم خاصة بهم.. مناسبة لطينتهم التي ليست طينتنا.. وتعالج بيئتهم وظروفهم التي ليست بيئتنا وظروفنا.. وتعالج اشكالات حروبهم التي ليست حروبنا، وليست لنا بها ناقة أو جمل!.. سؤالي هو: اذا كنا متحمسين جدا للحداثة والتحديث والقفز فوق واقعنا وتقاليدنا، فلماذا لم نخترع نحن الحداثة، بدل استيرادها.. أو القرصنة عليها، أو تلقفها تلقف الأعمى في الصحراء.. ما أفضلية الفارابي وابن سينا والغزالي على أبناء زمننا الذين ندعوهم -زورا- رواد حداثتنا.. لماذا اخترع أولئك حداثتهم التي ارتفعت بها أمتنا.. وفشلنا نحن.. الدولة العربية/ الامبراطورية الاسلامية في اول طلوعها، فرضت لغتها وثقافتها وعقيدتها على الآخرين، ورفضت قبول بضاعة الضعيف وتسويقها.. والامبراطورية الغربية لدى طلوعها البروتستانتي فرضت ثقافتها وتقاليدها وعقيدتها، ورفضت ما لدينا، نحن الضعفاء المهزومين أمام أنفسنا – (غنائم حرب)!-.. خلال القرن العشرين، انتقلنا من حال لغيرها.. ملكية- دستوية – جمهورية- قومية- اشتراكية- رأسمالية – لبرالية- عولمية.. ورغمها جمعا وقصرا.. لم نأت على اختراع حداثتنا.. خالفنا الافغاني لمخالفته ملتنا.. وخالفنا محمد عبده لكونه ليس علمانيا.. وخالفنا كل بادرة تغيير أو تجديد لسبب على مستوى الجاهزية.. وعندما فسد الدين والدنيا.. تساءلنا لماذا لا يظهر مارتن لوثر في بلادنا؟.. لماذا ولماذا.. ... ولم يتساءل المتسائلون عن دورهم ودور أسلافهم خلال العصور المتغيرة من القرن العشرين.. اشتراكيتنا الشيوعية أو القومية لم تكن من نتاج عقولنا ولا بيئتنا.. وأنماطنا الثقافية في الثياب والعمران والمصطلحات والأدب والفنون لم تكن من غير عرابين ومستعربين يلقنوننا إياها.. رواد الحداثة العثمانية في برنامج (تنزيمات) كانت أصولهم من الشركس.. أو فئة المماليك، من أصول أوربية ومسيحية وعرق غير شرقي.. ورواد حداثتنا بعد أفول شمس عثمان، كانوا من أخوتنا المسيحيين الشرقيين والعرب.. أولئك كانوا رواد الصحافة والتأليف واستيعاب أفكار دارون ووراثة مندل ونسبية اينشتاين.. شبلي شميل وفارس نمر وسلامه موسى.. أولئك ترجموا أو عربوا المدارس الأوربية الحداثية في الرواية والشعر والنقد والمقالة.. فالمسيحيون العرب في القرن العشرين، كان لهم نفس دورهم في صدر العباسيين، ولكن من غير مقابل أو عرفان. المسيحيون العرب لهم لغاتهم القومية الأصلية الأكثر قدما من لغتنا العربية.. وبشكل أو آخر، كانوا غرباء/ (موالي)، في أمة ليست أمتهم، وقومية ليست قوميتهم.. ولعلّ وساطتهم الحضارية وتعريبهم مشروع الحداثة، كان فضلة منهم، إلى لغة ليست لغتهم.. ولعلّ الراهن يشهد بحجم غيابهم وتغييبهم، ثقافيا أو جغرافيا.. في بواكير القرن العشرين كان الخياطون والحرفيون من الأرمن.. والصحفيون والكتاب والمترجمون من السريان والكلدان والأثوريين.. وكان قدماء الأطباء والصيادلة ومستشارو الوزارات منهم.. الخلاصة من ذلكم.. أننا كنا مستقبلين عميانا.. بلا تمييز ولا تمحيص.. وحتى اليوم.. لم نخترع أو نبتكر سلعة نافعة.. أجيال الاكادميين الأوائل من حملة شهادات الغرب، غرّبوا أفكارنا وجامعاتنا ومناهجنا الدراسية.. وعلى العموم.. كانت بضاعة أسواقنا الثقافية، غربية لبرالية رأسمالية انجليزية بالدرجة الأولى وأميركية ثانيا. تقابلها على الصعيد الأهلي مصادر ثقافة اشتراكية شيوعية منشأها موسكو ودار التقدم في الغالب. حتى حداثتنا السياسية كانت مستوردة، وحتى وطنيتنا وقوميتنا كانت تقليد ونسخ، ومناهجنا الاقتصادية والاشتراكية العربية كانت نسخ بدائي مشوّه وقرارات مراهقة ثورية.. في وقت متأخر، ترددت أصوات خجولة، عن كون ألف ليلة أول رواية عربية.. وكتب آخر عن القصص في القرآن، واعتبر آخر ابن فرناس أول محاولة طيران يقوم بها إنسان.. وفي أزقة ضيّقة كان يجري جدال حول اكتشاف ابن الهيثم للدورة الدموية وعلم التشريح قبل جالينوس.. ومع ذلك لم تظهر حداثتنا.. قبل أن نكتشف أن جذور الاشتراكية نبعت في جنوبي العراق على أيدي القرامطة، وان اللبرالية مذهب فكري ولد في بصرة العباسيين.. أعجبتني فكرة الصدر في عنونة كتبه: [فلسفتنا، اقتصادنا].. ماذا كان يقصد لرجل بضمير المتكلمين الجماعة.. هل يقصد نحن (الشيعة) في مقابل (السنة).. أم يقصد نحن (اهل الدين) في مقابل (العلمانيين والشيوعيين).. أم يقصد نحن (العرب) في مقابل (الغرب).. أم هكذا.. وربما استخدم أنا منطوق (حداثتنا) بنفس الطريقة.. خلال حياتي الدراسية صادفت رجلا واحدا لا يرتدي البدلة الفرنجية .. وكان مدرس (مادة الدين) من خريجي الأزهر.. وكان هو أمام مسجد مدينتنا.. والنتيجة اليوم.. أننا لا نسير في طريق الاسلام، ولا في طريق الشيوعية.. لا نسير في طريق القومية الاشتراكية ولا الملكية اللبرالية.. لا نحن في نظام حكم القبيلة ولا في نظام الدولة الوطنية.. ثقافتنا ليست تراثية أصيلة ولا غربية أصيلة.. خلطنا قشور هذا على قشور ذاك وصنعنا (كوكتيل) هجين.. اللحن والهجنة والتقليد والنسخ يحيق بنا من كل جانب.. لكننا رغم كل شيء، نجحنا في فهم التطور بمعنى (تطرطر).. وبدلا من إصلاح الصحراء وغزو الفضاء، نجحنا في تصحير الأراضي الزراعية وتجريف المدن وغزو عقر دار الامبريالية.. حتى نتماهى في الحداثة وننافس أهلها في بلد المنشأ.. ما زلنا لليوم نتفانى في ترجمة شيكسبير وننظر للماركسية والاشتراكية وننصح ساسة احتلالنا كيف يعاملون شعوبنا.. في عهد الفلسفة الاغريقية زار فلاسفتها أمثال: فيثاغورس وبلاتو، الهند وبابل ومصر الفرعونية، قبل ترتيب أفكارهم ونظرياتهم.. ولكن لا أحد من منظري التنوير والحداثة وفلسفة الاجتماع زار بلادنا أو عرف شيئا عن مطابخنا، ما خلا المغفور له نابليون وصحبته.. كما أستثني بقية الرحالة الجواسيس من عرابي القرصنة والغزو.. بضمنهم النساء اللواتي تعلمن العربية لغزو بلادنا وليس قلوب رجالنا.. يقول الغربيون أن الحداثة فشلت في بلادهم.. ونحن ما زلنا نتمسك بها، لكي نعيدها إليهم بعد فوات الزمان على طريقة ابن رشد والاكويني.. اذا كانت الحداثة فشلت في الغرب، فقد سبقناهم في اقتناص العولمة ومنتجات ما بعد الحداثة.. وعدد القصص والقصائد والروايات المنسوخة من رسائل البريد الالكتروني وتعليقات الفيس بوك والتويتر، يفوق محاولات الغربيين في هذا المجال.. الحداثة ليست سجل غينس للأرقام القياسية.. والتنوير يحدث في العقل وليس في أرصدة البنوك والعقارات.. المستوى الثقافي لساسة العرب قبل قرن من الان، كان أرقى مرتبة وأسمى خلقا من ساسة العرب من بعدهم.. والوعي الاجتماعي والوطني في باكورة القرن العشرين، ليس منه شيء في عتبة الألفية الثالثة.. وأشياء كثيرة ماتت اليوم.. ولا صلة لها بذلك الماضي النوستالجي عند القليلين.. البلدان تحولت الى فنادق للإيجار.. والإقامة حسب الدفع.. والمعاملات الأدارية بورصة، يحكمها انتفاخ الجيوب.. شوارع بغداد ودمشق وحلب وبيروت والقاهرة في ثلاثينيات القرن العشرين هيهات منها عشوائيات الألفية وعمران الفوضى غير الخلاقة.. الحداثة والتنوير والثقافة تحولت من رصيد وطني وقومي الى متاع شخصي و(اتيكيت) عقد الجاه واللقب والرفاه.. المثال الذي أطلقه احدهم عن خروج العرب من القرية ولما يصلوا أطراف المدينة!.. ينطبق على صلة العرب بالحداثة.. فالعرب خرجوا من دهليز التراث ولم يتصلوا بالحداثة.. والعقل العربي اليوم أكثر نكوصا وإشكالية وانفصاما في ذاته.. مشكلة العقل العربي هي غياب التواصلية، ليس الحضارية بل الاجتماعية والجيلية.. فكل جيل يستنكف ويسخر من سابقيه ولاحقيه.. وكل فرد في مجاله، يعاني من الانتفاخ النفسي وكراهة غيره، حتى لا يوجد له مثيل أو نظير.. ثقافة الإلغاء والتهميش التي ألصقت بالنظام السياسي البائد، هي صفة شخصية للفرد العربي، وسيما في شرق المتوسط.. لا احد يعترف بأحد أو يحترم صفته الثقافية والاجتماعية والإنسانية.. مثنوية العجب والغضب.. لا حضارة بغير تواصلية.. ولا تجديد بلا دراسة ومتابعة ونقد وتحليل.. ما كان لفرويد أن يتصل وتستمر أفكاره لولا تلاميذه ومعقبيه والمضيفين لتجربته.. ان فكرة غير مباشرة في كتاب تتحول إلى حلقات مناقشة وتيارات فكرية ومذاهب.. والمناقشة ينتج التراكم.. والتراكم الثقافي يصنع حضارة تصل ثمارها في متناول الناس.. والحداثة حضارة.. ان الإنسان عقل وكرامة.. الانسان يسمو بالعقل.. والعقل يعيش بالتفكير وتواصلية الأفكار.. ولكن الأفكار النابعة من الواقع والمتفاعلة مع الظروف الآنية والمستجيبة لأسئلتها المتنوعة.. ماذا يمنع ثلاثة أو خمسة شباب أو نساء، من اجتماع في مقهى أو حديقة، لمناقشة كتاب فكري، أو فكرة غير عادية في مقال منشور.. وما يمنع مجموعة الثلاثة والخمسة ان تنمو إلى سبعة أو عشرة أشخاص.. وبدل اللقاء العشوائي، يكون ملتقى أسبوعي وندوة دورية، يتسلح لها كل مشارك، بقائمة من المصادر المتخصصة، والأمثلة الاختبارية في محيطه الاجتماعي.. ذلك أفضل من هراء الألعاب الالكترونية والبرامج الأميركية الملوّثة للعقول والثقافات والهويات.. حداثتنا لم تولد للآن ولم تتشكل ملامحها ورموزها الحقيقية.. ولكنها يمكن أن تولد اليوم.. والبداية تكون كتاب صغير مهمل على رصيف مكتبة، أو كاتب مجهول، ليس من نادي الألمعية.. المهم هو الجديد والأصيل والنافع.. وفي العقدين المقبلين.. سيكون لنا باكورة حداثة عربية، من إنتاج واستثمار وتوظيف وطني خالص!..
[4] مراجعة ذاتية.. (1) أنني أحاول جاهدا الاجابة على سؤال مصيري واحد: ما هي مشكلة العرب؟.. و(العرب) -اصطلاحا- إشارة الى المجتمعات والبلدان الكائنة بين المحيط الأطلسي والخليج العربي. الفرد العربي هو احد أثنين: شخص لا أبالي لا يجد مشكلة في نفسه أو محيطه أو العالم، (أو): شخص مأزوم يعتبر كل شيء مشكلة، وفي نفس الوقت يعجز عن تحديد المشكلة أو علاجها. (2) منهجي في التفكير، هو (الفلسفة التبسيطية)، والعمل على توظيفها في فهم المحيط والوجود. وفي نظري ان كل ظاهرة: توجد -(ظاهريا)- في محيط طبيعي او اجتماعي معين، وأثرها يعتمد على المعدل التكراري لحدوثها كما ونوعا. والظاهرة: -في الجانب غير المنظور-، مهما صغرت أو عظمت، هي بالتوصيف الكيمياوي: (مركب) يشتمل على عدد من (جزيئات)، وكل جزيء داخل المركب، يتشكل من (ذرات)، وكل ذرة تتكون هي الأخرى من (بروتون ونيوترون والكترون)، وقد يتكون كل من البروتون والالكترون والنيوترون من أجزاء وتفاصيل تستكشف لاحقا. ويختلف كل مركب أو جزيء عن سواه بنسبة/ عدد الذرات والجزيئات فضلا عن الأواصر الكيمياوية/ الانسجة الرابطة/ الوسائط والعوامل المساعدة. ومن خلال تحليل وتفكيك الذراري والأجزاء والتعرف الى طبيعتها وخصائصها نتقرب من فهم طبيعة المركب/ الظاهرة. ان لكل ظاهرة معنى ومغزى في ذاتها، فإذا استوضح أمرها، ننتقل للمستوى التالي، وهو المحيط/ الظرف المقترنة به. فحادث سيارة في قرية يختلف عنه في مدينة، كما يختلف في بلد شرقي عنه في بلد غربي. (3) وقد حاول بعض الفلاسفة والحكماء تشخيص سبب الداء في مجتمعاتهم، وهل هو في الإنسان أو البيئة.. هل هو في ذات الانسان أو في تربيته والنظام الاجتماعي.. حكماء الهند اعتبروا (الطمع) سبب كل مشاكل البشرية. والاغريق حصروها في (الفضيلة)، والعرب في (الحكمة)، والفرس في (الوسطية)، والسيد المسيح في (المحبة).. باستثناء [الطمع] فان كل المفاهيم والألفاظ هي نسبية وغير محددة المعنى أو الاتجاه، فضلا عن مرونتها وسهولة مراوغتها. فكل شخص يعتبر نفسه (جيدا)/(لورنتس، نجيب محفوظ)، فاضلا، حكيما، محبا، معتدلا.. إلى آخر (المسطرة).. وكل شخص –غالبا- هو معيار ذاته وعالمه. (الطمع) يتحدد بما زاد عن الحاجة والضرورة. وهو معيار اخلاقي/ اجتماعي/ نفسي/ مادي. والطمع (آفة) الانسان والحيوانات العليا، ولكنه ليس صفة طبيعية في الكائنات أو الأحياء. فالكون في تركيبه يتسم بصفات أحرى بالإنسان التعلم منها: [التوازن، الاعتدال، الوسطية، الانسجام، الجمال، التكامل، التكافل، الصيانة الذاتية].. (4) ويبدو أن (العقل) بغير محددات، يقود العالم للدمار، كما يقود صاحبه ومجتمعه للكارثة.. ويكفي ان أبشع كوارث البشرية تسبب فيها عقل الانسان المتطور، وليس البشرية البدائية المتوحشة!.. وهو أمر قد يفوت كثيرين. استخدام السموم والكيمياويات والغازات الخانقة والقنابل الذرية والكيمياوية أنتجها العقل واستخدم الغربيون الموصوفون بالعلم والعقل والتقدم. وكل ما يحصل اليوم من كوارث دولية ودمار بلداني واجتماعي وتحلل اخلاقي وقيمي، يقوده ويتحكم به المأفيا الامبريالية ومدارس الاستشراق الأمريكي. (5) بالنسبة لي، أعتبر (الأخلاق) سمة الجدارة في كل شيء أو شخص. ولابد من تثبيت مفهوم (الاخلاق) بالمعنى الأرسطي القديم، بعيدا عن الميكافيللية والنسبية والوسطية والبراغماتية والوضعية، وأمثالها من لعب على المعنى واستغلال/ سوء استغلال لكل شيء. (الأخلاق) هي معيار القيمة/ المعنى في كل شيء. ومن غير القيمة (الأخلاقية) يسقط الشيء/ الشخص عن عنوانه. عندما تشتري حاجة من السوق، فثمة معيار أخلاقي، يضمن ان الذي في داخل الكيس هو (الحاجة) المطابقة للمواصفات المعهودة. ولكنك عندما تذهب الى المطعم وقدم الطلب، ثم يأتي الطعام مخالفا للمواصفات العامة، فالمطعم يفتقر المعيار الأخلاقي. دعايات السلع الرأسمالية اليوم مغرقة في المثالية والدقة والخدمة، ولكن بعد توقيع عقد الشراء واستلام السلعة، تجد مبلغ الكذب والرياء الاعلاني للسلعة، واليوم يعاني كثيرون من اضطراب شبكة النت وغيرها من الخدمات. بل أن خدمات الدولة ومعاملات المواطنين تراجعت بشكل غير معقول، في السنوات الأخيرة، وشيئا فشيئا، تحولت الدولة الى صندوق جباية ونصب وارتشاء لقاء خدمات دون العادي. (6) (الأخلاق) هي أول ضحايا (العولمة)، وبتحلل القيم الخلقية واستبدالها بـ(المال) أمكن اختراق كل المجتمعات وتدمير كل الهويات الاجتماعية وتفريغ الأديان وتسليع العلاقات والحاجات والبشر. شحة الموارد وأزمة المعيشة والمال، هي أزمة غربية جغرافيا – من جهة التوطن-، ورأسمالية الأصل – من جهة الفكر-، ولكن فواتيرها مسحوبة على مجتمعات وبيئات بعيدة عن الغرب، لمجرد كونها جزء من مستعمراته السابقة أو الجديدة، فالعبد يقدم (قربانا) ليعيش سيده، ويستمر في السيادة. لقد قامت العدوانية الخبيثة بخداع البشرية ثقافيا واختراقها اقتصاديا، في وقت سلمت، بحكم الجهل والسذاجة، بمصداقية الغرب الأخلاقية والانسانية. وحتى اليوم يعسر على كثيرين تصور ان يكذب مسؤول غربي، أو يصدر تصريح أو قرار سيء. ورغم أعلان بوش الصغير بعد اسبوع من غزو العراق (مارس 2003م) ان العراق لا يمتلك أسلحة كيمياوية، فأن مصداقية الادارة الأميركية لم تتزعزع عند العرب والعراقيين خاصة. واليوم عندما يؤكد ترامب على: [fake news, politic games]، يغلق العرب أسماعهم، ويلهثون أكثر وراء هبات الغرب. (7) مشكلة مصر هي اقتصادها، ومشكلة اقتصادها هي الديون المتراكمة، التي تعادل أضعاف ميزانيتها، ولن يمكن سدادها في قرون. والعراق الملزم بدفع فواتير العدوان عليه، احتل مرتبة متقدمة في نادي الديون الدولية، ومثله بلاد عربية اخرى، بما فيها تلك الموصوفة بالثروة. كل المجموعة العربية ملزمة بتسديد فواتير ديون أميركية وغربية. وكل ابناء المجتمعات العربية مستعبدة اقتصاديا لخدمة سداد الديون وتنفيذ الاملاءات المذلة لصندوق النقد والبنك الدولي. ولا يتساءل الفرد العربي عن ماهية المكاسب المتحصلة مقابل الالتزامات والفواتير المذلة الملزم بدفعها. ما من عملة نقدية عربية اليوم لها احترام/ قيمة في سوق النقد الدولي، بما فيها الريال السعودي. وفي نفس الوقت، خسر الفرد العربي صورة الاحترام واللياقة التي كان يحظى بها في القرن الماضي. ولابد من معادلة/ مقاصة، بين الفواتير التي يدفعها العرب للغرب، وبين سعر (الكرامة) العربية في سوق الغرب. ان كلفة الديون الوهمية والمزورة، والتي تتضاعف بشكل مذهل يوميا، جراء جيل الوزراء والسياسيين الجدد الذين اجتمعت فيهم آفتا [السذاجة والعمالة]، سيما عندما تقدم له الاستمارة بيد (أنثى غربية)، مسبغة بابتسامة ووعد غربي بدعم ترشيحه لرئاسة الوزارة، وجعله –رجلهم- في المنطقة!. (8) كل بلد/ مجتمع/ شخص عربي يحتاج الى جدولة قوائم حاجاته ومعاملاته الشخصية، وسيما المتعلق منها بالغرب والبلدان الامبريالية المحتلة لبلاد العرب. ان الطابع العام لميزانيات البلدان العربية، ومنها العراق هو الاستهلاك والانفاق الاستهلاكي. وفضلا عن تفاهة أكثر عناصر الاستيراد والاستهلاك، وفضلا عن المبالغة في اقيام الشراء والتسويق والقابلة للتزوير باستمرار، فأن غالبية السلع، يمكن تعويضها بالانتاج الداخلي الوطني أو من خلال منظومة التكامل الاقليمي والعربي، بينما ينبغي الغاء وشطب المواد الاستهلاكية الزائفة، مما يدخل في باب الاكسسوارات. ما يحتاجه كل بلد/ مجتمع/ شخص عربي هو شدّ الأحزمة على البطون، إذا أراد استعادة كرامته. وللأسف، كان موقف المصريين – سلبيا- عندما حاول السيسي معالجة أزمة الديون المصرية، باعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي والناتج المحلي، وانعاش الاقتصاد/ الدولة من الداخل. اما استمرار الحال على نفس المنوال، وبما يزيد العرب ذلا وجوعا، ويزيد الغرب والدولار الأميركي قوة ورخاء، فهو ذروة الغباء العربي، مقرونا بما لا نهاية له من خيانة الذات وامتهان الانسانية. (9) المنطقة العربية اليوم هي سوق انعاش الاقتصادات الغربية ودعم قوة الدولار الذي لا يساوي شيئا، وينهار في لحظة، اذا امتنع الدعم الياباني والسعودي والصيني والعربي عموما. ولابد أنه سيقع، ولكن ذلك لن يعيد للعرب كرامتهم الاقتصادية والانسانية – هدرا وقهرا- بدون قرار شعبي شجاع للخروج من تبعية الغرب. في أواخر التسعينيات، ايام كانت فرق التفتيش سيئة الصيت تتنزه وتستهتر في العراق وتزرع كامرات التجسس في كل تفصيلة داخلية، قامت أسراب طائرات أميركية بقصف الموصل. تركز القصف على الاراضي الزراعية المعروفة بمنطقة ربيعة، التي تمثل واحدة من أكبر مصادر القمح في العراق. وكان ذلك وأهل المنطقة على وشك الحصاد. أنا أدعو كل عراقي أصيل، تسجيل وتوثيق تفاصيل الممارسات العدوانية ضد بلده، فضلا عن كل بلد عربي اخر، جرى التضحية به على مذبح (العولمة) والهيمنة الأميركية أكثر همجية وسخفا على مدى تاريخ البشرية. ومنذ (2003م) يمتنع على الفلاح العراقي زراعة أرضه، حتى لغرض القوت واعالة عائلته، وذلك باستخدام كل المبررات والاساليب، لاجبار البلد على توجيه اقتصاده للاستيراد، بما فيه استيراد المواد الزراعية الطرية كالبندورة والخضرة. وقد انتحر عدد من الفلاحين العراقيين جراء عدم منعهم زراعة أراضيهم، وحرمانهم من لقمة القوت، ومنذ سنوات ثمة لجنة هندسية يسارية في البرلمان، تتبنى مشروع استخدام مياه الأهوار في الارواء الزراعي، جراء انخفاض معدل مياه نهر الفرات. في هاته المفصلية، حيث الفرد/ المواطن، هو العنصر الرئيس، المستفيد والضحية، وفي لقمة المعيشة والكرامة، عليه أن يأخذ حقه بكل ما يقتدر عليه، ولا يسمح لأي جهة تدميره حياته وعلاقته بأرضه وعمله. ولابد للأهالي والفلاحين من الالتفاف حول بعضهم، والتكاتف والتكافل، لنيل حقوقهم، وعدم الاستسلام لأكاذيب الساسة وبعض مرتزقة الحكومة والبرلمان. (10) ما الفرق بين عهد يلتسن وعهد بوتين في روسيا؟.. لماذا صفق الغرب لغورباتشوف ويلتسن، وشن حروبا اعلامية ضد فلاديمير بوتين، ووصفه بالدكتاتور؟.. ولماذا حاولت انجلتره توريطه في اوكرانيا ولعبة الطائرة التي سقطت فيها؟.. الفرق هو قرار الاكتفاء الذاتي وبناء الاقتصاد الوطني والدولة القومية. في أواخر الثمانينيات وبدايات التسعينيات، عندما كان يلتسن يرقص مخمورا وغورباتشوف يلقى حفاوة ويدعى لالقاء محاضرات ويستلم جوائز امبريالية، كانت التلفزة تعرض طوابير الخبز والعطالة في موسكو؟. ومنها دخل الروس في طوابير اللجوء لفراديس الغرب الرأسمالي.. ما الذي يمنع بلداننا ومجتمعاتنا من اتخاذ قرار الكرامة والاعتماد على الذات والاستثمار الوطني لمواردهم، والخروج من تبعية الدولار والرأسمالية. العراقيون يعانون، والسوريون يعانون، وغالبية المصريين يعانون، بله كل المجتمعات العربية تعاني!.. فما يمنعها تحويل معاناتها من الذل الى الكرامة.. ومن الاستجداء والاسترحام الى امتلاك الإرادة الشريفة واستعادة الوطن والحياة من مغتصبيه. ان الذين كافحوا في الهور والجبال في العهد الملكي.. والعهد الجمهوري، ونجحوا في هزيمة العدو وجماعات الحكومات.. قادرين اليوم أكثر من قبل، من هزيمة المرتزقة والعملاء، وبناء حياتهم وبلدهم بوحدة الإرادة وعرق الجبين!.. [ولا يقول أحد: صغير أنا!!].. مشكلتنا في القدرية والتقاعس واللامبالاة والاسترحام.. والحل في امتلاك الارادة والوقوف على أقدامنا..
[5] عولمة.. فيمنزم ومثلية..!
(1) عدم اكتمال مشروع التنوير، وانحراف مشروع الحداثة عن سياقه، بتأثير زحف التكنولوجيا واستبداد رأس المال، أصاب الواقع البشري والتطلعات الانسانية بانتكاسة عالمية تاريخية، قلّ من لم يتأثر بها.. بشكل أو آخر. ورغم الصفة العمومية للاثار والانعكاسات، فأن مصاب النخب الثقافية والجندرية يعتبر استثنائيا، بوصفها قائدة التيارات الاجتماعية. وقد احتلت المسألة الجندرية ثقلا اساسيا في مشاريع التنوير والحداثة والاستشراق الرئيسة، وحققت خطوات نوعية تقدمية منذ أواخر القرن التاسع عشر، على صعيد اكتشاف الذات، واستعادة اعتبارها الفردي والاجتماعي والانساني. ولكن الملحوظ، انه باستثناء الغرب الاوربي، افتقدت البلدان الاخرى برنامجا مدروسا، أو سياسة متكاملة واضحة تجمع بين العلمية والعقلانية والواقعية المتدرجة للتحديث عموما، وقضاياه الاساسية والقطاعية. كما يلحظ، ان معظم بلدان العالم، لم يخطر لها المحافظة على استقلاليتها المحلية والوطنية في هذا المجال، واستسلمت، بشكل غريب وسمج، للتبعية الغربية، عبر ترويج واستهلاك منتجات الغرب الثقافية والاعلامية. فبدا في النتيجة، كما لو أن (الحداثة) كانت سنارة كولونيالية لعودة استعمار العالم، واختراق المجتمعات ثقافيا واجتماعيا. مما جعل سقوطها السياسي والاقتصادي في احضان قوى الاستعمار التقليدي، قدرا محتوما، عصيا على النفاذ والتجاوز. (2) وإذا شخصنا القطاعات الرئيسة لكل بلد في ثلاثة رئيسة: [الحكومة- المثقفين- المجتمع]، فأن المرأة هي قاعدة المجتمع ومحور ديناميكيته. مما يبين أهمية استثنائية لكيان المرأة الذي طالما كان ضحية التجاهل والتجهيل والاهمال، بشكل جعل منها كائنا مشوها او تابعا. نجحت مظاهر الحداثة والتيارات العالمية في تحرير قسم كبير من كيان المرأة من قيود التبعية وتقاليدها، ومنحها درجات من الاستقلالية وحضور الذات. لكن انكسار مشروع التنوير، زاد من تشوّه صورة المرأة وهويتها الاجتماعية الراهنة. وعندما ننظر الى مجتمعاتنا الراهنة، في اوربا او الشرق الأوسط، نجد ان المرأة كانت تابعة لتيارات التحديث وحركة المجتمع والاقتصاد، مستهلكة لما تجده في طريقها من أفكار وموضات ومظاهر، دون فهم أو دراسة او موازنة، بين وضعها السابق واللاحق، التقليدي والعصري، العائلي والشخصي. لقد كانت المرأة – شأن المجتمع-، بحاجة الى حذر وتروٍ ودراسات تطبيقية، في الاقتراب من ثمار شجرة الحداثة، لكي لا تنتهي بها الرغبة والشهوة الى السقوط، شان المرة الاولى. لا شك.. ان خطوات تدريجية، على مدى زمني اطول، كان أكفل بتقليل الخسائر، وتأمين فرص تصحيح الانحرافات، بدل وضع كل الاوراق على الطاولة، والقفز الرأسي في مستنقع الشعارات. (3) المرأة اليوم هي شخصية فردية أولا، بعدما كانت شخصية عائلية –[ابنة/ أخت/ زوجة/ أرملة]-؛ وبعد ان كانت المرأة من اجل العائلة، صارت العائلة من أجل المرأة. فلا غرابة ان تفقد العائلة قيمتها الستراتيجية في بناء المجتمعات، بدء من الغرب، وانتهاء بالشرق الاوسط. ومع تشوه واختزال مفهوم العائلة، فقد الزواج معناه، وتحول الى مجرد صفقة او لعبة او سنارة، تحصل الزوجة بمقتضاها على متطلباتها الاساسية: [بيت- اطفال- فلوس] مجانا، ثم تتخلى عنها وتطلب الطلاق او الخلع، وتستفرد بحياتها –رغم أنف الاخرين-. تاريخيا.. كانت المراة واضعة الحجر الأساس للمدنية الحضارية، المتمثلة في ثالوث [الزراعة- الاستقرار- العائلة]. وكانت العائلة هي نواة القبيلة/ المجتمع/ الأمة/ الدولة عبر الزمن. لا ارى.. ان التطرف والحرية المطلقة – بمعنى الانحلال-، جزء من برامج التنوير او الحداثة، بقدر ما كانت مظاهر سوء استخدام مقصود، وتوظيف مغرض من قبل لصوص الهيمنة والتزوير، تحت خيمة الرأسمالية الغربية: التجارية والدينية. (4) تخذت المرأة (التمرد) اسلوبا ثوريا لتحدي سلطة الأب أولا، ثم سلطة الزوج ثانيا. والتمرد هنا يشمل رفض أي كلام او مشورة او مساومة. في تلك المفصلية، جرى تشويه صورة الاب/ الزوج/ المجتمع، وتوصيفه بالاستبداد الاقطاعي والاستغلال وسوء الاستغلال، حتى تشوهت صورة الاب وتخذت اطارا اجراميا/ افتراسيا/ يتمدد الى الطمع والجشع والايذاء والوحشية، نقلا اعلاميا اعلانيا رخيصا، دون اعتبار لاختلاف البيئات المحلية والتقاليد والاعراف بين الشرق والغرب، وبين الرأسمالية الامبريالية والثقافات التكافلية والاشتراكية. غير قليل من احزاب المعارضة، تبنت قضية المرأة دعائيا، ضمن برامجها للضغط على حكوماتها وابتزازها اعلاميا. والى جانب اهمال الحكومات وقصورها الثقافي والفكري، فقد حصلت على مبرر لاهمال المستلزمات المحلية وحصانة المجتمع ضد الغزو الفكري الخارجي. قطاع المثقفين نفسه، المثقفين العرب، ودعاة تحرير المرأة، كانوا نظريين ومقلدين عميان، ومتطرفين إذا صحّ التعبير، في الدعوة والدعم المطلق لاخراج المرأة من المنزل وتجريدها من العائلة والمسؤولية العامة، لوضعها في إطار التصور الغربي الرأسمالي المسوق امبرياليا. (5) المرأة الغربية عاشت ظروفا مجحفة عبر التاريخ، جراء التقسيمات الطبقية للمجتمع الغربي، منذ أصوله الرومانية حتى الحرب العالمية الأولى. حيث تتفاوت الحقوق والامتيازات الاجتماعية والشخصية، بحسب التصنيف الطبقي. ولم تكن نساء الطبقات الدنيا والشغيلة والمتوسطة، تحظى بحقوق انسانية ملموسة. ان قيم التكافلية والقوامة العائلية الشرقية، لا وجود لها في الغرب، او خارج الشرق الاوسط تحديدا. هنا ظهرت قيمة العمل، كطريق ممكن لتحقيق الذات وتحسين ظروف المرأة وحقوقها. ومن خلال العمل او الانتساب الطبقي الارستقراطي، اكتسبت المرأة الغربية على بعض الحقوق في نظر القانون المدني. (6) هاته الحيثية لا وجود لها في الشرق، بالمنظور الاكاديمي والاجتماعي. ان عمل المرأة في مجتمعاتنا هو نتيجة لبرامج التحديث، وليس العكس. وقد حصلت التحسينات والتعديلات النوعية في قوانين المرأة والزواج والمساواة، في مجال الدراسة والعمل والمشاركات العامة، بمبادرات من قبل أنظمة علمانية وأزواج مثقفين، وليس جراء نضال المرأة او التيارات السياسية والاجتماعية كما حصل في الغرب. فالمرأة العربية بقيت متلقية/طفيلية على ما تحصل عليه من الرجل، وما يقدمه لها المجتمع، دون اعتبار منها أو تقدير.. للموقف الاجتماعي. وقد ترتب على ذلك أيضا، ان فهمها للحقوق والقيم الحداثية كان مشوها وسطحيا، دون أن تعرف ما تريده، وكيف تصل اليه، ومدى قدرتها الذاتية على مواجهة تكاليف الحياة، لوحدها (!!)، اسوة بالمرأة الغربية. الواقع.. ان المرأة العربية، سيما في المهجر، تعتمد مباشرة على معونات الدولة وقوانين الرعاية الاجتماعية، بديلا عن كفالة الاهل وقوامة الزوج. بينما تختلف أدواتها وظروفها في البلاد العربية، وغالبا تلجأ للاحتيال والمراوغة، لابتزاز النظام القديم من جهة، وارتياد مظاهر العصرنة الغربية من جهة اخرى. (7) تمرد المرأة وتخليها عن المسؤولية العائلية والاجتماعية، واستغراقها في نزعة الفردية وخدمة ذاتها، كان السبب الأساسي وراء حرمان قطاع من الأبناء والرجال للرعاية والدفء الاجتماعي، ممثلا بظواهر التشرد والهومليس ولقطاء الشوارع. الرأسمالية الامبريالية، انتهت الى تقنين المثلية وتغيير قواعد العائلة والاجتماع البشري على أسس مشوهة وتدميرية، حيث شرعنت بعض حكومات الغرب الزواج المثلي، وتسعى لمنح المثليين حق تبني الأطفال وتربيتهم، لاستكمال صورة العائلة الشيطانية، بعد تدمير قواعد العائلة الطبيعية. ومن مظاهر السقوط والانحطاط الذي يسم زمن ما بعد الحداثة –بوست مودرن- الحالي، أن يتفاخر ديفيد كاميرون [1964/ 2010- 2016م/؟] رئيس وزراء بريطانيا السابق وزعيم حزب المحافظين، أن اقرار قانون زواج المثلية ابرز قرارات حكومته، وقد حضر بنفسه عقد اول زواج مثلي قبل عام من انسحابه من الحكم، وتسليمه لامرأة. ويستلم المثليون اليوم مراكز حساسة في قطاعات الحكومة والامن ودوائر البلاط. فإضافة لظاهرة السنغل، التي ما زالت الأبرز والأكثر شيوعا في لندن، تقوم الحكومة وجهات غير حكومية، بالتقاط أطفال، ونزعهم من ذويهم وبيئتهم، من مناطق الحروب والكوارث واستقدامهم – للغرب- لتربيتهم حسب توصيات الحكومة، واعارتهم لعوائل –فوسترنغ- بما فيها عوائل مثلية- لتربيتهم بإشراف المحاكم الانجليزية ودوائر رعاية القاصرين، بحسب برنامج انجليزي. ان مجتمعات ما بعد الحداثة، هي مجتمعات مشوهة، تضم المثليين الرجال على حدة، والنساء المثليات على حدة، والأطفال اللقطاء في جانب أخر/ [same sex catagory]. والمتحكم الرئيس بهاته الفئات هو الحكومة والرأسمالية العليا ونظام العمل. وفي نفس الوقت، يتم تسخير وسائل الاعلام والاعلان المختلفة، بما فيها بوسترات الشوارع والمركبات، لترويج قيم المثلية وانشاء عوائل الشذوذ، ومنحهم الأولوية والأفضلية في كل مجال. واليوم.. ثمة امتداد غير طبيعي لطبقة الهومليس واغلبهم من الرجال، وطبقة البغاء التجاري التي تسود أماسي لندن، وما يدعى برامج [dating] المضاهية لزواج المتعة، كبغاء مشرعن. (8) ان الانحرافات الاجتماعية والجنسية السائدة في النظام الغربي الحالي، هي نتيجة مباشرة لحركة الفيمنست وعوائل السنغل، والتي هي بدورها انحراف لمشروع الحداثة او سوء استغلال لبعض منجزاته. لقد كبّد جهل المرأة، البشرية كثيرا جدا. وعندما اراد الانسان تصحيح الاجواء ومنح نفحة انسانية لكيان الانسان، انحرف الى اقصى اليمين، الى الضدّ تماما، مدمّرا لكل من معنى الوجود، وجوهر التحديث والتطور. ان الخسارة عامة اليوم، في مجتمع ما بعد الحداثة. ليس كل الرجال على استعداد ان يكونوا مثليين. ولا كل النساء مستعدات لممارسة الشذوذ لخدمة البرنامج الاجتماعي العبودي للبرامج الجديدة للرأسمالية التدميرية. ثمة موجة واسعة وممتدة لموجة استرجال النساء"*".. وبدرجة اقل، خناثة الذكور. وبالمحصلة العامة، فقدت المرأة المعاصرة هويتها الذاتية. وعند الالتفات الى ديوان الشعر العربي والاغاني، واستذكار صور الانثى، كرمز للجمال والجاذبية والاغراء والحب والدفء والحنان والنعومة وامتصاص صعوبات الحياة، يصاب المرء اليوم بالخيبة، عند التقائه أي امرأة. أما لأنها نسخة رأسمالية مشوهة، أو لأنها تلجأ للتمثيل والرياء لتمرير لقائها، واكتساب بغيتها من ورائه. المرأة بحاجة للعودة لحقيقتها ومواجهة ذاتها. واذا كان ديدنها نوال القبول الاجتماعي من خلال مطاوعة التيارات السائدة، فأن تيارات العولمة جردتها من هويتها الطبيعية ومكانتها الاجتماعية، واغلبهن يدفعن اليوم او غدا ثمنا شموليا، ويتحمن مسؤولية تفتيت، دمار المجتمع والمنظمة القيمية. المرأة اليوم، رغم كيلوات العطور والدهون والثياب المنوعة وتقمص منتجات التجميل والاغراء، ليست غير -روبوت- مسيّر حسب روشتات جاهزة مثل روشتة الطعام او الدواء. مرأة ما بعد الحداثة لم تعد مرأة. فقدت انوثتها وخصوصيتها وجاذبيتها الطبيعية. مرأة ما بعد الحداثة هي منتج من منتجات المعامل الرأسمالية والمختبرات الطبية وصالات العمليات. في التسعينيات، عندما كنت أتعرف على امرأة، أسألها بغير حرج، إذا كان جمالها طبيعيا كما خلقها الله؟.. يومها شاعت موضة تضخيم الاثداء والشفاه والجراحة البلاستيكية!. اذا كانت شفاهها، أنفها، أو ثدياها طبيعيين، أو نتاج جراحة البلاستك!. اليوم.. ثمة مستشفيات مستقلة للتجميل، وأقسام خاصة لتغيير الجنس، وتغيير كل شيء خلقه الله بحكمته، او انتجته الطبيعة بحسب قانون الضرورة!. في استمارات البيانات الشخصية في بريطانيا، يضيفون حقلا ثالثا مقابل خانة الجنس، لتحديد جنس الشخص الاصلي عند ولادته. طيار في حماية الامير وليم متزوج وله طفلان، فجأة خطر له اجراء عملية جنسية والتحول الى امرأة، بموافقة امرأته –طبعا-وبمباركة الامير -طبعا-. وهما الان امرأتان ولهما طفلان. ترى ماذا يقول طفلهما عن نفسه وأبيه إذا!.. هل هذه هي الحرية ام المدنية ام التطور أم الفوضى وفقدان المعنى والبحث عن الشهرة والاختلاف بأتفه الطرق! كيف يمكن فصل هؤلاء وتمييزهم عن الجنس والخليقة الطبيعية، وماذا تبقى من الرجولة والانوثة للمستقبل؟.. شاب انجليزي يعيش مع امه، ورغب في انتاج طفل من صلبه فقط ومن غير امرأة لا يعرفها. هنا وافقت والدته التي في الستين ان تجعل رحمها حاضنة للمولود الجديد، باشراف طبي، وذلك مقابل مبلغ ثلاثة الاف جنيه استرليني. واليوم ثمة ظاهرة غير منطقية في المجتمع: كيف يكون الأب والأبن أخوين، ومن رحم امرأة واحدة؟.. وماذا سيكون مستقبل هذا الطفل، والى أين تنتهي مصائر البشر، بعد تمردهم وخروجهم على القوانين الطبيعية؟.. والغريب ان المؤسسات الدينية في الغرب وانجلتره، لا تجرؤ على التدخل او الاعتراض، وهل تمانع في دخول هؤلاء الشواذ في اجتماع الكنيسة؟.. ام ان خضوع الكنيسة للسلطات الارضية، يبرر لها خيانة العقيدة والكتاب، والهوان امام اسباب المعيشة؟.. (9) هل بلغ الافلاس بالبعض درجة أن يعدموا وسيلة للتعبير عن ذواتهم بغير الجنس الرخيص والمنحرف، وانتهاك ناموس الطبيعة، والتحلل الخلقي؟.. ما هو دور العقل وماذا عن الابداع والعمل والانتاج؟.. اين هي النظريات والطروحات الفكرية والاجتماعية التي تخدم الانسانية وتنفع المجتمعات؟. ماذا يفيد المجتمع تغيير الجنس واشاعة الشذوذ الذي تستقتل لاجله حكومات المحافظين والجمهوريين؟.. والغريب ان يتم تمرير الانحرافات الخلقية تحت عنوان الحرية الشخصية وحقوق الانسان، وكأن حق التظاهر والاحتجاج والرأي والتعبير ليست من حقوق الانسان. وفيما يستفرد اليمين الغربي بتمرير برامجه المنحرفة، يتصيد أدنى موقف لاتهام الاحزاب الاشتراكية واللبرالية، بالصلة مع حقوق الانسان او احترام الاديان. فيما لا يخطر للاحزاب الاشتراكية/ اللبرالية/ الدمقراطية/ العمالية، التصدي أو الرفض أو دفع حملة اعلامية ضد سياسات الاخر، وسوء استغلاله للسلطة خلال ترأسه الحكومة، ومن ذلك سياسات المحافظين الانجليز في إعادة هيكة الدولة وقوانينها كلما استلموا الحكم منذ عهد مارغريت تاتشر حتى عهد تيريزا ماي[23 يونيو 2016م- ؟]. ماذا يفيد كل هذا.. الحضارة والمدنية والتقدم الاجتماعي والانساني؟.. أم الغاية إفساد الجنس البشري وإلغاء نتفة الحياء والكرامة والأخلاق، لمنع أسباب الثورات والاحتجاجات الوطنية والعمالية، ضد الاستغلال الامبريالي والفساد مجتمع الجريمة، التي صارت مفردات يومية، وعدّة شغل لساسة اليوم؟!. كيف ينام الرجل اليوم مع امرأة، أو يشاركها تناول القهوة، أو يقدم على الارتباط بها، وهو لا يعرف ان كانت انثى حقيقية أو مزيفة – خريجة معامل الجراحة- برتبة روبوت!. هل النساء المتدفقات في شوارع لندن وأكسفورد ستريت هن نساء حقيقيات، أم متحولات –متحللات-جنسيا واجتماعيا؟.. هل الرجال في مقاصير الاحزاب والحكومة، هم رجال حقيقيين أصليين أم نساء مسترجلات بهورمونات وعمليات جراحية؟.. كيف يمكن اذن، حماية النوع والجنس البشري من التدمير والضياع بعد الان؟.. أليس تذويب الجنس والنوع والتحلل من القيم وإشاعة الشذوذ، وراء فقدان الساسة للرجولة والكرامة والوطنية والأخلاق؟.. ان المرأة السياسية اليوم ليست حاكمة، وانما مجرد موظفة محكومة، تتلقى تعليماتها من جهة عليا، توجهها مثل روبوت، يتم استخدامه لملء فراغات، وتلبية احتياجات مؤقتة!. ولا يختلف ساسة الرجال في عهد ما بعد تاتشر عن النساء، في كونهم مجرد موظفين –روبوتات/مماليك- تديرهم مافيات من وراء الستار، فضلا عن مظاهر الخناثة الغالبة على مظاهرهم وسلوكهم. بدأ ساسة عراق ما بعد صدام متلفعين بالدين!.. لحى خفيفة وبدلة فرنجية، يتداعون لفرض قوانين شريعة مجانية، بدء بفرض الحجاب ومنع الخمور وتحريم الفنون والرياضة هل هذا هو الدين؟.. هل هذا هو كل ما يحتاجه البلد والمجتمع؟.. جاءوا للحكم محموسين بعقد الفضيلة والمجتمع الفاضل والطاهر الذي تلقنوه في كتاتيب الدجل!.. ومن تلك المثاليات والديماغوجيات، اختاروا أسماءهم وأسماء أحزابهم.. [الفضيلة.. العدالة.. الحرية.. النزاهة.. الجهاد.. الابرار..]، والمضمون العملي هو العكس تماما..!.. وهكذا انتهوا بعد حملات الرفض والاحتجاج الشعبي وفضائح الفساد، الى تقليم حواجبهم وحلاقة اللحى والشارب، والعناية الزائدة بالثياب والعطور والمحابس والماكياج –دهون البشرة-، ما يذكر بتراث العباسيين العريق في مجال العناية بالغلمان والجواري، وقانون الفصل ما بين طبقة الحكم والدين، وطبقة العامة والعبيد. هذا هو عراق الاحتلال، بين ليليات عباسيّة تعمّرها الجواري والخمور وردح للصبح!!.. وبين ملايين السكان وأطفالهم المشردين في المخيمات والشوارع، يشحذون ويمارسون أعمالا بائسة، كما يصفه بيت الجواهري [1901- 1996م] في رائعته (يا دجلة الخير): عجبت من ضوع جنّات منشّرة.... على الضفاف، ومن جوع الملايين! (10) وعلى أثر النجاح غير المنتظر، لمشروع التدمير الشامل في العراق، شرع الغرب في تسيير حملات دعائية وبرامج سياسية، تروّج للحرية الدينية والجنسية والاقتصادية والسياسية، بما فيها برامج موجهة لتشجيع تحويل الجنس، وتدمير كيانات البشر الطبيعية، ناهيك عن تدمير الثقافات وتفكيك الديانات والأخلاق. لماذا طرح الاحتلال الانجلوميركي كل منتجاته العفنة باكورة مشروع تحرير العراق؟.. لماذا تستهدف السياسات الأميركية التدميرية بلدان الشرق المعروفة بكونها مناوئة له؟.. وفي صدارتها بلدان شرق المتوسط وايران وكوريا وباكستان. علما ان تايلند وهونك كونك –[مستعمرات انجلوميركية تابعة للصين]- هي البلدان الأولى عالميا في التحول الجنسي ومختلف الجرائم والاتجار الجنسي. فما هي حصانات الدول والاديان والاحزاب والمجتمعات، ضدّ منتجات الرأسمالية التدميرية، أم ما زال الاعجاب بالغرب واللهاث وراءه منية أجيال الضياع والتشرد. ولأجله، توجب تدمير البلدان –بلدان المهاجرين والمقيمين في انجلتره واميركا الشمالية-، وتفكيك السياسات وإلغاء مواد الوطنية والأخلاق والانتماء والاستقرار الأمني والاقتصادي، ليسهل للغول الغربي/ (لوياثان)، افتراسهم وترويضهم لخدمته. ان التطور لا ينبغي له أن يخالف قوانين الطبيعة المنطقية أولا، ولا يتجرد من قيم الجمال والتناسق والانسجام التي هي سمة الوجود، ثانيا. بينما سياقات مجتمع ما بعد الحداثة، والمرأة الجديدة وعائلة العولمة، مخالفة لنظم الطبيعة، وتفتقد أسس الجمال والتناسق والانسجام، الذي يتطلبه الاجتماع البشري، والحاجة للمعنى والأمل، بالمنظور الفلسفي. (11) ما العمل..؟.. لن ينجح المشروع الامبريالي لمجتمعات ما بعد الحداثة!.. وقد تحلل الاتحاد الامبريالي الثلاثي الذي انعقد عقب الحرب العالمية الثانية. ولما تزل الحرب الباردة والإعلامية تستعر بين بريطانيا وحليفتها السابقة الولايات المتحدة، بينما تسعى السعودية للانتباذ طرفا قصيا من الاثنين، وتشكيل تكتل اسلامي شرقي، لا يتبع الاملاءات الانكلوميركية. تكتلات ثقافية اخرى –[صينية- هندية- سلافية]- تلتفّ حول نفسها، وتتعامل مع منتجات الغرب الاعلامية بحذر ودراسة. وعلى المجموعة العربية، أو جماعات البلدان والثقافات المنحلة والمتضررة بالمشاريع الاستعمارية للشرق الاوسط الجديد، الالتفاف على بعضها، والتعاون والتكافل لانشاء جالية ثقافية متماسكة منسجمة وملتزمة بخطاب دفاعي موحد، لمواجهة صرعات التحلل والانحلال الأخلاقي والنظام الاجتماعي المسخ، وحماية أفرادها وتقوية حصانتها الذاتية. مجتمعات الغرب تعوم في مستنقعات من الأزمات. تعتمد أساليب ملتوية، ومبررات واهية، لتعويض أزماتها السياسية بذرائع مالية، وتفريغ فواتيرها خارج اوربا، دون اعتراف بفسادها الأخلاقي، وفشل سياساتها الاقتصادية. ولتفادي ردود أفعال الشارع والرأي العام، يتم مشاغلة الناس بموضات المثلية والتحلل الأخلاقي والديني من جهة، ومزيد من إلغاء القوانين الاجتماعية والحوافز الفابية التي تنعكس آثارها على الطبقات الفقيرة ودون المتوسطة، وتدفع بمزيد من الطبقات الفقيرة لقاع المجتمع والتشرد. وبين اولئك أغلبية الأجانب، المهددين بالتفكك العائلي ومزيد من موجات البطالة والتشرد، والعودة للأوطان الأصلية. ولعل هذا ما قصده احد المفكرين، عندما اعتبر برنامج (ما بعد الحداثة)، نتيجة لفشل مشروع الحداثة؟.. واذا كانت هذه نتائج فشل الحداثة في الغرب، فما هي صورتها في الشرق التابع والمتحلل على مستوى الدولة والمجتمع؟.. (12) وأخيرا.. لابد من استخدام العقل واستعادة الوعي واستعادة الهوية المحلية، للتخلص من أعراض الأمراض الاجتماعية والنفسية والأثنية، التي تزيد تفاقم الخسائر الشخصية والعامة. وفي المجتمع الجديد، يمكن للمرأة أن تكون الأم الكبيرة والأخت الكبيرة، والدينمو المحرك لتجميع الشتات العراقي والعربي والكردي لتحصين الهوية الوطنية المحلية، وعدم اعتبار المهجر والذوبان نهاية المطاف!. علينا أن نتعلم احتمال واستيعاب بعضنا، والاستماع بغير تذمّر، والتعاون بغير استغلال أو التواء، جاعلين من سمة الثقافة والانفتاح معنى حقيقيا، وواقعا سوسيوثقافيا جديدا. لنجعل من بريكست بريطانيا، جهاز إنذار، ومناسبة للعودة إلى الذات وإعادة بناء المهدوم والمتمزق وطنيا وثقافيا، للعودة الى صوابنا الوطني. ويكفي اغترابا وتغربا عن الذات.. لقد تخلى الغرب عن ذاته، واستسلم للعبة الامبريالية التي تسحق الأخضر واليابس، ولا تخدم غير رأسمالها، فماذا ننتظر؟.. التنازل مطلوب من الجميع، المرأة والرجل، اللون والهوية والطائفة والفكر، لكي نكون واحدا.. وننقذ المتبقي من التفتت والضياع.. فثمة مستقبل ينتظر أطفالنا.. أكثر جدارة بخلافاتنا الراهنية الزائفة!.. نحتاج للاتفاق والتعاون والعمل المثمر.. نحتاج للمحبة والانسجام والتجاوز والتسامح.. نحتاج أن نكون مع بعضنا، لا ضدّنا وضد بعضنا.. لا نحتاج خلافات وشعارات وطروحات مجانية. فالبقاء للخير والكلمة الطيبة!.. نحو مجتمع مهجري سليم ومتماسك، ذي هوية وخطاب وموقف موحد، لا يجري وراء سوق الشعارات والإعلام الغربي الذي أكد زعيمه الجديد – ترامب- أنه إعلام مزيف ومضلل. هل تتولد نواة اللوبي العربي في لندن، بعيدا عن المزاودات والتجار؟.. لقد ولد الثامن من مارس، من أجواء الكفاح من اجل تحسين الحياة الاجتماعية، وإنهاء العبودية والمهانة!.. وما يحصل اليوم، من نتائج غير طبيعية، منافية للعقل والمنطق والطبيعة، هو تدمير الكيانات الإنسانية، الفرد والجماعة والدين، المجتمع والوطن والدولة، وهو ما يقتضي من المرأة والنخب المثقفة التوقف عنده ومراجعته، لانقاذ البشرية من السقوط والانحلال والدمار!.. انها دعوة.. دعوة للمرأة الأم والمثقفة..!.. والمرأة اولا.
ــــــــــــــــــــ • تشارل فورييه [1772- 1837م] الفيلسوف الفرنسي هو اول من استخدم مصطلح (فيمنزم)، ولكن معناه يختلف يومذلك عن السائد اليوم، بل ومعاكس له. فقد جاء عصر التنوير لبناء مجتمع متقدم وتنظيم عناصره وروابطه بشكل يخدم الابداع والانتاج واحترام الحريات. ولا نغفل ان المرأة الاوربية لم تتحصل على الاعتراف القانوني وبعض حقوقها الا في فترة ما بين الحربين/ القرن العشرين. • يورغن هابرماس (مواليد المانيا 1929م) فيلسوف حداثي وعالم اجتماع من المدافعين عن مشروع الحداثة، فكرتي العقل والاخلاق الكليين، والمناهضين لمشروع ما بعد الحداثة. أما حجته في ذلك فهي أن مشروع الحداثة لم يفشل بل بالأحرى لم يتجسد ابدا.ً فالحداثة لم تنته بعد. إلا أن موقفه يتضمن الإصرار على جدل التنوير، أي أن عملية التنوير لها جانبان: يتضمن أحدهما فكرة (البناء الهرمي والاستبعاد)، في حين يحمل الجانب الآخر إمكانية (إقامة مجتمع حرّ) يسعد به الجميع على الأقل. أما نظرية (ما بعد الحداثة) فتفتقد إلى هذا العنصر الأخير بحسبه. • فاتسلاف هافل الشاعر والكاتب المسرحي ورئيس الجمهورية التشيكية الأسبق وصف عالم (ما بعد الحداثة) في عام (1994م)، باعتباره عالم واحد مبني على أسسٍ علمية. • شارل فورييه الفيلسوف الفرنسي، كان من أوائل مستخدمي مصطلح (نظام عالمي جديد) مؤكدا على ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد، لغرض بناء مجتمع منظم ومتقدم. وكان ذلك في اطار مشروع التنوير والحداثة، وقد اعتبر [التجارة مصدر كلّ الشرور]، مما يجعله مناقضا لما يجري اليوم في مشروع ما بعد الحداثة من تعويل وترويج (رأسمالية تجارية) رخيصة. • جوش ماكدويل وبوب هوستيتلر: (ما بعد الحداثة) = نظرة إلى العالم تعتقد أن الحقيقة لا وجود لها في اي معنى، بل هي تُخلقُ بدلا من اكتشافها. فـ(الحقيقة) التي أوجدتها ثقافةٌ معينةٌ لا توجد إلا في تلك الثقافة. ولذلك، فإن أي نظامٍ أو بيانٍ يحاول الاتصال بالحقيقة هو لعبة سلطة، ومحاولةٌ للهيمنةِ على الثقافات الأخرى. • انظر مداخلات سابقة في الموضوع: نظرة في الحاضر، المرأة كونترا المرأة!.. على صفحتى الخاصة في الحوار المتمدن. • واعظة اميركية مشهورة تذكر انها تعرضت لاستغلال جنسي في طفولتها من قبل والدها وبعلم من والدتها، دام حتى بلوغها الخامسة عشرة، ورغم تذمرها من ذلك وحاجتها للمساعدة، الا ان والدتها كانت تمنعها من الفضيحة. وتفسير ذلك يحتمل عدة احتمالات، من بينها: ان رفض الزوجة معاشرة زوجها، تسبب في تقديم الطفلة –تعويضا- عنها، لكي لا يهجرها الزوج ويتزوج غيرها. وهاته الحالة الاكثر رواجا في قصص الاستغلال الجنسي. فلاستغلال الجنسي للقاصرات في الغرب هو ظاهرة اجتماعية نفسية، وليس ظاهرة عادية مقطوعة الأسباب. علما ان الانجيل ينهى النساء عن ذلك: [لا سلطة للمرأة على جسدها، بل لزوجها. وكذلك لا سلطة للزوج على جسده، بل لزوجته!]- (1كو7: 4)، وفي القرآن: [نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم]- (البقرة 223).
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو علم اجتماع عربي..
-
محاضرات في لاهوت العولمة
-
(المسيح الثائر) في اسفار الشاعر الاشتراكي المصري أمل دنقل
-
(المسيح واللصوص) للأديب والفنان الاشتراكي نجيب سرور
-
(اعترافتان في الليل، والاقدام على الثالثة) للشاعر الاشتراكي
...
-
منفيون في جنة ابليس
-
مقامة الثامن من أوغشت..
-
باسكال: بين الشك والايمان
-
الميّت الماشي- قصيدة الأديب الاشتراكي توماس هاردي
-
انا عندي حلم/ I Have a dream رائعة المناضل الانساني مارتن لو
...
-
(سلطان الكلمة) قصيدة للاهوتي الالماني مارتن لوثر
-
في علم اجتماع الفرد- خمسون حديثا عن الواقع واللامعقول واللغة
-
(تعزية..) للشاعرة النمساوية الملكة ماريا فون هنغاريا
-
(ايكو هومو).. قصائد للفيلسوف الالماني فردريك فيلهيلم نيتشه
-
قرار ترامب ورجسة الخراب في القدس ..!
-
قصيدة (تكسّب) للشاعر الانجليزي جيفري شوسير
-
(بنت الرياض..!)
-
موقف اخلاقي من العولمة.. (5)
-
موقف اخلاقي من العولمة.. (4)
-
موقف اخلاقي من العولمة.. (3)
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|