داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 5749 - 2018 / 1 / 6 - 11:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت إيران في الفترة الأخيرة تظاهرات صاخبة في اكثر من مدينة إيرانية رافقتها بعض أعمال الشغب والعنف , راح ضحيتها عدد من القتلى من المتظاهرين وبعض أفراد القوات الأمنية, والإعتداء على بعض الممتلكات العامة والخاصة دون مبرر , وصفتها بعض وسائل ألإعلام بأنها جاءت عفوية كرد فعل تعبيرا عن سخط المتظاهرين من تردي أوضاعهم المعيشية نتيجة سياسة التقشف التي إتبعتهاالحكومة الإيرانية مؤخرا لمواجهة أوضاع البلاد الصعبة نتيجة الحصار الإقتصادي الذي تفرضه الإدارة الأمريكية ودول أخرى بدعوى عدم إلتزام إيران ببنود الإتفاق النووي الذي وقعته مع الدول الست الكبرى في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما , والذي حضي بإجماع دولي شامل بإستثناء إسرائيل والمملكة العربية السعودية , بينما يعرف القاصي والداني تنفيذ إيران نصوص الإتفاق النووي بشهادة منظمة حظر الأسلحة النووية المكلفة بمراقبة تنفيذ هذا الإتفاق من خلال مراقبيها الدوليين المكلفين بتفتيش منشآت إيران النووية, وهو ما أكدته الدول الأخرى الموقعة على هذا الإتفاق ورفضها المطلق لمطلب الإدارة الأمريكية التخلي عنه .
وإزدادت الأمور سوءا بتردي أسعار النفط في الأسواق الدولية التي نجم عنها نقص كبير بموارد إيران المالية , الأمر الذي كان يفترض فيه أن تعالج الحكومة الإيرانية أوضاع الفئات الإجتماعية الأكثر عوزا بتأمين حاجاتها الأساسية , وإعادة النظر بنفقاتها العسكرية وتقليل إلتزاماتها الخارجية, وهو لم يحدث حيث يبدو أن الحكومة الإيرانية قد لجأت إلى إعتماد سياسة التقشف وإلغاء الدعم عن بعض المواد ورفع أسعارها الأمر الذي أسهم بتفاقم الحالة المعيشية لقطاعات واسعة من الناس حيث لم يعد بمقدورها السكوت عن حالتها المزرية أكثر من ذلك , فخرجت للتعبير عن غضبها والمطالبة بإنصافها ومعالجة أوضاعها المعيشية , وهو أمر طبيعي ومشروع لكل الناس بشرط عدم الإخلال بالأمن العام والسلم الإجتماعي وعدم الإضرار بالممتلكات الخاصة والعامة, وهذا ما أقرته الحكومة الإيرانية على لسان رئيس الجمهورية حسن روحاني على الرغم من الشعارات المعادية للحكومة والنظام السياسي الإيراني برمته وكيل السباب والشتائم لكبار المسؤلين .
يبدو أنه لم ترق هذه الحالة لأعداء النظام الإيراني في الداخل والخارج الذين ظنوا أنهم وجدوا فرصتهم الذهبية للإطاح بالنظام بإفتعال بعض أعمال الشغب والإصطدام مع القوات الأمنية المدججة بالسلاح التي ستؤدي حتما إلى ضحايا وقتلى من الجانبين , تكون فيها خسائر المتظاهرين أكبر , وبذلك ستتهيأ ارضية مناسبة لمزيد من الفوضى وتصاعد أعمال العنف , مما يتيح الفرصة لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بدعاوى حفظ أرواح المدنيين العزل من بطش النظام على غرار ما فعلته في العراق وسورية وليبيا واليمن , وبذلك يكتمل مسلسل الفوضى الخلاقة لرسم خرائط شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل الدولة العظمى في المنطقة التي ترعى مصالح الولايات المتحدة الأمريكية . ولو قدر لهذا المخطط النجاح لا سامح الله , فإن الأطماع الأمريكية لن تتوقف عند هذا الحد بل ستمتد لتشمل تركيا وباكستان ودول الخليج العربي ايضا .
يتوهم كثيرا من يعتقد أن هذه المظاهرات حدثت بصورة عفوية ودون تخطيط دقيق مسبق من قوى داخلية وخارجية معادية للنظام الإيراني بهدف زعزعته والعمل على الإطاحة به , وإلاّ كيف نفسر حدوثها في أكثر من مدينة إيرانية في ذات التوقيت وترفع ذات الشعارات وأسلوب تظاهر واحد, وتلقيها الدعم الفوري من الثالوث المعادي للنظام الإيراني المتمثل بالإدارة الأمريكية وإسرائيل والمملكة العربية السعودية التي أعلنت جهارا نهارا رغبتها بالإطاحة بالنظام الإيراني وتدميره في عقر داره , حيث سخرت آلتها الإعلامية الواسعة لتضخيم هذه المظاهرات , بل أنها ذهبت أبعد من ذلك بدعوتها مجلس الأمن للتدخل في شأن إيراني داخلي بصورة غير مسبوقة في العلاقات الدولية, بينما تحرض في الوقت نفسه المتظاهرين إلى المزيد من العنف وتخريب الممتلكات العامة , بدلا من دعوتهم لضبط النفس والهدوء والتظاهر السلمي وفتح قنوات الحوار مع الحكومة لتلبية مطالبهم إن كانت حقا حريصة على الشعب الإيراني ومصالحه , كما دعت لذلك دول الإتحاد الأوربي وروسيا وبريطانيا وتركيا ودول أخرى كثيرة. ومرة أخرى تلقت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب صفعة قوية برفض وإستهجان معظم دول العالم هذه الدعوة التي عدتها تدخل سافر بشؤون دولة أخرى .
ومما يثير الإستغراب حقا هذا الحماس المنقطع النظير لبعض حكومات دول الخليج العربي وبخاصة حكومة المملكة العربية السعودية وتغطيتها الإعلامية الواسعة بتضخيم أحداثها , بينما لا تسمح هذه الدول لمواطنيها التظاهر بأي شكل ولأي سبب كان, متوهمة أن زعزعة أمن إيران سيصب في مصلحتها , دون أن تتعظ مما آل إليه حال العراق بعد أن تأمرت على نظامه السياسي القائم حينذاك وأسهمت بسقوطه بحصار شعبه وتجويعه وتمويل جيوش العدوان التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية لتدمير العراق شعبا وحضارة , ما زالت فصول المأساة مستمرة حتى يومنا هذا , ناهيك عن إرتداداتها الزلزالية المدمرة في سوريا وليبيا ومصر واليمن , والتي إنتقلت بعضها إلى مجلس التعاون الخليجي الذي طالما صدعوا رؤوسنا بإنجازاته الوهمية , وها هم الآن يتصارعون صراع الديكة فيما بينهم, من اجل البقاء ولو تحت حماية الأجنبي, فهذا يحتمي بقوات تركية وذاك بأخرى امريكية وبريطانية وفرنسية , ويهدروا مليارات الدولارات لشراء أسلحة لا يجيدوا إستخدامها لتكون تحت تصرف جنود وضباط مرتزقة في حروب قذرة ضد بعضهم البعض الآخر أو لزعزعة الأمن القومي العربي, بينما تستصرخ فلسطين وقدسها الشريف ضمائرهم إن كان لهم ثمة ضمائر شريفة لإنقاذها من براثن الإحتلال والتهويد بمباركة أمريكية التي أعلنت مؤخرا أن القدس عاصمة إسرائيل . فماذا فعلت هذه الدول ؟ , إنها إنفردت عن دول العالم كافة بوقوفها مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بتأييد ما يحدث في إيران بصب الزيت على النار, وكأن فلسطين وقدسها الشريف شأن إسرائيلي داخلي لا يعنيها من قريب أو بعيد , وأن همها الوحيد تحطيم إيران وقدراتها العسكرية وتدمير منشآتها العلمية والصناعية وبناها التحتية والعودة بها إلى عصر ما قبل الصناعة على غرار ما حدث للعراق الذي أدخلته في حرب عبثية مجنونة مع إيران مطلع عقد الثمانينيات من القرن المنصرم , ومن ثمة توريطه بغزو الكويت تمهيدا للتخلص من مما تبقى من قدراته المادية والبشرية بالضربة الأمريكية القاضية, ظنا منها أن ذلك سيوفر لها الأمن والأمان تحت حماية المظلة الأمريكية المدفوعة الثمن من مواردها المالية , بدلا من توظيفها في تنمية مستدامة شاملة تنعم بها بلدانهم في المقام الأول والبلدان العربية الأخرى. والغريب أن هذه الدول تسعى في السر والعلن لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بتشجيع أمريكي لإقامة حلف لإحتواء تمدد إيراني مزعوم في الوقت الذي ترزح فيه فلسطين تحت الإحتلال الصهيوني الغاشم منذ وقت طويل, دون أن تمد هذه الدول يدها لإنتشال الشعب الفلسطيني من محنته , بينما تهب الولايات المتحدة مليارات الدولارات في صفقات أسلحة لا حاجة لها بها .
وثمة نقطة مهمة لا بد أن نشير إليها هنا أن هذه الدول يبدو أنها لم تدرك بعد لعبة الأمم التي مفادها أن كل دولة في العالم تسعى إلى تحقيق مصالحها ومد نفوذها وتأثيرها إلى أوسع نطاق ممكن , وإيران وتركيا ليستا إستثناء من هذه القاعدة بصرف النظر عن شعارات الإسلام السياسي ,إذ يسعى كل منهما لتحقيق مصالح بلده , والحكمة تقضي هنا من البلدان العربية السعي لحماية مصالح بلدانها في المقام الأول وتوظيف قدراتها بهذا الإتجاه , والبحث عن أفضل سبل التعاون المثمر والبناء مع جميع الدول على أساس التكافؤ وتبادل المصالح والتعايش السلمي وحق كل بلد بإختيار نظامه السياسي وعدم التدخل بشؤونه الداخلية , بدلا من سياسية الإستعداء وإثارة الأحقاد والضغائن والإستقواء بالأجنبي , لاسيما أن بين البلدان العربية ودول الجوار من المشتركات التاريخية والحضارية ما يجعل من كل منها دول تنعم بالرفاهية . ولعل لنا في العلاقات المتميزة بين إيران وسلطنة عمان الممتدة سنين طويلة, برغم إختلاف نظمهما السياسية والإجتماعية والثقافية والمذهبية , إلاّ خير دليل على صحة وصواب ما ندعو إليه هنا من صحة وصواب سياسة التفاهم وحسن الجوار والتعايش السلمي بين الدول صغيرها وكبيرها على حد سواء وعدم التدخل بشؤون كل طرف الداخلية وإحترام خياراتها الحرة في الحياة , وكذا الحال في العلاقات التركية الإيرانية المتميزة والقائمة على التفاهم وتبادل المنافع , بخلاف ما عليه الحال مع بعض دول الخليج العربي التي يحاول البعض زجها في متاهات وصراعات لا مصلحة لها فيها مع جارتها إيران بهدف تخويفها وإستنزاف ثرواتها بشراء أسلحة لا حاجة لها بها, وجعلها تابعا يدور في فلكها بدعوى حمايتها من خطر إيراني مزعوم . ولعل ما دار من حرب عبثية ضروس بين العراق وإيران على مدى ثمانية سنين إحترق فيها الأخضر واليابس وأزهقت آلاف الأرواح البريئة من كلا البلدين ودمرت قدراتهما المادية وتوقفت مشاريعهما التنموية دون أن يحقق أي طرف منهما ما أوهموه من نصر زائف يعيد له أمجاد ماض تليد , ليدخل بعدها كل بلد في نفق مظلم لتزداد معاناة شعبيهما حتى يومنا هذا , وإن كان العراق الخاسر الأكبر لدخوله في صراعات وحروب أخرى لا قدرة له على حسمها لصالحه , إلاّ خير شاهد ودليل على عبثية الصراعات بين دول المنطقة التي تربطها روابط تاريخية وحضارية مشتركة , يمكن أن تؤسس لقيام علاقات إقتصادية وثقافية تعود بالفائدة والمنفعة على جميع الدول, لو تصافت القلوب وخلصت النوايا وتضافرت الجهود لإرساء بيئة خالية من الحروب والصراعات ينعم فيها الجميع بخيرات بلاده الوافرة.
وختاما نقول أنه ليس في مصلحة البلدان العربية إضعاف إيران وزعزعة أمنها وإستقرارها, وكذا الحال أنه ليس في مصلحة إيران إضعاف وزعزعة أمن الدول العربية بعامة ودول الخليج العربي بخاصة ودفعها لطلب حماية الدول الأجنبية بأساطيلها وزرع قواعدها ونشر جيوشها لإستنزاف ثروات هذه البلدان وخلق بؤرة توتر دائم. ويمكن حل المشاكل عبر الحوار والتفاهم بين الدول بعيدا عن لغة التهديد والوعيد وكيل التهم جزافا .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟