أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - صراع العقارب














المزيد.....


صراع العقارب


غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 5741 - 2017 / 12 / 29 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


صراع العقارب
كنا في الجبهة الخلفية للحدود بين العراق وإيران زمن الحرب و كان واجب فوجنا إسناد القطعات الأمامية ولم تكن لدينا مهمات قتالية الا الخوف من الهجوم المباغت بأنزال جوي علينا أودعوتنا للتقدم كوننا نشكل القوة الساندة للقطعات الأمامية ولهذا كنا نقضي معظم الاوقات في الأحاديث و النقاشات ولعب الدومينو أو الطاولي وقراءة الكتب ووقت العصر نلعب كرة الطائرة أوالتسلي بسماع أخبار الوطن من خلال حكايات المجازين بعد عودتهم الينا وكان الحزن والكأبة هي التي تلتهمنا وقد تركنا أهلنا وأحبابنا وحياتنا المدنية ووصلنا الى ساحة إنتظار الموت هذه و كنا نعاني من أعداء يتربصون الشر فينا وهم بيننا فالضابط يعتبر الجندي كبش فداء وبأمكانه إرساله الى القطعات الأمامية وممكن موته بالقذائف التي تتساقط من مدافع العدوهناك وبأمكانه أن يستلم المال من أي جندي ويمنحه إجازات دائمة حتى نهاية الحرب وهو بين عائلته وفيهم من يساوم الشباب الصغار من المكلفين للعمل كمراسل يشاركه حتى الفراش وبيننا جنود يأكلون وينامون بيننا وهم في شعبة التوجيه السياسي وبأمكانهم كتابة تقرير يخفي أي منا بتهمة معاداة الحزب والثورة أو الحقد على السيد القائد ويحاصرنا أعداء من أفاعي وجرذان كبيرة بحجم القطط وزنابير وبعوض وحتى كلاب سائبة .
كانت هناك لعبة إبتكرها الجنود ومعظمهم من الشباب وهم يقضون الخدمة المكلفية في الجيش هي لعبة صراع العقارب حيث يبحثون عن هذه العقارب وهي تتواجد معنا بين أكياس التراب التي تشكل الجدران لملاجئنا أو حول ملاجئنا وتعيش في حفر صغيرة ونبحث عنها خوفاً منها في الليل حيث نجلس ونتسامر فوق الأرض وكثيراً ما تخرج بعد غياب الشمس وتلدغ من يقع تحت سطوتها ولهذا كنا نسمي عملية البحث بتمشيط الأعداء .
بعض هذه العقارب له لون أسود وبعضها أصفر مائل للحمرة وربما من شدة السم ومع أن العقرب أصغر من الأفعى لكننا نخشاها أكثر من الأفعى لأنها لاتلدغ الا الذي يتحرك تحتها أوضدها بينما العقرب عمياء و تلدغ كل ملمس رخو تمر عليه .
نصطادها بعد أن ندخل خيط في حفرتها وما أن تشعر به حتى تتمسك به ونأتي بها وعادة نضع عقربين أو أكثر في صندوق فارغ للعتاد ومفتوح من الأعلى ويتم الإقتتال بين هذه العقارب ونتجتمع حول الصندوق ونشاهد هذا الصراع وكلما قتلت عقرب جائوا بإخرى ويرتفع التشجيع والصراخ حول العقربين كلما تشابكا وإرتفعا الى الإعلى ومن خلال التشجيع كنت أراقب هؤلاء وأشعر بمن يشجع ببلادة ومن يشجع بفوضى ومن يتميز بالخباثة والإنتهازية فهو تارة يشجع العقرب السوداء وتارة يعود فيشجع الصفراء حتى يضج المكان بالهتاف والزعيق وكأنهم يراهنون على خيول أصيلة ووصل الأمر أن بعضهم حاول طرح فكرة الرهان على فوزالعقارب لكن أحد ضباط الصف وهو من شعبة التوجيه السياسي عارض الفكرة وحذرهم أن أمر الفوج رجل صلاة وهو يكفر الخمرة والقمار والمراهنة .
كانت هذه واحدة من سلوتنا ونحن نعيش بين أصوات قذائف المدافع ومرور الطائرات من إيران الى بغداد أو بالعكس وكثيراً ما فقدنا شهداء بسبب قذائف المدافع بعيدة المدى وهي تفاجأنا وفي أوقات متفاوته .
وبينما نحن نعيش لهفة هذا الصراع حد الموت وفي حلبة الصندوق جائنا أحد الجنود بفكرة أنه يمتلك البطل الذي يصرع أخر عقرب في النزال وهوكائن صغير شبيه بأبو بريص أو هو أبو بريص بأمكانه قتل أي عقرب وفعلاً تجمعنا في يوم أخر وبعد إقتتال بين عدد من العقارب وبقاء واحدة منتصرة في النهاية أحضر أبو بريصه ووضعه في الصندوق وحدث الإشتباك وكانت النتيجة موت العقرب وبقاء أبو بريص يدور لوحده في الصندوق وهو ينتظر من يرفع ذيله ويعلن إنتصاره .
يومها دفعني هذا المشهد للأيمان أكثربنظرية داروين حول التنازع في الطبيعة من أجل البقاء والبقاء للأصلح والأقوى في الوجود وعرفت إننا مثل العقارب العمياء نقف هنا داخل صندوق مفتوح للعتاد نتصارع حد الموت وهناك من يتسلى بصراعنا وموتنا ووحدهم المبصرون هم من يتحكم فينا .



#غازي_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله والجزية
- وطن بين ذئاب وخراف
- الوداع
- ماعون إمي
- اللقاء
- الشؤم
- جاسم والحب
- الإجتثاث في الإسلام
- إيران وزمن الثورات
- البطالة وفساد العقول
- في القلب جمرة والقمع العربي
- بين الحاكم العشائري والسياسي
- مشنقة العقيده
- زنوبه
- حكم الزمن
- جدي وجده
- السياسي وملابس النساء
- بصاق الديكه
- ماذا يحصل لو إنفصل الأكراد :
- الشيطان الأكبر والماركسيه


المزيد.....




- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
- الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو ...
- -ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان ...
- تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي صابر - صراع العقارب