أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - سوريا عصية على التقسيم














المزيد.....

سوريا عصية على التقسيم


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 5732 - 2017 / 12 / 19 - 09:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



«إذا لم يتم السلام سريعاً وقريباً في سوريا، فسيتم تقسيمها»! نعم، هذا ما صرح به المبعوث الدولي دي مستورا! وبهذا التصريح وضع الجميع أمام حالة إشكالية قصوى، أي أمام موقف ظهر سابقاً في التاريخ السوري أثناء بروز محاولة تقسيم سوريا على أيدي المستعمرين الفرنسيين. وحين نفكك الأحداث التاريخية المعنية هنا، فإننا نكتشف أن التاريخ يظهر مرتين اثنتين أو أكثر: حين يسجّل حدثاً ما في سياقه، ويكون ذلك متوافقاً مع واقع الحال التاريخي البشري؛ وحين يعود هذا الحدث ليظهر ثانية، ساخراً مِمَن يعنيهم هذا، ومحذّراً إياهم من حدوثه مرة أخرى بإبقاء هذه الحال مفتوحة! وحين ذلك، تكون المأساة قد سجلت لنفسها انتصاراً على مَن يهمهم الأمر. وإن لم يرعوِ هؤلاء عن أخطائهم، فهذا ينذر بالكارثة.

وفي هذه الحال، ينبغي أن نوضح أن التاريخ لا يأتي حسب رغبات البشر، وإنما وفق قوانينه الخاصة، التي يكوّن البشر المعنيون هم أنفسهم حقلاً من حقولها. ولكن الدراما التاريخية المأساوية تتصاعد وربما تكتمل عمقاً وسطحاً، دون تدخّلهم في ذلك عجزاً أو غباءً أو خيانة.. وأحياناً تكون أسباب ذلك هي كل تلك الحالات الثلاث مجتمعةً، وربما بالإضافة إلى مضاعفات أخرى تأتي من الداخل الوطني والخارج الأممي؛ وتكون عوامل الغباء والاستغباء والأنانية والقصور والخوف، وغيرها مما يدخل في خانة سدّ الآفاق أو انسدادها.


ونعود إلى أطروحة دي مستورا. فقد وضعنا هذا الرجل أمام خطر كبير، إن لم يتم السلام في سوريا قريباً، ويعني به خطر الانقسام. وهنا نستنبط أمرين اثنين كلاهما مرّ. الأول يتمثل في تباطؤ الوصول إلى السلام بعد اندلاع حرب عبثية تركت نتائج خطيرة تتمثل في اغتيال السلام، بعد رفضه وعدم الاستجابة لمطلبه، ومعه عدم الاستجابة لحلول إصلاحية ضرورية وممكنة في بداية الأحداث الموجِعة والمكلفة بما يفوق الوصف. لقد خُيّبت الحكمة السياسية الوطنية على نحو مُكلف بأشكال خطيرة ومؤسفة. والأمر الثاني نجم عن عدم الاستجابة لتلك الضرورة فكان من دواعيه المؤسفة أن قوى أخرى من العالم (ومنها إيران وروسيا وأطراف أخرى)، استغلت الموقف وواقع الحال باتجاه تعقيده، حيث دخلت سوريا وأوجدت لنفسها مواقع فيها ذات طابع عسكري أولاً، وذات طابع يقترب من التأبيد ثانياً؛ إضافة إلى ابتداع حلول الهجرة والتهجير في الداخل السوري، كما باتجاه العالم الواسع.

لقد كان ذلك مؤلماً ومحبطاً ربما حتى الثمالة، إضافة إلى اضطرابات داخلية أثرت على وحدة الشعب السوري بكل أطيافه وأجزائه. وكانت حركة الهجرة والتهجير قد عصفت بنصف السوريين بافتقاد أبنائهم وتعرضهم للمجاعة والمذلة، وخصوصاً منهم من بقي من الأطفال والنساء والقاصرين. ومع هذا جاء الأغراب من مناطق متعددة، يحملون أطماعهم ورغباتهم الأنانية. واختلط الحابل بالنابل، ليخلق أحوالاً فظيعة في حياة الناس، من الجوع وافتقاد الحدود الدنيا من الحاجات. إنها حالة قد تكون فريدة في حالات الحروب والنزاعات، وربما الأكثر حضوراً في مرحلة الوحشية البدائية.

ذلك كله حوّل سوريا إلى «قصْعة» يتقاتل الطامعون والمجرمون والمحرومون حولها. وفي سياق ذلك وما أنتجه من أمراض عضوية ونفسانية ومن تدمير للمؤسسات والبيوت والممتلكات، نشأت أطراف ممّن أُرغموا بحكم العجز، على البقاء، تُمثّل مشاريع محطّمين، ولكن دون فت إرادتهم الوطنية ومن دون أن يُصابوا بمرض الاستقواء بالآخر، فظلوا مناضلين من أجل وطنهم، بعيدين عن التأثر بالأغراب وبادعاءاتهم بتقديم المساعدة لهم، في كيفية ما، للحفاظ على وطنهم. فلم ينغمسوا مع الآخر المنافق، ناهيك عن الأطراف الاستعمارية.

لقد ظهر ذلك الموقف وتجسّد في تاريخ الشعوب العربية، وضمنها الشعب السوري، أثناء محاولاتها تحقيق استقلالاتها الوطنية. ويمكن أن نستلهم مواقف كثيرة لعدد من المناضلين في سبيل أوطانهم، برغم الخطاب الاستعماري المنافق. أما ما يخص الموقف السوري فيظهر جليّاً في مواقف القادة الوطنيين في مرحلة تحقيق الاستقلال من الاستعمار الفرنسي.

والآن، نعيش حالة فظيعة من الاضطراب السياسي والأخلاقي يعمل أصحابها على أن يعودوا إلى القرن التاسع عشر باسم استقلال الأوطان والجماهير والطوائف لاختراق سوريا. ولكننا نرى ونؤمن بأن شعباً قدّم هدية للعالم تمثلت في الأبجدية، أي بالرؤية الوثابة لأهمية اللغة الوطنية والبحث التاريخي في الشعوب وخصائصها ونضالاتها، سيبقى عصياً على التقسيم والتقزيم، وسيبقى نجماً ساطعاً في علاقاته مع الآخرين، بكثير من الحكمة، ولكن كذلك بالكفاح!



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام الاستعمار والصهيونية
- حلف الفضول ومنظومة التسامح
- ثورة عالمية ضد الإرهاب
- «الإرهاب الديني».. تأسيس تاريخي
- الإرهاب وأوهام العقل الغربي
- الخطاب الطائفي.. من القمقم إلى العلن
- القضية الفلسطينية.. والانتفاضة الثالثة
- الثورة السورية والحكمة الوطنية
- العصر أو القبر مرة أخرى
- مفترق طرق أمام السوريين
- العلمانية في السياق الفكري العربي
- الديموقراطية والتنوير والحداثة
- «الكفر» في حلب!
- العولمة وتفكيكات العصر
- العولمة في حلب!
- جدل الهوية والتاريخ
- النكبة من فلسطين إلى سوريا
- عودة الطوائف
- مسلخ حلب.. أين النظام الدولي؟
- الوحشية القصوى والجريمة الدامية!


المزيد.....




- اتفاق جديد أم تكرار لاتفاق 2015؟ .. شاهد كيف وصف ولي نصر محا ...
- سواريز يثير الجدل بـ-محاولة عض- جديدة
- المجر تحظر فعاليات مجتمع الميم العامة بتعديل دستوري
- رائد فضاء روسي يكشف عن توقعاته حول مشروع المحطة القمرية
- مفاجأة مسقط: لدى طهران 7 قنابل نووية!
- أم فلسطينية تودع ستة من أبنائها قتلتهم غارة إسرائيلية في غزة ...
- تقرير إعلامي: ندوة تقديم إصدار أطاك المغرب “الصيد البحري في ...
- مقتل 3 أشخاص في احتجاجات شرق الهند رفضا لإقرار قانون يتعلق ب ...
- الهجمات -الإرهابية- تفاقم الأوضاع الإنسانية شمال بوركينا فاس ...
- معارك في البر والبحر.. هكذا تصعّد بريطانيا المواجهة مع روسيا ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - سوريا عصية على التقسيم