|
ترامب.. من إبادة الهنود إلي إبادة العرب
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 5728 - 2017 / 12 / 15 - 23:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما من دولة في العالم سوى أمريكا تاريخها بهذا القصر وجرائمها بهذا الطول. أمريكا التي ظهرت منذ نحو مائتي وخمسين عاما بعد حرب الاستقلال عن بريطانيا كان انجازها الأول إبادة شعب بأكمله من الهنود الحمر، وآخر إنجازاتها قرار لابادة شعب آخر بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل. وما بين النشأة الاجرامية وبين اللحظة الراهنة ظلت أمريكا تحرق وتدمر وتقتل وتبيد من دون توقف وهي تصرخ طوال الوقت " الحرية. الديمقراطية"، بدءا من قمع انتفاضة الدومينكان واحتلالها 1916، مرورا بالقاء القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكي 1945، وتدخلها العسكري ضد كوريا الشمالية 1950، وفي كوبا 1952، واحتلال لبنان بالأسطول السادس 1958، وحربها الطويلة على فيتنام من 1964، وعدوانها على جيرينادا 1983، وقصف ليبيا 1986، ثم غزو وتدمير العراق 2003، هذا غير الانقلابات التي دبرتها المخابرات الأمريكية وأشهرها الانقلاب ضد مصدق في إيران 1953، والانقلاب على حكومة الليندي المنتخبة في تشيلي 1973، علاوة على دعمها غير المشروط لاسرائيل عسكريا واقتصاديا وفي المحافل الدولية. وقرار ترامب الأخير يعني شيئا واحدا أنه لا قيمة لأي مواثيق أو قوانين دولية، ولا قيمة لمنظمات مثل الأمم المتحدة، ذلك أن كافة مواثيق الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن واتفاقية جنيف الرابعة تنص على أن القدس" أراضي محتلة يستحيل اجراء أي تعديل عليها"، كما أضاف قرار مجلس الأمن لعام 1980 أن : " خطوة الإسرائيليين نحو إقرار القدس عاصمة لإسرائيل يعد انتهاكًا للقانون الدولي كما أنه إجراء باطل". ويترافق قرار الرئيس الأمريكي مع مرور مئة عام على وعد بلفور المشئوم، فكأن الأمريكان ينفذون ما وعد به الانجليز سابقا، وكأن الاستعمار الجديد يظهر وفاءه وإخلاصه لذكرى آبائه الأوائل. عمليا يمنح الرئيس الأمريكي القدس هدية لإسرائيل، وخلال ذلك يصرح بقوله: " إننا ندعو إلي الهدوء والاعتدال وأن تعلو أصوات التسامح على أصوات الكراهية"! أي أن على العرب حينما تنتزع أمريكا منهم عواصم بلادهم أن يكونوا متسامحين وأن يتخلوا عنها بهدوء !! لم يضرب ترامب عرض الحائط بكل المواثيق والمنظمات والقوانين الدولية بل وضرب عرض الحائط بكل اتفاقيات ومفاوضات السلام التي لم يعد لها معنى طالما أن كل ما تم ويتم الاتفاق عليه دوليا يجري خرقه بعد عامين أو عشرة! وحكما بالمواقف الدولية فإن خطوة ترامب لن تمر بالهدوء الذي يتصوره، وأثار القرار غضبا عربيا واسع النطاق حتى أن جامعة الدول العربية أعلنت أن " نقل السفارة الأمريكية الي القدس اجراء خطير لا تستوعب واشنطن عواقبه "، وصرحت السعودية بوضوح بأن القرار" يمثل انحيازا ضد الحقوق التاريخية للفلسطينيين"، واتخذت تركيا وإيران موقفا مشابها، ودعت مصر إلي" الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس في إطار المرجعيات الدولية"، وعلى الصعيد الدولي أعلنت المستشارة الألمانية أن حكومة ألمانيا " لا تؤيد هذا الموقف لأن وضع القدس يجب أن يتحدد في إطار حل الدولتين"، وصرح الرئيس الفرنسي بقوله إن " قرار ترامب مؤسف وفرنسا لا تؤيده ويتناقض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن"، وكذلك كندا، بينما تقدمت ثمانية دول: مصر وفرنسا وإيطاليا والسويد وبوليفيا والسنغال وبريطانيا وأوروغواي بطلب لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث القرار الأمريكي. وفي روسيا أعلن ليونيد سلوتسكي رئيس مجلس الدوما( البرلمان) أن : " قرار ترامب عبارة عن استمرار لسلسلة الاستفزازات في السياسة الخارجية الأمريكية "، بينما كتبت" كوميرسانت" كبرى الصحف الروسية صباح 7 نوفمبر على لسان معلقها السياسي سيرجي ستروكين تقول إن :" قرار ترامب قد تنجم عنه عواقب سياسية خطرة تمس وضع أمريكا في العالم العربي والإسلامي، علاوة على وقف نهائي لعملية التسوية في الشرق الأوسط "، كما صرحت يلينا سوبانينا مستشارة المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية بقولها إن قرار ترامب" قد صب الزيت على نار الغضب في الشرق الأوسط. إن مشكلة فلسطين لا يمكن حلها بهذه الطريقة، والأخطر من ذلك أن القرار قد يدفع لتنامي العمليات الارهابية". يتمنى الرئيس الأمريكي وهو ينتزع منا بلادنا أن نكون متسامحين، وهادئين، وأن نشيح بوجوهنا إلي الناحية الأخرى حتى لانرى لحم بلادنا عاريا ممزقا. لكن الرفض العربي والدولي حتى الآن لا يبشر بالهدوء، وإن كانت التجربة قد علمتنا أن الاحتجاج والغضب لا يكفي لرد العدوان، وأن لدي العرب إمكانية اتخاذ خطوات فعلية تهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية وفي مقدمتها تقليص أوقطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع أمريكا، وسحب السفراء العرب من واشنطن وتل أبيب، وإغلاق السفارات، وإسقاط المعاهدات بين الدول العربية وإسرائيل، وغير ذلك. يتصور ترامب أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه، لكنه واهم لا يدري أن المنطقة العربية ليست شمال أمريكا، ولا يدري أن هناك أرضا مقدسة لأن الدماء روتها جيلا بعد جيل، كل يوم وكل ساعة وكل لحظة حتى أمست فلسطين التي تطل علينا من الأعالي كالقمر، وتجري تحت أقدامنا كالنهر، وتتردد في الصدور أول وآخر الأنفاس. د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب مصري
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقتل بائع الكتب .. موت المثقف
-
من المنفلوطي إلي يوجين نيدا
-
مائة عام على ثورة أكتوبر
-
مذيعات التلفزيون .. قمر يا ست !
-
إلى متى يُقتل الأقباط ؟
-
حرب أكتوبر .. ذكريات للإبداع
-
لماذا لم يخرج من الأخوان أديب أو فنان ؟
-
كرة القدم .. الحاجة إلى البطولة
-
اسم في الليل - قصة قصيرة
-
نجيب محفوظ .. حياة الأسطورة
-
الطهطاوي والدين والمرأة
-
المجلس الأعلى للثقافة وكرة القدم
-
محمود درويش .. شاعر لا يموت
-
الأزهر يكافح الكراهية والعنف
-
أعذار متبادلة - قصة قصيرة
-
- نيزافيسيميا الروسية - .. هل تعتذر واشنطن ؟
-
الدين لله .. والمترو للجميع !
-
الثانوية العامة في مصر : الموت أو النصر !
-
ماذا نعني بلغة الشعب ؟
-
اللغة بين التقديس والتحديث
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|